التنين الصيني والزحف نحو الغرب اقتصادياً وعسكرياً

شبكة النبأ: شهدت التجارة العالمية في 2009 تدهور غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، وتزامن هذا التدهور مع الأزمة المالية العالمية، فيما تفوقت الصين في هذه الأزمة حتى أصبحت أول مصدّر في العالم في 2009 متقدمة بذلك على ألمانيا والولايات المتحدة..

إلى جانب ذلك تهتم الصين بالترسانة العسكرية والنووية وتخصص لها جزءا مهما منفصلا من الميزانية العامة، ويشكل ذلك قلق كبير لدى الدول العظمى.

ورغم اهتمام الصين بالخطط التنموية والصناعية المحلية إلا إن ذلك لايمنع من كونها تواجه مشاكل اقتصادية داخلية فشلت في معالجتها.

سوق الصين الاستهلاكية

وحسب مختصين أصبحت الصين أكبر سوق استهلاكية عالمية في نهاية الخطة الخمسية الـ 12 الممتدة بين عامي 2011 و 2015، وحققت رقماً قياسياً في مبيعات السلع الاستهلاكية الاجتماعية لم تسجله منذ عام 1986.

ولفت الناطق باسم وزارة التجارة الصينية ياو جيان، إلى أن قيمة هذه المبيعات «بلغت 12.53 تريليون يوان (نحو 1.83 تريليون دولار) عام 2009، بزيادة 15.5 في المئة على أساس سنوي، و16.9 في المئة مع استثناء تعويم السعر، و2.1 في المئة عن عام 2008». واعتبر أن سياسة استبدال الأجهزة الكهربائية المنزلية القديمة بالجديدة «ساعدت كثيراً على دفع استهلاك الأجهزة الكهربائية المنزلية، وحفز الطلب المحلي وتوجيه استهلاك المواطنين المحليين وتحسين معيشة الشعب». بحسب شينخوا.

وأظهرت مراقبة وزارة التجارة، أن تسع مقاطعات وبلديات صينية «استردت ما يزيد على 7.2 مليون وحدة من الأجهزة الكهربائية المنزلية القديمة، وفككت 3.5 مليون وحدة من خمسة أنواع من هذه الأجهزة، شملت التلفزيونات والثلاجات والغسالات ومكيفات الهواء والكمبيوترات، مشكلة 49 في المئة من الإجمالي.

وأشارت معلومات الوزارة إلى أن أسعار اللوازم اليومية في 36 مدينة صينية كبيرة ومتوسطة «ارتفعت 1.5 في المئة الشهر الماضي، وتراجع هذا الارتفاع 1.3 نقطة مئوية مقارنة بكانون الأول (ديسمبر) الماضي، فيما ارتفعت بنسبة 3.6 في المئة مطلع هذا الشهر ومنتصفه». ويُذكر أن أسعار 112 نوعاً من وسائل الإنتاج المهمة ارتفعت 3.5 في المئة في كانون الثاني (يناير) على أساس سنوي، مسجلة الارتفاع الأول في خلال الأشهر الـ 12 الأخيرة.

الميزانية الدفاعية

وفي ذات السياق سجلت ميزانية الدفاع في الصين في 2010 اقل ارتفاع منذ عشر سنوات اذ ان السلطات الصينية تركز على النمو الاقتصادي والخروج من الأزمة لكنها تواصل تأكيد الطبيعة محض الدفاعية لجيشها.

وصرح المتحدث باسم البرلمان لي جاوشينغ عشية افتتاح جلسته السنوية، للصحافيين مؤخرا ان ميزانية الدفاع حددت ب532,1 مليار يوان (57 مليار يورو) اي بزيادة نسبتها 7,5% مقارنة مع النفقات الفعلية في 2009. وفاجأ هذا الرقم عددا من الخبراء الذين كانوا يعولون على زيادة من رقمين. بحسب فرانس برس.

وقال دنيس بلاسكو الملحق العسكري الأميركي السابق في الصين "اعتقد إنها المرة الأولى منذ 1989 التي لا تكون فيها نسبة زيادة (النفقات العسكرية) من رقمين". ومنذ 1999 بلغت زيادة الموازنة مرة واحدة 10% بحسب معلومات صحافية سابقة.

وشدد تاي مينغ شونغ الأخصائي في القضايا العسكرية الصينية في جامعة كاليفورنيا على "الخفض المهم  حوالي نصف معدل الزيادة (...) منذ مطلع التسعينات". وأضاف "لكن الرسالة هنا هي انه على الجيش أيضا إن يحد النفقات في وقت الأزمات الاقتصادية".

وقال خبير غربي في بكين "إنها موازنة مطابقة للوضع الاقتصادي. موازنة الدفاع كانت دائما مستقلة عن الوضع الاقتصادي لكن النمو يبقى هم الحكومة".

وكما هو الحال كل سنة قال لي إن القسم الأكبر من النفقات سيخصص لتحسين ظروف عيش العسكريين وتحديث الجيش الشعبي للتحرير اكبر جيوش العالم وقوامه 2,3 مليون جندي.

وقال إن هذه النفقات تبقى "معقولة" مقارنة مع إجمالي الناتج الداخلي في الصين، حوالى 1,4% في السنوات الأخيرة في مقابل أكثر من 4% في الولايات المتحدة و2% في فرنسا أو بريطانيا.

إلا إن ذلك لم يحل دون زيادة ميزانية الجيش الصيني خمسة أضعاف منذ 1999 ما يثير قلق بعض الدول الغربية.

وكانت الولايات المتحدة انتقدت في الماضي قلة شفافية الميزانية العسكرية الصينية والتهديد المحتمل على الأمن القومي بسبب الطموحات العسكرية الصينية.

ويقول خبراء انه يبدو ان بعض النفقات العسكرية خارج الموازنة ويتحدثون عن شراء أسلحة من الخارج واول مهمة للقوات البحرية الصينية العام الماضي قرب سواحل الصين منذ قرون لمحاربة القراصنة قبالة سواحل الصومال.

وقال لي ان "الصين تؤيد السلام والهدف الوحيد من قوتها العسكرية هو حماية سيادتها ووحدة أراضيها".

ويرى تاي أن الخفض المعلن قد يكون "غصن الزيتون" الذي ترفعه الصين لتايوان بسبب تحسن علاقاتها أخيرا مع هذه الجزيرة، حتى وان غضبت بكين في كانون الثاني/يناير بعد الإعلان عن بيع أسلحة أميركية إلى تايبي بقيمة 6,4 مليار دولار.

وقال "لن يؤدي ذلك على الأرض إلى الحد من جهود التحديث لكنه أمر مفيد من الناحية السياسية". وقال الخبير الغربي إن "الموازنة ليست مهمة بقدر ما كان يرغب العسكريون لمواصلة عملية التحديث".

ومن جانبه قال لي تشاو شينغ المتحدث باسم البرلمان ان الزيادة سترفع ميزانية الدفاع للعام الحالي الي 532.1 مليار يوان (77.95 مليار دولار) بزيادة 1 ر37 مليار يوان عما انفق فعليا على الدفاع في 2009 .

واستهدفت الصين في العام الماضي ميزانية للدفاع قدرها 480.7 مليار يوان لكن الانفاق الفعلي بلغ 495 مليار يوان. بحسب رويترز .

 و أعلنت الصين عن خفض وتيرة الزيادة في انفاقها العسكري ليستقر عند 7.5 في المائة في العام 2010 مقارنة بمعدل توسع فاق 10 في المائة في الفترة الماضية.

القوة النووية

من جهتها أفادت الصحيفة العسكرية الرئيسية في الصين في تقرير نادر عن استراتيجية بكين النووية بأن الصين يجب أن تملك قوة نووية محدودة لتوجيه "ضربة ثانية" حتى تردع الاعداء وتمنعهم من تهديدها بالاسلحة الذرية.

ويأتي التعليق الذي أوردته صحيفة جيش التحرير الرسمية اليومية وسط دبلوماسية مكثفة متعلقة بالسلاح النووي بعد استضافة الرئيس الامريكي باراك أوباما قمة نووية وقبل مؤتمر دولي يعقد في مايو أيار حول مستقبل معاهدة حظر الانتشار النووي.

وتعمل الصين تدريجيا على تحديث ترسانتها النووية الصغيرة نسبيا. ويرى بعض منتقدي اقتراحات بخفض القوى النووية الغربية بشكل كبير ان حالة التشكك المحيطة بخطط الصين يجب أن تحبط هذه المقترحات.

وعلى صعيد متصل قال شو قوانغ يو الميجر جنرال المتقاعد في جيش التحرير الشعبي في تعليق الصحيفة ان الصين تريد حدا أدنى من قوة الردع النووي وأنها ستتجنب أي سباق تسلح.

وكتب شو وهو باحث في الوقت الحالي بالرابطة الصينية الحكومية للحد من الاسلحة ونزع السلاح "تلتزم الصين بقوة باستراتيجية نووية دفاعية وهي ملتزمة دائما بسياسة تقوم على أنها لن تكون أبدا البادئة باستخدام الاسلحة النووية في أي وقت وتحت أي ظرف."

وأضاف "باختصار السمة الاساسية لاستراتيجية الصين النووية هي أن تكون رادعة دون أن تمثل تهديدا."

ولا يشير التعليق الصحفي الى أن الصين تعيد النظر في توجهها النووي لكنه يحدد بعبارات واضحة غير معتادة منطق بكين فيما يتعلق بتعزيز قواتها الذرية.

وقال شو لرويترز في مقابلة عبر الهاتف ان التعليق يهدف لتهدئة قلق من موقف الصين النووي خاصة في اليابان والهند والولايات المتحدة.

ومثل كل الدول التي تمتلك أسلحة نووية تحيط الصين ترسانتها النووية بالسرية وقامت بتطويرها بعد أول تفجير ذري عام 1964 . وقدر معهد أبحاث السلام الدولي ومقره ستوكهولم أن الصين أصبحت بحلول عام 2009 تمتلك 186 رأسا نوويا استراتيجيا تم نشرها.

وقال شو ان الصين يجب أن تملك قوة نووية "حقيقية وفعالة يعتد بها تتماشى مع العصر." وأضاف أن ذلك يشمل القدرة على شن "ضربة ثانية" حتى يمكن للصين الرد اذا تعرضت لهجوم نووي.

وتشمل جهود الصين لتعزيز قواتها النووية استخدام صواريخ تعمل بالوقود الصلب بشكل تدريجي بدلا من الصواريخ ذاتية الدفع القادرة على حمل رؤوس نووية والتي تعمل بالوقود السائل الامر الذي سيجعل اطلاقها أسرع وأقل جهدا.

وتصنع الصين أيضا غواصات جديدة طراز جين ستكون قادرة على اطلاق الرؤوس النووية من البحر. وأكد شو مؤخرا "تظهر التجربة الدولية أن القدرة الاكثر فعالية لشن ضربة ثانية هي للغواصات...هناك تركيز على هذا وعلى الصواريخ المحدثة." بحسب رويترز.

مخططات لمواصلة النمو..

على صعيد آخر حددت الحكومة الصينية أولوياتها لهذه السنة المتمثلة في مواصلة نمو قوي يرافقه توزيع افضل لثمار التنمية الاقتصادية في بلد يتفاقم فيه انعدام المساواة بشكل خطير.

ولدى افتتاحه الدورة السنوية في الجمعية الشعبية الوطنية (البرلمان) اعلن رئيس الوزراء وين جياباو ان اسس النهوض الاقتصادي العالمي ما زالت "هشة" وتحديات عديدة ما زالت قائمة. لكنه اكد الهدف الذي تحدده الحكومة سنويا وهو نمو بنسبة 8% في السنة تعد عتبة تتيح الاحتفاظ بمستوى التشغيل.

وقد سجلت الصين سنة 2009، رغم الازمة العالمية، نموا ناهز التسعة بالمئة.

وقال وين في قاعة البرلمان الشاسعة امام اعضائها الثلاثة الاف في قلب بكين ان هذه السنة "حاسمة لمواصلة التصدي للازمة المالية الدولية وضمان تنمية اقتصادية منتظمة وسريعة نسبيا والاسراع في تغيير طريقة تنميتنا الاقتصادية".

لكنه شدد على ان "الهدف الاساسي من التنمية الاقتصادية" هو "ضمان حياة افضل للمواطنين" الصينيين. وتابع "علينا الا نحاول الزيادة في ثروات البلاد عبر التنمية الاقتصادية فحسب بل ايضا العمل على ان يتم توزيعها بشكل عادل".

ويرد موضوع بناء "مجتمع منسجم" في كافة الخطب الرسمية منذ سنوات عدة في هذا البلد الذي يسجل سنويا عشرات الاف "الحوادث الاجتماعية" التي تعكس استياء سكانه -- الذين تنتزع منهم اراضيهم بدون تعويض او يعانون من الفساد والمظالم ولا يستفيدون من ثمار النمو --.

ويعقد اجتماع البرلمان وسط إجراءات أمنية مشددة تفاديا "لاي حادث اجتماعي" وانتشار الشرطة بشكل كبير في ساحة تيان انمين حيث قصر الشعب.

وتقر السلطات بتزايد الفارق السنة الماضية لا سيما بين المدن والارياف. وقد حصل سكان المدن حصلوا على 3,33 اضعاف ما كسبه سكان الارياف بعد ان كانت هذا المعدل لا يتجاوز 1,82 خلال 1983. بحسب فرانس برس.

ووعد وين جياباو مؤخرا بان تعمل حكومته من اجل التوظيف والحماية المدنية في المدينة والريف على حد سواء والاهتمام كذلك بالعمال الموسميين وغير المؤهلين الذين نزحوا من اريافهم للعمل في المدن حيث يفتقرون الى ابسط الحقوق.

ترى المنظمات الدولية الكبيرة والاقتصاديون بما فيهم الصينيون ان الاقتصاد الصيني سيستفيد من إقامة نظام حماية اجتماعية للجميع.

وبذلك سيتمكن الصينيون من خفض التوفير تحسبا لفترات صعبة وللتقاعد ولتدريس أبنائهم وسيستهلكون اكثر. وسيزيد ذلك في دفع النمو الداخلي الذي تسعى اليه السلطات في حين ما زالت الصين اليوم تشهد تبعية كبيرة لصادراتها.

وأبقت الحكومة على معظم التوجهات الاقتصادية الكبرى من اعادة التوازن الى نموذج النمو الاقتصادي للدفع بالاستهلاك الداخلي والابتكار والنوعية والابقاء على استقرار عملة الين وليونة السياسة النقدية لكن مع تحديد سقف للقروض تفاديا لضغط التضخم والابتعاد عن مخاطر الفقاعات التي يخشاها بعض المحللين.

وأكدت  الحكومة  الصينية لن تتخلى عن خطة النهوض بالاقتصاد المعلنة نهاية 2008 وتنص على استثمارات قدرها أربعة مليار ين وأضاف  إنها ستتواصل من اجل تحقيق نمو في الناتج القومي .

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/أيار/2010 - 12/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م