تايلاند.. الطريق نحو المجهول

سلامٌ هش بين أطراف معادلة الحُكم المعقدة

 

شبكة النبأ: أعادت السلطات التايلاندية النظام إلى معظم أنحاء العاصمة بانكوك لكن السلام يبدو هشا بعد يوم شهد أعمال نهب وحرائق سببت حالة من الفوضى فيما سيطرت قوات الجيش على موقع احتله آلاف من المحتجين المناوئين للحكومة لمدة ستة أسابيع.

وغادر المحتجون وغالبيتهم فقراء من المناطق الريفية والحضرية موقع الاحتجاج في وسط بانكوك لكن الإجراءات الصارمة وإراقة الدماء أثارت المخاوف من زيادة الغضب بين فقراء تايلاند.

ولم تشهد تايلاند في تاريخها الحديث مثل هذه الفترة الطويلة من العنف في مناطق الحضر وأعمال الشغب الدموية والاشتباكات والدمار الشاسع ولم تقترب بهذا القدر من الانزلاق إلى صراع مدني شامل.

وأسفرت الإجراءات الصارمة عن مقتل 15 شخصا وإصابة نحو 100. ولجأ نحو 1500 محتج الى معبد عثر على ست جثث بداخله. وأخرجت الشرطة مئات من المتحصنين بالمعبد. بحسب رويترز.

وأضرمت النيران في عشرات المباني ومن بينها بنوك ومبنى البورصة وثاني أكبر مركز تجاري في جنوب شرق اسيا. وبحلول الصباح كان المحتجون قد انفضوا.

واستمرت الاضطرابات في منطقة دين داينج التي شهدت قتالا عنيفا مطلع الاسبوع. واحرق عشرات من المحتجين اطارات السيارات واضرموا النيران في مبنى أحد البنوك. واطلقت القوات طلقات تحذيرية لكن مقارنة بالاشتباكات السابقة ساد الهدوء المنطقة الى حد كبير.

وقال محللون ان الخطوة التالية سيحددها رئيس الوزراء ابهيسيت فيجاجيفا الذي يرى البعض ان اسمه سيظل ملطخا للابد بالاشراف على عمليات عسكرية اسفرت عن مقتل 82 شخصا معظمهم من المدنيين منذ العاشر من ابريل نيسان.

واصيب نحو 1800 خلال هذه الفترة فيما فشلت الحكومة المدعومة من المؤسسة الملكية والمحتجون الذين يحظون بمساندة من سكان الريف ورئيس الوزراء السابق تاكسين شيناوترا في الوصول الى اتفاق.

وتحكم القوات سيطرتها على بانكوك والموقع الذي احتله المحتجون منذ الثالث من أبريل لكن مقابل ثمن فادح.

ويقول تانيت تشاروينجموانج استاذ العلوم السياسية في جامعة تشيانج ماي "السؤال هو..الى متى يجب نشر القوات بهذا المستوى بالمدينة.. الغضب لا يزال يعتمل."لكن قادة الاحتجاجات المحتجزين الان دعوا للهدوء.

الطريق نحو المجهول..

ولا يزال الوضع في تايلاند متأزما، فقد أصيب جنرال مقرب من "القمصان الحمر" المعارضين بجروح خطيرة إثر إطلاق نار من قبل قوات الأمن في بانكوك.

وفيما يلي تحليل للنظام السياسي التايلاندي وتذكير بأبرز المراحل التي مرّ بها منذ نصف قرن، بحسب رويترز:

النظام السياسي في تايلاندا معقد جدا ويختلف عن الكثير من الأنظمة، فمنذ نصف قرن تقريبا نشأ مايشبه العقد الاجتماعي غير المعلن بين أربع مجموعات هي: القصر الملكي ممثلا في الملك، الشركات التجارية الكبرى التي تتولى تدوير عجلة الاقتصاد تأتي بعدها المؤسسة العسكرية والتي ينحصر دورها في تأمين حرمة القصر والقيم الأخلاقية التي يمثلها الملك وأخيرا عامة الشعب وهم في غالبيتهم من الريف والفقراء في المناطق الحضرية.

الفئة الأكثر تأثيرا هي الأسرة الملكية الحاكمة لأنها تحظى باحترام الشعب وحبه تبعا لعادات وتقاليد راسخة في المجتمع التايلاندي، أما المؤسسة العسكرية ووفقا للدستور فتتبع القيادة المدنية للبلاد وتدين بالولاء للقصر الملكي. منبع الأزمة يرجعه المراقبون إلى التساؤلات التي بدأت تطرح فيما يتعلق ببلوغ الملك المريض عامه الثاني والثمانين كما أن هناك أصوات بدأت تتعالى وبينها صوت وزير الخارجية الذي عبر صراحة عن ضرورة إعادة النظر في قوانين القصر الملكي وكسر المحظورات التي حكمت البلاد لأعوام طويلة.

بقراءة متأنية في مسار الأحداث الأخيرة في البلاد يجب العودة إلى ما جرى منذ سنتين، فإلى جانب "القمصان الحمر" الموالين لرئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا هناك "القمصان الصفر" الذين تحركهم قيادات من رجال أعمال بارزين. "القمصان الصفراء" كانوا قد قاموا حينها باحتلال مطار العاصمة بانكوك دون التعرض للعقاب لأنهم كانوا يعملون لصالح دوائر معروفة حاولت قطع الطريق أمام شيناواترا للعودة مجددا إلى الحكم، ثم إن اللون الأصفر هو لون القصر الملكي والأسرة الحاكمة ويفهم من ذلك أن هذا الأخير غض الطرف وتعاطف مع "القمصان الصفراء"، ما يعني أنه كان يريد منع زعيم المعارضة من العودة.

المراقبون يقولون إن هذه الفئة قد تنقلب على الحكومة لأنها ستدفع من قبل أصحاب المصالح والأعمال المعطلة والاقتصاد المتضرر جراء الوضع الكارثي الذي أصبح يعانيه الحي الاداري والمالي ثم إن الاحتقان السياسي لامحالة سيؤدي إلى انفجار الوضع وقد تضطر الحكومة لمواجهة الجميع وهو أمر غاية في الصعوبة، فالتفسيرات التي يمكن أن تعطى للوضع الحالي هو أن الخطوات الحكومية والقرارات المتخذة سوف تباعد بين الطرفين وتجعل فرضية التوصل إلى حل عن طريق الحوار بعيدة المنال.

والجديد هو أن رئيس الحكومة الحالي بدء يظهر في كل مرة برفقة قائد الجيش مايعني مباركة القصر الملكي لخطواته كما أن صمت الملك يؤكد دعمه وتأييده لمسعى الحكومة الحالية والتي لا يبدو أنها ستتنازل لإنهاء الأزمة.

المواجهة قد تتفاقم إلى حرب أهلية

ومن جهتها قالت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات أن المواجهة المطولة والعنيفة على نحو متزايد بين الحكومة والمحتجين من أصحاب القمصان الحمراء في تايلاند تتفاقم وقد تتحول الى "حرب اهلية غير معلنة."

وأضافت المجموعة التي تتخذ من بروكسل مقرا لها في تقرير نشر في ساعة متأخرة من مساء يوم الجمعة ان "النظام السياسي التايلاندي انهار وهو عاجز على ما يبدو عن اعادة البلاد من على حافة صراع على نطاق واسع. بحسب رويترز.

وتابعت "المواجهة في شوارع بانكوك بين الحكومة والمحتجين من اصحاب القمصان الحمراء تزداد سوءا وقد تتدهور الى حرب اهلية غير معلنة."

وقالت ان على تايلاند ان تفكر في الحصول على مساعدة من شخصيات محايدة من المجتمع الدولي ربما من الحاصلين على جوائز نوبل للسلام لتفادي الانزلاق في اعمال عنف اوسع.

وأدت الاشتباكات بين الجيش وأصحاب القمصان الحمراء وهم مجموعة معظمها من الفقراء من الريف والمدن المؤيدين لرئيس الوزراء المخلوع تاكسين شيناواترا الى سقوط 27 قتيلا ونحو ألف جريح منذ بدء حملتهم لفرض إجراء انتخابات مبكرة قبل سبعة أسابيع.

وشهدت العاصمة عشرات الانفجارات الغامضة من بينها هجمات بقنابل في 22 ابريل نيسان في الحي التجاري الرئيسي أسفرت عن مقتل شخص واصابة العشرات.

وتنتظر بانكوك بقلق عملية يتوقع أن يشنها الجيش لطرد أصحاب القمصان الحمراء من مخيم اعتصامهم المحاط بحواجز من الاطارات وعصي الخيزران والتي يخشى أن تؤدي الى حمام دم.

وأوصى تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الازمات بتشكيل مجموعة من الشخصيات الدولية رفيعة المستوى مشيرا الى أن رئيس تيمور الشرقية الحائز على جائزة نوبل خوزيه راموس هورتا في بانكوك الاسبوع الحالي بمبادرة شخصية وقد تنضم اليه شخصيات أخرى.

وقال التقرير ان هذه المجموعة يجب أن تتوسط بين الجانبين لانهاء العملية العسكرية وتقليص الاحتجاجات الى "عدد أصغر وأكثر رمزية من الناس لا يعيق الحياة في بانكوك."ويمكنها أيضا بدء مفاوضات بشأن حكومة وحدة وطنية مؤقتة والاعداد للانتخابات.

ومن غير المرجح أن ترحب الحكومة بمثل هذه الوساطة. وانتقد وزير الخارجية الاسبوع الماضي دبلوماسيين غربيين لتحدثهم مع قادة أصحاب القمصان الحمراء في مخيمهم الذي يقع قرب سفارات في المنطقة قد تتأثر بالعنف.

القمصان الصفر يطالبون بفرض الأحكام العرفية

وبمقابل القمصان الحمر، طالبت حركة "القمصان الصفر" التايلاندية، الموالية التي وجهت انذارا الى رئيس الوزراء التايلاندي داعية إياه الى تسوية الأزمة، بإعلان الأحكام العرفية لإخراج "القمصان الحمر" من حي يحتلونه في وسط بانكوك.

وقال سورياساي كاتاسيلا المتحدث باسم حزب السياسة الجديدة، ان "رئيس الوزراء (ابهيسيت فيجاجيفا) يعرف جيدا ان التدابير العسكرية ضرورية في هذا الوضع، لانه بات من الصعب التوصل الى تسوية سياسية". واعتبر ان "من الضروري إعلان الأحكام العرفية".وفي السابع من نيسان/ابريل، أعلنت حالة الطوارئ في بانكوك وخمسة اقاليم مجاورة.

وقد وجهت حركة "القمصان الصفر" التي كانت تسمى تحالف الشعب من اجل الديموقراطية، في 18 نيسان/ابريل انذارا الى الحكومة امهلتها فيه اسبوعا لايجاد حل للازمة التي اتخذت منحى عنفيا منذ مواجهات 10 نيسان/ابريل (25 قتيلا و800 جريح)، والقاء قنابل يدوية في 22 نيسان/ابريل (قتيل واحد و85 جريحا).

ووعد المتحدث باسم "القمصان الصفر" ايضا ب"تكثيف التحركات" اذا استمر المأزق. لكن الامل في التوصل الى حل ودي بين الطرفين بات بعيدا بعد رفض رئيس الوزراء اجراء مفاوضات. وكان "القمصان الحمر" اعلنوا استعدادهم للحوار شرط حل البرلمان في غضون 30 يوما واجراء انتخابات نيابية خلال ثلاثة اشهر.

ويجمع "القمصان الصفر" تحت رايتهم الموالين والمدافعين عن النخب الاريستوقراطية والمالية في بانكوك. ويعتبرون انفسهم ضمانة للملكية في وجه "القمصان الحمر" الذين يستلهمون رئيس الوزراء المنفي تاكسين شيناواترا ويصفونهم بأنهم "إرهابيون".

وكان ابهيسيت استفاد في أواخر 2008 من حركة احتجاج قوية أطلقها "الصفر" ضد حكومة موالية لتاكسين، للوصول إلى السلطة بعد تغير التحالفات النيابية.

ويتظاهر "القمصان الحمر" وهو اللقب الذي يطلق على أنصار تاكسين، منذ 14 آذار/مارس مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة واستقالة رئيس الوزراء. ويحتلون منذ ثلاثة أسابيع حيا سياحيا وتجاريا في وسط بانكوك وأقاموا حوله سواتر.

عدم الاستقرار يوجه ضربة للسياحة

الحانات على طول شارع خاو سان رود في العاصمة التايلاندية بانكوك خاوية بالفعل فحشود

الرحالة الذين كانوا يملئون عادة هذا الجزء من المدينة هجرت العاصمة التايلاندية بعد الاحتجاجات العنيفة المناهضة للحكومة.

وحظر التجول المفروض على العاصمة ليلا يعني أن الحانات مغلقة. ويتعين على عدد قليل من السياح يجلسون في حانات الواجهة في شارع خاو سان رود أن يعودوا الى فنادقهم القريبة قبل التاسعة مساء عندما يبدأ الجنود في فرض حظر التجول.

وتراجعت معدلات الاشغال في الفنادق الرخيصة من نسبة 80 في المئة في الاحوال العادية لتصبح عشرة في المئة في أفضل الاحوال. فمن بين 205 غرف في فندق فينجتاي يشغل 23 سائحا 13 غرفة فقط. وكذلك الحال في منتجع خاوسان بارك ريزورت القريب.

وفي كل يوم يتلقى فندق فينجتاي الغاء للحجوزات تصل أحيانا الى عشرة في اليوم حيث أن الناس ما زالوا يخشون المجيء الى بانكوك رغم عودة الهدوء للمدينة بعد أن فضت القوات احتجاجا استمر تسعة أسابيع. بحسب رويترز.

وأسفرت حملة القمع التي نفذها الجيش عن مقتل 15 شخصا واصابة ما يقرب من 100 اخرين. وبلغ اجمالي القتلى 53 شخصا والجرحى 415 منذ أن اشتعلت الاضطرابات في 14 مايو أيار.

وتراجعت عمولة الموظفين في فندق فينتجاي من حجز الغرف من حوالي ثلاثة الاف بات في الشهر الى ألف بات ويخشى من انخفاضها الى حوالي 800 بات الشهر القادم.

ويقول كورن تشاتيكفافانيج وزير المالية في تايلاتد ان الاحتجاجات دمرت الجزء الاعظم من السياحة التايلاندية التي تشكل ستة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي ويعمل بها 15 في المئة من قوة العمل وقد يكون لها تأثير كبير على النمو في ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرق اسيا.

وتوقع سورابول سريتراكول رئيس اتحاد شركات السياحة التايلاندية أن يتراوح عدد السياح هذا العام بين 12 و13 مليون متراجعا عن عددهم في عام 2009 والذي بلغ 14.5 مليون سائح.

وقال سورابول "نقيم الضرر. التأثير شديد جدا هذه المرة وقد يستغرق عودة الصناعة للانتعاش ستة أشهر."

ويجلس سيام كاتوال وهو مصمم في شركة أوفرسيز تيلور في متجره مكيف الهواء دون شيء يعمله. فلم يزره في الاسبوع الماضي سوى سائح واحد وطلب قميصا.

وقال سيام "قبل الاضطرابات كان من الممكن أن أخدم ستة زبائن في أسبوع واحد كان من الممكن أن يطلبوا حلتين وعددا اضافيا من السراويل والقمصان." واستطرد قائلا "لست سعيدا.. أرجو أن ينتهي الامر بنهاية الشهر وأن تعود الامور الى طبيعتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/أيار/2010 - 9/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م