المثقفون الرسميون بين الأهداف الحكومية وأهداف المجتمع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ما المقصود بالمثقف الرسمي؟. سؤال يصلح أن نستهل به هذه الكلمة، وهل هناك فعلا مثقفون رسميون وآخرون غير رسميين؟.

في التعريف المبسّط للمثقف الرسمي، هو ذلك المثقف الذي ينتمي الى احدى المؤسسات الثقافية او الاعلامية التابعة للحكومة التنفيذية ويعمل فيها، ثم يحصل جراء انتمائه هذا على راتب شهري حاله حال الموظفين الآخرين في دوائر الدولة المختلفة.

هذا هو التعريف العملي للمثقف الرسمي بأبسط صوره، وبهذا التعريف اصبح المثقف موظفا يشبه الموظفين الآخرين من الناحية العملية، لكنه ثمة جانب آخر ينطوي عليه هذا الموظف المثقف يفرزه عن الآخرين متمثلا بطبيعة الانتاج الذي ينعكس عن نشاطه الفكري، بمعنى أن ما يميز المثقف الرسمي هو طبيعة انتاجه، فهو لا يشبه العامل المنتج ولا المعلم رغم التقارب في النتاج الفكري والتعليمي.

وهنا تكمن خطورة دور المثقف الرسمي وصعوبتها في آن، لأنه يتميز بإنتاجه الفكري الاخلاقي الذي يصب في تطوير المنظومة الفكرية لعموم المجتمع، فكونه ينتمي الى مؤسسة ثقافية او اعلامية حكومية، هذا لا يعفيه قط من القيام بدوره الرائد والاساس في تطوير وتنمية الوعي الجمعي بل يضاعف من هذه المهمة ويجعلها أكثر حراجة في آن، حتى لو تقاطع هذا الدور من الاهداف الحكومية.

هذا يعني أن التقاطع بين الاهداف الحكومية وأهداف المجتمع قد يكون واضحا وكبيرا كما يحدث في الانظمة المؤدلجة بفكر او حزب او شخص واحد، وهذا التقاطع بين الاهداف الحكومية والشعبية سيشكل عبءاً وحرجا للمثقف الرسمي، فهو أمام أمرين، أما أن ينخرط في الترويج للحكومة واهدفها ويعصب عينيه ويصم اذنيه عن مطالب المجتمع واهدافه، وهنا سيخون أمانته ودوره الصحيح في الحياة، وأما أن يصطف الى جانب متطلبات الشعب التي تتقاطع مع توجهات الحكومة، وبهذه الحالة يكون معرضا للطرد والقمع والتهميش وما شابه.

وهنا سيكون المثقف ازاء خيارين أحلاهما مر، فأما أن يتمسك بمصدر رزقه على حساب أمانة الدور الملقى على عاتقه، وأما يضحي بذلك ويصطف الى جانب المجتمع وتطلعاته التي غالبا ما تكون مشروعة كونها تتركز على المطالبة بالحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والعدل وما شابه.

إن هذا السيناريو العملي المتوقع والمعروف فيما يتعلق بالمثقف واضح ومعروف في ظل الحكومات المستبدة، ولكن كيف سيكون حاله في ظل الحكومات الديمقراطية التي لا تتمكن من حصر المثقف في زاوية محرجة، فلو قمنا بإطلالة سريعة على ما يحدث في بلدنا العراق الآن، سنجد أن المجالات الاعلامية مفتوحة وواسعة وان تعدد وسائل الاعلام بات من الكثرة بحيث لايمكن للحكومة أن تحصر المثقفين في خانتها فقط، ولا يمكن أن توظفهم لصالح أجنداتها حصرا.

حيث أصبح هذا التعدد عاملا مساعدا على حرية حركة المثقف وطبيعة انتاجه الفكري ومدى قدرته على الاحتفاظ بسلامة دوره التطويري في مجال الوعي والفكر عموما، بكلمة أوضح، لم يعد ثمة عذر للمثقف الرسمي أن يتحجج بمخافة التضحية بمصدر رزقه، لأن تعدد الوسائل الاعلامية أتاح له هامشا من حرية الاختيار.

لقد كانت القطيعة بين المثقفين والحكومات قائمة ولا تزال مع أغلب الحكومات حتى الديمقراطية منها (باستثناء بعض الحكومات الغربية الاكثر تطورا) وكان المثقفون غالبا ما يحملون مشعل الحرية ويرفعون شعارات التصدي ويعلنون ويجسدون مواقف الرفض والمقاومة حتى لو قادهم ذلك الى فقدان مصادر ارزاقهم، بل بعضهم فقد حياته في كثير من الدول المتخلفة سياسيا وفكريا، في حين تشرد الكثير من المثقفين في المنافي بسبب مواقفهم المعارضة للحكومات القهرية.

ولهذا تبقى أمانة دور المثقف تتصدر جميع المواقف، ولم يعد التحجج بمصدر الرزق مقنعا، فحتى لو كان المثقف موظفا في مؤسسة رسمية لن يُعفى من دوره ولا يجوز أن ينخرط في المساعدة على تنفيذ إرادة الحكومة خاصة اذا لمس منها ما يتعارض مع تطلعات المجتمع.

وفي كل الاحوال يبقى المثقف الرسمي وغيره مخيّرا بين أن يصم اذنيه ويعصب عينه ويجاري المتطلبات الرسمية، وبين أن يكون صاحب موقف وأمانة ودور توعوي لن يتنازل عن ادائه تحت شتى الاسباب والحجج، وهنا تحديدا تكمن عظمة المثقف وتفرده عن غيره، وليس غريبا أن يتعرض الى خسارات قاسية بسبب مواقفه الأمينة، فهناك دائما ثمن باهض للوصول الى العظمة والتفرد، على أننا نتفق أن هناك من يحاول المراوغة من المثقفين، بحيث يحاول بأقصى طاقاته أن يمسك العصا من الوسط، فيعلن وقوفه مع المجتمع ويجيّر إنتاجه لصالح الحكومات، وهنا ستكون الحاسة الراصدة لمثل هؤلاء قوية وقادرة على الفرز بين المثقف الحقيقي الامين وسواه. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/أيار/2010 - 8/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م