هل يحتمل العراقيون أربع سنوات أخرى بدون كهرباء؟

علي الأسدي

يطمح رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي لولاية ثانية وربما ثالثة ورابعة، وله كل الحق في سعيه هذا، ونعتقد أيضا، أن السياسيين الذين دخلوا السباق لمنافسته في طموحه ليسوا أقل وربما اكثر كفاءة منه. لكننا ومن منطلق المسئولية الوطنية سنناقش بحيادية ودون مواقف مسبقة سجل حكومة السيد المالكي التي يفترض أنه على أساسها يجاهد لاثبات أحقيته لولاية ثانية.

 قد تكون نجاحات حكومته في استتباب الأمن خلال سنوات حكمه الاولى هي أهم منجزاته، وبدون شك إنها بالغة الأهمية لحياة الناس الذين استعادوا بعض حرياتهم التي افتقدوها إبان سيطرة مسلحي جيش المهدي وجيش عمر وغيرهم على الأحياء السكنية، وتحكمهم غير المشروع بمصائر الناس من شتى المذاهب والمعتقدات.

بمتابعتنا ملفات أخرى لا تقل أهمية عن ملف الأمن سنجد أنفسنا أمام أسئلة محيرة حقا، ولا نجد اجابة شافية عليها، مهما حاولنا ايجاد المبررات والظروف التي أعاقت حكومة المالكي من تنفيذ وعودها خلال الأربع سنوات الماضية. لقد ضخت موارد مالية هائلة في الاقتصاد العراقي، كان يمكن بها تغيير واقع الخدمات الأساسية التي ما تزال كما كانت صورة بائسة للتخلف والاهمال التي ورثناها عن الأنظمة الحاكمة السابقة. فرصا ذهبية ضاعت كان يمكن أن تكون جسرا لتحسين حياة جماهير واسعة تنتظر فرج رب لا يسمع ولا يصغي.

العراقيون غاضبون، لأن رئيس الوزراء ومجلس النواب المنتهية خدمته أجازا قرارا تهدر بموجبه أموال الشعب بدون مبرر معقول، وبدون أي تناسب مع ما يحصل عليه أمثالهم في الوظيفة في دول أخرى. والقرار يقضي بمنح رواتب وامتيازات لأعضاء مجلس النواب والوزراء ووكلائهم والمدراء العاميين، لا سابق لها في تاريخ العراق، ولا مثيل لها إلا إبان حكم البيض العنصري في جنوب أفريقيا وروديسيا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية حتى ستينيات القرن الماضي. إن تنفيذ هذا النظام هو اقتداء بأسلوب النظام الصدامي الكريه الذي سعى من خلاله الى شراء ذمم المسئولين لتحويلهم إلى عبيد ينفذون له مآربه. فقد كشف النقاب أخيرا عن بدء رئاسة الوزراء باستكمال تنفيذ قرار امتيازات النواب الذي يهدر أموال الشعب بتوزيع أراضي سكنية مجانا على أولئك المسئولين تقع على نهر دجلة بمساحة قدرها 600 مترا مربعا تقدر قيمتها السوقية 500 الف دولار أمريكيا.

 لقد طالب السيد موفق الربيعي رئيس تيار الوسط الحكومة الحالية بـأن " تتخذ من الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم قدوة لهم، حيث قام إبان حكمه بتوزيع قطع أراضي بأثمان بخسة في معظم مناطق بغداد على المهاجرين من الجنوب وذوي الدخل المحدود، حيث يرجع له الفضل في تأسيس مدن الثورة (الصدر حاليا) والشعلة والحرية والوشاش وزيونه واليرموك وغيرها، في حين ظل هو يسكن في دار مؤجرة من دائرة الاموال المجمدة، تمت ازالته من قبل النظام البعثي السابق.

وكان نظام صدام حسين ابان فترة حكمه منذ عام 1968 الى عام 2003 قد اتخذ من اغلب الأراضي المطلة على نهر دجلة في بغداد مقرات للأجهزة الأمنية والحكومية فضلا عن بناء القصور والاستراحات المطلة على النهر، بدء من منطقة الكاظمية إلى الاعظمية الى منطقة الكرادة الشرقية وشارع ابو نواس، وهي نفس المناطق التي ستوزع أراضيها على النواب والمسئولين الحكوميين الحاليين. وكان معتمد المرجع علي السيستاني في كربلاء السيد أحمد الصافي قد ناشد في شهر تشرين الأول من العام الماضي رئيس الوزراء نوري المالكي بعدم المضي قدماً بقرار توزيع أراض على مسؤولين كبار في الدولة، لكن رئيس الوزراء لم يتراجع ويصر على تنفيذ القرار.

إن العراقيين غاضبون أشد الغضب من الاسراف في النفقات غير الضرورية الذي تقوم بها مجالس المحافظات، حيث تقوم بتوجيه القسط الأكبر من ميزانياتها الاعمارية صوب مجالات لا علاقة لها بالاعمار وتحسين حياة جماهير الشعب. فمثلا، بدلا من توجيه العناية لمشاريع مياه الشرب والصرف الصحي تشيد ملاعب رياضية باذخة الترف، أو حدائق وساحات عامة تكلف الدولة أموالا طائلة، تنفذها في الغالب شركات مشبوهة تعتمد الرشى أسلوبا حاسما في احتساب أثمان الخدمات التي تؤديها على حساب الصالح العام.

 والعراقيين غاضبون من لا أبالية رئيس وزرائهم وأعضاء حكومته من تفاقم مشاكل امدادات الكهرباء للسنة السابعة على التوالي، فلم يظهر ولو مرة في القناة الفضائية الحكومية ليورد مبررات اخفاقه ويعتذر عن تقصيره، ويعد بحل المشكلة في موعد يحدده. وما تزال وزارة الكهرباء تراوغ بشأن الفترة الزمنية التي حددتها لتنفيذ أعمال الصيانة وبناء المحطات التي وعد بانجازها. وما يثير السخط أكثر، لا رئيس الجمهورية او نوابه يتحدثون عن موضوع الكهرباء الذي أحال حياة العراقيين إلى جحيم يومي، حيث يعطل الكثير من أنشطتهم الاقتصادية، وكان سببا لموت مئات الآلاف من كبار السن والأطفال والمرضى، وأعاق التطور التربوي والتعليمي في البلاد، وهم يعرفون أنه في الفترة منذ 2003 لحد اليوم كان بالإمكان بناء مئات المحطات الكهربائية ومد ملايين الأمتار من شبكات توزيع الطاقة. لقد أخفق جميعهم بدون استثناء في ايجاد الحلول لهذه المعضلة، ويتحمل جميعهم مسئولية هذا الاخفاق الفاضح.

والعراقيون غاضبون للطريقة التي أدارت فيها الحكومة مهمة التنمية الاقتصادية في البلاد، فقد أهمل كليا تطوير الصناعة والزراعة، وهما أهم قطاعين يعتمد عليهما تحسين المستوى المعيشي للناس، حيث لم يستثمر فيهما الكثير من الموارد المالية والبشرية للاسراع في زيادة الانتاج فيهما. فالبلاد بحاجة الى مشروعات صناعية جديدة لتطوير انتاج الأسمدة والمبيدات والمعدات الزراعية، وانشاء وتطوير البنية التحتية كالسايلوات لخزن الغلال، واستصلاح أراضي جديدة لزيادة الانتاج افقيا وعموديا،وانشاء مشاريع الري لمكافحة الجفاف والتصحر، والتوسع في زراعة الغابات لزيادة المساحات الخضراء في البلاد.

وفي جانب الصناعة كان المفترض أن تتوجه الموارد للمشاريع الصناعية المقتصدة برأس المال من أجل أتاحة أكثر ما يمكن من فرص العمل لتشغيل آلاف العاطلين عن العمل، إلى جانب تطوير الصناعة كثيفة رأسمال في مجال الانتاج البتروكيماوي والكيماوي، ومواد البناء لصالح التصدير، ولاشباع حاجات السوق الداخلي كبدائل للاستيراد من الخارج وغيرها. إن الاستثمار في الصناعة والزراعة والخدمات الأساسية هو الحل الحاسم لمشكلة البطالة الواسعة في بلادنا التي ما زالت سمة الاقتصاد العراقي المشوه.

والعراقيين غاضبون، لأن حكومتهم الحالية لم تلاحق مسئولين سابقين يزيد عددهم عن ثلاثة آلاف بين وزير ومدير عام ثبت عليهم تهمة سرقة اكثر من مليار دولار من اموال الشعب العراقي، والأسوء من ذلك كله أصدرت الحكومة العراقية عفوا عنهم.

 وما يزال السؤال : أي قانون في التاريخ العراقي كله تسامح مع سراق أموال الشعب، فبأي حق فعلت ذلك يا رئيس الوزراء؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/أيار/2010 - 8/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م