هل ينجح الحكام في إسكات صوت الحقيقة؟

الصحفي المغدور سردشت عثمان درسا بليغا للسياسيين

المحرر الثقافي/النبأ

 

شبكة النبأ: ما من احد يعترض علينا حين نقول بأن ما حدث للصحفي الشاب سردشت عثمان يعود بنا الى عقود الدكتاتورية والتكميم وكبت الحريات، وينبئ عن نوايا سيئة لبعض السياسيين العراقيين الجدد الذين يريدون أن يعيدوا البلاد الى الحقبة الماضية التي أصبحت في خبر كان ولفظها الشعب وراء ظهره وهو يتطلع الى فضاءات الحرية التي فتحت أبوابها له بعد طول حرمان وكبت لم يشهد له التأريخ مثيلا.

والمشكلة الحقيقية التي وقع فيها سياسيونا الآن أنهم لا يريدون أن يفهموا بأن واقع الحال تغيّر تماما لاسيما بالنسبة للصحافة والاعلام في عصر الانترنيت الذي لم يعد فيه ما يمكن إخفاءه.

لقد بات واضحا للجميع أن أي خطأ يُرتكب من قبل هذا السياسي أو ذاك سرعان ما سيظهر أمام الملأ بأدق تفاصيله، ولذلك لا يتمكن هؤلاء السياسيون من اخفاء الحقيقة بالقوة كما كان يحدث سابقا، لأن عصر الانفتاح وتطور وسائل الاتصال وحرية الصحافة والاعلام ووسائل التوصيل الأخرى أصبحت خارج سلطة الحكام والسياسيين في العراق.

لهذا لم يعد كبح الحقيقة وقمع صوتها أمرا ممكنا لهؤلاء، ولعل الامر الواضح للجميع أن الرأي العام العراقي بات بفضل الاعلام المفتوح قادرا على الاطلاع على كل الاخطاء التي يرتكبها صناع القرار بل حتى الاخطاء الصغيرة التي تبدو غير ذات بال، وهذا ما يتطلب وعيا دائما من لدن السياسيين للواقع العراقي الجديد.

فنحن لم نعد نعيش عصر القائد الأوحد ولا الحزب الواحد ولا عصر السياسي القادر على اقتراف جريمة شائنة بحق الشعب ويمر الأمر مرور الكرام، وهكذا نلاحظ بوضوح تفاعل قضية الصحفي العراقي الكردي المغدور (سردشت عثمان) حيث بدأت إثارة هذه القضية بصوت واحد اطلقه قلم احد الكتاب واذا بعشرات ومئات وآلاف الاقلام شرعت تفضح القتلة وتدعو الى الاقتصاص منهم، كما أننا تابعنا عشرات المظاهرات داخل العراق وخارجه وهي تدعو الى الاقتصاص من القتلة ومطاردتهم وتضييق الخناق عليهم ثم تقديمهم للمحاكمة والقضاء العادل.

ولا أظن أن اغتيال سردشت سيمر مرور الكرام، بل ستبقى هذا القضية قضية رأي عام ومطلب شعبي قائم ومستمر ولن تسكت الاصوات او الاقلام في العراق وخارجه حتى يقدّم القتلة المجرمين الى المحاكم ويُعرضون على الملأ ليكونوا عبرة ودرسا لغيرهم من المتجاوزين على الحرية التي دفع العراقيون من اجلها ما يفوق التصور، من دماء وارواح وممتلكات وةما شابه ذلك.

لهذا يمكن القول بأن قضية سردشت تمثل درسا للجميع وأولهم السياسيين الذين يجب أن يفهموا الواقع العراقي الجديد ويؤمنوا به ويتعاملوا معه استنادا الى الحقائق الجديدة التي تؤثث المشهد السياسي العراقي بوضوح، ولم يعد من المقبول قط أن يعود القائد الواحد وحزبه الواحد الى أية بقعة من بقاع العراق، سواء في شماله او جنوبه او وسطه، كما أن الفدرالية لاتعني إطلاق العنان للحاكم (الفرعي) أن يستبد برأيه ويتعامل مع الشعب كما يرى ويؤمن هو لا كما يرى ويؤمن الشعب.

إذن على ساسة اليوم أن يؤمنوا بواقع الحال العراقي الجديد القائم على حرية الرأي والاعلام والتحاور والتعايش والجدل الذي يفضي الى الصواب، وليس هناك فسحة لمن يعتقد من السياسيين بأنه قادر على تحييد الاعلام او تجييره لصالحه، فمثل هذا الوقت مضى والى الابد، ولم يبق أمام الحكام وغيرهم سوى الاعتراف والايمان بأن الاعلام بكل انواعه بات متاحا للجميع وما عليهم سوى احترام ذلك والتعامل مع هذه الحقيقة بإيمان واحترام تام.

إن شبكة النبأ المعلوماتية في الوقت الذي تدين فيه هذه الفعلة بشدة، فإنها تدعو الجهات الرسمية المعنية وفقا للدستور العراقي أن تحمي حرية الاعلام بأنواعه وأن تحافظ على حياة الاعلاميين جميعا وعليها أيضا أن تعتاد الواقع الاعلامي المفتوح وتتعامل معه بشفافية تامة.

أما محاربة الاعلام ومحاولات التكميم البائسة فليس لها مكان قط على ارض الواقع الجديد، لأن عصر الانترنيت حرم المتجبرين من قدرتهم على اخفاء الحقائق وطمسها كما كان يحدث ذلك على مر العصور، ولهذا السبب أصبح السياسي ملزما بالتعامل الصحيح مع هذا الواقع الذي حصل عليه العراقيون بالتضحيات الجسيمة، وخلاف ذلك سيجد السياسيون المتغطرسون أنفسهم خارج حلبة السياسة بل وسوف يطالهم النبذ الشعبي كما يطالهم الحساب القضائي في حالة الاهمال او الايذاء المقصود لحرية الاعلام وعدم احترام الحقائق التي ينهض بها قطاع الاعلام ويتحمل مسؤولية توصيلها الى الشعب والعالم اجمع كما هو الحال مع قضية سردشت التي أريد لها أن تطوى وتُنسى وتمرر خلسة.

 لكن الذي حدث أن الشعب العراقيء والعالم أجمع اصبح على علم بأدق تفاصيلها ومتابعا لها ولن يهدأ له بال ما لم ينال القتلة المجرمون عقابهم الذي يستحقونه.

وهكذا فقد تحولت قضية سردشت الى درس بليغ ينبغي على السياسيين فهمه وهضمه والتعامل مع الواقع الجديد إستنادا الى ما أفرزته وما ستفرزه هذه القضية، ولابد أن الذي يقف وراء هذه الفعلة البائسة أدرك الآن حجم الخطأ الفظيع الذي ارتكبه ولابد أنه نادم على ما اقترفته يده، ولكن الجانب الايجابي في القضية كلها انها اصبحت درسا للجميع ساسة وغيرهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/أيار/2010 - 7/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م