القاعدة... منهجية تتشبث بالالتفاف على قضايا الشعوب

 

شبكة النبأ: على الرغم من انطلاق الحملة الدولية للقضاء على تنظيم القاعدة الذي استهلت باحتلال أفغانستان وإسقاط نظام طالبان الحاضن الرئيس لأسامة بن لادن زعيم التنظيم، إلا إن تلك الجهود لا تزال قاصرة عن تحقيق أهدافها.

حيث نجح التنظيم في تشكيل مصدر قلق مستمر لأغلب دول العالم خصوصا الغربية منها واستمرار أفراده في محاولات شن العمليات الإرهابية وتجنيد المزيد من الشباب وضم دماء جديدة بين بشكل متواصل.

واللافت إن القاعدة نجحت أيضا في استغلال حساسية وسخونة الأوضاع التي يشهدها الشرق الأوسط والتوترات المستمرة بين حكومات تلك البلدان، فضلا عن محاولة اختزال قضية فلسطين والاحتلال الصهيوني كمنطلق تبريري لاستمرار نشاطها ونهجها الخطير.

ويرى بعض المحللين ان التقدم في جهود السلام بالشرق الأوسط سيضر بتنظيم القاعدة، من خلال اسقاط ركيزة مهمة في الدعاية التي يحيط بها نفسه، غير أن زعماءه الذين يتمتعون بقدرة على التكيف سيحاولون إصلاح ما يفسد باستغلال نزاعات أخرى مع الغرب.

حيث يقول محللون غربيون في مجال مكافحة الإرهاب وهم يعرضون وجهة نظر جديدة عن دور النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في دفع المتشددين الى التطرف بعد تصريحات لزعماء غربيين رابطين فيها بين صراع الشرق الأوسط والتطرف العالمي. بحسب رويترز.

ويرون إن الصراع يحتل موقعا مهما في قائمة تظلمات تنظيم القاعدة ومنها المصادمات المباشرة بين المسلمين واليهود فضلا عن الأهمية الدينية للاماكن المقدسة بمدينة القدس والاعتقاد السائد بين العرب بانحياز الولايات المتحدة لصالح إسرائيل.

وتلاءم هذه العناصر رسالة تنظيم القاعدة البسيطة والشعبوية بأن الإسلام يتعرض لهجوم من الغرب العدواني الذي يحتل أراضي مسلمة ويدنس أقدس المواقع الإسلامية.

وتناما قلق الغرب من التطرف بعد مقتل 13 شخصا في قاعدة عسكرية أمريكية بتكساس في الخامس من نوفمبر تشرين الثاني ومحاولة فاشلة لتفجير طائرة أمريكية في 25 ديسمبر كانون الاول وتفجير انتحاري في افغانستان يوم 30 ديسمبر أسفر عن مقتل سبعة من رجال وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) وسلسلة من الاعتقالات لمتشددين مشتبه بهم في الولايات المتحدة عام 2009 .

ويقول محللون ان الوصول الى حل لمشكلة الشرق الاوسط وان كان هذا صعبا كما يبدو سيساعد في تجفيف منابع المتشددين المحتملين.

يقول توماس هيجهامر المتخصص في التشدد الاسلامي العنيف بجامعتي برينستون وهارفارد ومؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية "لا يهم ما يعتقده (اسامة) بن لادن (زعيم القاعدة) بشأن فلسطين او ما اذا كان تنظيم القاعدة سيتوقف عن القتال.

"المهم هو الدور الذي تلعبه القضية الفلسطينية في تعبئة مجندين جدد وفي تكوين مجموعة من المتعاطفين الذين يغضون الطرف حين يجمع الجهاديون الاموال ويحيكون المؤامرات."

وأضاف "بالفعل كل من درس عن كثب التجنيد للجهاد سيقول ان فلسطين مهمة على هذا الصعيد. من الواضح أنها ليست العامل او مصدر التظلم الوحيد لكنها اكثر قضية يستحضرها المجندون."

في مدينة بولتون الانجليزية يتفق يوسف تاي الذي يعمل بمجال خدمة المجتمع مع هذا الرأي. وهو يرى أن النزاع في الشرق الاوسط يفوق حتى الصراع في كشمير بين الاقلية المسلمة التي تعيش في البلدة وعدد كبير منهم من كشمير ذاتها.

ويقول "القضية الاسرائيلية الفلسطينية هي اكبر قضية لتعبئة المجتمع. انها تعبيء الناس بشكل لا تضاهيه اي قضية أخرى."

وأضاف "اذا تم حل (قضية) فلسطين سيظل لدى تنظيم القاعدة حكايات يرددها لكنها ستقنع جمهورا أقل."

ويرى البعض وجهة النظر هذه مثيرة للجدل. وتنفي اسرائيل اي ارتباط بين صراعها مع الفلسطينيين والتشدد الإسلامي العنيف.

ويقر محللون بأن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ليس المحرك الرئيسي او حتى المباشر وراء الهجمات التي تشن على مستوى العالم.

في السنوات الثلاثين الماضية شملت المظالم أفغانستان والشيشان وكشمير والعراق والبوسنة والفلبين ووجود القوات الامريكية في شبه الجزيرة العربية.

ولم يجعل المتشددون متعددو الجنسيات من اسرائيل أولوية ضمن أهدافهم. فالقائمة هزيلة لا تتجاوز هجمات على أهداف يهودية في كينيا عام 2002 وتونس عام 2002 والهند عام 2008 فضلا عن تفجير انتحاري نفذه بريطاني من اصل باكستاني في تل ابيب عام 2003 .

علاوة على ذلك نادرا ما يبدأ التطرف بصلته بالجغرافيا السياسية. ويبدو أن لحظاته الاولى تحركها أواصر القرابة والصداقة وسيكولوجية القوى المحركة للتفكير الجماعي.

ويقول الخبراء ان الخطر يكمن في أن الصراعات التي لم تحل مثل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني توفر نسيجا يربط القاعدة بالجماعات المتشددة المتباينة ويجعل المسلمين الذين لا يتبنون ايديولوجية معينة يتسامحون مع هذا التنظيم. وبدأ مسؤولون غربيون يلاحظون هذا.

وقال الرئيس الامريكي باراك أوباما في 13 ابريل نيسان انه يعتبر الوصول الى اتفاق للسلام في الشرق الاوسط "من مصلحة الامن القومي الحيوية" فيما تكافح الولايات المتحدة الاسلاميين المتشددين بالخارج.

وقال الجنرال الامريكي ديفيد بتريوس في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الامريكي في 16 مارس اذار ان تنظيم القاعدة استغل الغضب العربي بشأن فلسطين "لحشد الدعم".

وقال وزير الامن البريطاني اللورد وست للبرلمان في 22 فبراير شباط ان السلام بالشرق الاوسط "سيحدث فرقا ضخما في مسألة التطرف وسيغيرها بشكل جذري."

وقال جاك بيتلو المنسق السابق للمخابرات السويسرية لرويترز انه لا شك أن الصراع "وما يعتبر كيلا بمكيالين في السياسة الخارجية الغربية" عاملان مهمان يمكنان "الجهاديين" من تجنيد عناصر في صفوفهم.

وأضاف "هذا لا يعني أننا بحاجة الى أن نفعل اشياء تفيد القاعدة. لكن اذا حلت القضية سلميا فانها ستقطع شوطا طويلا في معالجة مشكلة التشدد."

اما نعمان بن عثمان وهو رفيق سابق لاسامة بن لادن يقول: "حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني سيفيد من خلال تضييق نطاق التجنيد المحتمل.. لن يكون هناك المزيد من صور القتلى الملهمة التي تبثها قناة الجزيرة. وسيشجع هذا المجتمع المدني في العالم العربي على الضغط من اجل الحرية والديمقراطية.

"لكن يجب أن يتم هذا بشكل صحيح بمعنى أنه يجب أن يرضى أغلبية الفلسطينيين عن الاتفاق حتى يتحملوا المسؤولية عن السلام. بهذا سيتقلص احتمال تدخل مفسدين من الخارج وتخريبه".

"لكن تنظيم القاعدة يطمح أيضا الى شيء أوسع نطاقا هو الاطاحة بالحكومات العربية واقامة خلافة. وبالتالي هناك مصالح ثابتة لها نصيب في استمرار الصراع. الصراع يلائم كثيرين."

عويس راجبوت عالم اجتماع بجامعة برادفورد ببريطانيا: "اتجاه مسلمين في بريطانيا الى التطرف له عوامل تعليلية كثيرة لكن هناك عاملا بارزا هو السياسة الخارجية البريطانية... تتصل بما يعتبره المسلمون حربا واحتلالا غير مشروعين في العراق وأفغانستان... وعلى نفس المستوى من الاهمية ارتباط السياسة الخارجية بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني وهنا أسهمت قلة التحركات الايجابية للدفاع عن (حقوق الانسان) بالنسبة للمسلمين ضد الاعتداءات المستمرة اسهاما كبيرا في الاتجاه للتطرف."

أما عمر نصيري وهو جهادي تحول الى عميل للمخابرات الفرنسية ومؤلف: قال عن تعلمه على يد المتشدد الليبي الراحل ابن الشيخ الليبي في معسكر تنظيم القاعدة بخلدان في افغانستان في التسعينات: "معركة استعادة الاراضي الفلسطينية من اسرائيل كانت المعركة الاكثر أهمية التي يمكن أن يخوضها مجاهد في حياته. القدس كانت قلب الاسلام... الجهاد في فلسطين لم يكن الشكل الوحيد للجهاد بالطبع لكنه كان الاكثر أهمية."

شارون كورسيو المحلل بمخابرات الجيش الامريكي: "الدافع وراء ترك كثير من الشبان لديارهم والرحيل الى أفغانستان او الشيشان او فلسطين هو كلمات وتأثير الائمة ومن يقومون بتجنيدهم في مساجدهم المحلية. الدعوة الى الجهاد مغرية للشبان لانها تمثل تحولا الى الرجولة وتظهر اخلاص المرء للاسلام دين أجدادهم."

الف سبب وسبب

في السياق ذاته اعلن المسؤول العسكري في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب ان الولايات المتحدة تعطي القاعدة "الف سبب وسبب" لضربها على الارض الاميركية نفسها، بحسب ما جاء في تسجيل صوتي.

ويتطرق هذا المسؤول قاسم الريمي في رسالته الصوتية للمرة الاولى الى مقتل زعيم محلي للقاعدة يدعى جميل ناصر عبدالله العمبري في منتصف اذار/مارس الماضي في غارة للطيران اليمني. واضاف الريمي "بقتلكم العمبري تعطوننا الف سبب وسبب لمهاجمتكم على ارضكم".

وكان العمبري يتولى قيادة القاعدة في منطقة ابين في جنوب اليمن، واسمه كان على لائحة وضعتها السلطات اليمنية تضم 152 شخصا ملاحقين بتهمة الانتماء الى القاعدة.

ومنذ الاعتداء الفاشل الذي استهدف في الخامس والعشرين من كانون الاول/ديسمبر طائرة اميركية كانت تقوم برحلة بين امستردام وديترويت، انتقل اليمن الى الهجوم على معاقل القاعدة في اراضيه.

مجاهدين بيض

على صعيد متصل ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن تنظيم القاعدة والحلفاء الأيديولوجيين له يستخدمون المواقع والمنتديات المتحدثة باللغة الإنجليزية فى محاولة لتشجيع غير المتحدثين باللغة العربية على شن حرب ضد الغرب فى الوقت الذى يسعى فيه الإرهابيون لتجنيد أمثال مرتكبى حادث فورت هود وأمثال "جهاد جاين" الأمريكية التى كانت تروج لارتكاب أعمال إرهابية ضد الغرب.

وعلى ما يبدو ينصب هدفهم فى توسيع نطاق مجموعة من الإرهابيين ليسوا تقليديين كهؤلاء المنتمين إلى الشرق الأوسط وآسيا كجزء من السعى إلى "تبييض القاعدة" عن طريق تجنيد نشطاء غير معتادين، كى يتجاوزوا التنميط العنصرى ويبدأون فى شن الهجمات، حسبما يقول لايفان كولمان، المستشار فى شركة أبحاث الأمن ومقرها نيويورك.

وأضاف فى مكالمة تليفونية مع الصحيفة أن هذه الجهود تتفق مع اللامركزية التدريجية "للحرب المقدسة" المستلهمة من الإسلام. بحسب فرانس برس.

"فبهذه الطريقة تستطيع القاعدة قول "لست مضطرا أن تكون من متحدثى العربية أو الباشتونية أو أن تأتى إلى باكستان للحصول على قسط من التدريب؛ ولكن ينبغى عليك أن تكون ملتزما، وأن تخرج لقتل الناس"، هكذا أضاف كولمان.

فيلم يستكشف القاعدة

الى ذلك يأخذ فيلم جديد لمخرج الافلام الوثائقية الفائز بجائزة اوسكار اليكس جيبني المشاهدين من القاهرة الى لندن في مسعى لمعرفة الجذور الثقافية والتاريخية لتنظيم القاعدة وبعض من الدوافع وراء هجومه على الولايات المتحدة.

ويتتبع فيلم "رحلتي الى القاعدة" الذي يعرض للمرة الاولى في مهرجان تريبيكا السينمائي يوم الاحد رحلة استكشاف عالمية قام بها الصحفي الامريكي لورانس رايت للسياق التاريخي للعوامل التي شكلت وأضفت الاصولية على تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن.

وقال جيبني لرويترز في مقابلة "نعرف القاعدة ونعرف الرعب ونعرف التهديد لكننا لا نعرف في الواقع لماذا ولا نعرف كيف.. ورحلة لاري الشخصية جعلت ذلك مفهوما بطريقة غير مباشرة وجذابة."

واقتبس الفيلم من مسرحية رايت التي تقوم على رجل واحد في عام 2007 والتي وضعت على أساس كتابه الحائز على جائزة بوليتزر "البرج الذي يلوح في الافق .. تنظيم القاعدة والطريق الى 11 ( 9 " ويتحول بين ما يقوله رايت على خشبة المسرح ومقابلات واقعية مع مصادر رايت. وقال جيبني "البحث عن القاعدة ليس سهلا بهذه البساطة."

ويبدأ الفيلم بوجود رايت في القاهرة لسرد تفاصيل تحول أيمن الظواهري الى الاصولية. والظواهري جراح مصري يمثل العمود الفقري للقاعدة.

ويقول رايت ان الظواهري غادر سجنا في القاهرة في عام 1984 بعد أن تعرض للتعذيب بالكهرباء والكلاب الشرسة لمدة ثلاث سنوات. وأضاف أنه "اكتسب صلابة وحزما وعزما على الانتقام". بحسب رويترز.

ثم ينتقل الفيلم ليشرح كيف ارتقى والد ابن لادن - الذي يوصف بأنه عامل يمني أمي - ليصبح أكبر مقاول في السعودية.

لكن رايت يقول ان ابن لادن الصغير اصيب بخيبة امل مشيرا الى لحظة حاسمة عندما تعرض للاذلال بعد أن رفضت السعودية طلبه حماية شعبها عندما غزا صدام حسين الكويت في 1990.

ويقول رايت انه بدلا من ذلك لجأ السعوديون الى الولايات المتحدة وان "كبرياء ابن لادن جرح."

ويضيف أن هذا الحادث ساعد في تشكيل البرنامج المبكر للقاعدة وهو اخراج القوات الامريكية من الشرق الاوسط.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/أيار/2010 - 6/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م