السياسة في الإسلام والسياسة المعاصرة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تتلخص الأفكار الهامة التي يطرحها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) بكونها تلامس الواقع السياسي للدول الاسلامية وتحاول أن تستغور بواطن الامور وتطفو بها الى السطح كي تبدو واضحة لكل من يهمه الامر في هذا المجال، فقد تعددت محاور هذا الكتاب وتوزعت على حزمة من المعلومات والمواضيع الهامة التي تذهب في الغالب الى المقارنة بين واقع الاسلام السياسي الراهن وإرثه المشرق ابان القيادات الاسلامية الحكيمة.

إن الهدف من هذا الكتاب يمكن حصره بطبيعة الحال في المحاولة الجادة والدؤوب لسماحة المرجع الشيرازي كي يضع أمام السياسيين المعاصرين طبيعة تلك السياسات الحكيمة لقادة الاسلام الأوائل إبتداء من الرسول الأكرم (ص) مرورا بالأئمة عليهم السلام، وأهمية الأخذ بها والاستفادة منها الى اقصى حد ممكن، لذا فإن الهدف من هذا الكتاب ينحصر في التربية السياسية الناجحة للساسة الجدد في البلدان الاسلامية.

 ووما جاء في هذا الكتاب الثمين في هذا المجال هذه القبسات المشرقة الذي سيتضمنها الجزء الأول من عرضنا هذا وكما يلي:

أولا، (لقد كان رسول الله صلی الله عليه و آله سيداً لساسة العالم، وأكبر سياسي محنك، فهو تلميذ الله تعالى، وأستاذ جبرئيل، وسيد الأنبياء عليهم السلام ومعلم البشرية أجمعين. وسياسته هي التي حيرت العقول، وأشخصت أبصار العالمين، وبهذه السياسة الحكيمة استطاع رسول الله صلی الله عليه و آله أن يجمع حول الإسلام أكبر عدد ممكن من البشر، في مدّة قصيرة، أدهشت التاريخ، وأنست الأولين والآخرين، وأخضعت حكماء العالم لها إجلالاً وتقديراً.. مما لا يوجد في تاريخ العالم الطويل مثيل ولا نظير لها).

ثانيا، (أعلن النبي صلی الله عليه و آله عن هذا الصمود العظيم في بدء دعوته عندما بعث المشركون عمّه أبا طالب عليه السلام إليه يستميلونه ويطلبون منه التراجع عن ذلك.. فقال صلی الله عليه و آله: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما فعلت).

ثالثا، (وضرب الرسول الأعظم صلی الله عليه و آله المثل الأعلى في سياسته الشجاعة التي لاتعرف الجبن والتقاعس).

رابعا، (ما أعظم عفو رسول الله صلی الله عليه و آله عن الأعداء؟ فقد مثل النبي صلی الله عليه و آله عفو الإسلام خير تمثيل. وأفهم الجميع أن الإسلام جاء يريد الخير للجميع، لأوليائه وأعدائه جميعاً، وليس ديناً يحقد على أحد، وليست بعض ممارساته الصارمة نابعة عن القسوة، أو الحنق، وإنما هي نابعة عن روح تعميم العدالة على الجميع).

خامسا، (وكان النبي صلی الله عليه و آله مضرب المثل في إكرامه للوفود التي تدخل عليه من القبائل والعشائر، وحتى من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، فيكرمهم ويحترمهم).

سادسا، إن (سياسة الرسول صلی الله عليه و آله التي هي: إدارة البلاد والعباد بمعناها الصحيح كما يحب الله تعالى ويرضاه، كانت مبتنية أيضاً على الوفاء بالوعد، والالتزام بالقول، والوفاء الخلقي. وقد ذكر المؤرخون الكثير من القصص الرائعة في ذلك).

سابعا، (وقد ضرب النبي صلی الله عليه و آله الرقم الأول في التاريخ كله في الرحمة بما لا مثيل لها في تاريخ أي عظيم وقائد).

ثامنا، (كان رسول الله صلی الله عليه و آله مضرب المثل في العطاء والكرم والجود، حتى قيل عنه: إنّه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر. فكان يعطي للمهاجرين. ويعطي للأنصار. ويعطي لأهل المدينة. ويعطي لأهل القرى والأرياف. ويعطي للمسلمين. ويعطي للمنافقين. ويعطي للكفّار أيضاً، تأليفاً لقلوبهم وردعاً لهم عن المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين).

تاسعا، (وكان النبي صلی الله عليه و آله يتولّى تربية أفراد الأمّة بنفسه غالباً، ومهما سنحت الفرص، فيندمج معهم في الحديث، ويخوض حيثما خاضوا، ويصحح ما أخطأوا إمعاناً في جلب قلوبهم إلى الله ورسوله، وتعميقاً في هدايتهم إلى سبيل الله والرشاد).

عاشرا، (كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو المثل الآخر الصحيح الذي عكس سياسة الإسلام بكل دقّة وروعة واستيعاب، بعد رسول الله صلی الله عليه و آله.ويدلّ على ذلك المئات من آيات القرآن الحكيم التي نزلت، أو أُوِلَت، أو فُسِرت بعلي بن أبي طالب عليه السلام في تفضيله وأولويته. وكذلك آلاف الأحاديث النبوية الشريفة التي ملأت كتب التفسير والحديث والتاريخ).

أحد عشر، (القائد تكون أعمالُهُ درساً للشعب، ومنهاجاً للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. والحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية على الإيمان والزهد).

إثنا عشر، (لم يكن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كحكّام الدنيا يجعلون الأولوية في الرغبات لأقربائهم، فإذا فضل منها شيء جعلوها في سائر الناس. بل كان عليه السلام ـ فيما يتعلّق بعامّة المسلمين ـ لا يفرّق أقرباءه عن غيرهم، وإنما كان ليساوي بينهم وبين غيرهم في مختلف المجالات. وهذه هي السياسة الإسلامية الرشيدة التي طبّقها أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه وعلى أقربائه قبل أن يطبّقها على سائر الناس).

ثلاثة عشر، (رقابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للموظفين كانت في رأس سياسته الإدارية لهم. إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام لا يريد الموظفين لكي يسبحوا باسمه ـ شأن كثير من الحكام والساسة ـ وإنما يريدهم يسبحون باسم الله تعالى، يريدهم على طريق الله دقيقاً وكاملاً ودائماً، لذلك: فكما تم نصبهم على يده، كذلك يرى نفسه مسؤولاً عن تصرفاتهم. فكان ينصحهم، ثم يوجههم، ثم يعاتبهم على تصرفات غير لائقة، ثم إن لم يفد ذلك كله كان يعمد إلى عزلهم، وعقوبتهم إن استحقوا العقوبة).

أربعة عشر، (كان عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عصراً نعم فيه الناس بالحرية الواسعة الإسلامية، خصوصاً بعد أن كان عهد عثمان بن عفان متميّزاً بالقسوّة والفظاظة، حتى أنّ مثل الصحابي الجليل أبي ذر رحمه الله الذي أطرى عليه رسول الإسلام صلی الله عليه و آله كرّات ومرات، كان لا يجد مجالاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه الحرية الإسلامية التي فسح لها المجال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كانت أشبه شيء بالحريات التي منحها رسول الله صلی الله عليه و آله للناس في صدر الإسلام).

خمسة عشر، (الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بنى سياسته ـ كنبي الإسلام صلی الله عليه وآله ـ على المساواة العادلة بين مختلف أفراد الأمّة في تقسيم أموال الأمّة ـ التي هم فيها سواء ـ عليهم بالسوية.. وكان ذلك من السمات البارزة له عليه السلام،وتطبيق ذلك كلّف الإمام عليه السلام الكثير من المتاعب، والانشقاقات والحروب وتفرق بعض الرؤوس عنه. لكن أمير المؤمنين عليه السلام لم يعبأ بكل ذلك مقابل تطبيق الإسلام، تطبيقاً كاملاً).

ختاما نقول إن الاطلاع على هذه القبسات المشعّة سيمكن السياسي من ولوج المسار الصحيح في تحقيق الاهداف المتوخاة من اعماله وفقا للمسؤوليات الملقاة على عاتقه بعد أن وثق به الناس ونصبوه حاكما عليهم ومديرا لشؤونهم كافة، فالسياسي من خلال مطالعته لهذه القبسات والعمل بمضمونها إنما يعمل بتجارب قادتنا العظام في أكثر حلقات التأريخ الاسلامي إشراقا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/أيار/2010 - 6/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م