على إثر هذا الإنتشار " العجيب الغريب "الأشبه بتكاثر "الطفيليات
والبكتريا" في كثير من الأحيان، والمكانة الهامة والحسّاسة التي
تبوّأتها الفضائيات في "غسيل الأدمغة" نظراً الى الشرائح المليونية
التي تشاهدها وتراقبها عن كثب في أعقار دورها،وفي أخص خصوصياتها،"إلى
درجة أنها دخلت حتى غرف النوم التي تأوي اليها الأسر المسلمة!فقد قامت
على قدم وساق البرامجُ التي تستهدف المسلمين في دينهم وثقافتهم وفكرهم
وخصوصياتهم في الصميم، ومن قبل فضائيات عربية طبعاً "لاغبار على
اسلاميتها وهويتها العربية" !
ومن بين هذه البرامج التي كثر بثها وغدت مادة إعلامية دسمة يجتذبون
من خلالها المشاهدين بأعداد هائلة، تلك البرامج التي غدت "مقززة"
وممقوتة" و"مملة" وباعثة على إطلاق "أسماء الأصوات"الدالة على التأفف
والتأوّه والتعبير عن الملل بغير حساب!، البرامجُ القديمة الحديثة التي
تستهدف الأسرة المسلمة الوادعة والمطمئنة والزاخرة بالقيم الشرقية
والإسلامية، وفي مقدمة هذه البرامج تلك التي تذرف بل تسكب بسخاءٍ دموعَ
التماسيح على المرأة في المجتمعات الإسلامية ومظلوميتها وهضم حقوقها
وقوامة الرجل عليها و"ضربها"و"حرمانها من الميراث" و"منعها من الإختلاط"
و" وممارسة الأعمال التي يمارسها الرجل"و...و...و.... وما إلى ذلك من
ترهات الغاية منها تصوير الرجل المسلم و"الدين الإسلامي في النهاية
طبعاً" على أنه حيوان ضار كاسر شهواني لاهم له سوى قضاء وطره من المرأة
والنظر إليها على أنها كائن دوني،لا دور له سوى إنجاب الأطفال والحفاظ
على النسل وخدمة الرجل وقضاء حاجاته!!
وفي هذا المجال راحت تلك الفضائيات "المرتزقة"و"المأجورة"والتابعة
حتى النخاع للأجندات الغربية والصهيونية، تهوّل ما شاء لها
التهويل،وتفتعل أزمات ومشاكل و"مصائب" في المجتمعات الإسلامية وكأن هذه
المشاكل –إن وجدت بالحجم الذي يصورونه- معدومة في المجتمعات
الغربية،وكأن المرأة محترمة بشكل مطلق في هذه المجتمعات،وكأنها لا ينظر
إليها كسلعة تجارية تجتذب بمفاتنها الزبائن والعملاء،وكأنها لا تتعرض
مطلقاً للعنف والضرب من قبل الرجل الغربي....!!
وبالطبع فإن هذه الوسائل الإعلامية وخاصة الفضائيات تتبع في
الحقيقة مخططاً لا يمكن أن نصفه إلا بأنه "قذر"و"خبيث" هدفه الأول
والأخير خلق حالة من سوء الظن بين الرجل والمرأة،وحالة مفتعلة من
الحساسية والتأزم والتوتر الدائم والأجواء المحمومة بين هاتين
الدعامتين للحياة الأسرية، على اعتبار أن للمرأة حقوقاً "ابتلعها"
الرجل وعلى اعتبار أن المرأة هي المظلومة دوماً،وأنها الكائن الضعيف
الذي يتعرض دوماً للإستغلال البشع،وهذا الاستغلال غالباً ما يكون من
قبل الرجل، وكأن لديه عداءً مستحكماً،وثأرا قديماً يطالب به المرأة منذ
فجر التاريخ،وكأن المرأة ليست أمه وأخته وزوجته وقريبته ونظيره في
الخلق والإنسانية!
وهكذا فقد راحت تلكم الفضائيات تخترق عقول النساء المسلمات،وتبث
السموم في أذهانهن ونفوسهن وأرواحهن،وتخلق حالة من "الحساسية"و"العقدة"
في نفوس هؤلاء النسوة ألا وهي أنهن مظلومات على طول الخط وأن عليهن أن
"يتعاركن"مع الرجال "ويعلين الأصوات عليهم" حتى وإن تطلّب الأمر جلب "الشرطي"أو
"العسكري" للقبض على شريك العمر و"جرجرته"في المحاكم و"بهذلته" في
الرواح والمجيء، وكأنه لايوجد في قاموس هذه الفضائيات شيء اسمه "التفاهم"و"محاولة
حل المشاكل في إطار الأسرة"،وهم طبعاً "معذورون" في ذلك لأنهم يحاولون
نقل القوانين الغربية بحذافيرها الى مجتمعاتنا الشرقية المسلمة،ونقل
السلوكيات الغربية في هذه المجالات،فإذا بإمكان الزوجة بل والأطفال
أيضاً القيام بتلك "الجرجرة"والإذلال لرب الأسرة وكأنه شخص غريب لافرق
بينه وبين أي رجل آخره لا تربطه علاقة بالأسرة!وما إلى ذلك من سلوكيات
لا يمكن أن تتقبّلها بأي حال من الأحوال الأسر المسلمة الغيورة على
دينها وهويتها وأصالتها وخصوصياتها،ولا يمكن للمرأة نفسها في مجتمعاتنا
أن ترتضيها لنفسها.
وبالطبع فإننا لا ندعي خلوّ مجتمعاتنا من المشاكل الأسرية وخاصة
تلك المتعلقة بالرابطة بين الرجل والمرأة،ولا ندعي أن المرأة لا تتعرض
بين الحين والآخر من قبل بعض الرجال "غير المحسوبين على الإسلام طبعاً"
لشيء من الظلم والتجاوز على الحقوق،علماً أن مثل هذه المشاكل كانت
وماتزال وستظل موجودة وقائمة منذ فجر الخليقة وحتى يومنا هذا،وفي جميع
المجتمعات "ومنها المجتمعات الغربية"التي شهدت أبشع الممارسات ضد
المرأة مما لانجد له نظيراً وذلك في القرون الوسطى عندما كانوا ينظرون
الى المرأة على أنها كائن شرير شيطاني،ورجس من عمل الشيطان،وقرين
لإبليس!
نعم إن المشاكل موجودة،وقد نجد بعض التصرفات والسلوكيات السلبية
هنا وهناك،ولكننا نقول لتلك الفضائيات "المسعورة" دعونا نحل مشاكلنا
بأنفسنا،ولا تحاولوا نقل مشاكل أسيادكم الغربيين والصهاينة إلينا،فنحن
في غنى عنها،بل إن مشاكلنا –والحمد لله- لاشيء بل وتافهة إزاء المشاكل
بل الأزمات الأخلاقية التي تنخر في جسد المجتمعات الغربية-،نقول لها
اتركونا وشأننا فلدينا من العقلاء ومن الحكماء ومن المثقفين والمفكرين
ما يكفي لحل مشاكلنا،دعونا وشأننا ودعوا الأسر المسلمة الوادعة وشأنها
؛فهي ليست بحاجة الى هذه الوصفات الغربية التي ثبت فشلها حتى في
المجتمعات الغربية نفسها، بل وأدت الى الفواجع والكوارث في هذه
المجتمعات وما نراه اليوم فيها من مشاكل مستعصية،وأزمات اخلاقية
رهيبة!جعلت عقلاءهم يطلقون صرخات الإستغاثة والإحتجاج على القوانين
والتشريعات التي تمخضت عن كل تلك الكوارث والأزمات!
إن مانريد أن نقوله إن الإنسانية هي الرابطة الخالدة التي تجمع
الرجل بالمرأة برباط خالد لاتنفصم عراه ؛فهو الأب وهو المعيل وهو
الحامي والمدافع وهو الذي يغمر المرأة بعطفه وحنانه،والمرأة هي الزوجة
والأم والأخت،وهي التي تبث روح الأمل في نفس الرجل،وهي التي تربّي
الأجيال،ومن أحضانها الطاهرة الدافئة المفعمة بالعطف والحنان ينطلق
الرجل ليؤدي رسالته في الحياة كرجل،وإن كان هنالك من ظلم قد جرى على
المرأة وإن كان هنالك من هضم لحقوقها،وتجاوز عليها فإنما سببه التربية
الخاطئة التي قد يتلقاها الرجل،والثقافة المهيمنة على سلوكياته،وهنالك
في مجتمعاتنا من القوانين والتشريعات ومن الأشخاص العقلاء ما يحد من
تلك الظاهرة،وما يمنع من استشراء حالة الظلم للمرأة،علماً أنها –
والحمد لله- ضئيلة بالقياس الى نظيراتها في المجتمعات الغربية والتي
تصل في كثير من الأحيان الى مستوى الشذوذ إن على مستوى التعامل مع
الزوجة أم مع الأولاد،وأعتقد أن برامج الأسرة التي نراها على الفضائيات
الغربية وما تزخر به من حالات الشذوذ العجيبة والغريبة التي تصل في بعض
الأحيان مستوى "اعتداء الأب الجنسي على أولاده" – والعياذ بالله- مما
لا يخطر على بال الرجل الشرقي حتى في الأحلام مهما بلغ من الإنحراف في
السلوك،لتثبت لنا صحة ما نذهب اليه.
وهكذا فإننا ندعو المسلمين الى أن لايقعوا في حبائل هذه المخططات
الغربية،وندعو المرأة الشرقية المسلمة بالخصوص إلى أن لا تسهم في فصم
عرى هذا الرباط المقدس الذي يربطها مصيرياً بأخيها الرجل من خلال
الإنخداع بتلك الأراجيف التي تنطلق من هذه الفضائية أو تلك،هذه
الفضائيات التي كثرت وتشابكت وخاصة بعد أن غزتنا بريطانيا وأمريكا
و"الصهيونية"طبعاً في أخص خصوصياتنا بعد أن غزتنا عسكرياً
واقتصادياً،وبعد أن رأينا هذه الحالة الرهيبة القاتلة من صمت المؤسسات
الرسمية وهي ترى بأم أعينها كيف بدأ "التسوس"و"النخر"الغربيان يدبان في
جسد أمتنا الإسلامية من خلال أقدس مؤسساتها ألا وهي الأسرة!
ومع ذلك فإننا كلنا أمل في أن لاتدوم هذه الحالة ولا يكتب لها
الإنتشار وأن لا تتحقق الأهداف المتوّخاة من ورائها،فهنالك في نفس
الوقت فضائيات مخلصة،ورغم أننا لا نعلم الشيء الكثير عنها وعن
مصادرها،إلا أننا نلمح الإخلاص والحرص على الدين،والوعي في أفكارها
وأطروحاتها،رغم أنها محارَبة على ما يبدو بسبب رساليتها وإخلاصها،في
حين ترتع تلك الفضائيات الخبيثة المأجورة بكل أنواع
"النعم"ولإمكانيات،والمرتَبات التي تدفع للعاملين فيها بـ"العملة
الصعبة"!
ونحن يحدونا الأمل في أن تستمر تلك الحركة المباركة وأن تتسع
وتتصدى لكل تلك المحاولات المسمومة لا على نطاق الأسرة وعلاقة الرجل
بالمرأة وحسب –وإن كان هذا الجانب يمثل في نظرنا أهم الجوانب وأكثرها
خطورة- بل على جميع الأصعدة والمستويات،وخاصة تلك المتعلقة بكياننا
كأمة اسلامية لها تاريخها وهويتها وحضارتها العريقة التي تتشرف بكونها
أولى الحضارات التي شرّفت المرأة،وانتشلتها من الجاهلية -أية جاهلية-
الى نور الإسلام، الذي أعلن قبل أكثرمن اربعة عشر قرناُ قائلاً :" مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم
بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ..."[النحل/97]، وقرن هذا الإعلان
بصرخته الهادرة:" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا..."[الأعراف/189]،و"
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن
نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا..."[النساء/1].
Saadi-omran@live.com |