
شبكة النبأ: مرة أخرى تبخرت الوعود
التي قطعتها الحكومة المصرية على نفسها، بإنهاء العمل بقانون الطوارئ،
المعمول به منذ ما يقرب من 30 عاماً، بعدما وافق البرلمان، على تمديد
حالة الطوارئ لعامين آخرين، وهي الفترة التي كان كثير من المصريين
يأملون بأن تشهد إصلاحات جوهرية على صعيد الأوضاع السياسية في الداخل
المصري.
ووسط حالة من "الغضب" العام في الشارع المصري، تمثلت في احتجاجات
واسعة لمعارضين ونشطاء سياسيين مناهضين لحالة الطوارئ التي يعيش
المصريون تحت سيفها منذ ثلاثة عقود، بالإضافة إلى مسيرات واعتصامات
شارك فيها آلاف العاملين المطالبين بزيادة أجورهم، أصدر الرئيس المصري
حسني مبارك، قراراً بتمديد العمل بقانون الطوارئ لعامين آخرين.
وعلى الفور، أحال رئيس الحكومة، أحمد نظيف، القرار الرئاسي إلى رئيس
مجلس الشعب، أحمد فتحي سرور، الذي أحاله بدوره إلى اللجنة العامة
للمجلس للتصويت عليه، إلى أن تمت المصادقة عليه.
وجاءت المصادقة على القرار الرئاسي بموافقة 308 أعضاء من مجموع
النواب، البالغ عددهم 440 عضواً، بعدما تمكن الحزب الوطني الحاكم، الذي
يسيطر على غالبية المقاعد، من حشد الأغلبية اللازمة للمصادقة على
القرار، وسط اعتراض معظم نواب المعارضة والنواب المستقلين، ليستمر
سريان القانون اعتباراً من أول يونيو/ حزيران المقبل، وحتى نهاية مايو/
أيار 2012. بحسب السي. ان. ان.
ووصف الناطق باسم الكتلة البرلمانية لجماعة "الإخوان المسلمين"،
حمدي حسن، تمديد العمل بحالة الطوارئ بأنه "إعلان الفشل الكامل من جانب
الحكومة"، مشيراً إلى أن "الحكومة وبعد 30 عاماً من الطوارئ، تأتي
لتطلب وقتاً إضافياً"، واعتبر أن "العيب إذن ليس في الـ30 عاماً، ولا
في حالة الطوارئ، وإنما العيب في الأشخاص القائمين على أمور البلاد."
وقال النائب عن جماعة الإخوان "المحظورة"، التي تُعد كبرى جماعات
المعارضة في مصر، ولكنها لا تحظى بوجود تنظيم شرعي، "جديد هذه المرة،
أن الحكومة تقول إنه سيتم الاقتصار في تطبيق حالة الطوارئ في قضايا
الإرهاب والاتجار بالمخدرات"، مشيراً إلى وجود الآلاف من المعتقلين
السياسيين، الذين تم الزج بهم في السجون دون محاكمة.
ووصف الدكتور حمدي حسن "المبررات" التي ساقتها الحكومة المصرية
لتمديد حالة الطوارئ بأنها "إدعاءات كاذبة"، مشيراً إلى أن "الحكومة
وعدت في كل مرة بذلك، ولم تلتزم بوعودها،" مضيفا: "لا توجد ضمانات
لتنفيذ الوعود الحكومية."
وتساءل قائلاً: "كيف نضمن أن تفي الحكومة بتنفيذ وعودها، في ظل عدم
وفاء رئيس الجمهورية بوعده في هذا الشأن؟"
وبالنسبة لما ذكرته الحكومة بأن قانون الطوارئ سيتم تطبيقه في قضايا
الإرهاب، رد حسن بقوله، إن أنشطة الجماعات الإرهابية توقفت في مصر منذ
عام 1997، ليس بسبب قانون الطوارئ، وإنما لأن عناصر وقادة تلك الجماعات
أدركوا واقتنعوا بخطأ الوسيلة التي كانوا يلجئون إليها."
أما بالنسبة لقضايا المخدرات، فقال إن "قانون العقوبات كفيل بمحاسبة
هؤلاء ومعاقبتهم، وفي بعض الأحيان قد تصل العقوبة إلى الإعدام."
ورداً على التفسير الذي قدمه رئيس مجلس الشعب بأنه سيتم، بموجب
القرار الرئاسي الجديد بتمديد حالة الطوارئ، الإفراج عن جميع المعتقلين
على خلفية قضايا سياسية، قبل صدور القرار، قال حسن، إن ذلك "يمثل
اعترافاً رسمياً بأنه كان يتم اعتقال السياسيين، على خلاف ما وعدت به
الحكومة في سنوات سابقة، كما أنه اعتراف بما كان يحدث من تجاوزات من
قبل السلطات الأمنية."
إلى ذلك، انتقد الناطق باسم "الجمعية الوطنية للتغيير"، الإعلامي
المعروف حمدي قنديل، في تصريحات سابقة، تمديد العمل بقانون الطوارئ،
قائلاً: "إننا ضد قوانين الطوارئ بأي شكل من الأشكال"، فالقانون المعني
"من المفترض أن يكون لسبب طارئ وهو ما ليس له وجود."
من جانبه، اعتبر النائب المستقل في مجلس الشعب، مصطفى بكري، أن كل
المبررات التي قدمتها حكومة رئيس الوزراء، أحمد نظيف، لتمديد حالة
الطوارئ "غير مقبولة"، وأبدى استغرابه لما تدعيه الحكومة من أنها لم
تنته بعد من إعداد قانون مكافحة الإرهاب، الذي يجري إعداده منذ نحو خمس
سنوات، رغم أنها تتقدم بمشروع قانون، كل أسبوع تقريباً، إلى مجلس الشعب.
وقال بكري، إن "الحكومة تدعي أيضاً بأن القانون سيستخدم فقط ضد
المشتبه فيهم أو المتهمين بقضايا الإرهاب وتجارة المخدرات، في الوقت
الذي خلت فيه مصر من الإرهاب إلى حد كبير،" مشيراً إلى أن "هناك العديد
من البلدان الأخرى، التي هي بالفعل معرضة لمخاطر إرهابية، ولكنها لا
تطبق حالة الطوارئ، كما تفرضها الحكومة المصرية منذ 30 عاماً."
وأعرب الكاتب الصحفي المعروف عن اعتقاده بأن يكون الهدف الحقيقي
لتمديد قانون الطوارئ هو "أن يكون بيد الحكومة سلاح لتوظفه لأغراض
سياسية في المعركة الانتخابية القادمة، حتى يمكنها الاستناد إلى
القانون في قمع المعارضين، والسيطرة على الانتخابات، وتهديد كل من
يعترض على سياساتها."
وتابع بكري قائلاً: "لقد مضى 30 عاماً على تطبيق قانون الطوارئ،
وهذه مسألة تثير استياء الناس، بل وتؤكد أن نظام الحكم لا يمكنه أن
يعيش بدون طوارئ."
إلا أنه في الوقت نفسه أكد على رفضه لأي تدخل خارجي بهذا الشأن،
قائلاً: "نحن أصحاب القرار، ولا نحتاج نصائح من أحد، خاصةً من أمريكا،"
مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لجأت إلى تطبيق قوانين "أكثر بشاعة" من
قانون الطوارئ، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وجاء تمديد العمل بقانون الطوارئ في مصر، في وقت تستعد فيه
الجمهورية العربية لاستحقاقين سياسيين مهمين، هما الانتخابات التشريعية
في الخريف المقبل، والانتخابات الرئاسية في صيف 2011، كما يتزامن مع
تحركات للمعارضة على مقربة من البرلمان، معترضين على تمديد فرض حالة
الطوارئ منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً.
وقد أثار القرار موجة انتقادات خارجية، حيث عبرت الخارجية الأمريكية،
عن "خيبة أملها" لهذا القرار، معتبرةً أنه جاء رغم تعهدات سابقة قطعتها
الحكومة المصرية على نفسها قبل خمس سنوات.
فيما قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "تجديد الحكومة المصرية
لقانون الطوارئ لمدة عامين آخرين، يعني عدم وفاءها بوعدها عام 2005."
وبينما ذكرت الحكومة المصرية إنها ستقصر استخدام قانون الطوارئ على
جرائم الإرهاب، ومكافحة المخدرات، مع فرض إشراف قضائي على تطبيق
القانون، فقد أشارت المنظمة الحقوقية إلى أن الحكومة تقدمت بمثل هذا
الوعد من قبل ثم خالفته، مشيرةً إلى آخر وعد كان في فبراير/ شباط 2010.
يُذكر أن آخر مرة صادق فيها البرلمان المصري على تمديد العمل بقانون
الطوارئ كانت عام 2008، ولمدة عامين، على أن ينتهي العمل به أواخر مايو/
أيار 2010، أو إلى أن يتم الانتهاء من إصدار قانون مكافحة الإرهاب.
وجاءت موافقة البرلمان آنذاك، في وقت كانت تشهد مصر فيه حالة من "الغليان"،
بسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية، التي يعاني منها قطاع عريض من
المصريين، خاصة بعد قرار الحكومة بزيادة أسعار عدد من السلع الأساسية،
وفي مقدمتها الوقود.
الانتخابات التشريعية والرئاسية
من جهتها اكدت 15 منظمة حقوقية مصرية الخميس ان قرار تمديد حالة
الطوارئ، السارية في البلاد منذ 29 عاما، سنتين اضافيتين مرتبط
بالانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر اجراؤها في مصر الخريف المقبل
وصيف 2011.
وقال الامين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان حافظ ابو سعدة في
مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء ناصر امين "نخشى
ان يكون تمديد العمل بقانون الطوارئ بغرض استخدامه اثناء الانتخابات
التشريعية والرئاسية".
ودعا الاحزاب السياسية المعارضة الى ان "تربط مشاركتها في
الانتخابات البرلمانية بالغاء قانون الطوارئ". وطالب ابو سعده الحكومة
المصرية "ببدء حوار مع منظمات حقوق الانسان من اجل اصدار قانون لمكافحة
الارهاب والغاء قانون الطوارئ قبل الانتخابات التشريعية".
من جهته قال امين ان "ما اعلنته الحكومة عن اقتصار تطبيق قانون
الطوارئ على الارهاب والاتجار في المخدرات هو محض مراوغة من اجل تمرير
قانون الطوارئ".
واكد انها ابقت على التدابير التي تعطي "السلطة التنفيذية الحق في
تقييد حرية الاشخاص في التجمع والتحرك والاقامة والمرور في اماكن
واوقات بعينها كما تتيح توقيف واعتقال المشتبه بهم او من يمثلون خطرا
على الامن العام وتفتيش الاشخاص والاماكن من دون الالتزام بنصوص قانون
الاجراءات الجنائية". بحسب فرانس برس.
وقالت 13 منظمة حقوقية من بينها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان ومركز هشام مبارك للقانون، في بيان
مشترك الخميس انها "على قناعة بان هناك ارتباطا واضحا (...) بين تعطيل
القانون والدستور (من حلال تمديد حالة الطوارئ) وبين الانتخابات التي
ستجري في البلاد خلال العامين المقبلين".
واشار البيان الى ان انتخابات التجديد النصفي للاعضاء المنتخبين في
مجلس الشوري المقرر اجراؤها في الاول من حزيران/يونيو المقبل "تشهد
بالفعل انتهاكات وينتظر ان تتزايد هذه الانتهاكات مع اقتراب الانتخابات
النيابية التي ستمهد الطريق الى انتقال للسلطة في 2011".
وقال ابو سعدة ان هناك قرابة عشرة الاف معتقل سياسي في مصر الان
بموجب قانون الطوارئ، مشيرا الى حالة "المدون المصري مسعد ابو فجر الذي
اعتقل لانه كان يدافع عن اهالي سيناء وانتقد انتهاك حقوقهم من قبل
اجهزة الامن" في اعقاب اعتداءات على منشأة سياحية في سيناء بين عامي
2004 و2006.
انتقادات متبادلة
في السياق ذاته تبادلت كل من القاهرة وواشنطن الانتقادات، بسبب
موافقة البرلمان المصري على تمديد العمل بقانون الطوارئ لعامين آخرين،
حيث عبرت الخارجية الأمريكية عن "خيبة أملها" لهذا القرار، فيما وصفت
الخارجية المصرية رد الفعل الأمريكي بأنه "مسيّس أكثر مما يجب."
وقال وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، رداً على الانتقادات
الأمريكية لتمديد حالة الطوارئ: "أعتقد أن التعليقات التي صدرت من
أمريكا جانبها التوفيق، لأنها فشلت في أن ترى الجانب الإيجابي في
الخطوة الكبيرة، التي تم تنفيذها."
وأضاف أبو الغيط، وفقاً لما نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن
"تقليص التدابير، وغير ذلك من الأمور، هو في غاية الأهمية والإيجابية،
وكذلك فمبادرة الحكومة من الأساس لتقليص هذه التدابير، تعد أمراً
مفصلياً في تعامل المجتمع المصري مع هذا الموضوع."
وتابع قائلاً: "أما التعليقات التي تابعناها، فأعتقد أنها تراعى
الداخل الأمريكي واعتباراته، بشكل أكبر من مراعاتها للعلاقة المصرية
الأمريكية، والفهم الصحيح لما يمر به المجتمع المصري، هي تعليقات تراعي
في الأساس الصحافة الأمريكية، والمراكز البحثية، والنشطاء الذين يضغطون
عليها." بحسب السي. ان. ان.
وفيما اعتبر أبو الغيط أن "التعليقات لم تراع الحساسية المصرية،
التي عبرنا عنها دائماً بشأن التعليق على الشؤون المصرية"، فقد أكد أن
"الشراكة المصرية الأمريكية، وكما أشار البيان الأمريكي، مستمرة، ونحن
ملتزمون بها كما تلتزم الولايات المتحدة، ولكن لابد لمن يعلق على
الأحداث، أن يستوعب الحقائق بشكل منصف ومتوازن أولاً." |