أمريكا وأفغانستان: مستقبل تحالف غامض وسط انتقادات متبادَلة

 

شبكة النبأ: استقبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بحفاوة في البيت الابيض وظهرا أمام الصحفيين في جبهة موحدة في محاولة لإظهار أنهما سويا خلافاتهما وأن الولايات المتحدة تتقدم حسب الجدول الزمني نحو سحب قواتها العام القادم.

وتراجعت ادارة أوباما عن موقفها العلني الصارم من الزعيم الافغاني والذي يعتقد على نطاق واسع أنه أتى بنتائج عكسية واستقبلته بحفاوة رسمية في ختام زيارة استغرقت اربعة ايام ينظر اليها على أنها ذات أهمية حاسمة لدعم المجهود الحربي الذي تقوده الولايات المتحدة في وقت حيوي بالنسبة الى الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.

ولم يكن هدف المحادثات في البيت الابيض طمأنة الزعيم الأفغاني على الالتزام الامريكي طويل الامد بحكومته فحسب وانما أيضا اقناع الشعب الامريكي المتشكك والكونجرس بأن الحرب الافغانية تستحق خوضها وتستحق تمويلها.

وهوّنَ أوباما الذي كان يقف بجوار كرزاي من شأن توتر العلاقات في الاشهر الاخيرة التي وجهت واشنطن خلالها انتقادات علنية الى كرزاي متهمة اياه بالتغاضي عن الفساد في حكومته ورد كرزاي بتعليقات غاضبة لاذعة. بحسب رويترز.

وقال أوباما للصحفيين "هذا تأكيد للصداقة بين الشعبين الامريكي والافغاني" مضيفا أنه "مقتنع أكثر من أي وقت مضى" بأن بمقدورهما معا تحقيق النجاح في احلال الاستقرار في أفغانستان.

وأضاف أن ما اعتبر في الاونة الاخيرة توترا بين حكومتيهما "جرى تضخيمه" لكنه سلم بأنه ستكون هناك خلافات من حين لاخر حول الاساليب.

وعلى الرغم من أن بواعث قلق الولايات المتحدة بشأن الفساد لم تتلاشى وأن شكوكها فيما اذا كان كرزاي شريكا يمكن الاعتماد عليه ما زالت قائمة تبذل ادارة أوباما الان جهودا منسقة للتعامل مع هذه الامور في تكتم ومعاملة كرزاي بمزيد من الاحترام في العلن.

وحذر أوباما من "قتال صعب" في الشهور القادمة حيث تستعد القوات التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان لشن هجوم على معقل طالبان الحصين في قندهار. وتنتظر العملية العسكرية اكتمال حشد 30 ألف جندي اضافي أمر أوباما بارسالهم الى أفغانستان.

وقال أوباما انه واثق من أن واشنطن تستطيع الالتزام بموعد بدء الانسحاب في يوليو تموز 2011 مع تسليم المزيد من المسؤوليات الامنية للقوات الافغانية في القتال ضد متمردي طالبان.

وقال "بدأنا ننتزع زمام المبادرة من المتمردين" ووصف تقدم قوات الائتلاف بأنه بطيئ لكنه مطرد. وما زالت الهجمات الدامية التي يشنها متمردو طالبان حدثا يوميا في أفغانستان.

قلق أفغاني..

وجاءت المهلة التي حددها الرئيس الامريكي باراك أوباما لبدء سحب قواته بحلول يوليو تموز 2011 بعد زيادتها هذا العام لتعيد لاذهان الكثير من الافغان كيف تخلت واشنطن عن بلادهم في عامي 1989 و1990 بعد أن اضطر الجيش السوفيتي للتقهقر.

وفاقم هذا الشعور خلاف علني بين أوباما وكرزاي هذا العام ومشاكل في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد طالبان فضلا عن تصريح السفير الامريكي بأن الزعيم الافغاني ليس شريكا يعول عليه.

وهذه أجواء يقول البعض انها قد تزيد الضغط على كرزاي للوصول الى اتفاقات مبكرة للسلام مع طالبان وهو ما يقلق الولايات المتحدة فيما تستعد لهجوم في قندهار يشارك فيه 23 الف جندي على الاقل من حلف شمال الاطلسي والقوات الافغانية.

وقال وزير الدفاع الافغاني عبد الرحيم وردك "يجب أن يكون لدينا التزام لضمان شراكة استراتيجية... يجب الا يكون هناك تهاون. هذا هو ما يتوقعه العدو بالضبط.. أن يضعف اهتمام المجتمع الدولي."بحسب رويترز.

وقللت واشنطن من أهمية اي مهلة للانسحاب قائلة انها لن تسحب قواتها ما لم تكن الظروف مناسبة. ويرى بعض الخبراء الافغان أن المهلة مجرد وسيلة تستخدمها واشنطن ليتحرك كرزاي. لكن الاعتقاد السائد بين الافغان مختلف.

قال وردك "حين تبدأ الحديث عن استراتيجيات الانسحاب وهذه المهل يترجم الافغان هذا بطريقة أخرى ويشجع هذا الجانب الاخر. ويتوقع الاعداء تكرار الاداء. وهذا يدفع الافغان لتذكير أنفسهم بعامي 89 و90."

كان كرزاي قد أثار خلافا مع واشنطن بعد سلسلة من التصريحات المناهضة للغرب بما في ذلك اتهام المجتمع الدولي بافساد الانتخابات الرئاسية.

على الجانب الاخر تتزايد انتقادات واشنطن للفساد في الحكومة الافغانية وقدرة السلطات على المساعدة في تطبيق مساعدات بمليارات الدولارات.

ويقول محللون ان كرزاي يعرف أنه ما زال بحاجة الى الامريكيين حتى ولو للاسراع من وتيرة الانتقال الى السيادة الكاملة واسترضاء الافغان الذين ينتقدون القوات الامريكية بعد أن قتلت بطريق الخطأ عشرات المدنيين في الاعوام الاخيرة.

وقال وردك "كلما أسرعنا بتوفير عوامل التمكين كلما كان الانتقال أسرع" مشيرا الى مساعدة حلف شمال الاطلسي للجيش الوطني الافغاني والتي تتراوح من توفير وسائل النقل الى القدرات الاستطلاعية. واستطرد قائلا "لكن الانتقال (انتقال السيادة) لا يمكن أن يكون سابقا لأوانه."

في الوقت نفسه لا يريد أوباما أن تصبح أفغانستان عقبة سياسية قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر تشرين الثاني والتي يتوقع أن تتأثر نتيجتها باستياء الناخبين من ارتفاع البطالة وهشاشة الاقتصاد.

وقال النائب داود سلطانزوي "أحد الانجازات التي سيحققها من واشنطن كسب الوقت مع الولايات المتحدة.

"الادارة الامريكية ربما تبدي صبرا الان لكن ماذا عن الشعب الامريكي والشعب الاوروبي.."

وهناك دلائل على أن جيران أفغانستان مثل الهند وباكستان اعتبروا الانسحاب أمرا مسلما به ويمارسون ألاعيب دبلوماسية لضمان نفوذهم بعد تلك المرحلة. ويعتقد الأفغان أيضا أن هذا هو ما سيحدث في نهاية المطاف.

وقال نور محمد وهو موظف حكومي في قندهار "اذا كان الامريكيون او حلف الاطلسي يرون أنهم لا يستطيعون هزيمة طالبان فانهم سيفرون مثلما تركنا الامريكيون بعد أن رحل السوفيت وخلفوا لنا تركة من الحرب واراقة الدماء."

ويقول المحلل والسياسي حشمت غني احمدزاي ان الافغان يؤهبون أنفسهم بالفعل للانسحاب.

وأضاف "على المستوى المحلي وفي المساجد والقرى يتواصل الناس مع طالبان لانهم يعتقدون أن الامريكيين سيرحلون في نهاية المطاف وهذا الشعور يتسلل الى الحكومة."

كلينتون: لن نتخلى عن الأفغان

من جانبها صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الشعب الافغاني بعد انتهاء المهمة القتالية للقوات الدولية العام المقبل.

وقالت كلينتون في لقاء مع الرئيس الافغاني حميد كرزاي "لنكن واضحين. نتطلع الى انتقال مسؤول ومنظم بعد التدخل العسكري الدولي في افغانستان ولن نتخلى عن الشعب الافغاني".

وقالت كلينتون امام وفد افغاني كبير في وزارة الخارجية "ان التزامنا في المجال المدني سيبقى طويلا في المستقبل".

ويرافق كرزاي نحو 15 مسؤولا افغانيا، بينهم عشرة وزراء. وسيلتقي الوفد ايضا اعضاء في الكونغرس الاميركي. وتطرقت كلينتون وكرزاي الى النقاط الحساسة في العلاقات بين بلديهما.

ودعت وزيرة الخارجية الاميركية مجددا كابول الى مكافحة الفساد. وقالت "ان استقرار البلاد على المدى الطويل يتوقف على التنمية الاقتصادية وحسن الادارة وخصوصا مكافحة الفساد".

واشنطن تخطئ بتوجيه انتقادات لكرزاي

ودعا محللون سياسيون الإدارة الأمريكية إلى التوقف عن بعث الرسائل التي تشير إلى امتعاض واشنطن من تصرفات الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، واعتراضها على تصريحاته وأسلوب قيادته، باعتبار أن كرزاي هو "الخيار الوحيد" المتوفر أمام البيت الأبيض في كابول حالياً.

وقال الكاتب والمحلل السياسي، فريد زكريا، لـCNN، إن تصرفات واشنطن حالياً "خاطئة" حيال الرئيس الأفغاني، خاصة الإشارات الانتقادية إلى العملية الانتخابية التي منحته ولاية جديدة، والتي دفعت كرزاي إلى الرد باتهام الغرب بالبحث عن "حكومة دمى" خاضعة لرغباته.

ونصح زكريا الإدارة الأمريكية بمحاورة كرزاي ومحاولة البحث عن نقاط اتفاق معه، مشيراً إلى أن الاختلافات في وجهات النظر بين واشنطن والرئيس الأفغاني مماثلة لتلك الموجودة مع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، لكن الإدارة الأمريكية لا تنتقد الأخير كما تفعل مع كرزاي.

وأضاف: "رغم وجود القوات الأمريكية التي أبقت المالكي في السلطة لسنوات بالعراق، إلا أنه كان يتسامح مع المليشيات الشيعية قبل أن يشن حملته المعروفة للقضاء عليها، ولكن الضغط الأمريكي عليه ظل بعيداً عن الأضواء."

ولفت زكريا إلى أن كرزاي يتخذ في بعض الأحيان "مواقف غريبة تندد بالولايات المتحدة وبسياستها الخارجية،" ولكن الحاجة الأمريكية إليه كبيرة، نظراً لحجم التأييد الذي يحظى به في أوساط عرقية "الباشتون" التي تشكل غالبية الشعب الأفغاني، وكذلك غالبية عناصر تنظيم القاعدة.

وأضاف: "الإدارة الأمريكية أمام خيار من اثنين، إما التعاون مع كرزاي أو البحث عن بديل عنه، وبما أن هذا البديل غير متوفر، فلا مناص من اعتماد الخيار الأول." 

يذكر أن كرزاي كان قد اعتاد في الفترة الماضية توجيه انتقادات حادة للإدارة الأمريكي، كان بينها ما أدلى به في مقابلة مع CNN، عندما دعا  الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها إلى "التحلي بالصبر" في حال عجزت حكومته عن تسلم المهام الأمنية على أراضيها بحلول الموعد الذي حدده البيت الأبيض لبدء الانسحاب من أفغانستان، في يوليو/تموز 2001.

وتعهد الرئيس الأفغاني بالقيام بكل ما بوسعه لأجل "اجتثاث الفساد وتحسين الأداء الحكومي" مضيفاً أنه قام مؤخراً بفصل عدد من المسؤولين الفاسدين، غير أنه أشار إلى وجود ممارسات دولية تشجع على الفساد للتأثير على القرار في أفغانستان، داعياً الولايات المتحدة والدول الغربية إلى "وقف ممارساتها" التي تساعد على انتعاش هذه الظاهرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/أيار/2010 - 4/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م