ماهي خصال العراقي

عباس عبود سالم-القاهرة

يعرف الايرلنديون بالبخل، والالمان بالدقة، والانكليز بالهدوء وحب السياحة، والمصريون بالفهلوة وخفة الدم، والاردنيون بالجدية، والجزائريون بالعصبية، وكذلك الاتراك، والايرانيون، والروس، والهنود..وغيرهم فلكل امة مايميزها، ولكل شعب صفة حميدة، او ذميمة تعرفه بها الدنيا، غير اوراقه الثبوتية، الا نحن فلحد الان لانعرف بأي عين يرانا العالم، بعيدا عن التغني بالماضي الحضاري.

 اي بماذا يعرف او يتميز العراقيون، واذا افترضنا ان صفاء النفس، والتدين، وكرم الضيافة، والانفة، والشجاعة، والنبل، وحب الشعر، والفن، وعلم الكلام، والثقافة هي ميزات اشتهر بها اهل العراق في السابق، فبماذا يشتهر العراقيون الان، وهل صحيح انه لم يتبقى مايربطنا سوى حبنا للدولمة، والباجة، والباقلاء بالدهن، مثلما تروج بعض الاعلانات التلفزيونية ام ان هناك مشتركات اخرى.

 اذ ان هناك من يرى ان زمن الخصال الراقية انتهى بسقوط الملكية، وغيرهم من يرى انها انتهت بسقوط جمهورية عبد الكريم قاسم، وهناك من يحاول ان يمدد التاريخ الى عهد قريب، لكنهم جميعا يتفقون ان مجيء صدام الى السلطة قلب كل شيء، لانه بظهوره جائت مشتركات جديدة لتميز العراقي عن سواه، بعيدا عن تلك المشتركات التي ذهبت مع الماضي او مع (ايام الخير).

 اول هذه المشتركات ان جنسية العراقي لاتعني له شيء، بل انها تختلف عن اي جنسية في الدنيا، كونها اخذت من المواطن اكثر مما اعطته، واتعبته في الداخل والخارج اكثر مما وفرت له من سبل الراحة، والدليل اليوم ان سياسيين وشخصيات هامة لم ولن يتخلوا عن جنسياتهم الاخرى، لانها ستنفعهم في الدنيا والاخرة، كون اولادهم واحفادهم سيدعون لهم بعد كل صلاة لقاء ماورثوا عنهم من جنسية بريطانية، او فرنسية، او استرالية، تحميهم من مواجهة الذل والهوان في مطارات العرب، وتعينهم على تجشم مشاق الدنيا، وتمنحهم امتياز التجوال في ارض الله الواسعة بحرية، لياكلوا من طيبات مارزقهم الله، وهم معززين.. مكرمين.

 ثاني المشتركات ان العراقي يسمع عكس مايرى، فكم شاهد من الارواح العراقية البريئة تزهق ويسمع انهم يهددون امن الوطن، واضافة الى ذلك فكم ازيلت من المعالم العراقية بحجة تشويه ملامح الوطن، وكم سرقت ونهبت من الاموال تحت سقف بناء الوطن، وكم تآمر المتآمرون مع الغير، والدافع المعلن هو خدمة قضايا الوطن، وكم خسرنا بمعارك دامية والنتيجة المعلنة دائما هي (انتصار عظيم).

ثالث المشتركات ان العراقي مشروع دائم للموت من اجل حسابات سياسية لاشان لها بالعراق، فقوافل شهداء (القادسية)، و(ام المعارك)، و(الحواسم) التحقت مع قوافل شهداء المقابر الجماعية في الحلة، والنجف، وكربلاء، وميسان، والبصرة، وذي قار، مع ضحايا البعث في الانفال، وحلبجة، وشهداء المقبرة الجماعية التي اكتشفت اخيرا في الكويت، لينظم الجميع الى شهداء القتل على الهوية، والارهاب، وابادة المدنيين الايرياء، والعسكريين الشرفاء، وآخرها في ملعب تلعفر ومعمل الحلة ونقاط السيطرة في بغداد.

وهذه القوافل التي ابيدت وتباد ظلما تظم مختلف الفئات، والكفاءات، والتخصصات، والثقافات والمكونات.. ويتجاوز عددها سكان دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة (عدا المملكة السعودية)؟ وتعادل سكان دول اوربية لها اعتبارها؟ فشتان مابين شعب ارسل قسرا الى المقابر، وشعوب تتفنن في تعاطي متع الدنيا وملذاتها.

رابع المشتركات ان سجلات الصعود والنزول من فوق وتحت السلم الاجتماعي الاداري السياسي جارية بشكل مجنون، وكونك تصعد بسرعة الصاروخ.. وتهبط بسرعة سقوط القذيفة من موقعك السياسي فهذا لانك عراقي، لاتؤمن بحق غيرك مثلما تؤمن بحقك.. في الحرية.. او السلطة.. او الخدمة العامة.. ولاتتحمل انتظار دورك في طابور موثوق به لانه غير موجود اصلا، ولاتخضع في بلادك لضوابط، او قوانين متوارثة، بل لكل يوم قانون يجب(يلغي) ماقبله..

خامس المشتركات اننا الاكثر حبا للشعارات، فلايستطيع العراقي ان يتخلى عن ترديد الشعارات، وسماعها، ولا اريد ان استعرض مايتردد من شعارات، عن المقاومة، وحب الوطن والدفاع عن الارض، والامة العربية، والديموقراطية وكل قراطيات الدنيا....ولكن من يصنع هذه الشعارات يهدف الى مصلحته المباشرة، ومن يرددها ورائه يعتقد واهما انها هدف سياسي شريف؟؟

سادس المشتركات اننا نعيش في عصر تتعدد فيه النسخ، بين اصلية ومزورة، فالاسواق.. هناك اسواق اصلية واسواق للحواسم، والسلع كذلك، والبيوت، والشقق، والمدن، وليت الامر يقف عن هذا الحد، لانه يشمل شيوخ العشائر هناك حواسم واصلي!! الضباط !! مدراء الدوائر!! اعضاء البرلمان!! الاكاديميون!! الخبراء!! والمحللون السياسيون!! والغريب ان الحواسم اكثر هيمنة؟ لانهم يرفعون شعار البحر من ورائكم، والعدو من امامكم، وانتم تعرفون الباقي!!!!

 ولا اريد المتابعة فالمشتركات كثيرة لا يحتملها هذا المقال وتتطلب دراسات وبحوث اجتماعية ونفسية وسياسية معمقة، لكن هناك مايلفت ان الشعب الذي اشتهر بأنه شعب التضحيات، كونه عاش يضحي دون ان يستفيد، ويسدد فواتيره وفواتير غيره!! دون ان يأخذ اي شيء من حقوقه، بات اليوم اكثر من اي وقت يطالب بالحقوق.. ولكن بطرق مختلفة، ربما تصنع اختلافات جديدة وتضيع فرص بناء مشتركاتنا وقيمنا العراقية النبيلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/أيار/2010 - 4/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م