شبكة النبأ: لا يمكن النظر الى الادب
كونه حالة جمالية لا علاقة لها بتطلعات الناس وطموحاتهم، ولا يمكن
الركون الى النظرية التي تقول بأن الأدب لايخدم سوى نفسه استنادا الى
نظرية او مبدأ (الفن للفن)، ومع أننا نتفق ونقر أن الهدف الأدبي لا
يتلخص باعطاء النتائج العملية المباشرة ولكن يبقى دوره قائما وماثلا
للعيان في رسم الحياة وانشطة الانسان كافة.
يقول الشهيد السعيد المفكر الاسلامي آية الله السيد حسن الشيرازي
رحمه الله في كتابه المتميز والمرموق الذي حمل عنوان (العمل الأدبي):
(ليس هدف العمل الادبي اعطاء الحقائق العلمية ولا القضايا التاريخية
وليس الادب مكلفا بالتحدث عن صراع الطبقات مثلا، ولا عن النهضة
الصناعية ولا الكفاح السياسي او الاجتماعي إلا أذا انفعل الاديب وهاجت
لديه تجربة شعورية. ولا يعني ان الادب لاغاية له إذ ان شرفه الاساس هو
توحيد الشعور في مقابل توحيد الذهن الذي هو غاية الثقافة).
ولذلك يؤكد الشهيد السيد حسن الشيرازي على أن الادب له مهمات قائمة
وملموسة ولا ينبغي أن يُلحَق أو يُختصر بالجانب المثالي حصرا، بمعنى أن
الادب لابد أن يؤدي دوره في الأنشطة الفكرية والحركية للانسان ولا يمكن
أن يبقى بمعزل عن الدينامية المتحركة لمفاصل الحياة عموما، وفي هذا
المجال تحديدا يقول السيد حسن الشيرازي في كتابه المذككور نفسه:
(ان الادب الرفيع لا يستعرض غير الحقائق مهما شط به الخيال، كل ما
هنالك إن الادب يحصد القمم ويقطف النجوم ليعبد للتائهين المستقبل
الصاعد، ولا ينحدر الى المستنقعات الآسنة التي تلفت الصاعدين الى
الوراء، حتى ليحسبه الناس مثاليا وما هو إلا منتزعا من صميمهم منتزع من
قممهم لا من سفوحهم.
والعمل الادبي يستحق اكثر من هذا الاهتمام، فالفرد الاديب الذي يحظى
بحياة محدودة يعبر عن تجاربه الشعورية انما يخلد نفسه عبر الاجيال
والقرون).
من هنا تعاظمت مكانة الاديب كلما كان دوره كبيرا وواضحا ومؤثرا في
الآخرين من حيث تصحيح المسارات الخاطئة لاسيما ما يتعلق بالحرية
وتعميقها لدى الناس وإظهار دورها في مقارعة الظلم والتجاوزات التي
غالبا ما تتعرض لها الامة او المجتمع من الساسة والحكام الظالمين،
ويقول السيد حسن الشيرازي حول مكانة الاديب في كتابه المرموق نفسه:
إن (الافراد مهما عظموا فانهم الى فناء تتلقف الاجداث رفاتهم لكن
الاديب العظيم عندما يولد يولد معه كون عظيم وحينما يموت يضيف الى رصيد
البشرية كونا عظيما لم يسبق ان رآه انسان وكل لحظة يمضيها القارئ مع
اديب هي رحلة في كوكب منفرد متميز الخصائص والسماة. والتجارب الادبية
عوالم لانهائية تتسم بذلك التنوع الهائل كما لاينضب ولا يتشابه طيف
منّوع من الالوان والصور والانفعالات).
ومع أننا نتفق على الطبيعة المثالية للأدب كونه ينتمي الى المدرك
وغي الملموس ماديا، إلا أننا لابد أن نتفق –كما ورد في صدر هذه الكلمة-
على التأثير المادي الواضح للادب في حياة الامم والشعوب، وقدراته الفذة
في تغييرها نحو الافضل لاسيما اذا توافرت الاقلام والقرائح الموهوبة
والجادة والفاعلة في آن.
ويرى الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله): (بان العمل الادبي
حركة واحدة يشترك في اخراجه الشعور والتعبير عن التجربة الشعورية التي
تتولد نتيجة التلاقح بالمؤثرات الخارجية ثم تعقبها التجربة التعبيرية،
كما تتبرعم القيمة التعبيرية انطلاقا من التسلسل الوجودي بين التجربة
الشعورية والتجربة التعبيرية).
وهذا ما يؤكد الطبيعة الشعورية للادب، لكنه لا يلغي الدور الفاعل له
في تفعيل الوعي وتعميق الفكر لدى العامة والنخبة في آن، بمعنى أن الادب
وفقا لرؤية الشهيد الشيرازي (رحمه الله) وإن كان ذا إطار شعوري بحت إلا
أنه يمكن أن ينتهي الى تفعيل القدرة والوعي لدى عامة المجتمع فيكون
كالاداة المحركة للطاقات الدفينة والكامنة في أعماقهم.
وهذا ما يؤكد ما حدث من ادوار مهمة للادب في عمليات التغيير التي
حصلت عبر التأريخ لدى العدد من الامم التي كانت خاملة فيما سبق فحركها
الادب والفكر واستنهض طاقاتها وحولها الى امم متحركة فاعلة ومنتجة في
آن.
لذلك يمكن القول بأن الرؤية المعاصرة التي تمخضت عن أفكار السيد
الشهيد حسن الشيرازي تصب في اطار الدور الفاعل للادب في تغيير مصائر
ووقائع الامم والشعوب وامكانية تحويلها من شعوب ساكنة قارة لاتجيد سوى
السكون الى شعوب ومجتمعات منتجة متحركة بإمكانها الانتقال من الهامش
الى حيز العمل المبدع والمعاصر في آن.
وهذه الرؤية المعاصرة التي يمكن استجلاؤها من الأفكار الجوهرية
للشهيد الشيرازي (رحمه الله) تنطبق على واقعنا الراهن الذي هو بأمس
الحاجة الى تفعيل دور الأدب لكي يسهم في نقل الامة والمجتمع الى الحالة
المتحركة التي يمكنها أن تتواءم مع عصرنا المتسارع في حركته على
المستويين المادي والفكري في آن واحد. |