في عناصر الدولة ومقوماتها

الشيخ فاضل الصفّار

أركان الدولة

الدولة ليست حقيقة شرعية ولا متشرعية، بل هي حقيقة عرفية خاصة أو عامة، وقد استعملت في المعنى اللغوي أيضاً، ولكن الظاهر عدم وجود تعريفٍ جامع للدولة في علم السياسة، حتى ذهب بعض المتخصصين إلى أنه جمع مائة وخمسة وأربعين تعريفاً لهذا المفهوم، مما يكشف عن أن أهل الاختصاص فيه لم يتفقوا على تعريفٍ منطقيٍ تام شامل لكل أفرادها وطارد لأغيارها، وربما ذلك ناشئ من كون الدولة حديثة الاستعمال نسبياً؛ إذ لم تعرف في أوروبا قبل النهضة، وقد استخدمت منذ القرن السابع عشر للتعبير عن الكيان الذي يشكل في آن ما إطاراً وركيزة للسلطة السياسية، وقديماً عبر الإغريق عن الدولة بكلمة بوليس، وعبر الرومان عن الجمهورية بكلمات مقاربة[1].

ولعل من هنا ننتهي إلى القول بأن هذه الاختلافات المتباينة في تعريف الدولة أدت بالبعض إلى الاستغناء عن هذا المفهوم، والاكتفاء ببيان أركان الدولة ومقوماتها، فقد جرت العادة عند فقهاء الشريعة والقانون على تحديد ثلاثة أركان للدولة، والظاهر أنهم متفقون على ذلك، وإنما الاختلاف نشأ بينهم في تعيين هذه الأركان من ناحية السعة والضيق، فقد اختلفوا فيها إلى آراء ثلاثة:

الأول: لعلماء القانون والسياسة

والثاني والثالث: لفقهاء الشريعة.

أما الأول فهو ما ذكره فقهاء القانون؛ إذ حددوا أركان الدولة بالشعب والسلطة والإقليم، وقد أخذ بعض المفكرين الإسلاميين هذا التقسيم أيضاً من غير التفات إلى قوانين الشريعة ومبادئها بحجة أن الفارق بين الشعب والأمة يظهر في أن الرابطة التي تجمع بين أفراد الأمة رابطة طبيعية معنوية تستند إلى عوامل معينة ولكن لا يترتب عليها أي أثر قانوني. أما الرابطة بين الشعب والدولة فهي رابطة سياسية قانونية تفرض عليها الولاء للدولة، والخضوع لقانونها، وتفرض على الدولة في المقابل حماية أرواحهم وأموالهم وكافة حقوقهم التي يقرها لهم القانون،وكان من المفروض أن يكون الذين ذهبوا إلى هذا التعريف أكثر دقة، حيث يختلف موقف الإسلام من موضوع الدولة وتقسيماتها عن مواقف القوانين الوضعية والمبادئ السياسية الحديثة على ما ستعرفه من خلال بيان الآراء الأخرى.

أما الثاني وهو ما ذهب إليه بعض الفقهاء، حيث قال بأن أركان الدولة الثلاثة هي: الأمة والسلطة والأرض.

وهذا التقسيم أوسع من الأول من جهة أعمية الأمة للشعب، لشمولها لأكثر من شعب، ولأعمية الأرض وأوسعيتها من الإقليم، وقد ذهبوا إلى هذا بلحاظ أن الدول في الإسلام لا تحد بحدود إقليمية؛ إذ إن الرسالة الإسلامية للعالم بأسره، وإن رسول الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعث إلى الناس كافة، كما أن مفهوم الأمة التي جاء به القرآن الكريم هو أرقى من مفهوم الشعب الذي أورده أرباب القانون الوضعي.

وأما الثالث فقد ذهب إليه بعض الفقهاء ومنهم السيد الشيرازي(رحمه الله)، حيث جعل العناصر الثلاثة التي تقوم عليها الدولة الإنسان والنظام والأرض، وبذلك يكون هذا الرأي أوسع وألصق بمبادئ الشريعة من التعاريف الأخرى؛ وذلك لأن الإنسان هو الهدف من التشريع، كما هو مقصد العدالة في السلطة، كما أن النظام هو الأصل والسلطة متفرعة عن النظام، والسر في هذه التوسعة التي ذهبوا إليها وجهان:

الأول: ما ذكره في الفقه السياسة حيث قال: عناصر الحكومة ثلاثة: الإنسان والنظام والأرض، وقد خلق الله الإنسان إبداعاً كما يستفاد من الآيات والروايات لا تكاملياً كما ذهب إليه دارون وأتباعه، وألهمه نظامه، كما قال سبحانه: [وعلًم آدم الأسماء كلها][2] وخلق من قبل ذلك الأرض، فقد تكاملت الأسس الأولية للحكومة منذ أول إنسان؛ ولذا ورد: «الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»[3] وفي الخبر المتضافر «أن الحجة لا تقوم لله عزوجلّ على خلقه إلاّ بإمام حتّى يعرف»[4]، وإليه يشير قوله سبحانه: [إني جاعل في الأرض خليفة][5] والرواية المشهورة «لو بقيت الاّرض بغير إمام لساخت»[6] فإن الحجة سياسياً منزلتها منزلة الحجة عبادياً واقتصادياً واجتماعياً وغيرها على ما لا يخفى[7].

الثاني : ما ورد في النصوص الشرعية من الأدلة الدالة على أن أهمية الدولة ترجع إلى أهمية الإنسان، وأن الدولة خادمة للإنسان ومحققة لأغراضه وأهدافه، فمن ذلك ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) في أكثر من كتاب ونص. منها ما ورد في كتاب له إلى بعض عمّاله كما في نهج البلاغة يقول فيه: «أما بعد، فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين، وأقمع به نخوة الأثيم، وأسد به لهاة الثغر المخوف، فاستعن بالله على ما أهمك، واخلط الشدة بضغث من اللين، وارفق ما كان الرفق، واعتزم بالشدة حين لا تغني عنك إلا الشدة، واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك، والسلام»[8].

وفي هذا الكتاب دلالة على أن في نظر الحاكم الإسلامي لا فارق بين إنسان وإنسان، ومبدأ وآخر، أو معتقد وغير معتقد، وإنما الجميع عنده سواء؛ ولذا أخذ السيّد (رحمه الله) عنوان الإنسان في أركان الدولة، وليس الشعب الذي يدل على قوم خاص أو قبيلة خاصة مثلاً، أو الأمة التي تدل على جماعة تعتقد بمبدأ خاص، وإنما الإنسان بما هو إنسان هدف في الدولة، ومن هذا ما ورد في كتاب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأشتر النخعي رضوان الله عليه لما ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن، فقد ورد فيه: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم» [9].

وورد في هذا الكتاب نص آخر يقول: «أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حرباً حتى ينزع أو يتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد»[10] ونلاحظ في هذا النص أن الإنسان هو الذي أخذ في لسان الحاكم، وينبغي أن تراعيه الدولة في مخططاتها وفي سياساتها.

ومن هذا أيضاً ما ورد في الكتاب المزبور يقول فيه: «واعلم أنه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نسباً طويلاً، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده، ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها»[11] ونلاحظ أن الرعية هي التي أخذت في لسان الخطاب، والرعية تشمل الناس عموماً بغض النظر عن القومية أو العنصر أو الدين والمبدأ.

وورد أيضاً ما يؤكد على مراعاة شرائح المجتمع. يقول في ذلك الامام عليه السلام في نفس الكتاب موجهاً واليه في مصر: «واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتّاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمّال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التّجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكل قد سمى الله له سهمه، ووضع على حدّه فريضة في كتابه أو سنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) عهداً منه عندنا محفوظاً»[12] فنلاحظ في هذا النص أن هموم الحاكم ومطمح نظره الرعية بما هم بشر في تدبير شؤونهم، والقيام بأمورهم، وتنظيم دولتهم، ونلاحظ أن اهتمامه بغض النظر عن الدين أو المعتقد أو الطبقة الاجتماعية الاّ ما تفرضه طبيعة المهام والوظائف في تصنيف شرائح المجتمع.

هذا الاهتمام منصب إلى الناس بما هم ناس، وهذا يؤكد ما ذهب إليه السيد الشيرازي اعلى الله مقامه من جعل الإنسان هو الركن الذي تقوم عليه الدولة وليس الشعب أو الأمة فقط، بل يؤكد ما وسّعه الإسلام من مسؤولية الحاكم لغير الإنسان أيضاً ما ورد من أن الحاكم والدولة مسؤولان حتى عن الأراضي والبقاع والبهائم، وقد أكّدته بعض خطب مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) التي خطبها في أوائل خلافته، منها : «اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم»[13].

فإن المسؤولية في منطق الشريعة لا تخص الإسلام والإيمان فقط حتى نجعل الأمة هي الركن، ولا المسلمين والمؤمنين فحسب، ولا الرجال والنساء فقط، ولا البشر فقط، وإنما هي تعمّ ما خلق الله تعالى مما يمكن للبشر الاستفادة منه في خير أو شر، في حق أو باطل، في هداية أو ضلالة وما إليها، حتى الأرض والتراب والبلاد والبر والبحر والناس مسؤولون عنها بشتى أنواع المسؤولية، سكناها زراعتها تركها إسرافها ونحو ذلك، وحتى البهائم والحيوانات فالإنسان مسؤول أمام الله تعالى عنها في ظلمها والرحمة بها والاستفادة منها في خير أو شر، في تبذيرها وإسرافها وغير ذلك.

فبناءً على هذا إذا كان الإمام (عليه السلام) ينص على أن الإنسان مسؤول حتى عن البقاع والبهائم فما بالك بالدولة والحكومة؟ هذه هي حدود مسؤولية الدولة والحكومة في سياسة الشريعة، ومن هنا يتضح سرّ جعل السيد (الشيرازي) الإنسان هو الركن، وهذا هو الأقرب إلى روح الشريعة وإلى نصوصها من التعبيرات الأخرى، وبذلك يظهر أن من دون عنصر الأرض لا يمكن تصور وجود الإنسان أو الشعب أو الأمة، وكذا الدولة والحكومة والسلطة وممارسة تطبيق القانون.

من هنا نقول بأن القيم الإنسانية والأخلاقية التي قامت عليها فكرة الدولة في الإسلام هي القيم التي يتجه إليها طموح البشر في العصر القديم والحديث على مستوى الدولة الإنسانية، وعلى مستوى النظام الدولي المرتجى، وهي قيم العدالة والحرية الواعية وكرامة الإنسان وتيسير سبل التكامل الروحي والمادي لبني البشر.

مميزات الأمة

ان الامة التي تخضع للدولة الإسلامية قد لاحظت الشريعة فيها أموراً عدة:

منها: الاستقلالية والانفتاح؛ لأن الأمة مجتمع سياسي يحكم نفسه.

قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [14].

فإن الاستخلاف في الأرض هنا هو الاستخلاف الخاص، بمعنى استخلاف الاصطفاء، وهو ليس مجرد العيش كيفما اتفق، وليس صرف الوجود، وإنما هو الوجود الفاعل المتميز الذي يحمل مضموناً ومعنى ينطبق مع الروح الإنسانية والقيم الإنسانية للشريعة، وتمكين الدين لا معنى له إلا بتمكين المعتقدين بذلك الدين الحاملين لرسالته من حيث إنهم يحكمون هذه الرسالة في حياتهم، ويحملونها إلى الآخرين، وتكون هذه الرسالة هويتهم، ومن هنا فإن الهوية الإنسانية للدولة الإسلامية هي هوية الإنسان والقيم الإنسانية.

ومن الواضح أن التمكين يعني السلطة والقدرة على التصرف دون وصاية من الغير، أو تدخل يقيّد حرية الاختيار، فلا بد أن تكون هذه السلطة قادرة على حماية نفسها من العدوان، فإن الأمن لا يكون منحة معطاة من الغير، وإنما هو نتيجة معادلة قوة سياسية وعسكرية واقتصادية وروحية وفكرية وتربوية وغير ذلك مما يكوّن قوة المجتمع السياسي، وهذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع سياسي يحمل رسالة الإنسان التي هي رسالة الإسلام، ويقوم على فكرتين مركزيتّين تدور وتتركز عليهما حياته، وهي كونه مجتمعاً متمّيزاً ومنفتحاً في وقت واحد، فإن المجتمع الإسلامي يتميز عن غيره من المجتمعات بكونه تجسيداً لعقيدة وشريعة ورسالة حضارية، فليس المجتمع الإسلامي مجرد تعبير عن ضرورة الإنسان إلى الاجتماع لحفظ حياته واستمرار وجوده والحصول على خدمات ومكاسب أكثر مما يستطيع أن يحققه بجهده الفردي، بل هو مجتمع رسالي ذو مهمة حضارية إنسانية، وهذا هو مبرر وجوده في التأريخ، وإلا لكان من الممكن بقاؤه على ما كان عليه من دون تغيير في معناه ومبناه.

ومن هنا أكدت الشريعة على المسلمين في المجال التنظيمي أو السياسي أن يتمايزوا عن المجتمعات الأخرى في الولاء السياسي، وفي نمط الحياة العامة والخاصة، وفي تعاملهم وسلوكهم مع أنفسهم ومع الآخرين، بحيث لا يكون نسخة من حضارة أخرى، ومنهج حياة آخر، ولعل من ذلك قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} [15] فإن الآية الشريفة تضمنت إنشاء حكم تكليفي تحريمي في مجال التنظيم السياسي، ويترتب على عصيانه وانتهاكه مسؤوليات سياسية، ولعل من ذلك أيضاً قوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [16] وفي هذه الآية إنشاء حكم تكليفي تحريمي تترتب على عصيانه مسؤوليات سياسية، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في هذا المجال.

هذا وقد حفلت السنة الشريفة بالنصوص التي صرحت أو لمحت إلى هذا التشريع، وهذا التمايز لا يقتصر على الولاء السياسي والممارسة العبادية فقط، بل يشمل نمط الحياة العامة والخاصة في قضايا الطعام واللباس وعلاقات الجنس والأنشطة الاقتصادية، وغير ذلك مما اشتمل عليه نظام المحرمات في الإسلام، وفصّلت السنة منه ما أجمله القرآن وذكره الفقهاء في كتبهم الفقهية.

ومن الواضح أن هذا التمايز بين المجتمع الإسلامي وغيره لا يعني الانغلاق ونبذ الآخر أو محاربته، بل إنه تمايز لحفظ الشخصية الرسالية من الذوبان، فهو تمايز تفرضه طبيعة المجتمع ومهمته الرسالية، وليس تمايزاً ناشئاً من التعصب العرقي أو الديني، أو ناشئاً من البغضاء والعاطفية أو ما أشبه ذلك، كما هو الملحوظ في جملة من الدول الحديثة التي تمارس سياسة متعصبة للقوم أو العنصر أو ما أشبه ذلك.

ومن هنا فإن المجتمع الإسلامي منفتح على الآخر، لكن انفتاحه عليه بالحوار وبالتعايش والتعاون لما فيه خير الإنسانية العام، وهذا ما أكده القرآن الكريم في آيات عديدة تضمنت المعاني المزبورة، منها قوله سبحانه وتعالى: {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}[17].

ومنها: قوله سبحانه وتعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} [18] كما وجّه المشرع الإسلامي المسلمين إلى التعايش مع غيرهم والتعاون معهم، وقد دلت على ذلك آيات.

منها: قوله سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}[19].

والملحوظ في سيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين الأوائل تطبيقاً أميناً وجدياً لهذا التشريع في مجال الحوار والتعايش والتعاون والمساندة، ابتداءً من تجربة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين مع اليهود والنصارى في المدينة ونجران وغيرهما، مروراً بالمراحل التأريخية التي كان المجتمع الإسلامي فيها متماسكاً على أساس الإسلام، ويحترم غير المسلمين ما داموا يحترمون الإسلام ويحفظون حقوق المسلمين.

ومنها: الوسطية والشهادة، وهي الميزة الثالثة، فإن التمايز عن الآخر والانفتاح هو الذي أعطى الأمة الإسلامية سمتها العظيمة الفريدة، وهي الوسطية والشهادة، كما نصت عليه الآيات الشريفة.

إذاً الأمة الإسلامية بما هي حاملة لرسالة الإسلام سواء في العقيدة والشريعة والحضارة وتجسيد لها تقع في المركز الوسط المتوازن، وتمثل التوازن في مسيرة البشر بين الإفراط والتفريط، وبين الإسراف من هنا والإسراف من هناك، وهذا ما ينبغي أن تتسم به الدولة الإسلامية أيضاً، وهذه هي سمة الشاهد، فإن الشاهد يجب أن يكون منفصلاً ومتمايزاً عن المشهودعليه، ولكن لا يجوز أن يكون منغلقاً عنه، بل يجب أن يكون منفتحاً متواصلاً معه في آن واحد، وقد تجلت هذه الحقيقة المقوّمة للحضارة الإسلامية مع الأقوام الأخرى في جميع الحالات، فكان المسلمون دائماً منفتحين على غيرهم في مجالات السياسة والاجتماع والثقافة، فأنجزوا صيغة التعايش مع الأنظمة، وأنجزوا المجتمع المتنوع من حيث الانتماء الديني لأول مرة في التأريخ في صيغة مجتمعية واحدة وكيان سياسي واحد، وأنجزوا أعظم وأنبل انفتاح علمي ومعرفي، وحتى ثروات البلد جعل الإسلام قانون الإحياء[20] والإعمار[21] والأسبقية[22] وما أشبه ذلك شاملاً للمسلمين وغيرهم، فإن الأرض لمن أحياها سواء كان من المسلمين أو غيرهم، كما أن الحق لمن سبق سواء كان من المسلمين أو غيرهم.

مضافاً إلى أن كل جيل يعيش في بلاد الإسلام له حق في ثروات هذا البلد وخيراته كما عليه واجبات، فبناءً على هذا فالدولة ترعى الإنسان بما هو إنسان؛ ولهذا غضت الطرف عن المبدأ، وغضت الطرف عن القوم والعنصر وما أشبه ذلك إلا في بعض الموارد الخاصة التي يتعلق بها الدين، أو تتعلق بالقوم أو العنصر، أو ما أشبه ذلك، وهذا أمر موجود في كلّ دولة ومجتمع، وقد نصت على هذه الخصوصية – أي الوسطية والشهادة في الأمة الإسلامية ـ آيات القرآن وروايات السنة الشريفة، فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } [23] وكلمة الناس هنا أعم من الذين يعتقدون بدين أو لا يعتقدون، وأعم من الناس الذين ينتمون إلى قوم وعنصر أو غيرهم.

 وقال سبحانه وتعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس}[24] ومن هنا جعل الإسلام غاية الجهاد والحرب ليس فقط الدفاع عن الإسلام والمسلمين، بل إنقاذ المستضعفين في الأرض والمظلومين لاي عنصر أو دين أو قومية انتموا؛ لأن الإسلام يريد رفع الظلم وبسط العدل على الأرض بغض النظر عن القومية و العنصر.

ومنها: العدالة والقسط، كما قال سبحانه وتعالى: {قل أمر ربي بالقسط} [25]، وقال تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا}[26]، وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} [27].

فنلاحظ من مجموع هذه الآيات الشريفة أن العدل هو رسالة الدولة في الإسلام، والعدل لا يختص بمجتمع مسلم أو غير مسلم، وإنما الكل عنده سواء.

إذاً مبدأ العدالة هو المبدأ الحاكم والمسيطر على الحياة العامة والخاصة للبشر في الإسلام، وهذا المبدأ هو الذي يحكم قانون الوجود، ويحكم الكون أيضاً، ومن الواضح لزوم تطابق العالمين التكويني والتشريعي معاً، كما قال سبحانه وتعالى:{شهد الله أن لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط}[28] وقال تبارك وتعالى: {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} [29] وقال سبحانه وتعالى: {والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} [30] وهذا المبدأ يجب أن يكون حاكماً على الإنسان في خاصة نفسه في علاقته بربه وعلاقته بمجتمعه وأعماله الشخصية.

فعلى المسلم في جميع هذه الأحوال أن يكون عادلاً، ويجب أن يكون العدل حاكماً على الجماعة في علاقاتها مع الأفراد والجماعات الأخرى؛ لأن العدل هو الأساس، كما يجب أن يكون العدل حاكما في المجتمع السياسي في علاقته الداخلية بين جماعته وأفراده وبين الحكومة والشعب وبين الشعب والحكومة، وفي علاقاته ومعاملاته الخارجية مع المجتمعات الإنسانية الأخرى، كما أن هذا هو المبدأ الأساس الذي ميّز المجتمع السياسي الإسلامي عن المجتمعات الأخرى قديماً وحديثاً.

فهذه المجتمعات والحضارات منها ما كان يقوم على مبدأ الاستبداد، ومنها ما كان يقوم على مبدأ الحرية، ومبدأ الاستبداد كان هو الغالب على المجتمعات القديمة، كما أن مبدأ الحرية هو الغالب في المجتمعات الحديثة، لكن التشريع الإسلامي رفض هذين المبدأين في تكوين المجتمع السياسي والدولة والنظام، وجعل العدل هو الأساس؛ إذ إنه رفض مبدأ الاستبداد رفضاً مطلقاً؛ لأنه يؤدي إلى الظلم والطغيان، ويتصرف في شؤون الناس من دون رضاهم، كما رفض مبدأ الحرية باعتباره أساساً يقوم عليه المجتمع السياسي وإن اعترف بهذا المبدأ باعتباره حقاً للأفراد والجماعات في حدود النظام التشريعي للفرد والجماعة والمجتمع، وعلة ذلك على ما ذهب إليه البعض هو أن إقامة المجتمع السياسي على مبدأ الحرية يجعل العدالة في خطر، وكثيراً ما يلغي العدالة ويؤدي إلى الظلم؛ إذ أثبتت تجارب التأريخ البشري أن الحرية لا تضمن العدالة، بل قد تتجاوز عليها، والمجتمعات الحديثة التي اعتمدت مبدأ الحرية أدى بها ذلك إلى شيوع الظلم الاجتماعي والسياسي فيها، كما أدى ذلك على المستوى العالمي إلى نشوء ظاهرة الاستعمار والتعدي على الشعوب، بينما نجد أن إقامة المجتمع السياسي على مبدأ العدالة يصون الحرية ويحميها من العدوان، فالعدالة إذاً تصلح ضمانة للحرية بالضرورة بينما لا تصلح الحرية ضمانة للعدالة دائماً.

من هنا نلاحظ تركيز آيات القرآن والسنة الشريفة على العدل دون الحرية؛ لأن العدل هو الذي يحقق الحرية دون العكس، فإن إقامة المجتمع الإسلامي على مبدأ العدالة يلقي على هذا المجتمع وعلى نظامه السياسي وعلى حكومته مهمة تطبيق العدالة وصيانتها من الانتهاك والتعدي من قبل القوى الداخلية أو الخارجية، وهذه المهمة ليست مهمة وعظية نظرية، وإنما هي مهمة عملية لا يمكن القيام بها على وجهها الصحيح من دون امتلاك وسائل تنفيذها وآلاتها على من يتعدى عليها أو يهم بالتعدي؛ ولذا يجب أن يمتلك المجتمع والدولة وسائل وأدوات تنفيذ العدالة وحمايتها من الانتهاك والتعدي، وهذا ما أشارت إليه سورة الحديد بنحو الإشعار في هذه المرحلة التأسيسية من المجتمع في قوله سبحانه وتعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} [31] على تفصيل لا يسعنا بيانه هنا.

ومنها: الشورى، وهي السمة الأخرى للمجتمع الإسلامي؛ إذ ينبغي أن يكون مبدأ الشورى في الشؤون العامة أهم المبادئ السياسية على الإطلاق عند عموم المسلمين. نعم عند الشيعة الإمامية في عصر غيبة الإمام المعصوم(عليه السلام) وعند العامة منذ وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وذلك لأن مقتضى أدلة هذا المبدأ من الكتاب الكريم والسنة أنه لا تستقيم شرعية أي حكم سياسي لحاكم غير معصوم، ولا تستقيم شرعية أي تصرف في شؤون المجتمع من دون أن يكون قائماً على مبدأ الشورى وأخذ أكثرية الآراء، فإن الشورى في حين كونها من أهم المبادئ الدستورية والسياسية للحكم والدولة فهي من أهم المبادئ المكوّنة لمفهوم الأمة ومفهوم المجتمع السياسي في الإسلام، وذلك من حيث ما يقومان به من أنشطة وينشآنه من علاقات في داخلهما والخارج، بصرف النظر عن وجود سلطة حكومية.

والمستفاد من أدلة الكتاب والسنة أن الأمة الإسلامية ملزمة بإتباع أسلوب الشورى في إدارة أمورها العامة، كما أن الحاكم ملزم بالحكم عن طريق الشورى وملزم باتباع ما تنتهي إليه من نتائج.

وسنتعرض إن شاء الله تعالى إلى هذا المبدأ بشيء من التفصيل في مجال آخر، ولكن الذي نريد أن ننوه إليه هنا هو أن الشورى هي سمة المجتمع الإسلامي الذي يكوّن الدولة وتقوم عليه كمبدأ وركن من أركانها، فإن الشورى واجب على الأمة وعلى الحاكم وملزمة لهما معاً، فيجب على الأمة أن تدير أمورها العامة عن طريق الشورى، ويجب على الحاكم أن يحكم عن طريق الشورى أيضاً، وهو ملزم شرعاً بإتباع ما تنتهي إليه عملية الشورى، فضلاً عن الإلزامات العقلية والعقلائية وما أشبه ذلك.

وحسبنا أن نذكر هنا بعض الآيات الدالة على تشريع هذا المبدأ في الأمة وفي الحاكم. اما ما دل على وجوب الشورى على الأمة في إدارة أمورها العامة فهو مثل قوله سبحانه وتعالى في سورة الشورى: {وأمرهم شورى بينهم}[32] ومن الواضح أن هذا ليس وصفاً للمؤمنين، وإنما هو حكم شرعي وضعي تنظيمي على المسلمين يقتضي أن يطبقوه في حياتهم العامة بما أنهم آمنوا وأسلموا، كما هو الظاهر من سياق الآية.

وأما ما دل على وجوب الشورى على الحاكم في ممارسته لمهمة الحكم فهو مثل قوله تعالى في سورة آل عمران: {وشاورهم في الأمر}[33] على تفصيل تأريخي وروائي لسنا في مجال بيانه.

والحاصل: أن المراد بالشورى في الآيتين هو الأمور العامة المتصلة بقضايا الحكم والمجتمع، فإن النص القرآني دل على أن مورد الشورى هو الأمر، ولا شك في أن المراد منه الشأن العام الذي تزاوله الأمة والحاكم، فكل ما يتعلق بشؤون المجتمع العامة هو مورد الشورى ونتائجها الملزمة، وعليه فليس المراد من الأمر في الآيتين الشؤون الفردية الخاصة؛ لأن المشورة والمشاورة في القضايا الفردية والشؤون الخاصة من الأمور التي جرت عليها عادة البشر جميعاً، ومما تقتضيه طباعهم ويتلاءم مع مصالحهم الخاصة، فليس الأمر بها تأسيساً لنهج جديد في حياة الناس، وإنما الجديد هو الشورى في الأمور العامة على مستوى المجتمع وعلى مستوى الحكم، فإن ذلك أمر لم يكن مألوفاً للمجتمع السياسي وفي قضية الحكم، فقد كان السائد على مستوى الحكم الاستبداد والدكتاتورية والحكم الفردي، ولم يكن لرأي المجتمع وزن أو قيمة، وحيث اقتضت حكمة الله عز وجل أن يكون الحكم السياسي بالشورى، اقتضى ذلك إنشاء هذا الحكم الوضعي التنظيمي والأصل الأصيل الذي يميز المجتمع المسلم عن غيره.

فتحصل من ذلك: أن الدولة تقوم على أركان ثلاثة، والذي وافقته النصوص الشرعية من الآيات والروايات والسيرة أن الإنسان هو الركن الأول لا الأمة ولا الشعب، وأن الأرض هي الركن الثاني لا الإقليم، وأن النظام هو الركن الثالث لا السلطة، باعتبار أن النظام هو الأصل والسلطة متفرعة عنه.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

........................................

[1] والظاهر أن من أوائل من استخدم كلمة الدولة بمعناها الحديث المتعارف عليه الآن هو ميكافيلي في كتابه الأمير في عام 1515م على ما قيل.

[2] سورة البقرة : الآية 30.

[3] الكافي: ج1 ص177 ح4.

[4] المصدر نفسه: ح1و2و3.

[5] سورة البقرة: الآية 29.

[6] الكافي: ج1 ص 179 ح10.

[7] الفقه كتاب السياسة: ج105 ص10.

[8] نهج البلاغة: ص420 ـ 421 الكتاب 46.

[9] نهج البلاغة: ص427 ـ 428 الكتاب 53.

[10] المصدر نفسه: ص428 ـ 429 الكتاب 53.

[11] المصدر نفسه: ص431 الكتاب 53.

[12] المصدر نفسه: ص431 ـ 432 الكتاب 53.

[13] نهج البلاغة: ص242 الخطبة 167.

[14] سورة النور: الآية 55.

[15] سورة آل عمران: الآية 28.

[16] سورة المائدة: الآية 51.

[17] سورة النحل: الآية 125.

[18] سورة العنكبوت: الآية 46.

[19] سورة الممتحنة: الآية 8.

[20] إشارة إلى ما روي عنه(صلى الله عليه وآله وسلم): موتان الأرض لله ورسوله، فمن أحيا منها شيئاً فهو له انظر عوالي اللآلي: ج3 ص480 ح1.

[21] إشارة إلى قولهم%: أي قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحق بها وفي الوسائل: أيما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم؛ الوسائل: ج25 ص411 ـ 412 ح32238 باب 1 من أبواب كتاب إحياء الموات؛ وانظر الوسائل: ج 25 ص411 ح32236 باب 1 من أبواب كتاب إحياء الموات.

[22] إشارة إلى ما روى عنه(صلى الله عليه وآله وسلم): من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحق به. انظر عوالي اللآلي: ج3 ص480 ح4.

[23] سورة البقرة: الآية 143.

[24] سورة الحج: الآية 78.

[25] سورة الأعراف: الآية 29.

[26] سورة النساء: الآية 135.

[27] سورة المائدة: الآية 8.

[28] سورة آل عمران: الآية 18.

[29] سورة الشورى: الآية 17.

[30] سورة الرحمن: الآية 7 ـ 9.

[31] سورة الحديد: الآية 25.

[32] سورة الشورى: الآية 38.

[33] سورة آل عمران: الآية 159.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/أيار/2010 - 2/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م