سردشت عثمان.. ضحية الحرية المزيفة والفساد المستحكِم

انكشاف الوجه الكالح للحرية والاستقرار في إقليم كردستان

 

شبكة النبأ: في السادس من أيار مايو 2010، تم العثور على جثة الصحفي سردشت عثمان (23 سنة)، وكان قد اختُطف قبلها بيومين على يد مسلحين مجهولين من أمام كلية الأدب الانكليزي في جامعة صلاح الدين في أربيل. ويتهم صحفيون وسياسيون في اقليم كردستان، وعلى نطاق واسع، السلطات الكردية بالوقف وراء مقتله، سيما أن عثمان كتب قبل فترة مجموعة من المقالات الساخرة تنتقد بشدة الحكومة الكردية وزعماء العشيرة البارزانية، وقد وجدت جثته مرمية على جوانب احد الطرقات في مدينة الموصل، وعليها آثار تعذيب، وأثرا لرصاصتين في الرأس...

تظاهرات احتجاجية..

وفي إطار الاحتجاجات المستمرة على اغتيال سردشت عثمان، وتزامنا مع الاجتماع المرتقب للجنة الأمن والشؤون الداخلية في برلمان اقليم كردستان العراق، للبحث في ملابسات الاختطاف والاغتيال، نظّمَ جمع غفير من الكتاب والصحفيين والفنانين وممثلي منظمات المجتمع المدني والمواطنين تظاهرة سلمية طافت شوارع السليمانية.

ورفع المشاركون في التظاهرة شعارات تندد بالحادث الذي وصفوه بالإجرامي، وتطالب المسئولين ببذل المزيد من الجهود للكشف عن منفذي العملية وتقديمهم الى العدالة باسرع وقت لينالوا جزاءهم، كما طالب المتظاهرون برلمان اقليم كردستان باستجواب المسؤولين عن امن الاقليم وفي مقدمهم وزير الداخلية.

الصحفي سيروان محمد وهو احد المشاركين في التظاهرة، قال لاذاعة العراق الحر "ان استهداف الصحفيين لن يثنيهم عن اداء واجبهم في كشف الحقائق" واضاف "ان التظاهر هو اقل مايمكن ان نفعله للتعبير عن شجبنا لمثل هذه الافعال المنافية لحرية الرأي والتعبير".

متظاهر آخر هو الطالب الجامعي كاوان احمد، قال "لن نسكت وسنرفع اصواتنا عاليا لنقول ان زمن الترهيب قد ولى دون رجعة، وسنستمر في احتجاجاتنا الى ان يتم الكشف عن قتلة اصحاب القلم والكلمة الحرة".

اما الصحفي سوران محمد رؤوف فقد تمنى على زملائه ان يكونوا اكثر حذرا في كتاباتهم وطرح ارائهم. واضاف على الصحفي ان يكون دقيقا في كتاباته، وان ينقل الاحداث بواقعية، وان لا ينجرف خلف غايات وشعارات مغرضة.

المعلمة نيان عزيز، بدت متفائلة من غضب الشارع الكردي، وقالت ان هذا الغضب سيجبر السلطات على الإسراع في ملاحقة المذنبين وكشفهم للرأي العام.

الصحفي المغدور: امنحوني موتاً تراجيدياً

وقبل أن يغتالوه، كان الصحفي والطالب الجامعي ذو الـ 23 عام على علم بالمصير الذي ينتظره اذا ما لم يترك مدينة اربيل. مع هذا فهو قرر البقاء وانتظار لقاء الموت الذي أتى برصاصتين في الرأس.

سردشت عثمان، أو "سرو سردشت" كما كان ينشر مقالاته ومواده الصحفية، كان قد بدأ الكتابة والعمل الصحفي قبل عامين. كان مراسل موقع كردستان بوست (موقع الكتروني ينتقد مسؤلي اقليم كردستان)، كما يكتب لعدد من الصحف المحلية الأخرى.

تم اختطاف هذا الصحفي الذي كان طالب في المرحلة الرابعة قسم آداب انكليزي في جامعة صلاح الدين، من قبل مجموعة مسلحة مجهولة، يوم الرابع من ايار مايو 2010، من قلب مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان من امام كليته القريبة من معهد الفنون الجميلة، وبعد يومين فقط، عثر على جثته مقتولا في احدى طرقات مدينة الموصل.

وأوضح عدد من الشهود العيان الذين كانوا في موقع الاختطاف "قام اربعة أشخاص مسلحين ومعهم سيارة باختطاف الصحفي واقتياده الى مكان مجهول". حصل هذا في وقت كان هناك العديد من الحراس المتواجدين أمام الكلية ومعهد الفنون الجميلة وتمت العملية أمام أنظارهم.

اغتيال هذا الصحفي ولد موجة كبيرة من الاحتجاجات في مدن الاقليم. تم نشر عشرات البيانات داخليا وخارجيا، صاحبتها مظاهرات على جميع المستويات تندد بالحادثة، والتي مازالت مستمرة لحد الآن تطالب الكشف عن منفذي الجريمة ومثولهم أمام القضاء.

بعض من تلك البيانات وجهت أصابع الاتهام، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى المسؤولين الحزبيين بشكل عام والأجهزة الأمنية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل خاص، بالوقف خلف جريمة اغتيال الصحفي عثمان.

ودعا بيان لمنظمة العفو الدولية الحزبين الحاكمين في اقليم كردستان إلى الكشف عن ملابسات الجريمة مشيرا الى ان التهديدات والاعتداءات التي طالت الصحفيين المستقلين الذين ينتقدون المسؤلين البارزين في الاقليم قد تزايدت خلال السنوات الأخيرة.

وجاء في نفس البيان الذي نشر يوم السابع من ايار مايو الجاري، انه "يتوقع على نطاق واسع واسع ان يكون رجال جهازي الباراستن والزانياري خلف تلك العمليات التي تطال الصحفيين"، والجهازين المذكورين هما المخابرات التابعة للحزبين الكرديين برئاسة مسعود البارزاني وجلال الطالباني.

وما يؤيد توقعات العفو الدولية، هي المقالات والمواد الصحفية التي نشرها سردشت عثمان في الاشهر الماضية، حيث كانت احداها مادة صحفية نشرت في احدى المواقع الاعلامية المحلية تتحدث عن "فشل" كوسرت رسول الشخصية الثانية بعد جلال الطالباني في الاتحاد الوطني الكردستاني في الحصول على أصوات خلال الانتخابات الأخيرة. هذا اضافة الى مقالين نقديين لشخص رئيس الاقليم وعائلته والفساد المتفشي في كردستان والتي تم نشرهما على الانترنيت.

وبعنوان كبير وعلى الصفحة الرئيسية لموقع "كوردستان بوست" النقدي، نشرت مادة بعنوان "اسباب اغتيال مراسل كوردستان بوست بالوثائق".

ويقول الموقع الالكتروني إن مقالات مراسلهم كانت وراء اغتياله. وهذا ما يؤكده بشدة بشدار عثمان شقيق الصحفي المقتول لموقع "نقاش": "لم يكن لاخي مشاكل مع احد، والسبب الوحيد لاستشهاده هي المقالات التي نشرها في الأشهر الماضية وخصوصا أنه تم تهديده بسببها".

وحسب الموقع المذكور، تعود بداية التهديدات الى مقال تم نشره تحت عنوان "أنا أعشق بنت البارزاني" والتي نشرت بتاريخ 13 كانون الأول ديسمبر2009. يقول سردشت في هذا المقال انه يود الزواج ببنت مسعود البارزاني كي يتخلص من الفقر الذي يعيشه هو وعائلته. المقال عبارة عن نقد بطريقة ساخرة لرئيس الاقليم وعائلته، علما ان الحديث حول العائلة المالكة تعتبر ضمن مواضيع "التابو" في اقليم كردستان بحسب الصحفيين.

وبعد نشر المقال المذكور، يتلقى سردشت عدد من ايميلات التهديد والشتم مطالبينه بالكشف عن هويته ونشر صورة له للتعرف عليه، ولهذا يقوم الصحفي بكتابة مقال آخر في نفس الموقع تحت اسم "لا الرئيس إله ولا ابنته" وينشرها مرفقة مع صورة شخصية له بتاريخ 2 كانون الثاني 2010 (انظر الرابط في الاسفل). وبعد كشف هوية الكاتب، يتلقى تهديدات بالقتل.

أخيرا يكتب مقال تحت عنوان "دقة أولى أجراس قتلي" وينشرها بتاريخ 21 كانون الثاني يناير2010 وهي أشبه أن تكون مقالة وداعية لأصدقائه وزملائه كما لو أنه كان على علم بالمصير الذي ينتظره طالبا من قتلته "امنحوني موتا تراجيديا يناسب الحياة التراجيدية التي اعيشها" (انظر الى الرابط في الاسفل). وينهي مقالته بـ "سابقى اكتب الى اليوم الذي تنتهي فيه حياتي، بعدها فليضع أصدقائي نقطة في نهاية السطر، وليبدأوا سطرا جديدا".

ويقول موقع كردستان بوست "نحن نتهم وبشكل مباشر كل من رئيس الاقليم ومسؤل جهاز الباراستن".

ويعتبر جهاز الباراستن من اكبر الاجهزة المخابراتية في اقليم كردستان التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، ويدار من قبل نجل رئيس الاقليم، مسرور البارزاني.

الملفت للانتباه ان سردشت عثمان ذكر في مقالته الوداعية بأنه اتصل بكل من عميد كليته والمدير العام لشرطة أربيل واعلمهم بالتهديدات التي تلقاها. في المقابل اجابه عميد الكلية "هذا من اختصاص الشرطة"، بينما اخبره مدير الشرطة أن "اربيل مدينة آمنة ولا تحدث فيها أمور كهذه". لكن من الواضح ان مدينة اربيل ليست امنة كما يعتقد مدير شرطتها بعد أن تم اختطاف الصحفي سردشت في وضح النهار وأمام اعين الجميع، وتم تهريبه عن طريق العديد من السيطرات المشددة والتابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الواقعة بين مدينتي اربيل والموصل، ليتم قتله هناك برصاصتين بالراس.

لكن مدير شرطة اربيل عبد الخالق طلعت نفى لموقع "نقاش" ان يكون عثمان قد اتصل به قائلا "لم اتلقى اي اتصال من سردشت، كما انه لم يسجل اي دعوى في مراكز الشرطة".

وكان العديد من الزملاء الجامعيين للصحفي المذكور ينتظرون استلام جثمانه يوم السادس من ايار مايو عند نقطة تفتيش أربيل – الموصل وهم مستغربين كيف تم اختطاف زميلهم من قلب عاصمة الاقليم واقتياده الى مدينة الموصل ليجدوه مقتولا هناك دون أن يكتشف أمر الخاطفين.

وذكر كارزان أحمد أحد أصدقاء عثمان لموقع "نقاش" أن سردشت" ليس له أية مشاكل مع أحد، لكنه تلقى تهديدات عدة بسبب كتاباته وقام حينها بابلاغ مدير الشرطة عنها"، وهذا ما اكده شقيق الصحفي لـ "نقاش" أيضا.

وماعدا المقال المذكور اعلاه، تم الكشف عن رسالة جديدة قام سردشت عثمان بارسالها لمجموعة من اصدقائه يوم 21 نيسان أبريل الماضي، اي قبل 13 يوم فقط من اختطافه وقتله، يطالبهم فيها القيام بحملة جمع تواقيع للضغط على الجهات التي تهدده ولمنع احتمالية اغتياله.

ويكشف بنار هيدايت أحد اصدقاء الضحية والذي تلقى الرسالة الأخيرة، إن عثمان كتب فيها بأن التهديدات تطالبه بالخروج من مدينة اربيل والا سيتم قتله. لكن كما يقول هيدايت لاحدى المواقع الكردية "بسبب ضيق الوقت لم نستطع القيام بالحملة، حيث القتلة كانوا أسرع منا وقاموا بفعلتهم المشينة".

وفي نهاية تلك الرسالة التي ارسلها سردشت للمثقفين والصحفيين والكتاب، يقول "تاييدكم لي وجمع تواقيع الطلاب المستقلين في الجامعة أمر مهم جدا، ففي النهاية هو صوت للدفاع عن الحريات الفردية وحرية التعبير في هذا البلد".

وبحسب خبر تم نشره في الموقع الرسمي لحكومة اقليم كردستان، عبر رئيس حكومة الاقليم برهم صالح عن اسفه للحادث ولحادث آخر سبقه بحوالي اسبوعين في مدينة السليمانية، وكان عبارة عن اختطاف شاب في الـ16 من عمره وقتله بعد أسبوعين تقريبا في نفس المدينة. موضحا ان الاجهزة الامنية "بدأت بالتحقيقات وقد حصلت على خيوط اولية"، مشيرا الى ان هكذا اعمال "غريبة على مجتمعنا ولن نسمح للجناة أن يفلتوا من يد العدالة".

ضعوا نقطة على السطر وابدأوا بسطر جديد!

في السادس من أيار مايو 2010، تم العثور على جثة الصحفي سردشت عثمان (23 سنة)، وكان قد اختطف قبلها بيومين على يد مسلحين مجهولين من أمام كلية الأدب الانكليزي في جامعة صلاح الدين في أربيل. ويتهم صحفيون وسياسيون في اقليم كردستان، وعلى نطاق واسع، السلطات الكردية بالوقف وراء مقتله، سيما أن عثمان كتب قبل فترة مجموعة من المقالات الساخرة تنتقد بشدة الحكومة الكردية وزعماء العشيرة البارزانية، وقد وجدت جثته مرمية على جوانب احد الطرقات في مدينة الموصل، وعليها آثار تعذيب، وأثرا لرصاصتين في الرأس. موقع "نقاش" ينشر المقالات التيي عتقد أنها قتلت عثمان مترجمة إلى اللغة العربية.

المقال الأول: أنا اعشق بنت البرزاني

أنا أعشق بنت مسعود البرزاني. هذا الرجل الذي يظهر بين فترة وأخرى ويقول أنا رئيسك. أود ان يكون هو حماي أي والد زوجتي، أي إنني أريد أن اكون عديلا لنيجيرفان البرزاني [ابن أخ مسعود البارزاني وصهره ورئيس حكومة إقليم كردستان السابق- المحرر]. حين أصبح صهرا لمسعود البرزاني سيكون شهر عسلنا أنا وابنته في باريس، وسنزور قصر عمنا لبضعة أيام في امريكا. سأنقل بيتي من حيّنا الفقير في مدينة أربيل الى مصيف "سري رش" حيث تحرسني ليلا كلاب أمريكا البوليسية وحراس اسرائيلييون.

والدي المسكين الذي هو من بيشمركة أيلول القدامى [ثورة أيلول التي قادها مصطفى البرزاني ضد الحكم المركزي في العراق 1961-1975]، والذي يرفض الحزب الديمقراطي الكردستاني الى اليوم تقديم خدمات التقاعد له - وذلك لانه ليس ضمن صفوف الحزب في الوقت الحالي- سأجعله وزيرا للبيشمركة.

أخي المسكين الذي أكمل الدراسة الجامعية، وهو الآن عاطل عن العمل ويريد الذهاب إلى الخارج كلاجئ، سأعيّنه مسؤولا عن حرسي الخاص. أمّا اختي التي مازلت تستحي أن تذهب إلى السوق، فعليها ان تقود أفخر السيارات مثل بنات العشيرة البرزانية. بحسب موقع كوردستانبوست.

أمي التي تعاني أمراض القلب والسكر وضغط الدم، ولاتملك المال للعلاج خارج الوطن، سأجلب لها طبيبين ايطاليين خاصين بها في البيت. وسأفتح لأعمامي دور ضيافة وأعيّن أبناء عمومتي وأخوالي نقباء وعمداء وآمري ألوية في الجيش.

لكن اصدقائي يقولون لي: "سرو" [تصغير اسم سردشت] دع عنك هذا الأمر، لا ترمي نفسك في التهلكة، فهذه عائلة الملا [ملا مصطفى البرزاني والد مسعود]، وما أن يقولوا انتهى أمرك حتى يصير قتلك حتمياً!

لكنني لا أقوم بالكفر [عندما أكتب]. اقسم بمقبض خنجر ملا مصطفى البرزاني ان والدي قضى ثلاث ليالي متوالية في أحد الجبال مع ادريس البرزاني ابن الملا. لا ضير أن يقول مسعود البرزاني انا رئيسكم، لكن إذا كان رئيسا، فليقل الرئيس كم مرة زار حيّاً فقيرا من أحياء اربيل أو السليمانية منذ ثمانية عشر عاما.

مشكلتي هي أن هذا الرجل عشائري، ولا يحسب اي حساب لأي رجل خارج حدود مصيف "سري رش" [مقر إقامة البرزاني وعائلته]. بنقرة واحدة على شبكة الانترنيت أستطيع ان أجد أسماء كل زوجات رؤساء العالم، لكنني لا أعرف إلى الآن ما هو اسم حماتي [يقصد الكاتب زوجة مسعود البرزاني].

لا أعرف من أصطحب معي لطلب يد العروس. في البداية قلت لنفسي، سأصطحب عددا من الملالي والشيوخ المسنين والبيشمركة القدامى، وبعد التوكل على الله سنتقدم لخطبة الفتاة. لكن صديقا لي وهو صحفي قال: "ابحث عن الجحوش [الأكراد المتعاونين مع نظام صدام حسين] والخونة الذين قاموا بعمليات الانفال، واصطحبهم معك لأن مسعود البرزاني يحب جدا أمثال هؤلاء".

صديق آخر قال "اسمع كلامي واقترب من نيجيرفان البرزاني في مؤتمر صحفي واهمس في أذنه أن هناك أمرا خيّرا تود مفاتحته به. او اذا لم تستطع فاسأل دشنى [مطربة بوب كردية] أن تدبر لك هذا الأمر، فهي تلتقي بهم كثيرا [بعائلة البرزاني].

المقال الثاني: الرئيس ليس إلهاً ولا ابنته

هنا بلدٌ لا يسمح لك فيه أن تسأل كم هو مرتب الرئيس الشهري. لا يسمح لك ان تسأل الرئيس لماذا اعطيت كل هذه المناصب الحكومية والعسكرية لأبنائك وأحفادك وأقاربك. من أين أتى أولادك بكل هذه الثروة. إذا تجرأ أحد أن يطرح هذه الأسئلة فأنه قد اخترق حدود الأمن القومي وعرّض نفسه لرحمة بنادقهم وأقلامهم.

بالنسبة لي بما أنني ذكرت في إحدى مقالاتي بنت الرئيس، فإنني بذلك تجاوزت أحدى الخطوط الحمر للوطن والأخلاق وأدب التخاطب الإعلامي. إن ديمقراطية هذا البلد هي هكذا، فممنوع التعرض الى الشماغات الحمراء [تلك التي يضعها رجال عشيرة البرزاني على رؤوسهم تمييزا لهم عن بقية المواطنين الأكراد ذوي الشماغات السوداء] والعكازات.

إن فعلت ذلك فلدى القوم حلولا نعرفها جميعا. لا أعلم هل بنت رئيسنا راهبة لا ينبغي لأحد أن يعشقها، أم إنها مقدسة لا بد أن تبقى أيضا رمزا وطنيا؟

تُرى ما هي مخاطر كتابة كوميدية عن الرئيس؟ جميعنا شاهد فيلم شارلي شابلن "الدكتاتور العظيم" الذي عرض الآلام الانسانية العظيمة عن طريق الكوميديا. الكثير من الرسائل الالكترونية التي وصلتني كانت تهددني وتطلب مني أن أنشر صورتي وعنواني، كما لو أنني كنت سائق سيارة لم يقف عند الاشارة الحمراء. لقد بعثت بصورتي الى هؤلاء الأصدقاء، ولا أعلم ماذا يريدون من صورتي؟

لكن هذه المقالة هي جواب على مقالة أحدهم انتحل اسم فتاة للرد عليّ. قبل كل شئ أبارك له جرأته في الردـ ولكن رجائي من هذا الشخص أن لا يعرّفني كنوشيرواني [نسبة الى زعيم حركة التغيير المعارضة نوشيروان مصطفى]، بل كشاب من شباب هذا البلد. بحسب موقع كوردستانبوست في 2/1/2010 .

صحيح أنني أعطيت صوتي لقائمة التغيير في الانتخابات، وكنت من أنصارها الجدّيين وأجمع لها الأصوات في المجالس والندوات، لكن كل هذا كان بدافع مبدأ هو: سنكون رابحين حتى ولو بدّلنا الشيطان بتلاميذه.

أما أنت يا من طلبت مني –كما الجميع- صورتي الشخصية واسمي الحقيقي: كنت أود أن ابعث لك صورتي وكن على يقين ان اسمي ليس مستعارا، ولكنك لم تضع عنوان بريدك الالكتروني في مقالتك حتى أرسل لك ما طلبت.

من الآن فصاعدا أنا كأي شاب لا مبالي في أزقة وشوارع مدينة أربيل، متمردين على كل أصنام وتماثيل السلطة، ننتظر مثل النبي ابراهيم الفرصة السانحة لنحطمها جميعا.

(هذا المقال هو جواب على مقالة نشرت في موقع "كوردستان نيت" لأحدهم ادعى ان اسمه "افين" تحت عنوان: جواب لأحد الشاتمين في موقع كوردستانبوست).

المقال الثالث والأخير: أول أجراس قتلي دقت

في الأيام القليلة الماضية قيل لي إنه لم يبق لي في الحياة إلا القليل. وكما قالوا إن فرصة تنفسي الهواء أصبحت معدومة. لكنني لا أبالي بالموت أو التعذيب. سأنتظر حتفي وموعد اللقاء الأخير مع قتلتي. وأدعو ان يعطونني موتا تراجيديا يليق بحياتي التراجيدية. أقول هذا حتى تعلموا كم يعاني شباب هذه البلاد ولأن الموت هو أبسط خياراتهم. حتى تعلموا أن الذي يخيفنا هو الاستمرار في الحياة وليس الموت وهمي الأكبر هو اخوتي الصغار وليس نفسي. ما يقلقني في هذه التهديدات هو ان هناك الكثير الذي لابد ان يقال قبل أن نرحل. مأساة هذه السلطة هي أنها لا تبالي بموت أبنائها.

أمس اخبرت عميد كليتي إنني قبل يوم تعرضت للاهانة والتهديد بالقتل. ولكنه قال لي إن هذه مشكلة تخص البوليس. لا اعلم هل هناك جامعة في العالم يهدد أحد تلامذتها بالقتل ثم لا تبالي بذلك وتجلس بكل راحة في صلافتها وانحطاطها؟ كان على عميد كليتي أن يجعل هذه المشكلة تخصه او تخص الجامعة لأنني جزء منها. لكنني لم أصدم لأنني اعلم منذ وقت طويل أن جامعات هذا البلد ليست بيوت اطمئناننا.

بعد هذا اتصلت بالعميد عبدالخالق مدير البوليس في أربيل. قال لي: "ان رقم التلفون الذي هددك قد يكون من الخارج، او ربما مشكلة شخصية. قد تتكرر التهديدات لكن مدينة اربيل آمنة ولن تحدث مشاكل من هذا النوع". بابتسامة ساخرة كنت اتخيل اذا ما كان ساركوزي هو الذي هددني! لكن مهلا، كيف سأشعر بالأمان، وأحد اصدقائي تعرض قبل أيام للضرب والإهانة بسبب عدة مقالات نشرها قبل فترة، أجبر على أثرها على ترك هذه المدينة؟

فليحدث ما يحدث، لانني لن اترك هذه المدينة وساجلس في انتظار موتي. أنا اعلم أن هذا هو أول أجراس الموت، وسيكون في النهاية جرس الموت لشباب هذا الوطن. ولكنني هذه المرة لن أشتكي ولن أبلغ السلطات المسؤولة. إنها خطوة خطوتها بنفسي وأنا بنفسي اتحمل وزرها. لذلك فمن الآن فصاعداً أفكر أن الكلمات التي أكتبها هي آخر كلمات حياتي. لذا ساحاول أن أكون صادقا في أقوالي بقدر صدق السيد المسيح. وأنا سعيد ان لدي دائما ما أقوله وأن هناك دوما أناس لا يريدون أن يسمعوا، لكننا كلما تهامسنا بدأ القلق يساورهم.

إلى أن نبقى أحياء علينا ان نقول الحق. وأينما انتهت حياتي فليضع اصدقائي نقطة على السطر، وليبدأوا هم بسطر جديد. بحسب موقع كوردستانبوست في 21/1/2010 .

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/أيار/2010 - 1/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م