العلماء والدور التنويري

بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الفقيه الشيرازي

شبكة النبأ: تمر علينا هذه الايام الذكرى الثانية لرحيل الفقيه آية الله محمد رضا الشيرازي (رحمه الله) ولا يُخفى على الجميع ذلك الدور التنويري الذي اضطلع به الفقيه الشيرازي عبر بحوثه ومحاضراته القيمة التي تكللت بالنور وتعميق الحس الايماني لدى القارئ والمستمع في آن من خلال تسليطه الضوء على الروح الايجابية للانسان ودورها في تحسين التكافل والتعاون بين بني الانسان عموما والمسلمين خاصة لجعل الحياة أكثر قبولا ورحمة وتوازنا.

وقد يكون من المفيد هنا أن نتطرق لطبيعة العلاقة بين السياسيين وعلماء الدين، ولنكن أكثر دقة ووضوحا فنقول أن طبيعة العلاقة بين علماء الدين والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق (في التأريخ المنظور/ على الأقل) كانت متشنجة في الغالب ويطبعها طابع العداء والتخوف من رجال الدين والعلماء كونهم المرصد القوي والشجاع الذي يتابع تصرفات الحكومة ويؤشر خللها في هذا المجال او ذاك ثم القيام بتوسيع مدارك بسطاء الناس وتحريضهم على مقارعة الظلم أيا كانت درجته او مصدره.

لهذا السبب كان العلماء هدفا دائما للقوة الغاشمة للسلطات المتعاقبة، فقد نالهم الظلم والحيف والقمع والمطاردات المتواصلة والتشرد سواء داخل البلاد الاسلامية او في المنافي القر يبة والبعيدة في عموم المعمورة، ومن بقي صامدا منهم تعرض للقتل غدرا او الاعدام علنا، ولنا في التجارب التي تشبّع بها التأريخ المنظور دلائل على قولنا هذا.

لكن بالنتيجة ذهب الطغاة وبقي العلماء فنارات هدى وإرشاد للمسلمين ولغيرهم كونهم قارعوا الظلم ولم يخشوا القوة الغاشمة مهمة قويت شكيمتها واشتد جبروتها، فبقي العلماء حاضرين فاعلين لهم مكانتهم الارشادية الواضحة التي يتفق عليها الجميع سياسيون معاصرون او غيرهم.

إذن بعد تغيّر الاوضاع السياسية في العراق بعد عام 2003 وتغيّر السياسيين في الساحة لابد أن لا ينسى السياسيون الجدد ما تعرض له العلماء ورجال الدين من ظلم وعسف وجور، ولابد أن يأخذوا اليوم دورهم التنويري الواضح ومكانتهم الهامة والكبيرة في القيادة التوجيهية الروحية التي تضع أقدام الناس عموما على الجادة الصواب.

وحين نتطلع في تأريخ علماء الدين عموما ومنهم علماء الخط الشيرازي سوف نكتشف بجلاء درجة الظلم والحيف الذي وقع عليهم، حيث الاعتقالات والمطاردات والحبس الطويل ثم الاعدام او الاغتيال في هذه الدولة او تلك كما حدث على سبيل المثال للشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي حين طاردته عناصر الحكومة العراقية في ثمانينيات القرن المنصرم واغتالته في العاصمة اللبنانية بيروت.

وكذلك المظالم التي تعرض المجدد الثاني المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي حيث تعرض هو وابنائه وعائلته وتلامذته الى القمع والمطاردة والاعتقال والتنكيل والتهجير في العراق وايران، وصودرت الكثير من مؤسساته، بسبب تمسكه الثابت بمباديء اهل البيت عليهم السلام التي تقاوم الظلم والاستعباد والاستبداد والعنف والاستئثار والعنصرية، وتحث على ممارسة وتطبيق الحرية والتعددية والشورى والاخوة والسلم.

وثمة الكثير من الوقائع المشابهة، ناهيك عن أطواق العزلة التي كانت تضربها الحكومات على رجال الدين والحوزات العلمية والمؤسسات الدينية، لغرض الحد من تأثيرها وتنويرها للناس على التجاوزات الحكومية الظالمة التي كانت تحدث بحق الناس آنذاك، ولم يكن أولئك العلماء يبالون بالمخاطر الجمة التي كانت تهدد حياتهم وحياة عوائلهم بشكل مباشر، بل كانوا يؤدون أدوارهم وما مطلوب منهم ازاء الناس أمام الله تعالى، فبذلوا الغالي والنفيس من اجل حفظ الدين والدنيا والآخرة في آن.

وحينما نستذكر الآن شخصية الفقيه الشيرازي (رحمه الله) ودوره في تنوير المسلمين والناس عموما، نستذكر أيضا ما كان يتلقاه العلماء آنذاك من معاملات مجحفة من قبل السياسيين القائمين على صنع القرار وادارة شؤون الدولة، وندعوا في هذه المناسبة هؤلاء السياسيين وأجهزة الحكومة في العراق (وغيره) الى تذكّر دور رجال الدين والعلماء في محاربة ظلم الطغاة، كما نود أن نذكّر الجميع والسياسيين منهم وأولهم بأن هذا الدور سيبقى قائما ما بقيت الحياة قائمة، ونتمنى أن يجد هؤلاء العلماء الرعاية التي يستحقونها بعد عقود وسنوات الظلم والاجحاف التي تعرضوا لها.

كما أننا نتمنى أن تجد الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية الاهتمام الذي تستحقه من لدن صنّاع القرار الحكوميين، لما لهذه المؤسسات من دور كبير في الحفاظ على الحياة وتشابكاتها بالتوازن والتطور المطلوب.

وبهذا تكون هذه المناسبة مدعاة ودافعا لمراعاة العلماء ورفع مكانتهم أعلى فأعلى من قبل المسؤولين جميعا، ليس من أجل تحقيق الاهداف المادية الدنيوية الزائلة بل من اجل توفير الظروف المناسبة التي تسمح للعلماء والمؤسسات الدينية باداء دورها على أفضل وجه في ظل رعاية سياسية كان يفتقد إليها رجال الدين في السابق بسبب تقاطعهم مع ظلم الحكومات السابقة وتجبرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/أيار/2010 - 1/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م