
شبكة النبأ: يردد الناس كثيرا هذا
القول الصحيح (إن القيادة تكليفا وليست تشريفا)، وهو أمر معقول ومتفق
عليه ويؤدي بالنتيجة الى أن الحاكم او رئيس الدولة او القائد هو موظف
كغيره من الموظفين يتلقى أتعابا او راتبا شهريا عن وظيفته الرئاسية أو
القيادية وهي بذلك تشكل نوعا من التكليف الذي جاء بإجماع الشعب إذا كان
الامر قد جرى وفقا للتشاور والانتخاب والطرق الديمقراطية في اختيار
الرؤساء او الحكام او القادة في هذا المجال او ذاك.
لذا فإن القائد السياسي عندما يُصبح قائدا او حاكما تنفيذيا للدولة
هذا لا يعني أنه السلطة اصبحت ملكا شخصيا له، بل هي كما يحدث في الدول
المتطورة نوع من الوظائف الحكومية التي تناط بهذه الشخصية او تلك
لادارة شؤون الدولة والشعب لمدة متفق عليها مسبقا وفقا لدستور هذه
الدولة او تلك، وبطبيعة الحال يحتاج القائد الى مجموعة من الموظفين او
القادة الفرعيين او المستشارين لكي يستطيع اداء عمله القيادي على أفضل
وجه.
لكن المشكلة التي سرعان ما تطفو على السطح هي محاولة قادة الدول (غير
المتطورة) لتجيير كل شيء من أجل ترسيخ السلطة الفردية للقائد ولعل اهم
الوسائل المساعدة على تحقيق تركيز السلطة بقبضة الحاكم الفرد هم القادة
اة البطانة او المستشارون الذين يعاونون الحاكم في هذا الشأن او ذاك،
بل لعل أغلب هؤلاء يؤثر على شخصية القائد نفسه فيحوله من موظف حكومي
الى متسلط يتحكم بمصائر ورقاب الناس.
لهذا السبب لابد أن يتنبه القائد السياسي الى هؤلاء ويحترز من
نواياهم وافعالهم التي غالبا ما تنتهي به الى تكريس السلطة الفردية
وبالتالي الخشية من الآخرين وتحوّل القائد السياسي من موظف حكومي الى
دكتاتور، وقد تعامل قادتنا العظام في التأريخ الاسلامي المشرق بحكمة
عالية مع مثل هؤلاء المساعدين او القادة الفرعيين.
يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني
الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع
الاسلام) بهذا الصدد:
(كانت رقابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للموظفين في رأس
سياسته الإدارية لهم. إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام لا يريد
الموظفين لكي يسبحوا باسمه ـ شأن كثير من الحكام والساسة ـ وإنما
يريدهم يسبحون باسم الله تعالى، يريدهم على طريق الله دقيقاً وكاملاً
ودائماً، لذلك: فكما تم نصبهم على يده، كذلك يرى نفسه مسؤولاً عن
تصرفاتهم. فكان ينصحهم، ثم يوجههم، ثم يعاتبهم على تصرفات غير لائقة،
ثم إن لم يفد ذلك كله كان يعمد إلى عزلهم، وعقوبتهم إن استحقوا العقوبة).
هكذا كان يتعامل قادتنا العظام مع هذا الجانب الحيوي وهكذا كانت
المراقبة قائمة عليهم باستمرار لكي لا يتحولوا الى قادة مناصب دنيوية
زائلة، ويضيف سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا):
(فالحصانة الدبلوماسية، والحصانة الإدارية، وحصانة الوظيفة، ونحو
هذه المصطلحات لا مفهوم لها عند علي بن أبي طالب عليه السلام إذا خرج
الدبلوماسي عن الحق، وجار الإداري، وعمد الموظّف إلى ما لا يليق به من
إجحاف، أو ظلم، أو عدم اهتمام بالأمة..فالأصل في اختيار الموظّف وإبقاء
الموظّف هو واحد في منطق أمير المؤمنين عليه السلام لايختلف أحدهما عن
الآخر:
-الله والأمة- هذا هو الأصل الأصيل في اختيار الموظّف، وهذا هو
الأصل الأصيل في الإبقاء على الموظّف).
فالموظف او القائد او المستشار الأصلح هو الذي يضع الله تعالى أمام
بصره وبصيرته ويتصرف في ضوء ذلك، وليس الموظف الاصلح هو من يكرس السلطة
الفردية ويزينها للقائد ويحثه على السير في ركابها، بل العكس هو الصحيح
تماما، بمعنى أن مصلحة الامة والافراد ينبغي أن تتقدم على كل شيء.
وقد يضطر الحاكم الى سياسة العقوبة والعزل أحيانا لبعض مساعديه
استنادا الى سوء أعمالهم، او تأديتهم لواجباتهم، بل مطلوب من الحاكم أن
يراقب المؤسسات الهامة والافراد القائمين عليها بدقة، كمؤسسة القضاء
التي تعد إحدى أهم السلطات، فإذا أساء الموظف القاضي في شيء ينبغي أن
يكون هناك من يراقب عمله ويصححه او يعاقبه عليه أيضا كما في هذا المثال
الذي اورده لنا سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:
(روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولى أبا الأسود الدؤلي القضاء
ثم عزله.
فقال أبو الأسود له: لم عزلتني وما خنت ولا جنيت؟ فقال عليه السلام
: إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك.
المتخاصمان إنسانان محترمان في منطق الإسلام، وليس للقاضي أن
يهينهما بأية إهانة، ورفع الصوت نوع إهانة، وليس ذلك من أدب الإسلام في
القضاء.. إذن ينبغي أن يعزل القاضي الذي يمارس ذلك، وإن كان مثل أبي
الأسود الدؤلي في علمه وفضله، وخلقه وقربه من أمير المؤمنين عليه
السلام فإنّ الحق لا مداهنة فيه في منطق علي بن أبي طالب عليه السلام).
وهكذا ينبغي أن يحترس القائد السياسي او الحاكم من مساعديه في حالة
ارتكابهم للخطأ، ولعل أهم ما ينبغي الاحتراس منه، هو تكريسهم للسلطة
بيده وتحبيبها إليه، لأن الأهم هو خدمة الأمة قبل خدمة النفس والعائلة
والبطانة والمساعدين وغيرهم. |