لاحظنا ومازلنا نلاحظ بمسار تصاعدي – للأسف- ظاهرة تدمي القلوب
وتعتصر قلوب الغيورين على لغتنا العربية وثقافتها وتراثها وكأن الذين
يتجاهلون هذه الظاهرة – عن عمد أو غير عمد- يريدون لها الشيوع
والانتشار وتطبيعها، هذه الظاهرة المؤسفة هي الإتيان بمذيعين ومقدمي
برامج وإعلاميين أميين لغوياً – و ثقافياً بشكل عام- يرتكبون ما يحلو
لهم من الأخطاء وكأن اللغة العربية تسودها حالة من الفوضى وكأنه لايوجد
نظام يحكمها ولا قواعد تقننها وهي اللغة التي عرفت على مر التاريخ
وماتزال بنزعتها الشديدة الى القاعدة والنظام والتقنين بحيث لا نجد لها
نظيراً بين لغات العالم الأخرى في هذا المجال.
في كل يوم يطلع علينا هؤلاء الأميون الجهلة الذين أحسب أنهم كانوا
بالتأكيد من الفاشلين في مادة اللغة العربية وقواعدها وربما لم
يستطيعوا الحصول على الشهادات الدراسية بسبب رسوبهم المتواصل في هذه
المادة وغيرها، يطلعون علينا وهم يخلطون الحابل بالنابل؛فلا تلفظهم
بالصحيح،ولا هم يلتزمون بقاعدة، ولايعرفون عن شيء اسمه الحركات
والإعراب – على الأقل عند الحد الأدنى- بل إن العجيب أنهم يخلطون
الكلمات الأجنبية من انجليزية وفرنسية وغيرهما بالكلمات والعبارات
العربية فيطلعون علينا بمركّب عجيب وغريب من الجمل والكلمات والعبارات
الشوهاء التي إن دلت على شيء فإنما تدل على اعوجاج أذواقهم والحالة
التي يرثى لها التي بلغوها في جهلهم بلغتهم وتراثهم وثقافتهم.
هذا في حين أننا نرى بقية الأمم والشعوب كيف تعتز بلغتها وتراثها
وثقافتها وتاريخها،وكيف تحرص على صيانة كل ذلك بمختلف الوسائل
والإجراءات والتدابير من خلال الاختيار الدقيق والواعي والمبرمج
والمدروس لمن يريد أن يعمل في الأوساط الإعلامية سواء المرئية منها أم
المسموعة أم المقروءة، ولا خير في أمة لا تهتم بلغتها،ولا تشعر بالغيرة
عليها،لأن اللغة عنوان كل أمة ورمز هويتها وحضارتها وتميّزها عن الأمم
الأخرى.
وللأسف بل إن من المدمي للقلوب حقاً أن كل تلك البرامج والمؤهلات
والدورات التدريبية في مجال تنمية المهارات اللغوية معدومة تماماً أو
تكاد في بعض وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات التي أخذت بالتكاثر في
السنوات الأخيرة تكاثراً لا طائل من ورائه،بل هو تكاثر يزيد الطين بلّة،
حيث لاهم لها سوى أن تعرض على شاشاتها "المراهقين"و"المراهقات" "الوسيمين"
و"الجميلات" حسب مقاييسهم المريضة، بملابسهم الخليعة وتقليعاتهم
الغريبة وكأن الرسالة الإعلامية التي ينبغي أن تؤديها وسائل الإعلام
هذه ويفترض بها أن توصلها الى الجمهور ماهي عندهم سوى عرض آخر الموضات
والصرعات والتقليعات على جميع المستويات الجسدية،وكأن الإعلام عندهم هو
الإعلام لأنفسهم وعرض مفاتنهم ومغرياتهم للجنس المخالف لهم ولا شيء
أكثر من ذلك!!!
ونحن نشك بل إن هذه الشكوك تتعزز لدينا يوماً بعد آخر حتى ليتحول
هذا الشك الى يقين بأن مثل هذه الفضائيات – المحسوبة على العرب
للأسف-مرتبطة وموجهة بل ومؤسَّسة خصيصاً لمسخ الهوية العربية الإسلامية
والقضاء على تراثنا وحضارتنا وخصوصياتنا وأنها تدار وتموّل من قبل
الذين لايريدون للعرب وللمسلمين خيراً،بل يريدونهم أمة ضائعة ممسوخة
تابعة ذليلة لاهم لها سوى الجري وراء القشور والمظاهر، والبحث المحموم
عن الكلمات والعبارات والمصطلحات الأجنبية في هذا العصر "المُؤمْرَك"و"الُمبَرْطَن"و"المفرنَس"
–إن صح التعبير وعذراً للمسؤولين عن اللغة-،العصر الذي غزانا فيه "الإفرنجة
الجدد"في عقر دارنا،فسهلت عليهم الهيمنة على مقدراتنا الفكرية
والثقافية والحضارية،بعد أن سهلت عليهم السيطرة العسكرية على بلادنا
العربية والإسلامية،وسهل عليهم شراء الذمم والضمائر من أبناء مجتمعاتنا
نفسها – وماأكثرهم- فأسسوا لهم تلك الوسائل الإعلامية الهدامة،وأملوا
عليهم ما يجب أن يفعلوه سواء على صعيد الفكر والثقافة والتراث أم على
صعيد الأخلاق.
حتى تحوّلت وسائل الأعلام تلك – وأقصد الفضائيات بالتحديد- إلى
مهازل مضحكة مبكية ؛ولذلك فإن علينا أن لا نعجب عندما نسمع من المذيع
الفلاني يتلفظ الكلمة العربية بشكل مشوّه غير صحيح،أو أن ينسب الشعر
الفلاني الى شاعر ليس هو بقائله،أو يقرأ الآية القرآنية أو الحديث
النبوي بشكل مشحون بالأخطاء دونما رقيب ودونما اعتراض من أحد،وإنني
لأذكر جيداً كيف سمعت إحدى المذيعات وهي تنطق باسم "جزر القمر" بضم
القاف والميم في القمر،وكيف قرأ أحد الممثلين في إحدى المسلسلات بيتاً
من الشعر-بشكل مغلوط طبعاً-للمتنبي ثم نسبه بكل جهل الى أبي العلاء
المعرّي المسكين،وكيف اعترضت إحدى المشاهدات على مقدّم أحد البرامج بأن
كلامه مليء بالأخطاء اللغوية والنحوية الفاحشة وكيف ان هذا المذيع قهقه
عليها بملء شدقيه قائلاً لها إن زمن اللغة العربية الفصحى قد ولى دون
رجعة وأن هذا عصر اللغة العامية والشعبية!!
وآلاف الأمثلة الأخرى التي تتكرر في حياتنا كل يوم وتشكل خطراً
داهماً ووشيكاً يهدد لغتنا التي هي عنوان حضارتنا وتراثنا وثقافتنا
وإسلامنا قبل كل شيء،ونحن لا نجد لذلك تفسيراً سوى حالة الفلتان
والفوضى وغياب الرقابة التي تسود هذه الفضائيات على قدم وساق،وإدارتها
من قبل اشخاص غير مؤهلين لايعلمون عن الإعلام وضوابطه ورسالته
شيئاً،وبأيد غير أمينة،ولذلك فقد سهل وقوع مثل هؤلاء الأشخاص في مخالب
أعداء التراث العربي الإسلامي، فأخذوا ينفذون هذه المخططات دونما وازع
ورقيب عامدين في أغلب الحالات وغير عامدين في حالات نادرة.
إننا نوجه نداءنا إلى من بيدهم الحل والعقد،وإلى من يمتلكون
الصلاحية والسلطة القانونية على القضاء على هذا الظاهرة السرطانية التي
بدأت بالإستشراء منذ عهد ليس بالقصير،نوجه اليهم النداء في أن ينقذوا
تراثنا ولغتنا وديننا وحضارتنا من هؤلاء"الإمعات"الجهلة الأميين الذين
لايرون للإعلام دوراً سوى عرض الأزياء،والصرعات الجنونية الجديدة في "المكياج"
والتسريحات والملابس الخليعة المجسّدة لبعض "الخطوط" والدوائر" في
الجسم –وعذراً للتعبير-،والتي فاقوا بها حتى الغربيين أنفسهم،فلا نكاد
نجد لها نظيراً في الفضائيات الغربية!! نهيب بمن يمتلكون الأقمار
الصناعية ومنح الرُّخَص للفضائيات بأن لا يسمحوا لهؤلاء الذين ينظرون
الى الرسالة الإعلامية باعتبارها صفقة وتجارة تدر عليهم والأرباح ولا
يهمهم بعد ذلك ماذا سيحل بهويتنا وخصوصياتنا،بل إنهم مستعدون لفعل أي
شيء في سبيل تحقيق مصالحهم،عليهم ان لا يدعوا هذه "الفيروسات" تدخل حرم
الإعلام المقدس فتفسد الأذواق،وتنخر في جسد الثقافة الرفيعة،وتهدم
القيم الأخلاقية،وتكون "طابوراً خامساً" وأداة طيّعة لمن لا يريدون لنا
الخير!
saadiomran@yahoo.com |