جُبل الانسان منذ نشأته على التطلع الى ما هو أفضل وفقا للكينونة
الفسيولوجية والسايكولوجية التي تتشكل منها شخصيته، وقد تولّد عن هذه
التطلعات الفردية والجمعية أنواع شتى من الصراعات التي قد تصل الى
الحروب الطاحنة أحيانا، كما ينبئنا التأريخ بذلك.
من هنا كان لابد أن تكون هناك ضوابط شرعية وعرفية ووضعية لمراقبة
سلوك الانسان من اجل الحد من التجاوز على حقوق الغير استنادا الى
الطبيعة الدافعة للانسان نحو التملّك وسواه من الصفات والغرائز التي
تقف وراؤها سمتان أساسيتان هما (اليأس والأمل).
وقد بذل الفقيه المقدس آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه الله)
ما بوسعه في هذا المجال، فوظف جل أفكاره في بحوثه ومحاضراته القيّمة من
أجل الموازنة بين ثنائية اليأس والأمل، بحيث لا يصل اليأس بالإنسان الى
حد العزلة والتوقف عن الانتاج المادي والمعنوي ولا يدفعه الأمل لكي
ينسى حقوق الآخرين عليه فيذهب بعيدا في طمعه وتطلعاته.
إن الفقيه الشيرازي يحذرنا بقوة من اليأس بل ويطالبنا دائما أن لا
نقطع الأمل بالله تعالى أبدا، ويأتي لقرائه ومستمعيه بعشرات الامثال
التي تهدف الى تعميق إيمان الانسان وتطويره والسمو به الى أعلى المراتب
والدرجات، فقد ورد في كثير من طروحات الفقيه المقدس أن الانسان يجب أن
لا ييأس من رحمة الله حتى لو كان في أشد المواقف صعوبه بل وقد أكد بأن
الاحاديث الصحيحة والمتفق عليها تؤكد على أن الانسان ينبغي أن لا يقطع
الامل بالله تعالى حتى لو كان في جهنم نفسها.
ولعل الهدف من هذا التركيز المتواصل على وجوب ديمومة الامل لدى
الانسان هو القضاء كليا على مطاوي اليأس التي قد تلم بالمؤمن أحيانا
فتذهب به الى الجانب المظلم من الحياة وتدفع به الى العزلة القاتلة
واليأس التام، فيتحول بذلك الى عبء على نفسه وعلى غيره أيضا، بدلا من
أن يكون عنصرا فاعلا ومنتجا بما يقدم العون والمساعدة للنفس وللآخرين
في آن واحد.
كما أن الموازنة بين الامل واليأس ينبغي أن تكون حاضرة ومتحكمة في
سلوك الانسان، حيث تؤكد بحوث الفقيه الشيرازي ومحاضراته القيّمة على
عدم الإيغال في كلا الطرفين واعتماد مبدأ الاعتدال، وعدم الخلط بين
الامل بالله تعالى والامل بالانسان العادي، بمعنى ينبغي أن لا يكون
أملك بالشخص الفلاني صاحب النفوذ والجاه والمال وما شابه، لأن الانسان
مهما علا نفوذه وكثرت امواله وثروته وتضخّم جاهه يبقى تحت القدرة
الإلهية لأنها هي التي هيّأت له مستلزمات ومتطلبات الغنى والنفوذ وما
شابه.
أي أن مصدر جميع القوى والامتيازات هو الله تعالى، فلا ينبغي للمؤمن
أن ينساق وراء أوهامه او تطلعاته التي تجعل من الانسان العادي معتمده
ورجاءه بسبب حصوله على النفوذ والقوة والمال وما شابه، إذ قد يظن بعضهم
أحيانا بأن الشخص الفلاني هو الذي يتفضل عليه بالرزق والنعيم والجاه
الاجتماعي وما شابه، لكن هذا التصور خاطئ بل هو خلط خطير وغير صحيح بين
القدرات الإلهية غير المحدودة وبين قدرات الانسان المحدودة مهما كانت
واسعة وكبيرة ومتنوعة لأنها دائما تبقى تحت القدرة الإلهية اللامحدودة.
فحتى الحكام الجبابرة الذين أعماهم الأمل الطاغي وسلب منهم الرؤية
المتوازنة، هم تحت قدرة الله تعالى، لهذا لا يمكن أن يكونوا مصدرا
للقوة والجاه لأن الأساس يكمن في القدرة الإلهية، لهذا يؤكد الفقيه
الشيرازي على أهمية أن يعي الانسان بأن مصدر جميع القدرات البشرية هو
الله تعالى، ويحث الجميع على عدم الارتكان والخضوع الى اليأس قط.
لأن الانسان اليائس يفقد إيمانه في الغالب وهذه هي أخطر درجات
اليأس، إذ يؤكد (رحمه الله) بأن اليأس قد ينتهي بالانسان الى سلسلة من
الذنوب يكون في غنى عنها في حالة تمسكه بالأمل بالله تعالى ورسوله (ص)
وآل بيته الأطهار عليهم السلام.
ومن الواضح أشد الوضوح أن الفقيه الشيرازي يقدّم أفكاره في بحوثه
ومحاضراته بإسلوب السهل الممتنع، بمعنى أنه يقدم هذه الأفكار بأساليب
وصيغ مبسطة وبالغة الوضوح لكي يستوعبها الناس جميعا بغض النظر عن
مستوياتهم الفكرية، فتصل بذلك الى جميع العقول ويستفيد منها الجميع
أيضا.
وبهذا يكون الامل بالله تعالى سمة من سمات الانسان الناجح، كما أن
نبذ اليأس والابتعاد عنه سمة أخرى من سمات النجاح أيضا، لهذا كان
تركيزه في هذا المجال كبيرا وواضحا من أجل خدمة المسلمين وتعميق وعيهم
وقدرتهم على التعامل الصحيح مع ثنائية اليأس والأمل.
* مؤسسة الفقيه الشيرازي الثقافية
http:// mr-alshirazi.com/ |