رؤى المصلِحين في تحرير الناس من الشقاء

عبد الكريم العامري/باحث اجتماعي

 

شبكة النبأ: من الواضح أن الهدف الأكبر للأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) كان تحرير الناس من الشقاء الأبدي، ليس مجرد الشقاء المؤقت في الدنيا، بل كانوا يهدفون لتحريرهم أيضا من الشقاء الأخروي.

كانت سلوكياتهم تحكي أقوالهم، أقوالهم تحكي سلوكياتهم، لم يكن علمهم وأقوالهم بعيدة عن تصرفاتهم اليومية مع الأسرة أو المجتمع، لذلك تمكنوا من إحداث ثورة تغييرية عالمية بشرية إنسانية على الأرض، لا سيما خاتم النبيين رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

العالم الذي يقول ويأمر الآخرين بأقواله وهو بعيد عنها ليس بعالم، إنما بمثابة المصباح الذي يحرق نفسه ويضيء لغيره.

قال الشاعر:

       وبّختَ غيرك بالعمى فأقدته        بصرا وأنت محسن لعماك

       كفتيلة المصباح تحرق نفسها        وتنير موقدها وأنت كذاك

 وقال شاعر آخر:

      يا أيها الرجل المعلم غيره              هلا لنفسك كان ذا التعليم

      وأراك تلقح بالرشاد عقولنا       نصحا وأنت من الرشاد عديم

الوسط الثقافي:

ليس من الصحيح في السلك العلمائي أن ترتفع مستوياتهم العلمية والوجاهية في المجتمع، بدون أن ترتفع مستوياتهم الأخلاقية والثقافية في التعامل مع بعضهم بدرجة أولى! وفي التعامل مع أفراد أسرهم ومجتمعاتهم بدرجة ثانية. مما يلاحظ على بعضهم أن علمه لا ملزومية له بأخلاقه أصلا، هذا ما سبب فداحة المسألة الإصلاحية، إذ تعثرت الموعظة، التوجيه، العلم أن يأخذوا مجاريهم إلى نفوس الناس!.

المعروف في الوسط الديني، الأخلاقي، العلمي منذ أن وجدت الرسالات السماوية العلمية والأخلاقية والإصلاحية كهدية للبشر، انه على العالم أن يعمل بعلمه، وحث النفس على أن تأتمر بما أمر به، وإلا فهو من الذين وبخهم الله سبحانه وتعالى بقوله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتب أفلا تعقلون) سورة البقرة/ 44.

روي عن النبي( صلى الله عليه وآله) أنه قال: تعلموا ما شئتم أن تتعلموا فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا به، فإن العلماء همتهم الرعاية ، والسفهاء همتهم الرواية) .

وقال عيسى( عليه السلام) : ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعمل، إن كثرة العلم لا تزيدك إلا جهلا إذا لم تعمل به.

أهمية طلب العلم:

مصادر الثقافة في هذا العالم كثيرة ومتنوعة، سواء في السياسة أو في الاقتصاد أو في العلوم الأخرى. كل هذه المصادر تحاول أن تحتوي المصدر الآخر للانفراد في الساحة. نلاحظ أنه كلما جاء فكر جديد كثيرا ما يلعن من كان قبله. هكذا الحال في القوانين الوضعية  السائدة في هذا العالم المتلاطم بالأفكار، في الأغلب تكون أفكارا تسلطية مبتنية على الخداع والغش، في ظل العناوين والاتجاهات ينخدع بعض الناس وينجرف في دوامتها.

مقابل  هذه التيارات التضليلية يقف الفكر الإسلامي شامخا، بما يحتويه من مبادئ رصينة وثابتة، تهدي الناس إلى الخير والصلاح.

فالقرآن الكريم هو مصدر الهداية والرحمة، يهدي الناس الى التكامل المادي والمعنوي، يحررهم من العبودية التي قيدتهم نتيجة الأفكار والنظريات التضليلية. القرآن الكريم يحتوي على أعلى قيمة في الفكر، أرقى أسلوب في الحركة والسير الذاتي نحو التطور والسعادة.

جهاد القلم:

اعتضد الفكر بشخصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الذي أخرج هذا الفكر الى النور، بأعماله وأفعاله الواقعية، في مجتمع صعب التغيير، متعصب لفكرته المترسخة  لفترة طويلة، مع وجود شخصيات متمرسة في التضليل والخداع، ذات مصالح شخصية، لها جذور عميقة في التأثير على المجتمع. رغم هذا كله نجح هذا الفكر في الاجتياز لكل العقبات نتيجة لتكامله وصحة دعوته، قوة منشئه وعظمته، صدقه وأمانته.

الجهاد بالقلم من أسمى آيات الجهاد قوله صلى الله عليه وآله: مداد العلماء أفضل عند الله من دماء الشهداء.

وجاء في الحديث عن رسول الله (ص): يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء.

وقال الإمام علي عليه السلام: عقل الكاتب قلمه.

وقال بعض الحكماء: القلم والسيف حاكمان في جميع الأشياء، لولاهما ما قامت الدنيا.

الإمام الشيرازي (طاب ثراه) أنموذجا:

الكثير من الناس يسهرون الليل، لكن ليس كلهم يسهر على وتيرة واحدة، إنما هم في ذلك على قسمين:

القسم الأول: يسهر الليل فيكتسب من الليل بؤسا وعناة، ظلاما وضعة.

القسم الثاني: يسهر الليالي فيكتسب من الليل غنى وراحة، نورا ورفعة. من هذا القسم العلماء، تاريخهم يشهد لهم بذلك.

الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله مرجع من مراجع الأمة الإسلامية، نادرة من نوادر العصر والزمان، خصاله الحميدة، شجاعته المتميزة، تصانيفه المعروفة تغني عن الحديث حول شخصيته العطرة.

عرف بكثرة التصنيف والتأليف والبحث. يعد القلم سلاحا قويا لتبليغ صوت الإسلام الحنيف للعالم، لإصلاح الإنسان وأوضاعه المأساوية. كان دائما يوصي طلابه، محبيه، شباب الإسلام برسالة القلم والتأليف، لما لها من أهمية كبرى في حياتهم اليومية. يحث على إيجاد المكتبات الإسلامية في كل بيت. فهو لا يركن للراحة قط فتراه بين درس، بحث تحقيق، تأليف، إلقاء المحاضرات، جل أوقاته الثمينة يصرفها في البحث والتأليف حتى شلت ثلاثة من أصابع يده اليمنى من كثرة مسكه للقلم.

يقول عنه ابنه آية الله السيد مرتضى الشيرازي: إن والدي كان ينام أربع ساعات فقط، بقية الساعات مشغول فيها بين التأليف، القراءة، إلقاء الدروس، المحاضرات، الرد على الاستفتاءات الإسلامية. وربما سهر الليل كله وصرفه في الكتابة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/أيار/2010 - 26/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م