المدارس الطينية قدرٌ محتوم على تلاميذ العراق

مئات المَلاحق بين تقاعس الحكومات المحلية وإهمال الوزارة

 

شبكة النبأ: اختلفَ تربويون ومسؤولون بشأن المدارس الطينية في محافظة المثنى جنوب العراق، فمنهم مَن وصف المشهد بالكارثة الإنسانية محملا جميع المعنيين المسؤولية، ومَن طالب بضرورة غلقها لانتشال تلاميذها من موت محدق، في حين ناشد بعضهم رئيس الوزراء ووزير التربية بوقفة عاجلة لمعالجة الموضوع جذريا.

ففي مشهد بائس يمثل ملحقين دراسيين من بين سبعة ملاحق طينية، كانا من حصة قريتي أم اللحم وفارس آل مغير، ويبعدان مسافة سبعة كم إلى الشمال الشرقي من قضاء الرميثة (25 كم شمال السماوة)، بمحاذاة الخط السياحي المؤدي إلى قضاء الحمزة، التابع إداريا إلى ناحية النجمي، يواظب طلبة بعمر الزهور على الحضور يتهددهم الخطر في كل خطوة وكأن المدارس الطينية أصبحت واقعا محتوما عليهم.

وقال المعلم في ملحق قرية أم اللحم هاشم سلمان إن عدد التلاميذ في الملحق “يبلغ ا9 تلميذا لم تتوفر لهم أبسط وسائل التعليم ومستلزمات الدراسة فضلا عن الخدمات الضرورية”، مشيرا إلى أن الصفوف “عبارة عن أكواخ طينية آيلة للسقوط بسقوف خشبية معثوثة تبلغ مساحتها ثلاثة أمتار طولا ومترين عرضاً، يتقاسم فيها التلاميذ الصف إلى قسمين يمثل فيها الجانب الأيمن المرحلة الأولى والجانب الآخر المرحلة الثانية في آن واحد”.

وأضاف أن المرحلة الأخرى “تنتظر خارج الصف إلى حين الإعلان عن انتهاء الدرس”، مبينا أن المعاناة “لا تقتصر عند هذا الحد بل أن الملحق يحاط  بمستنقع مائي عميق كاد أن يودي بحياة ثلاثة تلاميذ لولا انتشالهم من قبل معلم همام”. بحسب وكالة أصوات العراق.

وأوضح أن هطول الأمطار “يشكل معاناة مضافة تضطر الجميع من مدرسين وطلبة للجوء إلى أحد البيوت القريبة طلبا للمأوى”، لافتا إلى أن الزيارات العديدة للمعنيين من الجهات المسؤولة لموقع الملحق الذي يطلق عليه جزافا “لم تسفر عن شيء يذكر برغم كثرة الوعود”.

إلى ذلك قال المعلم في ملحق قرية فارس آل مغير خالد جاسم لوكالة أصوات العراق إن الإهمال “لا يقتصر على البناء والخدمات بل يتعداه إلى معضلة المناهج الدراسية التي أصبحت بالية”، مضيفا أن الكتب لدى التلاميذ “ممزقة لا تصلح للقراءة والتعليم”.

وأفاد أن المنهج عبارة عن “مجموعة أوراق متناثرة تم جمعها من قبل المعلمين بمساعدة زوجاتهم ومن ثم خياطتها وترقيعها بجهود محلية وشخصية”، منوها إلى أن المسؤولين “لا يزورون المنطقة إلا أوقات الانتخابات ليغدقوا الوعود المعسولة بهدف كسب تعاطف الناس وأصواتهم دون أن يحققوا أيا منها”.

وذكر أن سعر الملصق الانتخابي لبعض المرشحين “يبلغ نحو مليون دينار في حين يبلغ سعر الكتاب المنهجي الواحد بضعة آلاف من الدنانير”، وتابع “ماذا لو خصص أي مرشح للمناصب القيادية في المحافظة أو مجلس النواب جزءا من مبلغ حملته الدعائية لانتشال المنطقة من واقعها المزري”.

من جانبه قال مدير ناحية النجمي حارث لهمود هادي الزريجاوي “أصبح من المعتاد القول إن ضعف التخصيصات المالية هو السبب في تعثر بناء مدارس حديثة”، موضحا أن بناء المدارس “لا يتطلب سوى بضعة ملايين من الدنانير العراقية في حين يتم صرف المليارات على مشاريع البعض منها فاشل والآخر غير ضروري”.

ودعا الزريجاوي إلى “احترام الأوليات والأمور الملحة عند اختيار المشاريع لاسيما عندما يتعلق الأمر بموضوع  تربوي يخص بناء جيل المستقبل الذي سيأخذ على عاتقه مسؤولية حمل الرسالة لبناء الوطن”، منوها إلى أن المسؤول الحكومي “ينبغي أن يتحمل المسؤولية الشرعية والأخلاقية إضافة إلى المسؤولية الرسمية”.

وأضاف”لا يمكن نكران تقصير وزارة التربية بهذا المجال إذ لم تشرع ببناء مدرسة واحدة في ناحية النجمي”، مستدركا “لكن الجهات المعنية في المحافظة تتحمل بدورها جزءا من هذا التقصير”.

وتابع “كما تتحمل المديرية العامة للتربية في المثنى المسؤولية لعدم تحركها لمعالجة الموضوع”، ورأى أن من الضروري “غلق هذه المدارس لانتشال أرواح أولئك التلاميذ من الموت المحدق بهم كونها بنايات طينية آيلة للسقوط”.

على صعيد متصل قال مدير عام تربية المثنى عبد الكاظم نفات هتول إن هنالك “سبعة ملاحق طينية متوزعة على عموم محافظة المثنى”، مبينا أن المديرية ” تلكأت في بنائها لعدم وجود تخصيصات مالية”.

وأضاف أن هنالك “تباينا واضحا وملموسا في توزيع تخصيصات لمحافظات”، شارحا “تم بناء 18 مدرسة كبديل للمدارس الطينية في المحافظة عندما تبنى مجلس الوزراء حملة لبناء المدارس في العراق”.

وأوضح “ارتأينا بناء عدد من المدارس الطينية في بعض القرى الريفية عندما يزداد عدد تلاميذ الصف الواحد إلى أكثر من 50 تلميذا”، واعدا بـ”معالجة موضوع المدارس الطينية حال حصول المديرية على تمويل مناسب”.

لكن رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس محافظة المثنى ياسر غازي الياسري قال إن الدستور العراقي “كفل حق التعليم وتوفير المستلزمات الدراسية اللازمة”، مستدركا “لكن الواقع يصطدم بعدد من الحواجز والمعرقلات”.

ومضى قائلا إن “كثرة المدارس الطينية وندرة القرطاسية فضلا عن قلة وقدم المناهج الدراسية من أهم معرقلات النهوض بالقطاع التربوي” مشيرا إلى أن الحكومة “تولي قطاع التعليم اهتماما أكثر من التربية في حين أن التربية أكثر أهمية من قطاع التعليم كونه يمثل مرحلة تأسيس وبناء للطالب”.

وشدد الياسري على أن الجميع “يتحملون المسؤولية”، وناشد الياسري رئيس الوزراء ووزير التربية والمعنيين كافة لـ”الوقوف بشكل جدي للنهوض بالواقع التربوي في المحافظة وانتشال هذه الشريحة من الضياع”. وتقع مدينة السماوه، مركز محافظة المثنى، على مسافة 280 كم إلى الجنوب من العاصمة بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/أيار/2010 - 25/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م