رجل السلطة وخطر العزلة عن شرائح المجتمع

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: للسلطة أمراض قد لا يتنبّه لها حتى الخيرون من القادة أو أصحاب السلطات المختلفة، فهي كالمرض الخفي الذي قد يستفحل ويقتل صاحبه إذا لم يكتشفه ويراقبه ويعالجه على نحو متواصل كي يتجنب أخطاره.

وخطر السلطة يبدأ بتضخّم الذات والنظر الى الآخرين لاسيما من يكون تحت سلطته على أنهم أقل منه شأنا، بل يصل الأمر أحيانا الى التصور بأن الرعية هم رعاة فعلا وخدم لديه وعليهم أن يوافقوه ويطيعوه في كل شيء، حتى يصل به الأمر الى أنه صاحب الرأي السديد الأوحد أما ما عداه فهم جهلة أو قاصرون في أضعف الايمان، لذا يبدأ خطر السلطة من هذه النقطة التي تذهب بصاحبها الى مديات واسعة من التعالي والتكبر والاعتداد اللاطبيعي بالنفس، ما يقوده في نهاية المطاف الى ضرب طوق من العزلة بينه وبين المجتمع.

وهذا الطوق من العزلة الذي ينشأ ويتنامى مع تنامي تضخم الذات يدفع القائد الى التحرّج من اداء واجباته على الوجه الأمثل، فيميل الى الترفع على الآخرين، في حين لا يعرف أنه بمساره هذا إنما يقود نفسه وسياساته في الاتجاه الخاطئ، يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) بهذا الصدد:

(عادة أصحاب السلطات يعيشون بعيدين عن المجتمع، ويترفعون عن ممارسة الحاجات الصغيرة بأنفسهم لعدّة أسباب:

1. للجبروت والطغيان.

2. للخوف من المجتمع الذي يمارسون الظلم معه.

3. للفرار من كثرة تراكم الأعمال عليهم).

وهكذا يمكن أن نلاحظ ما تفرزه السلطة من مخاوف أولية لدى السلطان، إذ ما تلبث هذه المخاوف والهواجس أن تكبر وتتنامى لتزع في نفس الحاكم متناقضات كثيرة منها، الترفع على الآخرين والاعتداد المبالغ به بالنفس، مرفوقا بالخوف غير المبرر من الشعب فيما لو كان عادلا مع الجميع.

إن العزلة التي تتسبب بها السلطة تعد من أخطر ما يمكن أن تنتجه وتزرعه في شخصية القائد السياسي، إذ أنها تضاعف لديه شعورا مانعه له من التواصل مع الشعب، وهو خطر ما بعده خطر، والمشكلة الكبرى في ذلك أن القائد نفسه لا يعي ما يحصل في شخصيته وتكوينه النفسي، بل حتى لو وعى ذلك فإنه لا يتمكن من معالجة هذا الخطر لأنه لم يكبحه في أو نشوئه، تماما كالمرض الذي لا يمكن شفاءه عندما يستفحل ويتجاوز مرحلة القدرة على العلاج، لهذا ينصح العارفون القادة والحكام بمراقبة أنفسهم والحد من ترفعها وطغيانها من خلال إلتصاقهم بالناس حتى البسطاء منهم وتأدية حاجاتهم مباشرة ومعرفة ما يرغبون به وإقامة العلاقة الطبيعية مع المجتمع كما كان يفعل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه بهذا المجال:

إن الامام (أبعد ما يكون عن هذه الأسباب كلها .. فعلي عليه السلام أبعد ما يكون عن الجبروت والطغيان. وأمير المؤمنين عليه السلام لا يظلم أحداً حتى يخافه في دخول المجتمع. وسيد الوصيين عليه السلام يبحث عن التعب والمشقة في سبيل الله، فكيف يفر عن ذلك).

وهذا ما يدل على أن القائد كلما كان أكثر قربا من الناس كلما كان أكثر إستقرارا ونجاحا في أداء مهماته، ناهيك عن المكانة الكبيرة التي سوف تتكون له في قلوب الجميع من افراد المجتمع الذي يسوسه بما يرضي الله تعالى ونفسه وضميره وضمائر الناس أنفسهم.

لهذا السبب تحديدا يُنصح القادة بمراقبة تأثير السلطة على تكوينهم النفسي الذي سينعكس على سلوكهم الفعلي والقولي في آن، وينعكس أيضا على اتخاذهم القرارات الهامة وحتى العادية منها، حيث يطفوا الظلم واضحا على سطح هذه القرارات التي لا تصدر عن نفس وفكر وعقل متوازن قائم على مثالية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بل غالبا ما تكون السلطة ومفعولها السلبي ذات تأثير مناهض للسلوك العادل والمقبول.

إذن ينبغي أن يبدأ القائد بنفسه، إصلاحا وتطويرا وموازنة في السلوك والقول، وهذا ما يقوده حتما الى علاقة حسنة ومتوازنة مع المحكومين جميعا، إذ يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه بأن الامام علي (ع) بدأ بنفسه فيما يخص المساواة، إذ ذكر سماحته:

(بدأ أمير المؤمنين عليه السلام في المساواة بنفسه الكريمة أوّلاً، ثم طبقّها على غيره، لكي لا يكون للناس حجّة).

فإذا كان القائد بادئا بنفسه وعائلته وحاشيته في تطبيق المساواة، فلابد أن يكون نموذجا في ذلك للفرد والمجتمع، وبعكسه، أي اذا ابتعد القائد عن العدل والمساواة وأخذه سحر السلطة وطالته أمراضها فإنه سيميل رويدا الى العزلة ثم مقاطعة الناس والترفع عليهم ثم تصبح جميع قراراته مجحفة وظالمة للناس لأنها لا تقوم على مبدأ العدل، بل على مبدأ تفضيل المصالح الذاتية والعائلية والحزبية وما شابه، وهنا يكمن الخطر كله في ممارسة السلطة والانغمار كليا في مجاهيلها. 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/أيار/2010 - 23/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م