كان الطريق من مدينة المنصورة إلى مطار القاهرة يوم الخميس 22
أبريل/ نيسان خالياً على غير عادة. أزيلت نقاط التفتيش التي تعوق
المرور، وأغلقت المقاهي الموجودة على الطريق أبوابها، وجاءت الأخبار
بأن هذا ضمان لأمن الوريث المنتظر المتوجّه لزيارة إحدى قرى المحافظة.
لدى عودتي من بيروت، جرى إيقافي وتفتيشي في مطار القاهرة لمدة أربع
ساعات استناداً إلى حالة الطوارئ المستمرة منذ ثلاثين عاماً، قبل أن
يسمحوا لي بالمرور عند انتصاف الليل. وقبل أن يسمح لي بالمرور، سألني
الضابط (ممثل الحاكم العسكري): منذ متى يتمّ تأخيرك في المطار؟ قلت له:
من زمان!
ومن لا يفلح أهله في تأديبه وحمله على الانصياع لإعلام الخردة ورجل
الحديد الخارق، فلتؤدّبه الطوارئ والتنكيل في المطارات!
من خلال الأمثلة السابقة، يبدو واضحاً كيف تستخدم حالة الطوارئ في
تسهيل المرور هنا، وخنقه هناك وقطع أرزاق الناس ضماناً لأمن الوريث
المنتظر، فضلاً عن تأديب المخالفين في الرأي وتهذيبهم!
في الوقت نفسه، أطلّ علينا أمين التنظيم بالحزب الوطني، رجل الحديد
الخارق (أحمد العز)، من خلال حوار مع «سي إن إن» بوصفة مبتكرة لحالة
الطوارئ، قائلاً: لديكم عمل وطني (Patriot Act) وقانون الطوارئ هو
عملنا الوطني. وهذا القانون يستخدم حصراً لمواجهة الإرهاب أو تجنب
تهديد الإرهاب. ولم يستخدم مطلقاً لقمع الحياة السياسية أو الاجتماعية
أو الاقتصادية. ونحن نتطلع إلى يوم نستغني فيه عن قانون الطوارئ، وحين
يعيش الشرق الأوسط في سلام سيكون الحزب الوطني هو الأول في الاستغناء
عن قانون الطوارئ.
يبدو واضحاً أنّ المعادلة السياسيّة التي يصرّ عباقرة الحزب الحاكم
على إبقائها إلى أن يأتي اليوم الموعود الذي يعم فيه السلام العالم
والمنطقة ودول الجوار وجوار الجوار، تقوم على أن قانون الطوارئ (بتاعنا)
هو في مقابل الباتريوت آكت (بتاعكم) ودعونا نقمع بصمت!
الطريف في الأمر أن الرئيس الراحل أنور السادات كان قد ألغى حالة
الطوارئ قبل أكثر من ثلاثين عاماً عندما وقّع معاهدة السلام مع
إسرائيل. أي أننا نعيش، حسب زعمهم، في حالة سلام. إلا أن هذا لا يمنع
من طلب المزيد من السلام.
طبعاًً ليس من المنطقي أن يُتّهم «رجل الحديد الوطني»، الدكتور محمد
البرادعي، بالعمالة للأميركيين من محطة «سي إن إن» الأميركية، وهو
الخطاب الذي يوجّهه إعلام الخردة المصري للجمهور المحلي في محاولة
للإيهام بأن الضمير القومي للنظام المصري هو في آخر ساعات نومه، وأنه
يوشك أن يستيقظ، داعياً الجماهير لإعداد القهوة والشاي وفطور الصباح
وحمام دافئ لئلا يغطّ في نومه مرة أخرى -هذا إن كان لا يزال حياً-
ولذا، فقد بادر الرجل إلى اتهام البرادعي هو وأعوانه بالعمالة للشيوعية
البائدة المتحالفة مع النظام الإيراني من أجل تعكير الأمن وتكدير
المزاج العام، حيث قال العز: «البرادعي يقول إنه متحالف مع تحالف ضخم
من المصريين، لكن الحقيقة أنه متحالف مع تحالف متشدد من اليسار المتطرف
الذين يتبنون فكراً أثبت فشله في الستينيات، أو جماعة الإخوان اليمينية
المتشددة الذين يتبنون الديموقراطية على طريقة الرئيس الإيراني أحمدي
نجاد».
رجل الحديد ومن ورائه إعلام الخردة يزعجه التطرّف اليساري والتشدد
الإخواني ويخشى علينا من ديموقراطية أحمدي نجاد، ويصرّ على أنه وحده هو
العارف بما يصلح أخلاقنا ألا وهو طوارئ مبارك!
* أستاذ كلية الطب 0 المنصورة |