تحقيق الأمن والاستقرار للمواطنين مطلب جماهيري لا يساوم عليه أحد،
فالجميع يرغبون أن يخرجوا من بيوتهم الى أماكن عملهم في الأسواق أو
الدوائر الحكومية أو المدارس والمستشفيات وحتى الى (مساطر العمّال)، ثم
يعودوا سالمين غانمين ليلتئم شمل الأسرة مساءً في ظل أجواء ملؤها الدفء
والحنان والتفاهم.
لكن يرى المواطنون إن هذه الأمنية أو الطموح تتحقق باجراءات بعيدة
عن هذه الأجواء، حيث الجدران الكونكريتية والأسلاك الشائكة ونقاط
المراقبة المثبتة فوق البنايات وسط المدن، ومنها تظهر فوهات البنادق
القناصة! وفيما هم وسط هذه الاجراءات وإذا تهتزّ ابدانهم وقلوبهم بدوي
انفجارات هنا وهناك.
طبعاً نحن نشدّ على أيدي رجال الأمن وهم يسعون لإبعاد القتلة وباعة
الضمير والوطن، عن الناس الآمنين، لكن كيف يتم ذلك؟
الناس يقولون: الحل الأنسب والأجدر في التعامل المخابراتي، فهم
يمضون في طريقهم وأعمالهم دون مشكلة ولا يعيقهم أحد، لكن ترافقهم
العيون التي تميز بين الصالح والطالح، بينما تقول قوى الأمن: الأفضل
سدّ الطريق على الجميع حتى نعرقل حركة القاتل والارهابي، لذا كانت
الحواجز الكونكريتية في معظم مدن العراق، وفي كربلاء المقدسة لدينا
الأبواب الحديدة الكبيرة على الأزقة أشبه ما تكون بـ (باب الحارة).
وفي آخر خطوة عسكرية – أمنية جديدة في بغداد ما أعلنته قيادة
عمليات بغداد من البدء بإنشاء (سور بغداد الأمني) الذي تتخلله ثمان
أبواب تكون المنافذ الوحيدة لسكان العاصمة يدخلون من خلالها ويخرجون،
وهذا يذكرنا بالجدار الفاصل الذي أنشأه الكيان الصهيوني في الضفة
الغربية وعزل من خلالها بين المستوطنات اليهودية وبين الفلسطينيين أهل
الأرض، ولو أن الأمثال تضرب ولا تُقاس، فذاك الجدار يفصل بشكل واضح بين
أصحاب هوية معينة، فهو بمنزلة حدود فاصلة، لكن ماذا عن الجدار أو السور
الأمني عندنا في بغداد؟ ومن يدري إن تم تمرير هذه الفكرة على أرض
الواقع، ربما تتكرر في سائرالمدن التي تشكو قوى الأمن من صعوبة السيطرة
على تحرك الارهابيين، علماً إن اللواء قاسم عطا وعد الناس بان من فوائد
هذا السور إن العاصمة ستشهد إزالة جميع الكتل الكونكريتية وتتنفس جميع
الطرق والشوارع بازالة الموانع الحواجز، عندها ليتجول أهالي بغداد
بمنتهى حريتهم، لكن ماذا عمن هم خارج السور؟! وماذا عن العلاقات
والوشائج الاجتماعية بين الناس؟! وماذا....؟
بدلاً من أن يلف المواطن بسيارته ويدور بين الجدران الكونكريتية
ليصل الى الحيّ السكني الذي يريده، فانه سيفعل الشيء نفسه لكن هذه
المرة على نطاق أوسع، وبهذه الفكرة يعتقد خبراء التخطيط الأمني أنهم
يضمنون سلامة الناس من الانفجارات والايام الدموية التي يشهدونها بين
فترة وأخرى. لكن حسب الظاهر فان هكذا خطط من شأنها ان تبعد بين إرهابي
وآخر، مثلاً بين المنفذ وصاحب الخطّة أو المسؤول والمراقب وهكذا، لأن
جميع هؤلاء هم بالحقيقة يتجولون ويعيشون بين الناس العاديين في بغداد
وجميع مدن البلاد، لذا فان الناس سيدفعون هذه المرة أيضاً ثمن
الاجراءات الأمنية عندما تقطعهم الجدران والأسوار الأمنية فيما يبقى
الارهابيون بينهم يراقبون الوضع لابتكار طريقة جديدة لإلحاق الأذى
بالناس. |