البقعة السوداء تفتح باب المزايدات السياسية في أمريكا

شبكة النبأ: تعقد مقارنات بين بطء الاستجابة في الولايات المتحدة بعد إعصار كاترينا عام 2005 وتسرب بقعة زيت ضخمة في خليج المكسيك في الآونة الأخيرة.. إلا أن التسرب لا يمثل حتى الآن مشكلة سياسية كبيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما.

وقال أوباما للصحفيين في البيت الابيض في ثاني بيان عام يصدره بشأن التسرب في غضون يومين "هناك الان خمسة أماكن لتجميع القوات بهدف حماية الشواطيء الحساسة ويوجد قرابة 1900 من أفراد الاستجابة الوطنية في المنطقة وأكثر من 300 من سفن وطائرات الاستجابة في الموقع بشكل دائم."

وأضاف "أمرت وزير (الداخلية كين) سالازار باجراء مراجعة مستفيضة لهذا الحادث ورفع تقرير الي في غضون 30 يوما حول ضرورة اتخاذ أي اجراءات احترازية وتكنولوجيا للحيلولة دون وقوع حوادث مماثلة مرة أخرى."ولسان حال أوباما في هذه التصريحات يقول "نحن نتولى الامر."

ومثل هذه الرسالة معتادة من الرئيس. ولفترات طويلة منذ تولي الحزب الديمقراطي رئاسة الولايات المتحدة عمل منتقدون وخبراء على مقارنة العديد من الكوارث الطبيعية أو الازمات السياسية الاخرى باعصار كاترينا الذي ارتبط في الاذهان بما اعتبره كثيرون بطء استجابة ادارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش للكارثة. بحسب رويترز.

ووصف بعض المنتقدون - منهم مقدم البرامج الاذاعية راش ليمباو وهو محافظ يحظى بالنفوذ - التسرب النفطي بأنه "كاترينا فترة أوباما." وأطلقت مسميات مشابهة على مرحلة أو أخرى مثل اعصار هايتي في يناير كانون الثاني وتفشي انفلونزا الخنازير.

وتعرض اوباما لانتقادات بسبب ما تردد عن بطء الاستجابة مع أزمة أخرى وقعت في ديسمبر كانون الاول وهي محاولة لنسف طائرة كانت متجهة لمدينة ديترويت لكن الرئيس الامريكي سعى الى الاشارة الى مواقف أخرى لتجنب اتهامات ببطء الاستجابة.

ووصف البيت الابيض المقارنة بأنها مدبرة. وقال روبرت جيبز وهو متحدث باسم البيت الابيض "أعتقد أنني أود أن أتذكر أن 1800 شخص أو أكثر من 1800 شخص قتلوا في كاترينا."وأضاف "لكننا كنا موجودين... بمجرد وقوع الحادث (تسرب بقعة النفط)." وقال "تصور أننا نظهر أننا نتابع الامر لا يستند الى معلومات."

واتفق مع جيبز محللون وخبراء استراتيجيون وسياسيون الى حد كبير. وقالت جوليان زليزر وهي أستاذة في التاريخ بجامعة برينستون "ليست كاترينا بعد."وأضافت "على الرغم من أنه حادث رهيب فان تسرب النفط لا يساوي شكل المعاناة الانسانية التي شاهدناها في كاترينا. انه أمر يجب أن يتجاوب معه أوباما ويحسن خطته لكن يجب التفريق."

وذكر ريتش هالن وهو خبير استراتيجي من الحزب الجمهوري أن استمرار الاستجابة سيظهر ما اذا كان تسرب النفط قد تحول الى مشكلة سياسية أكبر للرئيس. وأضاف "يعتمد تحول الامر الى كاترينا فترة أوباما على ماذا سيحدث عندما تظهر لقطات لمجموعات البط التي تلوثت بفعل بقعة النفط على شاشة سي.ان.ان."وأضاف "أتمنى أن يفعلوا ذلك على النحو الصحيح من أجل الشواطيء. هل لدي ثقة في هذا.. ليس كثيرا لكنني أتمنى أن يخيب ظني."

وتساءل مارك مكينون وهو خبير استراتيجي ثان من الحزب الجمهوري عما أدى الى وقوع هذا الحادث في الاصل قائلا "من المبكر للغاية القاء اللوم. لكنه ليس من المبكر أن نوجه أسئلة حول سبب عدم ادراك الخطر في وقت سابق.. يبدو أن الاستجابة الاولية كانت جيدة من كل من الشركة والحكومة."

واذا كانت هناك عواقب سياسية لاوباما فانها من المرجح بشكل أكبر أن تؤثر في مسعاه بشأن وضع مسودة قانون لتغير المناخ والتي تشمل بنودا لتوسيع التنقيب عن النفط في البحر وهو مكون يهدف الى حشد تأييد الجمهوريين.

وقالت أديل موريس مدير سياسة تغير المناخ واقتصاديات الطاقة في مؤسسة بروكينجز ومقرها واشنطن "يعقد هذا بالتأكيد الرسالة لانه يشير الى العيوب البيئية المحتملة لهذا الانتاج المحلي."وأضافت "وهل يغير هذا من تطلعات قانون المناخ.. لم يراهن أحد على فرص صدور قانون للمناخ هذا العام على أية حال."

تحركات على مستوى القمة..

واستنفرت الإدارة الأميركية طاقاتها سعيا إلى تفادي الأسوأ بعد ان وصلت بقعة النفط التي تسربت من منصة نفطية غرقت في خليج المكسيك في 22 نيسان/ابريل الى شواطىء لويزيانا، منذرة بواحدة من اسوأ البقع السوداء في تاريخ الولايات المتحدة.

وبطلب من الرئيس باراك اوباما، عقد اجتماع استغرق اكثر من ساعة وحضره ابرز الوزراء ومسؤولي البيئة ومن بينهم وزيرة الداخلية جانيت نابوليتانو ووزير الدفاع روبرت غيتس. وقال البيت الابيض ان الهدف التاكد من تكريس كافة الموارد الفدرالية لمواجهة الكارثة.

ووافقت وزارة الدفاع على نشر الحرس الوطني في لويزيانا، بعد طلب تقدم به حاكم الولاية بوبي جندال الذي طلب نشر ستة الاف من الاحتياطيين. واعلن الحاكم كذلك الجمعة انه سيستعان بالسجناء لتنظيف الشواطىء.

ولم تعلن وزارة الدفاع في بيانها عدد الاحتياطيين الذين سيتم نشرهم، لكنها قالت ان الحكومة تعتبر ان على شركة بريتش بتروليوم ان تتحمل كلفة هذا الانتشار. بحسب فرانس برس.

ولامست اولى كميات النفط المتسربة من منصة ديب ووتر هورايزن مدفوعة برياح عاتية جنوبية شرقية مساء الخميس مستنقعات قريبة من مصب المسيسيبي، اكبر انهار الولايات المتحدة.

وغرقت المنصة ديب ووتر هورايزن التي تستغلها شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية بعد انفجار وحريق قبل يومين. وكانت تحتوي على 2,6 مليون ليتر من النفط على بعد 70 كلم من اشاطىء. واعتبر 11 شخصا في عداد المفقودين.

ويتسرب 800 الف ليتر من النفط من المنصة يوميا، ولذلك يتوقع ان تتجاوز الكارثة حجم تلك التي احدثتها ناقلة النفط اكسون فالديز والتي كانت الاسوأ في التاريخ الاميركي في 1989. وتقدر مساحة البقعة باكثر من 1500 كلم مربع، اي اكبر من مساحة لندن.

وتشكل سواحل لويزيانا موطنا للحيوانات ولا سيما منها للطيور المائية، بينما تخشى الولايات الاخرى في المنطقة، اي فلوريدا والاباما وميسيسيبي، ان تصل البقعة النفطية الى شواطئها وتلوث مزارع السمك الاساسية لاقتصادياتها المحلية.

وتهدد البقعة مئات الكيلومترات من سواحل جنوب الولايات المتحدة في لويزيانا وميسيسيبي والاباما وفلوريدا.

وقال متحدث باسم بريتش بتروليوم الجمعة ان الشركة تتحمل مسؤولية كاملة عن البقعة وستعمد الى تنظيفها. واضاف ان الشركة ستدفع تعويضات الى المتضررين الذين يتقدمون بشكاوى قانونية.

ولكن وزيرة الامن الداخلي الاميركي جانيت نابوليتانو حضت الشركة البريطانية الجمعة على فعل المزيد خلال زيارة للمنطقة. واعلن البيت الابيض ان الرئيس باراك اوباما لا يستبعد زيارة المناطق المهددة.

وتم الجمعة تقديم ثماني شكاوى على الاقل الى محاكم المناطق المهددة وخصوصا من قبل مهنيين يعملون في البحر ويتهمون الشركة النفطية البريطانية بالاهمال.

وقالت ميلاني دريسكول، من جمعية اودوبون المدافعة عن البيئة انه "اسوأ وقت بالنسبة للطيور لانه موعد التزاوج والتعشيش".

وتم نشر حواجز عائمة على طول 50 كلم املا في وقف انتشار النفط. وقالت البحرية الاميركية انها ارسلت حوالي 18 كلم من هذه الحواجز ونشرت تجهيزات لتجميع الوقود.

وتم تحويل جزء من مياه الميسيسيبي باتجاه المستنقعات بهدف دفع البقعة العائمة، كما قالت ويلما سوبرا من منظمة "اكشن نتورك" البيئية في لويزيانا.

واعلنت حال الطوارىء كذلك في فلوريدا الجمعة حيث تحدث حاكمها تشارلي كريست عن "كارثة واسعة" تهدد الولاية التي تعتمد اعتمادا كبيرا على السياحة.

وطلب اوباما من ادارته تقديم تقرير خلال ثلاثين يوما حول ملابسات الحادث والتدابير التي يتوجب اعتمادها لتفادي مثل هذه الكوارث مذكرا بان استغلال النفط ينبغي ان يجري "بطريقة مسؤولة". وقد اعلن مستشار الرئيس الاميركي ديفيد اكسلرود اليوم ان الادارة الاميركية لن تسمح بعمليات حفر نفطية في البحر من جديد قبل معرفة اسباب انفجار المنصة التي احدثت بقعة النفط.

وبما ان شركة بريتش بتروليوم غير قادرة على وقف التسرب، يحاول البيت الابيض تجنب كارثة مثل تلك التي سببها الاعصار كاترينا في المنطقة نفسها في 2005.

واعلنت هيئة التقييم المالية فيتش ريتنغس ان تنظيف البقعة يمكن ان يكلف ما بين مليارين وثلاثة مليارات دولار.

واعتبر مكتب اندرسن كيل اند اوليك المتخصص في التامينات البيئية الجمعة انه يتوقع ان تشهد الفترة المقبلة نزاعات كثيرة ومعقدة بشأن طلبات التامين المتعلقة بالبقع النفطية. واوضح المكتب ان شركة بريتش بتروليوم تدفع 500 الف دولار يوميا مقابل امتياز التنقيب في المنصة.

سيناريو أسوأ الكوارث البيئية

ومع غرق منصة النفط الأمريكية في خليج المكسيك، يتدفق نحو 24 ألف غالون من النفط يومياً قبالة سواحل لويزيانا الأمريكية، الأمر الذي أثار مخاوف من بيئية هائلة، إلا أن خبراء صناعة الصيد والصحة الأمريكيين قالوا إن المأكولات البحرية ستظل آمنة إذا ما تناولها الإنسان.

وقال الخبير في صناعة الصيد والأسماك، مايك فويزن، رئيس المعهد القومي لتربية الأسماك: "لا داعي للقلق حيال تناول الربيان وما إذا كان قد تلوث بالنفط."

يأتي تأكيد الخبراء هذا في وقت بات فيه البقعة النفطية السوداء تزداد اتساعاً، وتزايد إمكانية تحرك البقعة النفطية تجاه الشواطئ، الأمر الذي يهدد الحياة البحرية في المنطقة وربما يدمر البيئة البحرية.

يشار إلى 48 ولاية أمريكية تحصل على المأكولات البحرية التي يتم صيدها في خليج المكسيك، إلا أن 80 في المائة من المأكولات البحرية المستهلكة يتم استيرادها من خارج الولايات المتحدة. ويقول فويزن إن أسماك التونا والربيان ستهاجر بعيداً عن البقعة البحرية والمياه الملوثة.

وتقول سلطات خفر السواحل الأمريكية إن البقعة باتت تتسع وبلغ طولها نحو 128 كيلومتراً وعرضها 67 كيلومتراً، أي أن مساحتها تقدر بنحو 8602 كيلومتر مربعاً، وتبعد عن السواحل حوالي 40 ميلاً، ما يجعلها واحدة من أكبر بقاع التلوث النفطي في البحار والمحيطات. بحسب فرانس برس.

وقال خفر السواحل إنه قد يبدأ بحرق النقط المتسرب إلى السطح في محاولة لإنقاذ سواحل لوزيانا. ويحذر الخبراء من أن هذه البقعة النفطية قد تتحول إلى أسوأ الكوارث البيئية، بحيث تتفوق على كارثة ناقلة النفط "اكسون فالديز"، التي غرقت على سواحل ألاسكا وتسرب منها أكثر من 40 مليون ليتر من النفط على مسافة 1300 كلم.

وكانت أكسون فالديز قد غرقت في الرابع والعشرين من آذار/ مارس عام 1989، ونجم عن ذلك تسرب نحو 40 مليون لتر من النفط الخام في مياه خليج برنس وليام، حيث غطى النفط مساحة 28 ألف كيلومتر مربعاً.

وقالت شركة شل، التي كانت تدير المنصة النفطية الغارقة، إنها أرسلت غواصة على شكل روبوت لمحاولة سد صمامات المنصة ووقف التسرب النفطي. لكنها اكدت انه "اذا لم نقم بتامين البئر، نعم، سيشكل ذلك احدى اسوأ البقع نفطية في التاريخ الاميركي".

ولاية لويزيانا تطلب مساعدة عاجلة

وطلبت ولاية لويزيانا الجنوبية مساعدة عاجلة لحماية سواحلها من بقعة النفط التي يمكن ان تصل اليها الخميس، حسب ما اعلن الحاكم.

وطلب الحاكم بوبي جيندال موارد اضافية من الحكومة الاميركية "اثر تقارير افادت ان جزءا من بقعة النفط انفصل عن الباقي وسيبلغ سواحل لويزيانا ابكر مما كان متوقعا".

واضاف جيندال في بيان "اولويتنا هي حماية مواطنينا والبيئة. هذه الموارد اساسية للتخفيف من وقع بقعة النفط على سواحلنا". بحسب فرانس برس.

وكان خفر السواحل الاميركي اعلن ان بقعة النفط تتسرب من المنصة النفطية التي غرقت قبالة سواحل المكسيك الاسبوع الماضي عقب انفجار، بمعدل خمسة الاف برميل في اليوم اي اكبر بخمس مرات مما كان مقدرا.

وقال جيندال انه تحدث مع وزيرة الامن الداخلي جانيت نابوليتانو ل"تحديد حاجات الولاية بينما نستعد لمواجهة بقعة النفط عند وصولها الى سواحلنا".

واذا وصلت كميات كبيرة من النفط الى المستنقعات في لويزيانا فان ازالتها ستكون شبه مستحيلة. كما ان وقعها سيكون كارثيا على الحدائق الطبيعية المليئة بالاجناس النادرة وعلى صناعة الاسماك التي تقدر ب2,4 مليار دولار سنويا والتي تمثل نسبة كبيرة من المأكولات البحرية الاميركية

بريتش بيتروليوم تؤكد مسؤوليتها الكاملة

ومن جانبها أعلنت متحدثة باسم شركة بريتش بيتروليوم البريطانية لوكالة فرانس برس ان مجموعتها التي تستثمر منصة التنقيب التي غرقت في خليج المكسيك تتحمل "كامل المسؤولية عن (تسرب) بقعة النفط". وقالت المتحدثة شيلا ويليامز ان بريتش بيتروليوم "تتحمل كامل المسؤولية عن بقعة النفط وستزيلها"، مؤكدة بذلك تصريحات المدير العام للمجموعة توني هايوارد.

واكدت ان المجموعة ستدفع تعويضات للاشخاص الذين تضرروا بفعل تسرب البقعة النفطية بعد تقديمهم "شكاوى قانونية".

وغرقت المنصة "ديب ووتر هورايزون" التي تستثمرها شركة بريتش بيتروليوم البريطانية بعد انفجار وحريق في 22 نيسان/ابريل. وكانت تحتوي على 2,6 مليون ليتر من النفط وتستخرج قرابة ال1,27 مليون ليتر في اليوم. واعتبر 11 شخصا في عداد المفقودين جراء الحادث.

وفي هذا السياق، قدرت وكالة فيتش رايتنغز المالية الجمعة كلفة ازالة البقعة النفطية من خليج المكسيك بمليارين الى ثلاثة مليارات دولار، لكنها رأت ان هذا الامر لا ينبغي ان يؤثر سلبا على سندات بريتش بيتروليوم على الامد القصير.

واوضح بيان للوكالة ان "التأمين قد يغطي معظم هذه النفقات، الامر الذي يحد من النفقات والضغوطات على قسمة سندات بريتش بيتروليوم".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/أيار/2010 - 18/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م