ظاهرة القلق السلبي والتطلعات غير المشروعة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يمكن تفسير حالة القلق التي قد يتعرض لها الانسان بأنها نوع من ضمور الاستقرار النفسي لدى الانسان، ما يؤثر في عموم أنشطته وأفكاره وحتى بعض قراراته الهامة التي تتعلق بطبيعة حياته الحاضرة والمستقبلية.

ولنشوء حالة القلق أسبابها العائلية والاجتماعية على نحو عام، فحين ينشأ الطفل في محيط عائلي غير مستقر فإن ذلك سينعكس على تكوينة النفسي والفكري بطبيعة الحال، والعكس يصح أيضا، بمعنى أن الجانب التربوي له دوره في تشكيل شخصية الانسان بدءً من الطفولة ومرورا بالمراحل العمرية المتقدمة، وثمة من يرى أن الجانب الفسيلوجي قد يتدخل في صنع القلق كزيادة او نقصان إفراز بعض الهرمونات المؤثرة في هذا الجانب.

بيد أن الامر ينبغي أن يرتكز الى ارادة الانسان أولا، إذ يُلاحظ إنتشار حالة القلق بين عموم أفراد الشعب العراقي او الغالبية منهم، حيث يخشى الانسان على حاضره او مستقبله، ما يدفعه الى بعض السلوكيات التي قد تضر به والمجتمع عموما، وهنا يرى بعض المتخصصين والمصلحين أن إيمان الانسان بالله يقلل كثيرا من هذه الحالة، ويضاعف ثقة الانسان بحاضره ومستقبله من خلال ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق تطلعاته في العمل والحياة عموما.

وإذا كان الايمان سببا في إمكانية تجاوز القلق فإن ما نراه على الارض يشير الى غير ذلك، بمعنى أن هناك حالة واضحة من اللهاث وراء المكاسب الفردية او الجماعية التي قد تكون غير مشروعة، حيث تُستخدَم حالة من التنافس السلبية بين المتبارين لتحقيق نتائج أفضل على حساب الطرف الآخر.

وإذا اتفقنا على ان هناك نوعا من القلق الايجابي الذي يتعلق بتحقيق النجاح بالطرق المقبولة والسائدة بين مكونات المجتمع، فإن حديثنا في هذه الكلمة ينصبّ على الجانب السلبي من القلق.

فالابداع على سبيل المثال يتطلب إنسانا متحركا يتسم بالتجديد والبحث الدائب عن الهدف، بمعنى أنه يعيش حالة من القلق الايجابي الذي يدفع الى النجاح، بعيدا عن الصراع السلبي المباشر مع الآخر، وهنا يؤكد المعنيون بأن الابداع  لا يتحقق في الشخصية القارّة الساكنة التي تشعر بحالة من الاستقرار والسكون التام حيث لا يعنيها الابداع والتجديد من بعيد او قريب.

من جانب آخر ثمة شخصية تتخذ من القلق إسلوبا يقودها نحو النجاح، وهذا القلق من النوع الذي لا يضر بصاحبه ولا بالآخرين بل يدفعه نحو الاكتشاف والتواصل والانتاج المتجدد بإسلوب التنافس الايجابي المتفق عليه أو السائد بين معظم الناس.

لكن حديثنا هنا عن القلق المريض الذي يضر أكثر مما ينفع بكثير، بسبب نشوئه في محيط يعاني من القلق أصلا، ولهذا نجد أن حالات البحث عن الرقي والتطور لدى كثير من العراقيين يستند الى ركائز مادية بالدرجة الاولى، حيث يضعف الايمان ويغيب التوازن بين الطموح وبين طرق تحقيقه، فلا يهم الانسان أن تتحقق رغباته المادية بهذا الاسلوب او ذاك، وكأن الهدف الاسمى له هو تحقيق التفوق على الآخرين بأية طريقة كانت، وهنا تكمن الاشكالية، حيث يتطلب الطموح ركيزة روحية تستند الى الايمان والعدل والمساواة، وغيابها او عدم تحققها يقود الى نوع من الغبن للآخرين.

لهذا ينصح المصلحون والفلاسفة وغيرهم على أهمية الموازنة بين طبيعة الطموح وبين طرق تحقيقه، ويُنصح أيضا بتجنب القلق السلبي الذي ينتج عن الذات المريضة أصلا، ويؤكد المعنيون على ضرورة الاهتمام بتنمية الجانب الروحي في بناء الشخصية وعدم الاعتماد شبه التام على الجانب المادي الذي يؤجج الصراع والقلق ويحوله من حالته الايجابية المطلوبة الى حالة مرضية مرفوضة تماما.

لذا مطلوب من المعنيين علماء وحكماء ومفكرين وغيرهم، أن يبذلوا الجهد الكافي في هذا المجال ونشر الوعي بين الجميع لاسيما الآباء والامهات كون المحيط العائلي هو الحاضن الاول لبناء شخصية الانسان في مرحلة الطفولة.

أما القلق الذي غالبا ما ينتج عن الخوف من المستقبل فإنه يشكل عبءاً واضحا على الكثير من العراقيين، حيث يتسابق الجميع في ظل الظروف القلقة لتأمين حاضرهم ومستقبلهم، وإذا كان ذلك مشروعا ومطلوبا أيضا، فإن المرفوض منه هو ما ينتج عن حالة القلق السلبي التي تقود بدورها الى نتائج سلبية تنطوي على الغبن والظلم أحيانا، لذا يبقى الايمان والثقة بالنفس سبيل الانسان الى تحقيق تطلعاته المشروعة بعيدا عن حالات اإيذاء التي قد يتسبب بها للآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/أيار/2010 - 18/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م