أرامل غزة... شتاء ساخن سبق رمضاء الصيف

الميراث ومخصصات الشهداء تربك البيوت الفلسطينية والمحاكم

تحقيق: خضرة حمدان

 

شبكة النبأ- غزة: هذه السيدة التي أنهت عقدها الثالث لا تمل من الضحك والتندر على قصص الأرامل التي تعايشها لحظة بلحظة، حتى أن هاتفها الخلوي يكاد يمتلئ بأرقام نظيراتها من الأرامل وفي كل لحظة تهاتفها إحداهن تروي آخر ما مرت به وإلى أين وصلت قضية الميراث في المحاكم والواسطات والجاهات والتدخلات لإصلاح ذات البين مع عائلة الزوج المتوفى أو الشهيد.

أم علي من شرقي خان يونس لها من الأبناء علي ومحمد، علي قال لجده حين طردهم من بيت العائلة: "لا يمكن أرجع تاني أنا ما بحبك وبدي أمي" وتفشل الواسطات بالأعياد لجمع الشمل ثانية أو لتنظيم حتى زيارة بين الحفيد وجده، وهذه قصص يندى لها الجبين بقطاع غزة المحاصر والممتلئ عن بكرته بآلاف الشهداء منهم من خلف عائلة وزوجة وأيتام.

فالصراع على مخصصات الشهداء وأموال الأزواج المتوفين وكفالات الأيتام بدأت نارها بغزة ولم تتوقف.

وبين المحاكم والجاهات العشائرية ترفض الأرملة بغزة إما تسليم أطفالها أو التنازل عن حقهم في أموال ومخصصات أبيهم الشهيد وبالتالي تتصاعد المشاكل ولا تخمد إلا بقرار من المحكمة يأتي بعد مداولات طويلة.

نهى أيضا من شرق القطاع استشهد زوجها وهو احد عناصر الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية عام 2003 وترك بحضانتها طفلين وهي كذلك تضحك من العروض الجديدة التي تتلقاها ام علي للزواج من شقيق زوجها المتوفي كي تضمن العائلة بذلك مخصصاته والكفالة التي ينلها طفليه.

أما أزهار فهي تعيل بنتين وطفلا وقضى زوجها في أحداث إطلاق نار في معبر رفح أما الراتب فقد تقاتل عليه الجميع حتى ظفرت به أزهار مؤخراً بقرار صادر عن مجلس الوزراء برام الله وفيه قضى د. سلام فياض بما يقال عنه تأمين المعاش من حق الزوجة.

أما ليلى. ن، فهي ام لثلاثة أيتام طفلين وفتاة صغيرة وطردتها عائلة الزوج المتوفي بعد أسبوع واحد من وفاته وطالبتها أيضاً بأجرة الجنازة التي أقاموها لفقيدهم وهي منذ ست أعوام تعيش في بيت ذويها وترفض الزواج وقد تقدم لها الكثيرون نظرا لما تتمتع به من جمال ولكنها تفضل ان تعيش مع أطفالها.

وتعاني مها أكثر من صنف من العذاب فقد جرف الاحتلال المنزل الذي استطاعت الحصول عليه رغم المناكفات مع أهل زوجها المتوفي وقام الاحتلال كذلك بتجريف الأرض التي ورثتها هي وأيتامها وتعيش حاليا ببيت استأجرته وبالطبع فهي تصرف من معاش زوجها الذي تتقاتل عليه شهرياً مع أهله.

فيما قسم أهل زوج رنا البيت وحاصروها ومنعوها من التواصل مع باقي أفراد العائلة وأذاقتها شقيقة زوجها المتوفي الأمرين إلا أنها بصبرها وحنكتها استطاعت أن تصبر على العذاب وتعيش مع أطفالها وتربي طفلها على أن يكون سندا لها ولشقيقتيه من بعد والده.

 أما كفاية فقد طردها أهل زوجها ولم يقدموا لها حتى ما قضى به عقد زواجها من ابنهم المتوفي كعفش البيت والعدة وهي تعيل طفلا وطفلة وتعيش مع ذويها.

أما تهاني فقد استطاعت أن تنسى آلامها وتتقدم للدراسة الثانوية ومن ثم الجامعية وبعد عام تنهي دراستها بالجامعة وتنل الشهادة بعد وفاة زوجها وهي أم لبنت وطفل وقد طردها أهل زوجها من البيت بعد عام واحد من وفاة الزوج.

وأفضل ما تمر به الأرامل هو زهد أهل الزوج بما يخصص لأطفاله الأيتام وهو أمر نادر حدوثه في قطاع غزة المحاصر والذي ارتفعت به نسبة البطالة إلى ما يفوق 60% والفقر إلى 70% كما أكد مؤخراً مدير العمليات بوكالة الغوث جون جنج الذي قال ان قرابة 400 ألف أسرة أصبحت حاجتهم متزايدة للمساعدات.

وأجمل الصور هو حال الأرملة سهاد التي تعيل ولدين وتقول لها حماتها ان كل المخصصات من حقها ومن حق أطفالها ولم يتم عرض الزواج عليها من احد أشقاء الزوج لسبب واحد هو أنهم أزواج لشقيقاتها أي ان شقيقاتها هن سلفات لها.

وتقول معظم الأرامل انه في حال لم توافق الأرملة على الزواج من شقيق الزوج فإنها تصبح "ملعونة ومطرودة من النعمة ومغضوب عليها"، والأغلب منهن يرفضن هذا العرض لأسباب مختلفة.

وبعد أن وضعت الحرب على غزة في الثاني والعشرين من يناير الماضي أي بعد مرور قرابة عشرة أشهر عليها فإن مئات من الأرامل نشبت بينهن وبين عائلات الزوج مشاكل ليس لها آخر، وفي احد مهرجان التكريم لزوجات الشهداء في شهر آذار/ مارس الماضي بمناسبة عيد الأم، كادت زوجة شهيد تعيل خمسة من الأيتام تبكي من فرط رقابة والدها الذي يمنعها من فتح هاتفها الجوال ويراقبه باستمرار منعا لها من الاتصال بأحد أقارب زوجها الشهيد وهم عائلة معروفة قدمت قرابة 40 شهيدا بينهم زوجها، والسبب قد يكون كما قالت خوفه من عرض احد الحياء الزواج من ابنته والفوز بكل ما يخصص لزوجها الشهيد من أموال وتبرعات و" وكابونات"!

على الجانب الآخر هناك من يرمي باللائمة على الأرملة بالقول أنها لا تمل من بيع دم زوجها "بالشحادة" وأنها دائمة المكوث بالجمعيات الخيرية والإغاثية طلبا للأموال والمخصصات والقول أنها مطرودة من بيت زوجها الشهيد.

أحد العاملين في إحدى الجمعيات الخيرية قال:"هؤلاء النساء دمرن بيوتهن بأيديهن لأنهن كل يوم من جمعية لجمعية، ويقلن زوجي شهيد شو ما بدكم تعطوني كبونة؟ وبتصير تعيط للمدير زوجي شهيد وأنا ساكنة لحالي وحماتي طردتني من البيت وغيره من شاكلة هذا الكلام".

كما أن هناك من يقول أن الأب والأم ربيا ابنهما وبذلا في تربيته حياتهما وحين يستشهد تقوم الزوجة بأخذ كل ما يملك وان هذا يمثل قمة الحرمان للوالدين إن كانا على قيد الحياة أو كانا دون معيل سوى ابنهما الشهيد.

د. حسن الجوجو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والمحكمة العليا الشرعية في غزة  قال في أحد تصريحاته الصحفية أن الصراع محتدم بكل ما يتعلق بأموال الأيتام مشيرا الى ان المحاكم الشرعية هي صمام الأمان في الحفاظ على هذه الأموال ومشيرا الى ان هناك العديد من القضايا التي يبت بها مجلس القضاء ويتم ايجاد حل لها بالتوافق بين الحاضنة "الأرملة" وبين الولي الشرعي قائلاً:" كما للحاضنة من ولاية وهي حضانة الأيتام فإن للجد الولاية الشرعية ولا بد ان نوفق بينهما".

وحسب الجوجو فإن اجتماعات وورش عمل وندوات عقدت بالجامعة الاسلامية وبمقر وزارة شؤون المرأة بالحكومة المقالة بغزة وتم الاتفاق مع الحكومة بغزة والمالية العسكرية والخلاص لحل التوفيق بين الحاضنة والولي الشرعي حول اموال الأيتام، ولكنه أشار أن هناك عقبة ما زالت تعترض طريق المحاكم الشرعية وهي المؤسسات الأهلية التي تقوم بصرف مخصصات وكفالات الأيتام وتقوم بإعطائها للحاضنة وتستثني الولي الشرعي اذا كان موجوداً.

ويؤكد الجوجو على وجوب وضع الأموال في حساب الأيتام على أن يتم الإنفاق منها على قدر الحاجة وليس ببذخ محذرا من تغليب الأم لعاطفتها على مصلحة ابنها اليتيم بالقول انها تريد تعويضه عن فقدان والده بمنحه ما يريد وما لا يريد.

بعد هذا كله ماذا تقول الحقوقيات حول ما تمر به الأرامل وزوجات الشهداء من أشكال المعاناة؟

الخبيرة الحقوقية المختصة بقضايا النساء زينب الغنيمي مديرة مركز ابحاث واستشارات المرأة القانونية  أكدت أن هناك خللا واضحا في عمل مؤسسات الحكومة بغزة والقائمين على عمل المحاكم والذين يحاولون إخضاع معاش الشهداء كحصص إرثية وتوزيعه بين الوارثين ومنح الزوجة أو الأرملة ما حصته ثمن هذا الراتب.

وحسب الغنيمي فإن هذه المراسيم تفقد الزوجة إحساسها وتشعرها أنها مجرد خادمة في بيتها لا مالكة له ولا مالكة لمعاش زوجها وانها فقط تقوم على خدمة ورعاية أبنائها ذلك إضافة بالطبع لما قام به الاحتلال ضدها حين افقدها زوجها.

وترى الغنيمي أن القانون الذي تسير عليه مؤسسة رعاية اسر الشهداء هو الحق والجدر بإتباعه لأنه يعطي المرأة ان كانت تعيل أطفالا راتب زوجها الشهيد ولا يخضعه للميراث لاسيما ان كانا والديه على قيد الحياة ولديهما معيل آخر عدا ابنهما الشهيد، وإن لم يكن فإن من حقهما كما تؤكد الغنيمي ان يقتسما جزءا من راتب ابنهما الشهيد مع أطفاله وزوجته.

وتشير الغنيمي إلى أن سيدات كان أزواجهن الشهداء يعملون مع حماس ويتم منحهن ثمن راتبه يشتكين من هذا الوضع ويؤكدن أنه لا يفي حاجتهن وحاجات أطفالهن وذلك بالتزامن مع إقرار المجلس التشريعي بغزة قرارا ينص على استمرار حضانة الأرملة لأطفالها إن لم ترد الزواج.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/نيسان/2010 - 14/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م