شبكة النبأ: العنف داخل الأسرة ظاهرة
مؤشرة تكثر في المجتمعات ذات الوعي المتدني، حيث تغيب الانهاج المتحررة
المتوازنة في ادارة شؤون وعلاقات أعضاء الاسرة الواحدة، وتُفرض حالات
التسلط الأبوي والأمومي وربما سلطة الأخ الأكبر او الاخت الكبرى على من
هم أصغر في المحيط العائلي.
وحين نتفق على أن المجتمع الكلي يتكون من خلايا الأسر، فإن هذا
الاتفاق الصحيح سيقودنا الى اتفاق آخر مؤداه، كلما صحّت الأسرة ثقافيا
واجتماعيا واخلاقيا كلما صحّ المجتمع ككل في هذه الميادين، والعكس يصح
تماما، هنا تحديدا تكمن أهمية العلاقات الصحيحة المتوازنة داخل المحيط
العائلي وبين اعضائه عموما.
لذا يتطلب الأمر مراقبة متواصلة (من لدن المعنيين داخل العائلة
وخارجها) لطبيعة العلاقات العائلية والنمط الاجرائي الذي يسيّر هذه
العلاقات ومدى ابتعاده عن العنف ووسائلة كسبيل او نهج يتحكم في
العلاقات الاسرية ويوجه دفتها نحو هذا الاتجاه أو ذاك.
وهنا يبرز بالدرجة الاولى دور الأب يليه دور الأم، فهذان الدوران
لهما أهمية قصوى في تشكيل طبيعة العلاقات العائلية ونهجها واسلوبها،
فإذا كانت قائمة على القسر والاجبار وفرض الرأي بالقوة وغياب هامش
الحرية تماما ستتحول هذه العائلة الة قلعة صغيرة محكمة تُقاد من قبل
دكتاتورية الأب أو الأم او كلاهما أحيانا، وهذا ما يقود الى تشكيل خلية
عائلية صغرى تتسم بالخوف والتردد والبلادة وغالغياب الكلي للابداع
الفردي في ظل نهج دكتاتوري للأب او الام او كلاهما.
مثل هذه العائلة لا ريب ستكون عبءاً على نفسها وعلى المجتمع في آن،
فالقسر الأبوي سيقود في معظم الاحيان الى اطفاء شعلة الذكاء والتوقد
لدى اعضاء الأسرة أبناء وبنات، وهذا أمر يتولد عن العنف داخل الأسرة،
حيث يكون الاب على الدوام مستعدا لاستخدام جميع الاساليب القسرية
المادية والمعنوية من اجل فرض نهجه وما يراه صحيحا حتى لو كان خاطئا.
وفي حالة كهذه سوف تُمسَخ شخصيات اعضاء العائلة وتتحول الى امعات
مقادة لا تعرف سوى كلمة نعم ولا تنشط او تتحرك إلا وفق أوامر آلية تصدر
عن الرأس ممثلا بالأب او الام او كلاهما، فيكون نشاط اعضاء الاسرة تبعا
لذلك آليا خاليا من الابداع والقرار الشخصي، وهذا سيشكل وبالا ليس على
العائلة الدكتاتورية وحدها بل على المجتمع ككل.
في حين لم يعد العصر يتواءم مع مثل هذه الأساليب القسرية التي أكل
عليها الدهر وشرب، ولم تعد مجدية في عالم يسير بسرعة فائقة نحول معاصرة
متجددة على الدوام، وهذا ما يدفعنا الى التساؤل عن جدوى الاساليب
التربوية القائمة على الاجبار والقسر في وقت يعرف الجميع بأن الحرية
المتوازنة داخل الاسرة وداخل المجتمع هي أم الابداع والتطور الفردي
والجماعي في آن.
وفي نظرة نلقيها على نماذج من علاقاتنا الأسرية، سنصل الى دلائل لا
تقبل الدحض بأن القسر هو الاسلوب السائد بين الاكثرية من محيطاتنا
العائلية، وهذا يعني إشاعة هذا الاسلوب في المجتمع عموما وهو ما تؤكده
طبيعة العلاقات السياسية والادارية والثقافية عموما في مجتمعاتنا، فأن
تفرض رأيك بالقوة كونك الرافد المادي الاساس للعائلة، هذا ينم عن
استغلال مرفوض لأعضاء الأسرة الآخرين، لأن واجب الأب الانساني
والاخلاقي والديني هو إعالة أفراد العائلة من دون فرض النهج الدكتاتوري
في ادارة شؤونها، وكل الدراسات والبحوث الاجتماعية والسياسية والثقافية
المتخصصة تؤكد أن الابداع الفردي ينمو في المحيط الأسري التحرري.
لذا ثمة ما يمكن أن نتفق عليه في هذا الصدد، بمعنى يجب أن نتعلم
كآباء وقادة لعوائلنا كيف ندير شؤونها بالتوافق والتشاور وتدارس جميع
الجوانب بإسلوب المشاركة والتفاعل المتبادل بين جميع اعضاء الاسرة
الواحدة، ويمكن أن نلتزم لتحقيق ذلك ببعض هذه الخطوات المقترَحة:
1- إلغاء العنف ووسائله كليا في ادارة شؤون أعضاء الاسرة، وهو بند
يتعلق بالأبوين أولا.
2- اعتماد التشاور وإبداء الرأي والسماح لجميع اعضاء الاسرة بصنع
القرار الخاص بحاضرهم ومستقبلهم.
3- أن يؤمن الأبوان بأن الحرية هي السبيل الرئيس لنجاح أبنائهم في
الحياة.
4- أن يدرب الأبوان أبناءهم على ادارة شؤونهم والآخرين وفقا لمبادئ
الانسجام والتوافق والمشاركة الجماعية.
5- أن يتعلم الأبناء أساليب المنافسات الايجابية، وهي مسؤولية
الأبوين أولا ثم الجهات المعنية الاخرى في المجتمع.
6- أن يتواصل الأبوان مع ما يستجد في العالم المعاصر من أساليب
تربوية تنمي مواهب الابناء وتضاعفها وتضعها في المسار الصحيح.
7- أن تقوم الدولة والجهات التنفيذية المختصة بدورها في هذا
المجال، من خلال الحث على نبذ العنف الاسري ومحاسبة المقصر بقانون وضعي
مشرَّع في هذا المجال كما هو الحال مع بعض المجتمعات الغربية.
8- أن تنشط المؤسسات الدينية في هذا الاتجاه إستنادا الى التعاليم
الدينية التي تؤكد على ضمان حرية الانسان وتشجع على ذلك. |