لبنان.. الطائفية السياسية وفوبيا الحرب الأهلية

 

شبكة النبأ: دعا الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير حول لبنان كل الأطراف داخل لبنان وخارجه الى وقف فوري لكل محاولات امتلاك أو نقل أسلحة لقوى عسكرية خارجة عن سلطة الدولة اللبنانية.

ومن جهة أخرى يحاول العلمانيون أن يطلوا برؤوسهم على الساحة اللبنانية في بلد يخضع لنظام طائفي معقد، عبر سلسلة من الأنشطة كان أبرزها تظاهرة شارك فيها نحو ألف شخص للمطالبة بنظام علماني.

وبموازاة ذلك نحى وزراء ونواب ينتمون إلى أحزاب وتيارات سياسية متنافسة في لبنان خلافاتهم جانبا وتباروا في مباراة استعراضية لكرة القدم تحت عنوان "كلنا فريق واحد" وذلك في الذكرى الخامسة والثلاثين للحرب الأهلية التي استمرت على مدار 15 عاما وانتهت في عام 1990.

قلق الأمم المتحدة

وعبّر بان كي مون في تقريره الحادي عشر نصف السنوي حول تطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي العام 2004، عن "قلق متزايد" ازاء التقارير حول "عمليات كبيرة لنقل اسلحة الى لبنان عبر حدوده البرية". وقال "انا قلق لان مثل هذه الانشطة من شأنها ان تزعزع استقرار البلاد وان تقود الى نزاع آخر".

ودعا كل الاطراف "داخل لبنان وخارجه الى وقف فوري لكل محاولات الاستحصال على السلاح ونقله وبناء قدرات عسكرية خارج سلطة الدولة".

وجاء في التقرير ان "وجود ميليشيات لبنانية وغير لبنانية ما زال يشكل تهديدا لاستقرار البلاد والمنطقة"، مشددا على "ضرورة ان تحتكر الدولة اللبنانية والجيش اللبناني استخدام القوة على كل الاراضي اللبنانية". بحسب فرانس برس.

واعتبر بان كي مون الذي يضع تقريره دوريا استنادا الى تقرير موفده الخاص الى لبنان تيري رود لارسن، ان "منع تدفق السلاح الى المجموعات المسلحة امر اساسي بالنسبة الى سيادة لبنان وامن جميع مواطنيه".

واشار الى ان "عددا من الدول الاعضاء (في الامم المتحدة) يواصل تزويدي بمعلومات تؤكد الادعاءات حول تهريب السلاح عبر الحدود البرية".

واضاف انه لا يزال يتلقى تقارير عن "توسيع ترسانة حزب الله وتطويرها"، مؤكدا ان "افضل وسيلة لانهاء مسالة نزع سلاح المجموعات المسلحة هو عبر عملية سياسية بقيادة لبنانية". ودعا حزب الله الى التحول الى "حزب سياسي صرف".

واعتبر التقرير ان استمرار عمل "الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية خارج اشراف الدولة هو انتهاك خطير للقرار 1559".

وسلمت المجموعات المسلحة التي شاركت في الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990) اسلحتها الى الدولة بموجب اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب، باستثناء حزب الله الذي احتفظ بسلاحه بغرض "مواجهة اسرائيل".

وتوجد قواعد عسكرية لمجموعات فلسطينية مدعومة من سوريا في البقاع قرب الحدود السورية وخارج مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، واتفقت القيادات اللبنانية على نزع سلاح هذه المواقع من دون ان يدخل هذا القرار موضع التنفيذ بعد.

ومنذ 2005، بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، بدأت المطالبة بنزع سلاح حزب الله. وهذا الموضوع هو حاليا محور نقاش بين القادة اللبنانيين ضمن هيئة حوار وطني تلتئم دوريا للبحث في "استراتيجية دفاعية" للبلاد.

وجاء تقرير بان كي مون بعد ايام على اثارة اسرائيل مسألة تسليم سوريا صواريخ من طراز "سكود" الى حليفها حزب الله.

وقد ندد الامين العام للامم المتحدة باستمرار الانتهاكات الجوية اليومية للطيران الاسرائيلي للاجواء اللبنانية، مشيرا الى استمرار احتلال الجيش الاسرائيلي لشمال قرية الغجر الحدودية مع لبنان، والى استمرار المفاوضات حول مزارع شبعا التي تحتلها اسرائيل منذ 1967 وتعتبرها الامم المتحدة ارضا سورية، بينما يطالب بها لبنان.

العلمانية مطلب مثير للجدل

من جهة أخرى يحاول العلمانيون أن يطلوا برؤوسهم على الساحة اللبنانية في بلد يخضع لنظام طائفي معقد عبر سلسلة من الأنشطة كان أبرزها تظاهرة شارك فيها نحو ألف شخص للمطالبة بنظام علماني.

وتحت عنوان "العلمانية هي الحل" تظاهر نحو ألف شخص علماني معظمهم طلاب من الجامعة الامريكية في لبنان وهم يحملون اللافتات التي تدعو الى الغاء الطائفية السياسية تمهيدا لالغاء الطائفية.

وقال الشاب سعيد شعيتو لرويترز "لا نستطيع ان نغير تفكير اربعة ملايين شخص ولكن نظهر العدد..اللبناني لا يعرف شيئا عن العلمانية. هو خائف منها. خائف من ان تأتي ضد دينه.. وهناك البعض خائف من ان تقوي العلمانية طائفة اكثر من اخرى. نريد ان نظهر لهم ان الحل الوحيد هو العلمانية لانه عندما نحمل العلمانية نبقى لبنانيين فقط."

ونظرا لوجود نحو 18 طائفة دينية في لبنان يخضع البلد لنظام طائفي معقد لتقاسم السلطة تشكل بعد الحرب الاهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990 وأسفرت عن مقتل زهاء 150 ألف شخص.

وتخضع قوانين الاحوال الشخصية مثل تلك المتعلقة بالزواج والارث لسلطة المحاكم الخاصة بكل طائفة. ويسبب هذا الوضع معضلة لكثير من الشبان والفتيات من الديانات المختلفة الذين يرغبون في الزواج دون التحول الى ديانة شركائهم وهو ما يدفع الكثيرين الى السفر الى قبرص في رحلة بالطائرة تستغرق 30 دقيقة فقط لإجراء مراسم زواج مدني ثم العودة الى لبنان لتسجيله. وقد بلغ الامر حد أن وكالات السفر تروج لقضاء عطلات "صفقة زواج" في قبرص.

وحمل نشطاء لافتات خلال الاعتصام في وسط بيروت بعدما منعوا من الوصول الى ساحة النجمة حيث مقر البرلمان اللبناني كتب على احداها "اريد ان اتزوج في لبنان وليس في قبرص."كما كتب على بعض اللافتات عبارات "الطائفية رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" و"احترم حرية الرأي والمعتقد" و"ماذا عن المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع اللبنانيين دون تمييز او تفضيل".

وغلب على الاعتصام الطابع النسائي وخصوصا المتزوجات من اجانب والمطالبات بالهوية اللبنانية لاولادهن والناشطات تحت حملة "حقي جنسيتي".

لبنان لم يطرد أشباح الحرب بعد

يقف مبنى خرساني يحمل آثار أعيرة نارية في قلب منطقة وسط بيروت التي أعيد بناؤها في تحدِ لمَن يفضلون نسيان الحرب الاهلية بلبنان.

وتجعل مجموعة متنافرة من أصوات ابواق السيارات وصخب أعمال البناء من دار مهجورة سابقة للعرض السينمائي مكانا صاخبا للتأمل. المباني الفاخرة الجديدة ترتفع حولها لتستكمل ترميم وسط المدينة الذي دمر ذات يوم.

ويشهد لبنان طفرة عقارية تذكي الى جانب تدفق السائحين وودائع البنوك نموا بلغ تسعة في المئة العام الماضي على الرغم من الازمة المالية العالمية.

لكن اذا كانت الايام الجميلة قد عادت من جديد فلماذا التمعن في آلام صراع اندلع في ابريل نيسان عام 1975؟

يقول الفريد طرزي وهو فنان ومصمم جرافيك (29 عاما) تملا مجموعات الصور التي ترجع للحرب الاهلية التي جمعها عدة حوائط بالمعرض المقام في دار العرض السابقة "المشكلة في حرب لبنان هي تكرارها عودة العنف للظهور كل عام او نحوه.

"العنف عادة اجتماعية متأصلة في مجتمعنا ويبدو دائما خيارا معقولا لحل أزمة سياسية."وأضاف "أشعر بالقلق مما يمكن أن يحدث."بحسب رويترز.

ويستطيع الزائرون الكتابة على الجدران او تسجيل اسماء احبائهم الذين قتلوا في الحرب التي دامت 15 عاما. ودمجت مقاطع صوتية مع أصوات أشباح تصاحب عرضا بالفيديو لاقمشة سوداء تتمايل فوق شاطيء فيما يجسد مبنى دار العرض السابقة عائما قبالة الساحل ليعكس اسم المعرض (في بحر النسيان).

ولا يملك لبنان نصبا تذكاريا للحرب وربما يكون هذا مفهوما في أرض لا تزال التوترات الطائفية فيها عميقة والاحداث المعاصرة محل نزاع بشكل كبير بحيث لا تتجاوز كتب التاريخ المدرسية الاستقلال عن فرنسا في الاربعينات من القرن الماضي.

وبعد أن أنهت تسوية فوضوية الحرب الاهلية عام 1990 وكانت ايذانا ببداية حقبة من الهيمنة السورية بدا أن الكثير من اللبنانيين المتعطشين ليعيشوا حياة طبيعية يتغاضون عن قسوة الماضي.

وحول عفو رسمي معظم قادة الفصائل الى ساسة مما جعلهم بمأمن من اي محاسبة على الدماء التي لطخت ايديهم. غير أن أسر ما يقدر بنحو 17 الف شخص ما زالوا مفقودين بعد الصراع ترفض دفن القضية.

وتعرض مئات الصور لهؤلاء الضحايا وبينهم الكثير من الشبان في مبنى دار العرض السابقة في اطار مشروع تقيمه جماعة امم اللبنانية الخاصة لاجراء الابحاث والتوثيق عن الحرب الاهلية.

وتقول ماري كلود سعيد الباحثة في امم "لم يصلوا قط. هذه المرحلة شهدت اول الموجات الكبيرة من النزوح... كيف يمكن دفع الناس للنزوح دون مذابح.."

وهي تعتقد أن تغلب اللبنانيين على ماضيهم المزعج او حتى تخليهم عن العنف سيستغرق سنوات عديدة.

وتابعت قائلة عن دولة معرضة للصراع "لا يزال هناك ذلك الخوف." وخاض حزب الله حربا ضد اسرائيل عام 2006 . وغازلت فصائل لبنانية تجدد الصراع الاهلي حين سيطر مقاتلون شيعة لفترة قصيرة على مناطق يغلب عليها السنة في بيروت في مايو ايار 2008 .

وزراء ونواب يلعبون مباراة كرة قدم..

ونحى وزراء ونواب ينتمون إلى أحزاب وتيارات سياسية متنافسة في لبنان خلافاتهم جانبا وتباروا في مباراة استعراضية لكرة القدم تحت عنوان "كلنا فريق واحد" وذلك في الذكرى الخامسة والثلاثين للحرب الاهلية التي استمرت على مدار 15 عاما وانتهت في عام 1990.

وأقيمت المباراة على شوطين مدة كل منهما 15 دقيقة وشارك نواب ووزراء وبعض اللاعبين المحترفين في الفريقين مع السماح بالتبديل دون قيود لاتاحة الفرصة امام أكبر عدد من المشاركين. بحسب فرانس برس.

وفاز الفريق الاحمر الذي قاده سعد الحريري رئيس وزراء لبنان 2-صفر على الفريق الابيض الذي قاده النائب في المعارضة علي عمار.

وقال عمار مازحا عقب انتهاء المباراة انه سهل مهمة الحكومة في الفوز بالمباراة "لاننا فريق واحد".

وحضر الرئيس اللبناني ميشال سليمان ووزير الدفاع الياس المر وعدد كبير من سفراء الدول والبعثات الدبلوماسية المباراة التي اقيمت على استاد المدينة الرياضية ببيروت بدون جماهير لاسباب امنية.

وقال النائب علي بزي أحد الذين شاركوا في المباراة لرويترز "المباراة مناسبة لتأكيد طي صفحة الحرب بكل ما حملته من ماس والام. هل هناك اجمل من التنافس في الملاعب الرياضية بدلا من الشوارع والجبهات.."

وكان وزير الشباب والرياضة علي عبد الله قد اعلن في مؤتمر صحفي عقده الاسبوع الماضي عن اسبوع رياضي يبدأ يوم الثلاثاء بمباراة ودية في كرة القدم يشارك فيها وزراء ونواب لبنانيون من مختلف الاتجاهات السياسية يوجهون فيها رسالة للشعب اللبناني بضرورة نبذ الخلاف والابتعاد عن الصراعات التي أوصلت البلاد قبل عامين الى شفير حرب اهلية جديدة وتجاوز الانقسامات التي تولد الاحتقان.

مشروع سياحي قرب الحدود مع إسرائيل

ومن جانب آخر ينشط عمال بمحاذاة نهر الوزاني في جنوب لبنان كخلية نحل في ورشة ضخمة قد تبدو للوهلة الاولى مشروعا سياحيا عاديا لولا وقوعها على بعد امتار من الخط الفاصل بين لبنان واسرائيل وعلى مرأى من الجنود الاسرائيليين في الجانب الآخر من الحدود.

عند ضفة النهر يقف صاحب المشروع خليل عبدالله يواكب العمال ويعطي التوجيهات فخورا بما انجز منذ تسعة اشهر تاريخ بدء العمل في "القرية السياحية"، ويقول لوكالة فرانس برس "البعض وصفنا بالجنون، الا ان معظم الناس يهنئوننا ويبدون اعجابهم بالفكرة".

وتقول شقيقته وشريكته في مشروع "حصن الوزاني" زهرة عبدالله "هذه ارضنا ومن حقنا ان نستغلها حتى آخر حبة تراب. نحن مسالمون، نريد ان نعيش ونحقق حلما قديما، فالعمر قصير".

في هذا الوقت، تمر آلية اسرائيلية وراء اسلاك شائكة تعرف ب"السياج التقني" الواقع على بعد حوالى 150 مترا من الخط الازرق الذي رسمته الامم المتحدة بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان العام 2000 ليقوم مقام الحدود بين البلدين.

اما الخط الازرق فيمر في وسط النهر، بحسب ما اوضح ضابط في الجيش اللبناني في موقع قريب لفرانس برس اي على مسافة اقل من ثلاثة امتار من منشآت المشروع السياحي.

وقبل تسعة اشهر، عاد خليل عبدالله (58 عاما) من افريقيا بعد غربة استمرت عقودا، واستقر في لبنان ليبدأ بتنفيذ مشروعه الذي تبلغ تكلفته بحسب الخرائط الموضوعة حتى الآن من دون الاضافات ومن دون احتساب قيمة الارض، اكثر من ثلاثة ملايين دولار.

وسيمتد المشروع على مساحة اربعين الف متر مربع في ارض ظلت محظورة على عائلة عبدالله لسنوات طويلة، لا سيما بين عامي 1978، تاريخ دخول الجيش الاسرائيلي الى الجنوب، و2000 تاريخ انسحابه.

في 2006، وقعت حرب مدمرة بين حزب الله الذي يعتبر الجنوب معقله الاساسي، واسرائيل خلفت حوالى 1200 قتيل في الجانب اللبناني ودمارا هائلا في المناطق الجنوبية. ويبقى هاجس اندلاع نزاع جديد قائما في منطقة تخضع حاليا لاشراف الجيش اللبناني وقوات الطوارىء الدولية (يونيفيل).

وتصف اليونيفيل الموقع الذي يقام فيه المشروع ب"الحساس". وقال المتحدث باسم القوات الدولية نيراج سينغ ردا على سؤال لوكالة فرانس برس "المشروع قريب من الخط الازرق (...) والخط الازرق منطقة حساسة. لذلك، من المهم جدا التزام الحذر في اي نشاط يحصل فيها". وتابع "نحن على اتصال مع الاطراف للتأكد من عدم حصول اي سوء تفاهم يؤدي الى تصعيد الوضع، وطلبنا الامتناع عن اي عمل يمكن ان ينظر اليه على انه استفزازي". ويصعب تمييز الحد الفاصل بين ما هو استفزازي وما هو غير ذلك، في منطقة تتسم بتاريخ حافل من الحروب والتوترات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/نيسان/2010 - 13/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م