أمن المواطن والصراع على المناصب

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ما يجري في الساحة العراقية الآن، ربما يفوق التوقع والتصوّر في آن، ففي الوقت الذي أدّى المواطن دوره في العملية السياسية وإنجاحها من خلال ادائه لمهامه في الانتخاب ومؤازرة السياسيين على تحقيق المشروع الوطني المتمثل ببناء الدولة الدستورية المعاصرة، في هذا الوقت نرى تنصلا للسياسيين من القيام بدورهم كما يجب ولو كان ذلك من باب رد الجميل لا أكثر.

حيث انشغلت الكتل السياسية بترتيب اوراقها سواء في التحالف او التصارع مع بعضها وتركت الأمن (على الغارب) ليتعرض الابرياء الى سلسلة من الجرائم البشعة مع أنهم لا يشكلون هدفا استراتيجيا مهما، في ظل إنشغال شبه تام للسياسيين بصراعهم المتبادل من أجل المناصب.

لقد عكس مشهد النشاط السياسي المفتعل وغير المدروس ظاهرة مؤسفة لا تنم بأي حال من الاحول عن الشعور بالمسؤولية الوظيفية والاخلاقية، تمثلت بترك الامور على عواهنها ليعيث القتلة فسادا بأرواح الناس، في سلسلة من التفجيرات المخطط لها على نحو مدروس يهدف بالدرجة الاولى الى إيذاء العزل من الناس وفق استراتيجية خبيثة تضرب على الحلقات الأضعف في ظل غياب شبه تام للشعور بالمسؤولية من لدن أصحاب القرار والجهات المعنية بضمان سلامة أرواح المواطنين من القتلة والمجرمين أيا كان شكلهم او نوعهم او انتماءهم.

وإذا كنا نوافق ونتفق على ضرورة التباحث والحوار والتشاغل بالبحث عن السبل الأسلم لتشكيل الحكومة المرتقبة من قبل الفائزين في الانتخابات النيابية الاخيرة، فإننا نتفق أيضا على أن هذا البحث والتحاور ينبغي أن لا ينقلب الى صراع ومن ثم الى انشغال شبه تام بالمصالح الذاتية (الكتلية والحزبية والفؤوية وغيرها) وإهمال الجوانب الحياتية الاخرى لاسيما جانب أمن المواطنين من الهجمات التي باتت تركّز عليهم تاركة الاهداف الرسمية الامنية وغيرها بسبب تحصّنها وقوتها مقابل ضعف الحماية المتوفرة للانسان الأعزل كما أثبتت سلسلة التفجيرات الاخيرة.

لذا طالما يعرف أولي الأمر في الجهات الامنية ضعف هذه الحلقة فهذا يتطلب توفير الحماية المضاعفة لها من خلال سلسلة من الاجراءات التي تبدأ بالمهام الاستخبارية ولا تنتهي عند توفير المعدات العسكرية والعنصر البشري المدرّب على إفشال مثل هذه الاعمال الاجرامية التي لا يضيرها قط استهداف العزل ولا ترمش لها عين جراء الاساليب الخسيسة التي تستخدمها في سبيل تحقيق أهداف بائسة على حساب الضعفاء والبسطاء من الناس.

كما أننا نلاحظ من جهة أخرى غيابا تاما لتحمّل مسؤولية ما يجري (كما جرت عليه العادة منذ سنوات) فلم نسمع بمسؤول يظهر في وسائط الاعلام ويعلن تقصيره في هذا المجال او ذاك، ولم نجد منهم من يتصدى بشرف للخلل الذي تسبب به، بل المستغرب في الامر أن الجميع يكيل التهم للجميع والجميع يحاول التهرّب من مسؤولياته وفشله الواضح في هذا المجال الأمني او ذاك ويلقي بتبعاتها على غيره، بل الأكثر استغرابا من هذا أن بعضهم يذهب الى اسلوب الذرائعية المقيت فيبدأ يبرر ما يحدث من اجرام ويعدّه أمرا طبيعيا في ظل الظروف التي يمر بها العراق !! من دون أن يشير الى دوره في أهمية المتابعة والكشف والرصد والعمل المثابر في الحد من مثل هذه الاعمال الكارثية التي طالت المئات بل الآلاف من ارواح الابرياء.

لقد وصل الامر بالمواطن الى القول مرارا بأن الكرسي صار أفضل من ارواح الناس بالنسبة للسياسيين، بل أظهرت لنا شاشة الفضائيات كثيرا من المواطنيين الذين توشحوا بالحزن الممزوج بالتذمر الشديد مما جرى بحق الابرياء في ظل انشغال مؤسف بالصراع على المناصب الزائلة، في وقت كان ينتظر المواطنون ما هو أفضل من السياسيين كمكافأة لهم على اداء دورهم في العملية الانتخابية بنجاح.

إن الوقت لم يفت بعد، برغم الضحايا التي لا تُعادَل بثمن، ويمكن للساسة (الشرفاء) أن يعيدوا قراءتهم للخريطة السياسية بصورة صحيحة قائمة على تفضيل الشعب على مصالحهم وهو أمر واجب وحق ومطلوب من لدن الجميع، ومتى ما آمنت الكتل السياسية بصورة حقيقية بأن أمن المواطن لابد أن يتقدم على مصالحهم وعملت على تحقيق هذا الهدف، فإنها حينذاك ستسجل نجاحا لافتا وراكزا وقائما على الارض أمام الجميع، وبعكس ذلك، فإن كثرة الثقوب التي حدثت وستحدث في المركب العراقي ستؤول به الى الغرق، ولن يُستثنى من هذه الفاجعة أحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/نيسان/2010 - 11/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م