إيران.. انكشاف الإستراتيجية وحتمية الانكماش

 

شبكة النبأ: في 12 كانون الثاني/يناير 2010، استضاف معهد واشنطن بالاشتراك مع "القيادة المركزية الأمريكية" و"مكتب الدراسات التوجيهية للجيش الأمريكي"، مؤتمراً حول إيران، أسفر عن إصدار تقرير استراتيجي بعنوان، "المصافحة المثالية مع إيران - استراتيجية عسكرية حكيمة وسياسة تعاطي واقعية".

وفيما يلي جزء من تلك الدراسة بعنوان "الأنشطة الإقليمية الإيرانية". كتبها پاتريك كلاوسون، نائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن.

بقيت أهداف السياسة الخارجية الإيرانية على مدى عقود من الزمن متسقة إلى حد ما وتتمثل بالحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وهيمنة إيران كقوة [عظمى] في المنطقة، والعمل على تصدير الثورة. وعلى الرغم من إحراز بعض النجاح في الحصول على نفوذ، واجهت طهران أيضاً بعض النكسات. إن نفوذ إيران في العراق وبين السكان الشيعة في دول "مجلس التعاون الخليجي" على حد سواء، ليس كما كان عليه سابقاً. فلا تهتم أي من هذه الأطراف بشكل خاص بدعم طهران خلال المأزق النووي الحالي. وعلى الرغم من أنها ستتعاطف مع إيران في حال قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية، إلا إنها على الأرجح سوف لن تفعل الكثير باستثناء تنظيم احتجاجات سلمية.

ويضيف الكاتب، من غير الواضح تأثير حركات الإحتجاج الإيرانية على الرأي العام الشيعي في العراق وفي دول "مجلس التعاون الخليجي". وإذا أصبحت المظاهرات [التي أعقبت الإنتخابات الإيرانية] أكثر انتشاراً وإذا قامت السلطات بأعمال قمع أكثر عنفاً، قد تتغير النظرة في منطقة الخليج حول تمتع طهران بدعم محلي واسع النطاق.

النفوذ في العراق

ويوضح باتريك، تعمل طهران على صقل تأثيرها في العراق منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979. وفي الواقع، عندما قامت العراق بغزو إيران عام 1980، كانت بغداد قد اتهمت النظام في طهران بأن دعوات الخميني المتكررة للإطاحة بصدام حسين والتشجيع الإيراني لإغتيال أحد أعضاء مجلس الوزراء العراقي، كانت من بين العوامل التي دفعت العراق إلى غزو إيران. وبعد سنوات عديدة، وفي أعقاب الغزو الامريكي للعراق عام 2003، أثمرت الجهود الإيرانية عن تحقيق فوائد جمة عندما قامت طهران باستغلال الكثير من "ثروتها السياسية المستثمرة" على مدى سنوات عديدة لتعزيز أجندتها. ونتيجة لتلك الاستراتيجية الطويلة الأمد، تتمتع إيران حالياً بنفوذ كبير في القطاعات السياسية والإقتصادية والعسكرية في العراق.

فمن ناحية الجبهة الاقتصادية، إن إيران هي إحدى الشريكات التجارية الرئيسية للعراق، حيث يصل مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى 4-5 مليارات دولار سنوياً. كما يبدو أن طهران تدعم المنتجات المرسلة إلى العراق، مما يقوض من قابلية تنمية القطاع العراقي الخاص.

ويبين الكاتب، على الجبهة السياسية تم تحقيق جزء من المكاسب الإيرانية بسبب علاقة النظام مع «التيار الصدري»، الذي بدأ كجماعة وطنية عراقية لكنه تطور في ظل النفوذ الإيراني. وقد بدأت طهران بجهودها للسيطرة على «التيار» من خلال ما يسمى بـ "المجموعات الخاصة"، وتشعب نفوذها بعد ذلك [ليشمل «التيار» بأسره]. وفي نهاية المطاف، انتقل زعيم الجماعة مقتدى الصدر إلى مدينة قم الإيرانية، [وهو يدرس هناك] تحت رعاية حكومة طهران.

وعلى الجبهة العسكرية، تتمتع إيران بعلاقة وثيقة مع العديد من الشخصيات العراقية الرئيسية. فعلى سبيل المثال، إن العديد من الضباط برتبة لواء في وزارة الدفاع العراقية كانوا يعيشون سابقاً ولمدة عقود من الزمن في إيران. كما أن المفتش العام للوزارة، وهو شخصية قوية جداً، يتمتع بعلاقات متينة أيضاً مع إيران. وحتى عضو البرلمان [الذي انتهت ولايته بعد الإنتخابات الأخيرة] والذي [كان] يشرف على قوات الدفاع العراقية هو شخصية قريبة من الإيرانيين. وتكتسب هذه العلاقات أهمية كبرى عندما يرى المرء بأنه من الصعب على كبار الشخصيات العسكرية العراقية البقاء بعيدة عن الإنحياز سياسياً. ونظراً لثقافة السياسة والمحسوبية السائدة في العراق، قد يقرر قادة الجيش العراقي بأنه من الأفضل لهم الإنحياز إلى حزب سياسي لحماية [مراكزهم]، وهي خطوة يمكن أن تمنح أيضاً شركائهم الإيرانيين تأثير أكبر في الشؤون العراقية.

ويستدرك الكاتب بالقول، بالرغم أنه من الواضح بأن إيران هي قوة رئيسية في العراق، إلا أن نفوذها قد تضاءل إلى حد ما على مدى السنوات القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، في عام 2006 وأوائل عام 2007، نقل "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" أعداد كبيرة من الأسلحة المتطورة لعدة مجموعات داخل العراق. ومع ذلك، فبحلول صيف عام 2007، ملّت بغداد من التدخل الإيراني وأصدرت تحذيرات صارمة للإيرانيين بالإبتعاد عنها، وقد شكل ذلك تهديداً لقي آذاناً صاغية في صفوف "الحرس الثوري". وفي الوقت نفسه، أصبحت الأحزاب السياسية الشيعية في العراق أكثر استقلالية، وعلمانية، ووطنية، ولم يعد الترويج علناً من أجل [تقوية] العلاقات مع طهران استراتيجية ناجحة. وقد عكست إنتخابات عام 2009 دليلاً قاطعاً على هذا التحول، حيث كان تمثيل المرشحين الموالين لإيران ضعيفاً. وحتى رئيس الوزراء [المنتهية ولايته] نوري المالكي بدأ يكسب شعبية عندما صوّر نفسه وطنياً عراقياً بدلاً من أن يركز على علاقاته الشيعية أو الإيرانية. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح السنة العراقيين أكثر استعداداً للمشاركة في العملية السياسية عما كانوا عليه عام 2005 عندما قاطعوا الإنتخابات، [وقد حدث ذلك بالفعل في الإنتخابات التي جرت في 7 آذار/مارس المنصرم]. ونتيجة لذلك، يشعر السياسيون الشيعة بأنهم مجبرين على جذب القاعدة السنية إلى حد ما، مما يجعلهم أقل احتمالاً لتسليط الضوء بصورة علنية على اتصالاتهم مع طهران.

ويبين باتريك، إن "المجلس الإسلامي الأعلى في العراق" هو مثال جيد على مدى تطور الأوضاع [في صفوف الأحزاب الشيعية]. فكحزب يتمتع منذ فترة طويلة بعلاقات على مستوى عال مع إيران، يقوم "المجلس الأعلى" حالياً بالترويج عن نفسه كمنظمة وطنية عراقية. ومع ذلك، يتمتع الشرق أوسطيون بذكريات طويلة، ويبقى أن نرى مدى فعالية محاولة إعادة عملية الوسم هذه الذي يقوم بها "المجلس الأعلى".

التأثير على شيعة الخليج والمشرق العربي

ويضيف الكاتب، إن النفوذ الإيراني بين المجتمعات الشيعية في دول "مجلس التعاون الخليجي" آخذ في الإنخفاض مقارنة بما كان عليه في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. فقد كانت ثورة 1979 قد منحت مصداقية حقيقية لطهران في صفوف الشيعة في منطقة الخليج بسبب نجاحها بإسقاط نظام محتقر على نطاق واسع. وقد حدثت تغيرات وتطورات في صفوف هذه المجتمعات على مدى الثلاثين عاماً الماضية، ومع ذلك، برزت حركة سياسية شيعية معادية لإيران. فعلى سبيل المثال، إن أحد قادة الشيعة السعوديين الذي كان قد أيد إيران بشدة خلال الثمانينات من القرن الماضي، بدأ الآن يتكلم ضد السياسة الخارجية التي تتبعها طهران. كما انه أيد مؤخراً التدخل العسكري للحكومة السعودية في اليمن، على الرغم مما أُفيد بأن إيران تقوم في الواقع برعاية الحوثيين الشيعة في تلك البلاد.

ويركز الشيعة في منطقة الخليج بصورة متزايدة أيضاً على القضايا المحلية، بحيث لم يعدوا يضعون إيران على رأس أولوياتهم أو ينظرون إليها كمبعث قلق بالنسبة لهم. وحتى «حزب الله» الكويتي كان قد تحول مؤخراً ضد طهران، بتقاربه مع حكومة الإمارة وتصريحه علناً بأن خامنئي ليس الزعيم الديني الشيعي الشرعي الوحيد. إن أحد أسباب هذه التطورات هو أن دول "مجلس التعاون الخليجي" قد تبنت سياسات أكثر ذكاءاً بكثير تجاه أقلياتها الشيعية. وبدلاً من لجوئها إلى سياسة القمع كما كانت تفعل في الماضي، تركز الآن على إشراك ودمج هذه المجتمعات. وقد نجحت هذه الاستراتيجية بصفة عامة، (باستثناء البحرين، حيث يشكل الشيعة أغلبية سكان تلك البلاد ويضغطون من أجل قيام ديمقراطية حقيقية، لكي يتمكنون من السيطرة على الحكم).

ويوضح الكاتب، نظراً لهذه البيئة الجديدة ربما لا يؤدي قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بشن هجوم على إيران، إلى إشعال شرارة انتفاضة شيعية كبيرة في منطقة الخليج. فقد تندلع بعض الإحتجاجات، ولكن من المرجح أن تقتصر المعارضة على نشاطات كهذه.

والسؤال الأكثر صعوبة هو ما الذي سيفعله «حزب الله» اللبناني [«الحزب»] في ظل هذه الظروف. لقد تطورت العلاقة بين إيران و «حزب الله» على مر الزمن، وتتمتع طهران بسيطرة أقل على المنظمة مقارنة بما كانت تحظى به في السنوات الماضية. ويأمل «حزب الله» اليوم في الحفاظ على مظهر [خاص] كونه لاعباً سياسياً ذو مصداقية في لبنان، مما قد يحد من الإجراءات التي يكون على استعداد لاتخاذها. ومع ذلك، سيبقى «حزب الله» وكيلاً إيرانياً مهماً بغض النظر عما إذا كانت هناك مقومات لاستمرار حياة النظام الحالي. وحتى حكومة برئاسة "الحركة الخضراء" ستريد الحفاظ على علاقات وثيقة مع هذا «الحزب». وفي الحقيقة، سيبقى «حزب الله» ثروة استراتيجية مهمة لطهران ما دام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائماً.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/نيسان/2010 - 10/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م