تركيا تحلم بالعودة الى العالم العربي عبر إعلامها

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تسعى تركيا من خلال سياسة قادتها الجدد الى تعزيز مكانتها في المجتمع الدولي عبر مد نفوذها وتأثيرها الإقليمي على دول الجوار الإسلامي والعربي حسب ما يراه المتابعون.

وتجهد تركيا في محاولة بلورة ذلك الدور من خلال التحرك الايجابي على أكثر من صعيد، ومجاملة شعوب المنطقة عبر إبداء مرونة وتعاطف مع القضايا والهموم الحساسة لها مثل القضية الفلسطينية، والتي كانت حتى عهد قريب بعيد عن أجندتها السياسية أو الدبلوماسية.

سيما بعد فشل التقارب أو التحالف بينها وبين إسرائيل في التشفع لانضمامها الى الاتحاد الأوربي.

فيما برز السعي التركي كما يعتبره الكثيرون من خلال التركيز على الجانب الإعلامي نظرا لتأثيره المباشر على تلك المجتمعات المستهدفة في رسالة مضمونها يصب في إبعاد الصورة النمطية للأتراك إبان احتلالهم للعالم العربي، وترسيخ مفهوم الهم الإسلامي المشترك حيال القضية الفلسطينية.

احتلال العرب

تجتاح العالم العربي ثورة من الدراما التركية المدبلجة أسرت عيون المشاهدين، وأشارت مجلة "فورين بوليسى" إلى أن نجوم المسلسلات التركية الذين احتل أجدادهم ألأراض العربية طوال 400 سنة يحتلون هم الآن قلوب العرب، ليفتحوا لهم بيوتهم ويتدفقوا حول شاشات التليفزيون لمشاهدة أكثر من 140 حلقة من المسلسل الواحد، وهو ما لا يحدث في تركيا نفسها.

وتقول المجلة "لو أن السلاطين الأتراك كانوا يعلمون بهذا السبيل السهل لأرسلوا هؤلاء الشباب من الرجال والنساء الذين يتسمون بأوجه وسيمة ليحتلوا القلوب والعقول فى العالم العربي، مما يوفر لهم مبالغ طائلة من الأموال التي أنفقوها قديما".

وأضافت المجلة أن العالم العربي يستقبل هذه المسلسلات مثل البط في المياه، فالحلقة الأخيرة من مسلسل نور حازت على إعجاب ما يقرب من 80 مليون مشاهد من المغرب حتى فلسطين، وبالنسبة للمرأة السعودية كانت المعاملة الرقيقة من بطل المسلسل "مهند" لزوجته واحدة من أقوى عناصر الجذب، ففكرة مشاهدة رجال ونساء مسلمين يتشاركون القيم والخلفية الثقافية مع الأتراك جذابة جدا، خاصة عندما تثير المواضيع المطروحة أمورا محرمة وتحديات للقيم المحافظة بالداخل.

وتابعت "المسلسلات التركية جريئة وصريحة عندما يتعلق الأمر بالمساواة بين الجنسين، وممارسة الجنس قبل الزواج والخيانة والحب العاطفى، وحتى الأطفال الذين يولدون خارج نطاق الزوجية، وأن تأتى مثل هذه المسلسلات من بلد مسلم مثل تركيا جعل من السهل اختراق الجدران السميكة من المحافظة في العالم العربي، حيث التعصب والكراهية النساء التى يتم التنكر لهم كقضايا أخلاقية".

ونتيجة لهذه المسلسلات التي تحوز على مشاهدة الأسرة بأكملها فإن تركيا حفرت لنفسها مكانا قويا بالشارع العربي، ويتجه الآلاف الأغنياء من عرب الخليج الآن إلى تركيا في كل مناسبة، حتى باتت اسطنبول منافسا لباريس ولندن كوجهة سياحية مفضلة، وشهدت السياحة العربية 2009 زيادة هائلة، وزادت السياحة القادمة لها من الإمارات العربية المتحدة بـ 21% ومن المغرب بنسبة 50%.

ترجح الصحيفة نجاح الدراما التركية فى العالم العربي إلى جودة الإنتاج وقصص الناس العاديين التي يتم وضعها فى أنماط حياة براقة، إضافة إلى الاستماع باللهجة السورية المستخدمة فى الدبلجة.

أداة للتغيير الاجتماعي

وترى المجلة الأمريكية أن التأثير الأوسع هو توظيف الإنتاج التليفزيوني كأداة اجتماعية فعالة فى إحداث تغيير في التفكير وكسب ملايين القلوب والعقول.

ولا تقف حدود المسلسلات عن تقديم الرومانسية والجمال والقيم العلمانية ملفوفة تحت راية الإسلام، فهى تقدم مدلولا سياسيا مثل المسلسل الأخير "صرخة حجر" الذى يصور الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ويحفر المسلسل في عمق الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، ويناقش بعض القضايا المحرمة مثل القتل دفاعا عن الشرف، حتى أن المسلسل جرأ على تقديم ما لا يمكن تصوره، وهو قصة حب تجمع بيت ضابط من الشين بيت الإسرائيلي وناشطة فلسطينية جميلة.

قناة ناطقة باللغة العربية

في السياق ذاته أطلقت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التركية "تي آر تي" اليوم قناة فضائية ناطقة باللغة العربية في احتفالية ضخمة أقيمت في اسطنبول بحضور رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ونخبة من كبار الشخصيات التركية وعدد كبير من السفراء العرب في تركيا.

ويؤكد القائمون على هذه القناة بأن الهدف من إطلاقها هو للتقريب بين العرب والأتراك وتعريف العرب بتركيا مشيرين الى أن القناة الجديدة موجهة الى أكثر من 350 مليون نسمة في المنطقة وفي ثلثي أفريقيا وفي كامل آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

وأضافوا أن القناة الجديدة التي تحمل صفة القناة العائلية ستبث برامجها على مدار 24 ساعة يوميا برامج تهم المرأة والطفل بالإضافة الى برامج ترفيهية ووثائقية واخبارية عبر الأقمار الاصطناعية التالية عرب سات ونايل سات وترك سات. بحسب كونا.

ويأتي إطلاق القناة التركية الجديدة في وقت تشهد فيه العلاقات التركية العربية تقدما كبيرا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما أنها جاءت في وقت حققت فيه الدراما التركية نجاحا كبيرا من خلال المسلسلات التركية التي لاقت حضورا كبيرا من جانب المشاهد العربي من المحيط الى الخليج.

غضب اسرائيل

من جانب آخر بيع مسلسل تركي اثار غضب اسرائيل بعدما اعتبرته "معاديا للسامية" الى محطات تلفزيونية عربية، كما اعلن مسؤول في الشركة المنتجة للمسلسل.

وقال المدير الفني لشركة "تشالا بروداكشنز" ظافر كايا اوكاي في اتصال هاتفي في اسطنبول ان مسلسل "آيريليك" (الفصل) المؤلف من 13 حلقة اشترته كل من محطة "ام بي سي 1" التابعة لمجموعة "تلفزيون الشرق الاوسط" السعودية وتلفزيون دبي.

واضاف ان "ام بي سي" قررت البدء ببث المسلسل، اما تلفزيون دبي "الذي ابدى اهتماما كبيرا بالمشروع منذ انطلاقه" فسيبدأ ببث المسلسل في القريب العاجل.

وبحسب الموقع الالكتروني ل"ام بي سي" فان المسلسل يحمل بنسخته العربية عنوان "صرخة حجر" وسيعرض على قناتي "ام بي سي 1" و"ام بي سي 4".

وكانت اسرائيل احتجت في تشرين الاول/اكتوبر على عرض هذا المسلسل على القناة التركية الحكومية "تي ار تي"، منددة بكونه "يحض على الكراهية ومعاداة السامية". ويظهر المسلسل خصوصا جنودا اسرائيليين وهم يقتلون بدم بارد رضيعا في حضن والده وفي مشهد آخر يصورهم وهم ينفذون عمليات اعدام فورية من دون محاكمة. بحسب فرانس برس.

وخصصت الشركة المنتجة للمسلسل حلقاته ال13 لنزاعات عدة تهم المشاهد التركي ولا سيما النزاعات في الشرق الاوسط والشيشان والحرب الارمينية-الاذرية.

ولطالما اعتبرت تركيا، الدولة العلمانية ذات الأكثرية المسلمة، اقرب حليف لإسرائيل في المنطقة.

الا ان العلاقات بين البلدين ساءت بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة والذي انتقده بشدة في حينه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.

وكان مسلسل تركي آخر بعنوان "وادي الذئاب" اثار ازمة اخرى بين اسرائيل وتركيا مطلع العام.

واحتجت اسرائيل على عرض ذلك المسلسل باستدعاء السفير التركي الذي تعرض للاذلال من جانب نائب وزير الخارجية داني ايالون الذي احتج على المسلسل كونه معاديا للسامية ولاسرائيل، بحسب قوله.

واثر تعرض سفيرها للاهانة هددت تركيا بسحبه وطالبت إسرائيل بتقديم اعتذار رسمي وهو ما فعلته الدولة العبرية.

إسرائيل تحجب إم.بي.سي

من جانبها حجبت السلطات الإسرائيلية قناة إم.بي.سي عن المعتقلين الفلسطينيين في سجني النقب والنفحة الصحراوي بسبب المسلسل التركي المذكور والذي أثار غضباً في إسرائيل تناقلته وسائل الإعلام طوال الأيام الماضية.

وحظي المسلسل التركي "صرخة حجر"، والذي تبثه قناة إم.بي.سي (mbc) السعودية باهتمام غير مسبوق من الأسرى الفلسطينيين الذين أوضحوا ذلك. وفقاً لموقع "العربية.نت" اليوم.

وكانت قناة إم.بي.سي بدأت عرض مسلسل "صرخة حجر" مدبلجاً إلى اللغة العربية يوم 20 مارس/آذار الجاري وسط احتجاجات إسرائيلية، واهتمام عربي واسع.

فيما أدان وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان، تركيا لمواقفها الاخيرة "المناهضة لاسرائيل"، مؤكدا في الوقت نفسه ان الدولة العبرية ستعمل على اعادة ترسيخ روابطها مع حليفتها انقرة.

وقال في كلمة نقلها التلفزيون الاذربيجاني ان "القول ان القوات العسكرية الاسرائيلية ترتكب مجازر ووصف العمليات لحماية مواطنينا بانها جريمة ضد الانسانية (...) مواقف خطيرة ضد اسرائيل لا يمكن ان تتكرر كل اسبوع".

واضاف ان "التغيرات الاخيرة في الرؤية في السياسة الخارجية التركية غير متوقعة وليست واضحة تماما"، مؤكدا انه "يقوم بكل ما في وسعه لابقاء العلاقات بمستوى الثقة العالية السابق".

وتابع "نأمل في ان تجري تركيا من جهتها بعض التعديلات على سياساتها الخارجية". وبدأ ليبرمان الثلاثاء زيارة لاذربيجان، حليفة تركيا، تستغرق ثلاثة ايام يلتقي خلالها الرئيس الهام علييف.

وتعتبر تركيا، الدولة الاسلامية ذات النظام العلماني، الحليف الاقليمي لاسرائيل منذ توقيع اتفاق تعاون عسكري بينهما العام 1996 اثار استياء بعض الدول العربية وايران.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/نيسان/2010 - 9/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م