القادة السياسيون وأولية تربية النفس

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: كيف ينظر الآخرون الى القائد السياسي ؟. وهل فعلا هو أحد النماذج المهمة التي يقتدي بها الناس خلال حياتهم ؟.

إن الاجابة عن ذلك يمكن أن تؤخذ من الناس أنفسهم، كما يمكن ملاحظتها من خلال الاحترام الكبير الذي يكنه عموم الناس لقلئدهم السياسي، وهنا قد يقول قائل إن رغبة بعض الناس بالحصول على المكاسب قد تدفعهم لاحترام القائد وأحيانا التملق له والتقرب إليه بشتى الطرق والأساليب، لكن هذا القول لا يشكل القاعدة، بمعنى أن احترام الناس الى قائدهم السياسي غالبا ما يكون مصدره الاول أعماله وسلوكه وأقواله وانجازاته وطبيعة سيرته وحكمته في ادارة شؤون المجتمع المتنوعة.

ومن البديهي أن نقول كلما كان القائد قريبا من هموم الناس وتطلعاتهم وعمل على تحقيق مطالبهم المشروعة ورعاهم ضمن مسؤولياته المحددة والمتعارف عليها، كلما كان أكثر قربا الى قلوبهم وعقولهم، بل سيكون النموذج المثالي لكثير منهم كون السلطة وسحر الكرسي ومغرياته لم تترك تأثيرها فيه ولم تمنعه من تأدية واجباته تجاه الناس.

ولكن كيف يمكن للقائد السياسي أن يكون قريبا من قلوب الناس ومثالا لهم، في هذا المجال يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (العلم النافع):

(غاية الأخلاق تتلخّص في مسألة واحدة وهي تربية النفس وإصلاحها، وهي من أعقد المسائل وأصعبها، لأنّ كثيراً من الناس قد ينجحون في مسائل صعبة ولا ينجحون في هذه المسألة، بل يمكن القول إنّها ركيزة أساسية ضمن ركائز الهدف من خلق الله تعالى للكون والحياة والإنسان).

ولعل الكرم والسخاء من أفضل ما يمكن أن يتحلى به الانسان من خصال حميدة، أما القائد السياسي فإن سمة الانفاق على الفقراء ستمنحه تأشيرة الدخول الى قلوب الجميع من دون استثناء، لأنها تدل على قوة إيمانه ورهافة روحه وصحة نظرته للرعية، فكلما كان كريما مع الآخرين وفقا لاستحقاقهم كلما ضرب المثل الأعلى في حسن التعامل مع المحتاجين، لأن الانفاق سمة من سمات الكرماء، وطالما أنه قادر على ذلك، فإنه إنما يشيع هذا السلوك القويم بين القادة الآخرين، ولهذا كان الامام علي بن ابي طالب عليه السلام قدوة لولاته في الأمصار الاسلامية، فهم ينظرون الى أعماله ويستمعون الى أقواله (ع) ثم يقومون بتطبيقها في الاوساط التي يديرون شونها الحياتية عامة كقادة لها.

ولعل الأهم في مثل هذه الاعمال أنها تتم من قبل القادة تقرّبا الى الله تعالى، بمعنى ينبغي أن يضع القائد مقابل أعماله هذه رضى الله تعالى قبل أي شيء آخر، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في كتابه نفسه:

)إنّ الله لا يحتاج إلى الإنفاق ولا إلى المنفق، لأنّه تعالى قادر على إغناء الناس فلا يكون فقير واحد محتاج للإنفاق، ولكنّه سبحانه جعل هناك فقيراً وآخر غنيّاً، ومحتاجاً ومنفقاً، لكي يكون هناك امتحان وتربية).

لهذا لا يجوز للقادة السياسيين اللهاث وراء مصالحهم الخاصة او الحزبية وينسون الهدف الأسمى الذي جاءوا من أجله وهو خدمة الأمة ورعاية امورها وتذليل مصاعبها، وكلما كان الانفاق سليما ومدروسا وينبع من نفس مؤمنة طيبة كلما كان تأثيره الدنيوي والأخروي أكبر، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه في هذا المجال:

(إنّ الإنسان إذا أنفق الرديء أو ما فاض من ماله فهو وإن كان إنفاقاً لبعض المال وقد ينفع من أنفق عليه، غير أنّه لا يمكن أن يصل بصاحبه إلى ساحل البرّ والإحسان، بينما لو كان إنفاق الإنسان ممّا يحبّ ولا يستغني عنه، فهذا بعينه هو الذي يربّي النفس ليصل بها إلى ما تنشده الآية الكريمة).

إذن مطلوب من الانسان بصورة عامة أن يقف الى جانب الآخرين في مصاعبهم المادية وغيرها، فكيف الحال مع القائد الذي يملك صناعة القرار ويتمتع بصلاحيات كبيرة وفورية يمكنها أن تصب في صالح الجميع ؟.

لكن اللافت للنظر أن ثمة من القادة -كما تشهد وقائع التأريخ القريبة والبعيدة على ذلك- ينشغل بمصالحه وخططه وبأولية المحافظة على الكرسي، ناسيا او متناسيا أن نفسه التي تدفعه في هذا الاتجاه الخاطئ إنما تسير به نحو الهلاك، لهذا كان عليه أن يرعوي ويربي نفسه ويتحكم بها ويسيرها بعقله وحكمته بدلا من أن تسير به الى العدم وتجرفه الى مهاوي الرذيلة.

لذا ينبغي على القادة السياسيين أن يتنبّهوا لهذا الجانب بقوة، وأن يتمرنوا ويتدربوا على التحكم بأنفسهم وأن يتعاملوا معها كالمربي المثالي بعيدا عن سلطات النفس، إذ يدعونا سماحة المرجع الشيرايزي جميعا الى تحقيق هذا الهدف فيقول سماحته::

(فلنحاول نحن أيضاً من الآن أن نسعى في تربية أنفسنا، فإنّ تهذيب النفس وتربيتها ينبغي أن يكون هو الهدف الأسمى).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/نيسان/2010 - 9/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م