كراسينا... اوطاننا تتنازعها طائفية الاخرين

صورة الديمقراطية العراقية قبل الانتخابات الاخيرة ونتائجها المثيرة للجدل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بالعودة الى ذاكرة الفجيعة والخراب في المشهد السياسي والذي تسيدت فيه السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة وجميع انواع القتل المعقولة منه والمجنونة ان كان ثمة معقولية في فعل القتل اصلا.

في ذلك المشهد انسحب السنة من انتخابات العام 2005 استجابة لدعوات هيئة علماء المسلمين وبعض القيادات السنية الاخرى تحت دعاوى الاحتلال ولا شرعية العملية السياسية واشترك الاخرون عبر جبهة من الشعارات الطائفية مقابل شعارات الطائفة الاخرى، كما تم الترويج لها، وفي الحقيقة بسبب اضمحلال الامتياز التاريخي لمسألة الحكم والسلطة والذي كان ينظر اليه كمقدس حصري للسنة، منذ خلافة ابو بكر وهو مقدس تم انتهاكه من قبل الشيعة واصبح المشهد السياسي بوجهين نقيضين لا ثالث بينهما المقدس السني (الحكم) مقابل المدنس الشيعي (السلطة)، وكثرت على الجدران في تلك السنوات عبارات مثل (اللطم للشيعة والحكم للسنة) تعبيرا عن رفض عاش في المخيال السني قرون طويلة من خلال ثنائية الحاكم السني والمحكوم الشيعي.

سمحت هذه التناقضات بظهور حواضن في المناطق السنية، لقطاع الطرق وشذاذ الافاق ومحترفي القتل بالتواجد في تلك المناطق الذين سرعان ما وجهوا بنادقهم الى تلك الحواضن وذاق السنة مرارة ماهللوا له تحت دواعي (المقاومة الوطنية العراقية الشريفة) التي قتلت من العراقيين اضعاف ماقتله الاحتلال لتظهر قوات الصحوة او ماعرف بأبناء العراق وتأخذ على عاتقها محاربة القاعدة والمجاميع المسلحة الاخرى بعد التفاوض مع الامريكان حول نصيب من  كعلكة السلطة.

وبالعودة الى خطابات تلك المرحلة ولو اخذنا حدثا عنيفا كحدث المعارك التي دارت في الفلوجة والنجف في عهد رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي كان الحديث عنها من قبل اقطاب السنة معارضين وموالاة هو علاوي الشيعي يقصف كعبة الجهاد والمقاومة السنية ولم يكن ينظر الى علاوي كقائد وطني علماني بل شيعي يعطي الاوامر للقوات الحكومية والامريكية بقصف المدينة على اعتبار  انها تمثل مكونا طائفيا يختلف عن مكونه.

في مقابل ذلك اصبح علاوي رجل الدولة الذي يحارب الميليشيات المسلحة من اجل تثبيت سلطة الدولة حين استدار الى النجف لمقاتلة المسلحين فيها وعلى شاكلة شعار (قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار) استمرت هذه الخطابات المراوغة والمخاتلة فكل عمل تقوم به الحكومة في مناطق السنة هو استهداف لهذا المكون مع التشديد في هذه الخطابات على ان المشتبه بهم هم من الابرياء والذين يجب اطلاق سراحهم واحترام حقوق الانسان عند القبض عليهم والتحقيق معهم وفي المقابل هم من الميليشيات المسلحة او المجاميع الخاصة والذين يجب ان تضع الحكومة حدا لتجاوزاتهم اذا كانت عمليات الحكومة في المناطق الشيعية..

 في فترة حكومة علاوي كان رئيس الوزراء شيعيا في خطابات السنة وعلمانيا في خطابات الشيعة الذين اصطدموا معه وكانت اصطفافات تلك المرحلة طائفية بامتياز شئنا الاعتراف بذلك ام لا.

ما الذي حدث بعد تلك السنوات القليلة السابقة؟

تغيرت الكثير من الاحجام والاوزان وكثرت الاستدارات من جهة الى اخرى وقد وصلت احيانا الى 180 درجة ولم يكن ذلك تبعا لبرامج واضحة او شعارات واقعية تلبي طموح الشارع العراقي الذي بلغت نسبة الامية فيه 60% مع معدلات جهل ثقافي تفوق تلك النسبة حتى في اوساط المتعلمين.. وسمعنا بالانشقاقات والانسحابات العديدة تبعا للمغريات والحوافز التي تقدمها الجهات والتحالفات السياسية لبعض وجوه الاطراف المقابلة وكان اثر ذلك واضحا في ضعف الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان وفي ضعف الاداء الوزاري للحكومة التي تفرقت ولاءاتها حسب الاصطفافات الطائفية والقومية وكانت اصوات المحتجين على الاخفاقات لا تعدو كونها ثأرا سياسيا او شخصيا مبيتا اوالغمز من قناة الطائفة التي تنتمي لها جهة الاخفاقات.

 قبل الانتخابات الاخيرة بأيام قليلة حذر اياد علاوي من حرب اهلية في حالة تزوير النتائج واعتبرت في رأي الساسة المنحازين للمعارضة في سياقها الطبيعي، بعد الانتخابات حذر رئيس الوزراء نوري المالكي من اندلاع العنف في حالة عدم اعادة العد والفرزوكانت ردود الافعال متشنجة معتبرة ذلك ارهاب دولة ..

القائمة العراقية تشجب وتستنكر زيارة الاكراد وقسم من الائتلاف الوطني ودولة القانون والتيار الصدري الى ايران وتعتبر ذلك بمثابة اختطاف لنتائج الانتخابات وحذرت من ان تكون الحكومة القادمة (صنع في ايران) وحين وجهت الدعوة للقائمة العراقية لزيارة ايران تغير الخطاب واصبح انها قائمة وطنية تريد افهام الايرانيين بعدم التدخل في الشؤون العراقية الداخلية ويمكن الرجوع في هذا الصدد الى التصريحات والبيانات المتواصلة لافراد القائمة العراقية والتي لا تخلو منها صحيفة او موقع اخباري عراقي او عربي وكان شعار العراقية الذي درجت عليه في خطاباتها هو(رأئي لا يحتمل الخطأ ورأيك لا يحتمل الصواب).

 الجميع يدرك ان النتائج وحتى ساعات قليلة قبل اعلانها كانت لصالح دولة القانون لكن ماحدث في الساعات الاربع قبل اعلان النتائج قلب المعادلات.

تقوم الديمقراطيات على اساس مكين...الحوار بدلا من العنف ، اللجوء الى المحاكم والقوانين بدلا من التهديد  واستثارة احط غرائز الجمهور القاتلة.. في رصد بسيط للمواقع والصحف العراقية نجد ان اكثر التصريحات الاستفزازية تصدر عن القائمة العراقية وعلى لسان اثنين من المنتمين اليها حيدر الملا وميسون الدملوجي وقد يكون مفهوما تاثير العقلية الذكورية من خلال تصريحات حيدر الملا على اساس تقسيمات الجندر ولكن ليس مفهوما او متساغا التصريحات النارية التي تطلقها ميسون الدملوجي على اساس نفس التقسيمات لكنها السياسة وتحديدا ايديولوجيات الخطاب التعبوي للقائمة العراقية والتي لا تستطيع ان تغادر مرجعيتها الثقافية وهي هنا ثقافة البعث بأمتياز والناشبة في وعي ولا وعي المنضوين تحت لوائها ..تحاول العراقية التأسيس لاحدى اساطيرها الاثيرة وتروج قناة الشرقية لهذه الاسطورة من خلال فواصل الردح على مدار ساعات بثها ..

هذه الاسطورة هي الوطنية مقابل العمالة ،العروبية مقابل الفارسية ، دولة المؤسسات مقابل دولة الميليشيات..

وهي اساطير تتوسل بجميع انواع الكذب والنكوص الى خطابات المرحلة السابقة مرحلة ماقبل 2003 حيث الحزب الواحد والهتاف الواحد للقائد الاوحد.

القائمة العراقية انضوت تحتها الكتل والاحزاب السنية ..اسطورة هذه القائمة ان المكون السني هو وحده الوطني والذي يحرص على مصالح البلاد والعباد من خلال استقلالية قراره السياسي مقابل الاخر العميل وهو تحديدا (الكردي والشيعي) والذي يرهن قراره السياسي  بعمامة الفقيه الايراني ..

المكون السني هو العروبي وحده امام الفارسي (الشيعي هنا تحديدا) ومحاولة التذكير ببعض وقائع الحرب العراقية الايرانية .. "اغاني واناشيد التعبئة العسكرية - تجمعات تحتفل بتحرير الفاو في تلك الحرب من قبل الاحتلال الايراني".

وقريبا جدا منها التصريحات حول التكتل العتيد بين ائتلاف دولة القانون والأئتلاف الوطني (هو طائفي شيعي سيقود البلاد الى الخراب والدمار).

في عرف القائمة العراقية الكرسي (وهنا تحديدا كرسي رئاسة الوزراء وما يستتبعه من سلطات واسعة) هو المعادل الموضوعي للوطن، انه كرسي ياخذ حجم العراق ومساحته والابتعاد عنه هو ابتعاد عن المشروع الوطني الجامع، فوحدها القائمة العراقية من يمتلك مثل هذا المشروع ، وبقية القوائم ليس لديها من وطنية القائمة العراقية نصيب..والقائمة العراقية هي خيار الشعب العراقي بملايينه الثلاثين والباقين هم الطارئون على هذه الخيارات، فما حصلوا عليه من تفويض شعبي لا يعتد به طالما هذا التفويض من طائفة اخرى بينها وبين المواطنة مسافات ضوئية لابمكن اختصارها.

انها الطائفية المضمرة في خطابات القائمة وقادتها وهي تستعير نفس ادوات الخطاب القومي الذي ساد في العراق وكان ممثله الابرز حزب البعث، وهي  فكرة هيمنة، فكرة سيطرة على الأقليات والغاء وجودها واذا لم تفلح في ذلك فالتهديد بالحرب الاهلية هو الخيار الوحيد لقلب الطاولة على الجالسين حولها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/نيسان/2010 - 7/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م