لا نفرط بالوطن يا سادة

محمد علي جواد تقي

لم يجد الساسة العراقيون حرجاً من الإقرار غير المباشر بالدور الإقليمي في تعيين مصير الحكومة الجديدة التي يفترض أن تتمخض عن آراء الشعب العراقي الذي شارك في الانتخابات النيابية الأخيرة، وبات من الطبيعي الحديث في الشارع عن دور هذه الدولة الجارة أو تلك في تقريب وجهات النظر بين هذا الإئتلاف و ذاك، في إطار (المساعي الحميدة) للخروج من الفراغ السياسي الخانق، كما لو إن ثمة رسالة موجهة للعراقيين تقول: إن التدخلات التي كنّا نسمع فجاجتها ونرى بشاعتها ودمويتها خلال السنوات الماضية، هي اليوم تقدم وجهاً آخراً وتدخل الحياة العراقية على أنها أمر واقع!

لندع الأطراف الأقليمية وحتى الدولية في حالها تخطط و تدبّر أمر مصالحها في العراق، كما هو المعمول به في العلاقات الدولية في كل مكان، ولنتحدث نحن العراقيون على أرضنا ووسط مشاكلنا وأزماتنا المتوالية، ثم نتسائل؛ هل بالإمكان تحديد مصلحة العراق (البلد والشعب والثروات و...) في هذه العاصمة وتلك، وعند هذا الزعيم وذاك المسؤول؟ بل أوضح من هذا؛ هل الدول التي تبحث عن مصالحها بكل ثقة ومشروعية، يمكنها مساعدة العراق على جمع أطرافه المبتورة وإيقاف نزيفه؟! وللعلم فقط، فان بين هذه الدول بالأساس ثارات تاريخية وتقاطعات ثقافية وحضارية ضاربة في الجذور، فهنالك التفاوت في اللغة والتاريخ والثقافة ومقومات أخرى، يبقى المشترك الديني وهو الإسلام الغريب يقف آخر القائمة وغير داخل بالمرة في حساب العلاقات الثنائية.

  نعم؛ إن المسألة  باتت أمراً واقعاً، وهي بالحقيقة من نتاج الجماعات السياسية نفسها وليست الدول المحيطة بنا، وقد مهدوا لذلك منذ أيام المعارضة حيث كانت الاحزاب العراقية موزعة هنا وهناك، و لم تكن لتفكر بالوطن الواحد، إنما بالمصالح الواحدة، وهذا ما كنّا نلاحظه دائماً خلال اجتماعاتهم ولقاءاتهم في تلك السنوات الخوالي. وقد توقع هذا المآل أحد الاعلاميين آنذاك – وهو  اليوم مسؤول في الدولة-؛ ربما يأتي اليوم الذي يكون حالنا نحن العراقيون كالفلسطينيين، فيكون هناك فلسيطنيي لبنان، وفلسطينيي سوريا، وفلسطينيي العراق وفلسطينيي (.....) أما الفلسطينيين على الأرض المحتلة فليس لهم سوى الله تعالى والاحتلال الصهيوني الغاشم.

 ويبقى (العلم) وسيلة جميلة محببة للنفوس يلوّح بها الأطفال حتى لايصابوا بأمراض نفسية بعد تعرضهم لاصابات مادية بالغة في المعيشة والأهل والأمان، ليبقوا يعيشوا الأمل دوماً.

ولكن حسبنا التفاوت الكبير بين فلسطين والعراق في أكثر من جانب، وهو ما لايخفى على المتابع، يكفي أن أنقل صورة صغيرة هي جزء من الصورة الكبيرة لهذا الوطن، فقد تسائلت فتاة لها من العمر حوالي (25) قضتها كلها في المهجر، عن السبب في أن يكون مسقط رأسها بلد غير العراق وقد قضت سنوات عمرها هناك ثم تعود مع أسرتها الى الوطن كأن شيئاً لم يكن؟!

إن العراق بلد المقدسات والحضارات والخير والعطاء، يتمنى كل انسان العيش فيه منذ آلاف السنين، وأبناؤه اليوم أحق وأولى بالمعروف، فلا نفرط بكل هذه النعمة الإلهية العظيمة يا سادة، ولا نزيد من ضياع الجيل الجديد كما ضاع الجيل الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/نيسان/2010 - 7/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م