ألقى بهم القدر في أعماق المناطق المنسية، في حين تختلف أحلام الناس
وأمانيهم في الحياة تشابهت تفاصيل حياتهم وطرق معيشتهم و تداعبهم نفس
الأماني والرغبات والاحتياجات والأحلام، فعدم تحقيق أي شيء يذكر على
واقعهم جعل كل شيء بالنسبة لهم حلماً خاصاً، ما يميزهم في الغالب هو
اقتناعهم بالأحلام البسيطة ويجمعهم الفقر والبؤس والحرمان ، يتوقون
لقطرة ماء صالحة للشرب ويلتمسون نوراً يبدد ظلام وعتمة لياليهم ويتمنون
السير في طرق معبدة وبناء مدرسة لتدريس أبنائهم فيها وإنشاء وحدة صحية
وفرصة عمل توفر لقمة عيش كريمة لهم ولأسرهم.
بئر عيشة إحدى ضواحي مديرية البريقة في محافظة عدن، منطقة نائية
تتوارى عن الأنظار تشكلت سكانياً بعد الوحدة اليمنية وهي من أكثر
المناطق اليمنية فقراً واحتياجاً يقطنها أكثر من 350 أسرة، وأهالي بئر
عيشة يعانون الإهمال الكامل والنسيان ويشكون صعوبة الحياة وسوء
أوضاعهم، فلا تبدو على المنطقة أي ملامح للتحضر والمدنية ولايزال
سكانها يعيشون حياة أقرب إلى البادية والبداوة.
وعلى مدى سنوات طوال عاش أهالي بئر عيشة بدون كهرباء فيما نجح البعض
في إدخال الكهرباء بالجهود الذاتية وبوصلات عشوائية بينما الغالبية
لايزالون تحت وطأة الظلام الدامس، يموتون عطشاً لعدم توفر المياه
النظيفة، ناهيك عن غياب شبكات الصرف الصحي والكارثة أن تتحول المنطقة
إلى مستنقع لتتضاعف معاناة الناس القاطنين فيها، ويشتكي سكان بئر عيشة
أيضاً من عدم وجود وحدة صحية فيضطرون إلى أن يقطعوا مسافات طويلة
للوصول إلى أقرب مجمع صحي، أما مساكنهم فهي مبنية من صفيح الزنك
والقماش البالي والكراتين ومخلفات الأخشاب، والمدرسة الوحيدة التي
يستطيع أبناؤهم الصغار الوصول إليها تتواجد على مسافة قريبة من المنطقة
يدرس فيها الأطفال حتى الصف الرابع ابتدائي ومن ثم ينقطعون عن الدراسة
لبُعد المدارس والافتقار لوسائل النقل، فأهالي الطلاب لا يملكون المال
الكافي لينتقل أبناءهم يومياً للدراسة إلى بئر أحمد والذي يبعد عنهم
بحوالي 6 كيلومترات.
يشتغل سكان منطقة بئر عيشة من الشباب إما كعمالة في مقاولات البناء
بالأجر اليومي والبعض الآخر يعتمد في معيشته على تربية الماعز
والأغنام، إضافة إلى تربية النحل وبيع العسل، وبقية شباب بئر عيشة
عاطلون عن العمل واقعون تحت مستوى الفقر والعوز، ولا أحد يلتفت
لمعاناتهم اليومية وأوجاعهم.
كانت قد بادرت إحدى الجمعيات النسوية التنموية بتنفيذ أولى المشاريع
في بئر عيشة بعد سنوات النسيان والحرمان وأضاءت عتمة العديد من الأسر
بإدخال الطاقة الشمسية، وهذا يعتبر حلاً عملياً مؤقتاً لحين تثمر
مناشدات ومطالب الأهالي للمجالس المحلية والجهات المعنية.
بئر عيشة كغيرها من مناطق الأطراف الذين يعيشون في ظروف صعبة
ويفتقرون إلى أبسط سبل العيش الكريم ولا يجدون من يمد إليهم يد
المساعدة والعون لتنتشلهم من الفقر والجهل والمرض والبطالة، ومن يسمع
نداءاتهم لإقامة مشروعات خدمية وتنموية يستفيد منها المواطنون وتحسن من
أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

* كاتبة صحفية - راصدة حقوقية
عدن-اليمن |