علموهم كيف يمارسون الاستبداد

نواب الوطني..  حينما يتغابى المفسدون

علي عبدالعال

الحزب الوطني الحاكم في بلادنا ليس حزبًا بالمعنى الذي تعرفه الشعوب في كل بلدان العالم، بل حقيقته تشي بأنه ليس أكثر من ناد للمنتفعين، والمفسدين، والمزورين، والمرتشين، والمستبدين، ونواب القروض، وتجار الحديد، والحالمين في ليل التوريث، ومن دار في فلكهم، قُدر له أن يحكمنا، وقُدر لنا أن نحيا في ظل مصائبه.    

لم أكن أتوقع يومًا أن أشغل نفسي به أو أقتطع جزءًا من وقتي للكتابة عنه وعن نوابه، ذلك لما أعلمه ـ ويعلمه جميع المصريين ـ من حقيقة هذا المسمى زورًا "حزب" ومن يطلق عليهم "نواب الأغلبية"، إلا أن هذه الدعوة التي خرجت من بعض أعضائه في البرلمان، بإطلاق النار على المتظاهرين، من فجاجتها لم تمهلني حتى أفكر، بما ألقته من تساؤلات لا نهاية لها، وهذا هو السبب الأول للكتابة عن الحزن الوطني.

سبب آخر هو كم السخرية التي رأيتها من وسائل الإعلام العربية والعالمية التي تناقلت الخبر، حتى عنونت أحدها بهذه العبارة: "مفارقة مصرية: ممثلو الشعب يطلبون ضربه بالرصاص".. وهو ما لا نستطيع أن نلوم عليه الآخرين، قبل أن نلوم هذه المصائب التي أبتلينا بها، وتسلطت على رقابنا.

الموضوع باختصار يتلخص في أن ثلاثة أعضاء بمجلس الشعب دعوا وزير الداخلية إلى إطلاق النار على المتظاهرين، بحجة أن المظاهرات خطر على مصر، وأن المتظاهرين "شلة فاسدة ومتجاوزة"، ولاموا وزير الداخلية على "حنيته" ! وعدم استخدامه القوة، وقال النائب عن الحزب الحاكم نشأت القصاص: "يا وزير الداخلية احنا 80 مليون بناقص شلة فاسدة"، وسانده بنفس الأسلوب زميله أحمد أبو عقرب، والمدعو رجب هلال حميدة.

وهي واحدة من المضحكات المبكيات في مصر، لا أظن أن التاريخ سينساها، ولو كان المتنبي حيا لوفاها حقها من أشعاره... فقد (مل) الحزب الوطني من المصريين، واحتار من هؤلاء الأشرار الذين تعامل معهم بكل وسيلة ولم يجد معهم شيئا (قمح فاسد، محاصيل مسرطنة، دم ملوث، زحام وغلاء وبطالة، سجون ومعتقلات، فساد ومحسوبية على كافة المستويات، استبداد وتوريث، قوانين مفصلة على المقاس، تزوير وطواريء) فلم يجد نوابه سوى الرصاص وسيلة للخلاص من هذا الهم الجاسم على صدورهم.

دعوة صريحة إلى قتل العزل من أبناء الشعب، تخرج من من؟ ممن يفترض أنهم حماة لهذا الشعب، وهذه أبدا لا تدعو للتعجب، لأننا في مصر، بلد العجائب... ولك أن تتساءل عن حال هؤلاء لو كنا في بلد يحكمه القانون، أو كنا شعبا يملك أمره مثل باقي الشعوب.

لكن لأي سبب خرجت مثل هذه الدعاوى؟ لأن هناك من أبناء هذا الشعب من يطالبون بوقف العمل بقانون الطواريء، وتعديل الدستور، وإجراء انتخابات نظيفة، وإيجاد إشراف قضائي عليها، ووقف المحاكم العسكرية، والإفراج عن عشرات الآلاف من المعتقلين بغير وجه حق، وتعديل أجور العمال، والتصدي لجرائم المفسدين، وهي أمور المطالبة بها باتت من الجرائم التي يستحق مرتكبوها القتل حسب شريعة الغاب التي يحكمنا بها الحاكم بأمره.

من الطبيعي أن يعبر الذين وصلوا إلى هذه المقاعد بالتزوير عن مصالح من زور لهم، ولو أفضى ذلك إلى أن يطالبوا بقتل أبناء الشعب الذي سكت عنهم، وليس لهذا الشعب أن يلومهم، لأنه هو الذي سمح لأمثال هؤلاء أن يحكموه وينوبوا للحديث باسمه.

ما يحدث تحت قبة هذا البرلمان ليس له مثيل في أي مكان، وما يجري على ألسنة هؤلاء النواب صار من الفضائح التي تطارد سمعة هذا البلد، وممارسات هذا الحزب أعجب من حكايات "ألف ليلة وليلة"، وسكوت هذا الشعب عن هذا الكم من الأشياء التي لا أجد لها مسمى في قواميس شعوب الأرض يدع الحليم حيرانًا.

ألا يوجد عاقل يشرح لهؤلاء كيف يتعلموا أن يمارسوا استبدادهم، هناك مستبدون كثيرون في العالم، إلا أنهم يمارسون استبدادهم بذكاء، وحزبنا الحاكم يمارس الفساد والاستبداد بكل ألوان الغباء.. وهذا ليس غباء سياسيًا لأن هؤلاء لا يعرفون للسياسة معنى، هذا عمى الإفساد الذي سد عليهم كل منافذ الفهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/نيسان/2010 - 6/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م