كيف ينظر المثقفون إلى أهمية الإصلاح الثقافي

خاص/ شبكة النبأ

 

الشاعر رضا الخفاجي: كان علينا أن نمسح سنوات العذاب والقهر، بملامح ثقافة متجددة.

الناقد زهير الجبوري: المثقف ظل كما هو يعيش في دوامة كفافه الميداني.

القاص زيد الشهيد: لست راضيا على ما قدمه السياسي للثقافة.

 

شبكة النبأ: في مرحلة التحولات الكبيرة التي يخوضها العراقيون الآن في مجالات الحياة كافة، تأخذ الثقافة المساحة الأكبر في الحضور والتصور، وتبدو كأنها فرس الرهان الرابح في مجمل عمليات التغيير، ويتفق الجميع على أن الثقافة هي السبيل الأقصر والأسرع لتحقيق النتائج المرجوة، بيد أن الأمر يتعلق بإصلاح الواقع الثقافي بمجمله، مما يتطلب برنامجا اصلاحيا واضح الخطوات والمعالم من اجل بلورة محصلة ثقافية راكزة لها القدرة على نشر الوعي الفكري والسلوكي في عموم شرائح الشعب.

بكلمة اوضح، أن الأمر بحاجة الى الوعي اولا، وهذا ما يدفع الى دراسة الواقع الثقافي وتأشير مكامن الخلل فيه والحث على المعالجات التي تستند الى برمجة اصلاحية ثقافية شاملة، ومن ثم قطف النتائج المطلوبة، وقد التقت (شبكة النبأ المعلوماتية) مجموعة من المثقفين في كربلاء واستطلعت آراءهم حول إمكانية إصلاح الثقافة وتوابعها وسبل ذلك، كل من وجهة نظره، وبدأنا بالشاعر المسرحي رضا الخفاجي، إذ قال بصدد أهمية إصلاح الواقع الثقافي:

- في العقود التي مضت كانت ثقافتنا ذات منحى واضح ومحدد وكانت اهدافها محصورة في خدمة السياسي واهدافه المعروفة ايضا، مما دفع الكثير من المثقفين الى اللجوء الى بدائل قاسية، منها الرحيل القسري الى المنافي تخلصا من مخاطر الثقافة المؤدلجة، ومها اللجوء الى الصمت القسري أيضا، وغيرها من المسالك العجيبة الغريبة التي فرضتها الثقافة المسيسة على المثقف العراقي آنذاك، وبعد سقوط الصنم ودخول الثقافة في فضاءات الحرية، كان علينا أن نمسح سنوات العذاب والقهر بملامح ثقافة متجددة، وفعلا تمكنا من كتابة ونشر ما نريد حيث صدر لي سلسلة من المسرحيات الشعرية الحسينية التي كنت احلم بطبعها طيلة عقدين، فكنت اكتبها واركنها على الرف بانتظار نشرها، بيد ان هذا يعني أمور يعرف خطورتها الجميع، ونظرا للتداخل العجيب في الاوراق والاهداف والوسائل في المجالات الثقافية والسياسية وغيرها، دخلت الفوضى في هيكل الثقافة وتعدد الصراعات كما هو الحال في المجالات الاخرى، ومع اننا نبحث عن التعدد مع التباين، إلا أن الثقافة لم تقم بدورها المنشود لاسيما التابعة للارادة السياسية، ولهذا نطمح لاصلاح ثقافي يستند الى ارادة سياسية قوية تضع مصلحة الثقافة والمثقفين على قمة إهتماماتها كونها السبيل الأمثل بالنهوض بالبلد الى حقبة اكثر انتاجا وابداعا لاسيما في المجال الثقافي، فالتعاضد بين السياسي والثقافي اذا كان قائما على اسس صحيحة لابد أن يؤدي الى نتائج تتوافق مع تطلعات المثقفين.  

من جهته قال الناقد زهير الجبوري لـ (شبكة النبأ المعلوماتية): في ظل الاحداث التي نعيشها في الوقت الحالي، تنبثق امامنا الكثير من التساؤلات حول مستقبل البلد من الناحية السياسية والثقافية معاً، ذلك لأن الخطاب السسيولوجي الذي نعيشه، ينعكس وبشكل كبير على الراهن السياسي، ولأننا لم نلمس الشيء الكافي في خضم التحولات والصراعات الايديولوجية في الساحة العراقية بعد سقوط النظام البعثي، الاّ ان المثقف ظل كما هو يعيش في دوامة كفافه الميداني داخل بوتقته.. ان جلّ ما نتمناه هو ان يكون المثقف جزء حيوي وفاعل في المجتمع العراقي، وهو الشخصية الوحيدة التي تنظر الى المستقبل بشيء من التأمل والاسترخاء، فهل لمس منه الآخر/ السياسي ذلك؟.. فالراهن الثقافي يحتاج الى فتح في كل جوانبه مثلما هو منفتح الراهن السياسي، والمثقف هو الشخصية الوحيدة التي تعي اهمية التحولات..

ولعل الميزة التي يمكن ان يشعر بها المثقف العراقي بوجوده، هي توفير المستلزمات الضرورية لممارسة نشاطاته، لأن ذلك يفتح له نوافذ عدّة لتكريس الوعي في مجتمع مثل مجتمعنا، فالاصلاح الثقافي يتمحور في دراسة شخصية المثقف ذاته، او بالاحرى ما يقوم به من دور فاعل ومهم في الحياة عامة..

اما دور الاصلاح الثقافي في الحياة العراقية كافة، فإن هذا الدور على صلة وثيقة جدا بالقرار السياسي، واذا ما استقرت الثقافة واصبحت فاعلة فإن الجوانب الاخرى (الاقتصادية.. الاجتماعية.. التعليمية.. وغيرها). ستكون فاعلة ولها الدور المؤثر.. الذي نتمناه جميعاً ان لا ينحصر الحراك والتفاعل في جانب او مجال واحد من المجتمع، بل في الجوانب كافة ليتسنى لنا الوصول الى رفاهية لا تزال مرسومة في مخيلتنا.. ولعل المرحلة القادمة هي التي ستقرر ذلك بعد صناديق الاقتراع.

فيما قال القاص والروائي زيد الشهيد من ناحيته لـ (شبكة النبأ المعلوماتية): لا أحد ينكر دور الثقافة في رسم المسار الإنساني الناحي صوب آفاق البناء الأمثل للحياة البشرية، وليس غريباً أن تكون الثقافة عامل تهجس للذين لا يبغون سوى وجود ذاتي لهم ومصالح مادية محصورة بفئتهم.

الثقافة هوية..

لذا من يريد معرفة حياة أمة وتاريخها بكل تفاصيلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية عليه أن يعرف ثقافتها أولاً.. عُرِفت أثينا في عصور ما قبل الأديان  بهويتها الثقافية المرتكزة على العلم والفلسفة والسؤال الدائم: أين نحن؟ في حين كانت هوية إسبارطة الثقافية يمثلها السيف والقوة بعيداً عن الأسئلة. وشتَّان ما بين الاثنين..

اليوم العراق يتلقَّى الديمقراطية ويرحب بالتجربة الإنسانية في هذا المجال. الديمقراطية التي سطع إشعاعها الإنساني النيِّر في بلدان الشمال الأرضي فأرانا تجربةً لافتتُها الشعاريةُ المرفوعةُ تحملُ برامجَ إسعاد الإنسان ونيل حقوقه على الأرض. الحقوق التي تنهتك يومياً وتُهتك، ويُداس عليها بأعقاب الأجهزة السرية البوليسية في البلدان المحكومة بأنظمة شمولية دموية وثيوقراطية متعفنة وقومية شوفينية أدارت ظهرها للثقافة وراحت تنشر التخلف والجهل والأمية؛ تربي العنف الهمجي والأفكار الوحشية وتقود الشباب بدلاً من أن ينهلوا العلمَ والمعرفةَ ويتحلّوا بثقافةِ العصر إلى تشرّب الأفكار العدوانية والثقافةِ الميتة التي لن تحييها انهار الدماء التي يسعون إلى سفكها بسواطيرهم ومفخخاتهم وفتاواهم الظلامية..

الثقافةُ اليوم غذاءٌ وماءٌ، ومن لا يجد ولا يجتهد لنيلها وجعلها منهاجاً لحظوياً سيخسر الحاضر والمستقبل وسيبقى يوما ما يجتر ماضٍ لن يقدِّم له سوى وجباتِ  التقهقر والانكفاء والجمود..

دعوة نوجهها للسياسيين الذي صعدوا بغفلة من وعي الشعب: إيّاكم ووأد الثقافة.. إياكم ووضع النظارات السوداء على عيونكم ظنّاً منكم أن التاريخ نائم لا توقظه كلمات المثقفين وشفاه الثقافة.. فكل شيء سيكتب.. ومثلما دوِّنت وستدون صفحات الدكتاتورية السوداء فستدوَّن  أفعالكم ويكتب عنكم ما انتم فيه فاعلون الساعة.. إياكم وهتك عرض الثقافة فإن لها يوماً معكم لن تفيدكم دس رؤوسكم في رمال الندم.. اسألوا التجارب واستنطقوا المثقفين..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/نيسان/2010 - 6/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م