دور المرأة في تطوير العائلة والمجتمع

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: للمرأة مكانتها الكبيرة في المجتمع، وهذه المكانة تنبع من دورها المتفرد وأعمالها التي تكاد تكون عصية على الجنس الآخر إستنادا الى الطبيعة التي حباها الله تعالى بها، كقوة العاطفة والصبر على الصعاب وما شابه، لكن الشرط الذي يدعم هذا الدور ويؤكد صحته وقوته ويرسّخ مكانة المرأة ويطورها هو أهمية أن تعرف المرأة نفسها ووظيفتها في الحياة على نحو شامل.

بمعنى أكثر وضوحا، لا مكان للعشوائية في تحديد الأدوار والمقامات، فإذا أرادت المرأة أن تعظّم مكانتها في المجتمع، مطلوب منها أن تدرس نفسها أولا وتعرفها بصورة جيدة ثم تعرف طاقاتها وامكاناتها وسبل توظيفها بالطرق الصحيحة في خدمة المجتمع، وبهذه المعرفة التي لا مناص منها تستطيع المرأة أن تحقق ما تصبو إليه من دور ووظيفة كونها العنصر المهم الموازي للرجل في بناء المجتمع.

ويقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (المرأة والعائلة):

(هناك مطلبان: الأول أن تعرف المرأة نفسها، والثاني أن تعرف وظيفتها. أما بالنسبة للمطلب الأول، فإذا ما عرف الإنسان نفسه، فإنه سيؤدي وظيفته على نحو أحسن، أما إذا لم يعرفها جيداً، فإنه لا يستطيع أن يؤدي وظيفته، ففي الحديث: من عرف نفسه فقد عرف ربّه).

إذن ليس الامر محددا بالمرأة مع أهميته، بل على الانسان بوجه عام أن يعرف نفسه كي يحدد طبيعة الوظائف التي يمكن أن ينجزها على الوجه الأمثل، وهذا يقودنا الى الاهمية القصوى التي تتمثل بوجوب معرفة المرأة لنفسها وإمكانياتها، لأنها اذا جهلت ذلك سوف تجهل قدراتها وبالتالي تجهل طبيعة النشاطات والاعمال التي يمكن ان تقوم بها مشاركة منها في بناء مجتمع معاصر له القدرة على مجاراة مقومات الراهن بالطريقة المثلى.

وقد بيّن العلم الفسيولوجي بوضوح أن الطبيعية التكوينية (الجسمانية) للمرأة تحتم عليها طرازا معينا من الوظائف والاعمال، وبالتالي في ضوئها تتحدد أدوارها، لاسيما اذا تعلق الامر في المحيط العائلي، فالأم هي الراعية الاولى لاولادها وبناتها وهي الاكثر احتكاكا بهم وتواجدا معهم، لذا فإن أقوالها وأعمالها لها تأثير كبير ومباشر في تشكيل شخصيات أطفالها، كما أن الشحنات العاطفية التي تملأ البيت بها لايمكن أن تتحقق بغيرها، مما يضفي على الاجواء العائلية نمطا من المشاعر الانسانية الهادئة الرقيقة التي تتطلبها كل عائلة.

لذلك لا يجوز أن ننتهج العشوائية في تحديد أعمال ووظائف المرأة وطبيعة أدورها في العائلة وفي المجتمع عموما، حيث ورد في كتاب سماحة المرجع الشيرازي نفسه قولا بهذا الخصوص مفاده:

(قال الإمام علي سلام الله عليه: «المرأة ريحانة», هذه الكلمة لم يقلها الإمام سلام الله عليه للرجال فقط ليوصيهم بالنساء وحسب، وإنما أراد سلام الله عليه من خلالها أن يعبر عن واقع، ويثبت حقيقة يستدعي من المرأة نفسها أن تدرك ماهيتها).

 أي أنه من واجب المرأة أن تستكنه ذاتها وتعرف خصائصها، وليس هذه محصورا بالرجل او المجتمع عامة، بمعنى على المرأة أن تعرف بأنها (ريحانة) كما وصفها الامام علي (ع) واستنادا الى هذه الطبيعة ينبغي أن تتحدد ادوارها، فإذا تعلق الامر بالعائلة فإن دور (الريحانة) هو توفير الاجواء المناسبة للعائلة كي تعيش بأفضل طريقة ممكنة والتركيز على جانب بناء الشخصية لاعضاء العائلة الجدد وهم الابناء والبنات.

أما اذا تعلق الامر بالمجتمع على وجه عام فإن دور المرأة يجب أن يؤخذ من طبيعتها أيضا ويُرسم وفقا لمواصفات هذه الطبيعة التي تخص المرأة وحدها، كما أوصى بذلك الاسلام، وهو أمر يتعلق بالمحافظة على كرامتها وشخصيتها وعزتها ودورها الرئيس في بناء العائلة والمجتمع في آن واحد.

ولا تُحسَب مواصفات الرقة الموجودة في المرأة ضعفا او انتقاصا منها بل على العكس من ذلك إنما تكمن ملامح كمالها في طبيعتها الرقيقة، ويضرب سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد مثالا عن ذلك يقول فيه:

(الفرق بين الورد وغيره من الأشياء، يكمن في ضعفه، وهذا الضعف بعينه هو كمالُهُ؛ يعني لو وضعنا ـ مثلاً ـ قطعة من الحديد تحت أشعّة الشمس لعشر سنين، لم يحدث لها شيءً، ولكن لو جعلنا وردة تحت حرارة الشمس مدة خمس دقائق، ذبلت، فهل هذا ضعف في الورد أم كمال؟ هذا كمال).

وهكذا يدل هذا القول أن قوة المرأة تكمن في طبيعتها السمحاء الرقيقة التي تنسجم تماما مع دورها التربوي الكبير في المحيط العائلي والمجتمعي على نحو عام، وأن أي تفسير يذهب خلافا لذلك ليس له من الصحة نصيب، لذلك ينبغي أن يُدعَم هذا الدور التربوي الهام بالتخطيط.

بكلمة أوضح على المرأة أن تخطط للقيام بدورها الهام هذا، وأن لا تتركه للعشوائية أو اللامبالاة، وكلما كان التخطيط سليما في هذا الجانب تجيء النتائج كما هو متوقع لها، ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب بقوله:

(هناك أشخاص يعيشون من دون تخطيط، ويقولون أن كل ما يأتي فهو خير، ولكن الصحيح أن يخطط الإنسان لنفسه: أولاً: أن يخطط ويعزم السير على ما خطّط. ثانياً: والأهم من ذلك أن يعرف الهدف الذي يخطط له، فإنّ الهدف من الحياة ليس الأكل والنوم والسفر وما شابه).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/نيسان/2010 - 2/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م