
شبكة النبأ: تشهد العلاقات الأمريكية
ـ الإسرائيلية، التي تنوعت المصطلحات في توصيفها، حالة من التوتر مع
تولي الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" سدة الحكم في الولايات المتحدة،
ووصول حكومة يمينية بقيادة "بنيامين نيتياهو" في إسرائيل، واختلاف
الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية حول عديد من القضايا، يأتي في
مقدمتها قضية المستوطنات الإسرائيلية، والموقف من البرنامج النووي
الإيراني.
وقد أخذ منحنى التوتر في العلاقات شكلاً تصاعديًّا مع إعلان الحكومة
الإسرائيلية عن بناء 1600 مستوطنة في القدس تزامنًا مع زيارة نائب
الرئيس "جوزيف بايدن" لإسرائيل مؤخرًا. وهو القرار الذي رأت فيه وزيرة
الخارجية الأمريكية أنه لا يُعبر عن احترام إسرائيلي للرئيس الأمريكي
ونائبه.
وعلى ضوء هذا التوتر في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، الذي
يأتي مع انعقاد المؤتمر السنوي لأكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي داخل
واشنطن "إيباك" مؤخرا، استقصى مجلس العلاقات الخارجية رأي عدد من
خبرائه حول أسباب التوتر في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية على إثر
القرار الأمريكي ببناء مستوطنات جديدة في القدس متحدية الرغبة
الأمريكية في وقف النشاط الاستيطاني الذي يُؤثر على محادثات السلام
الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي وضعتها الإدارة الأمريكية على قمة
أجندتها منذ اليوم الأول لها في البيت الأبيض. بحسب موقع تقرير واشنطن.
وهؤلاء الخبراء هم: إليوت أبرامز الذي رأي أن المطالب الأمريكية
بتجميد النشاط الاستيطاني تهدد الائتلاف الحكومي الإسرائيلي وتضعه في
موقف صعب داخل الشارع الإسرائيلي. في حين رأي سيفن كوك أن هذا التوتر
أظهر الاختلاف الإسرائيلي والأمريكي حول حل الدولتين.
ومن جانبهما رأى كل من ليسي جليب ودانيل سينور أن الإعلان
الإسرائيلي عن بناء مستوطنات جديد يقوض من فرص واشنطن في منطقة الشرق
وعملية السلام وأنه يصرف النظر عن التهديد الحقيقي ـ من وجهة نظر كثير
من الغرب والأمريكيين ـ في المنطقة والمتمثل في إيران ومساعيها إلى
امتلاك تكنولوجيا نووية غير سلمية. وأخيرًا رأي سيفن سيمون أن المشروع
الاستيطاني الإسرائيلي الذي أعلن عنه مؤخرًا يجعل الفلسطينيين يفقدون
الأمل والإيمان بحل الدولتين كحل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
انتقادات معرقلة
يري إليوت أبرامز أن هناك اختلافًا بين واشنطن وتل أبيب حول قضية
المستوطنات منذ عقود، ولكن هذا الاختلاف لم يصل إلى حد الأزمة التي
يترتب عليها قطيعة في العلاقات بين البلدين. فيشير إلى أنه خلال إدارة
الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش تم التوصل إلى اتفاق مفاده أن
الولايات المتحدة لا تعترض على الإنشاءات داخل المستوطنات القائمة
طالما أنها لا تتوسع خارجها. ويرى أن المشكلة بين إدارة أوباما
والحكومة الإسرائيلية ليست متعلقة بقضية المستوطنات ولكن حول البناء في
القدس.
وينتقد أبرامز القريب من الأوساط الإسرائيلية وأحد أقطاب المحافظين
الجدد في إدارة بوش الابن إدارة أوباما لانتقاداتها لإسرائيل ويقول إن
أحد أخطاء الإدارة الأمريكية الحالية يتمثل في الربط بين البدء في
المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وتجميد النشاط
الاستيطاني الإسرائيلي. فيقول إنه كانت هناك مفاوضات وجهًا لوجه بين
الإسرائيليين والفلسطينيين خلال السنوات الماضية في وقت كانت إسرائيل
تقوم ببناء مستوطنات في القدس، ولذا فيرى أبرامز أن طلب أوباما بتجميد
المستوطنات طلب جديد ومعرقل جديد لعملية السلام.
ويخلص أبرامز في نهاية تعليقه على القضية إلى أن الانقسام في الرؤى
الإسرائيلية والأمريكية والتوتر في العلاقات راجع بالأساس إلى فرض
إدارة أوباما مطالب جديدة على حليفتها إسرائيل، وأن تلك المطالب
الجديدة قد تزعزع استقرار الائتلاف الحاكم في إسرائيل، ويرى أن كل هذا
ليس في صالح إسرائيل، الحليف الاستراتيجي لواشنطن بالمنطقة.
المستوطنات
يري ستيفن كوك أن الانقسام الأمريكي الإسرائيلي حول قضية المستوطنات
ليس بالشيء الجديد، فيتحدث عن اختلاف مقاربات الرؤساء الأمريكيين في
التعامل مع تلك القضية والتي تتنوع ما بين الانتقاد المباشر لـ"بوش
الأب" وأوباما حاليًّا، والنهج الدبلوماسي الذي تبناه الرئيسين "بيل
كلينتون" وبوش الابن حيث وصفا المستوطنات على أنها "مشكلة" و"عامل معقد".
ومن وجهة نظر كوك أنه بقطع النظر عن الطريقة التي اختارتها رؤساء
أمريكا للتعامل مع قضية المستوطنات إلا أن دعم واشنطن لحل الدوليتين
كحل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يضعها في صراع مباشر مع إسرائيل.
ويشير إلى تنوع مبررات الحكومات الإسرائيلية المختلفة على مر السنين
للمستوطنات ما بيَّن أنها من أجل الأمن القومي الإسرائيلي أو أنها حق
أصيل للإسرائيليين ويهود العالم للعيش في وطنهم الذي تحدث عنه الكتاب
المقدس. وهذان الموفقان متعارضان يصعب التوفيق بينهما من وجهة نظر كوك.
ويخلص كوك في نهاية حديثه إلى أن استمرار البناء في القدس والضفة
الغربية يقوض من الجهود الدبلوماسية الأمريكية واقتراب تحقيق الاستقرار
في المنطقة، ناهيك عن العصف بحل الدوليتين حيث إنه مع استمرار بناء
المستوطنات على الأراضي الفلسطينية يصعب التوصل إلى تقسيم الأراضي حسب
رغبات ومطالب السياسيين الفلسطينيين والإسرائيليين. فيقول إن ما بين
ثلاثة إلى خمسة آلاف إسرائيلي يعيشون في المناطق المتنازع عليها.
رؤية انهزامية
يري ليسي جليب أن الهدف من الإعلان الإسرائيلي عن بناء 1600 مستوطنة
إسرائيلية في شرق القدس مع زيارة نائب الرئيس إلى إسرائيل هو إجبار
الرئيس الأمريكي عن إرجاء المفاوضات التي تركز عليها الإدارة الأمريكية
منذ يومها الأول في البيت الأبيض. ويرى جليب أن الإسرائيليين مخطئون في
رؤيتهم تلك، ويذهب جليب إلى أن تلك الرؤية انهزامية، غبية وخطرة. ويشير
إلى أن مثل تلك التحركات الإسرائيلية تضعف القوة الأمريكية في منطقة
الشرق الأوسط، وعلى قدرة واشنطن على التعامل مع الطموح النووي الإيراني
التي يهدد التفوق النوعي الإسرائيلي بالمنطقة لأن تلك التصرفات تظهر
ضعف أوباما وإدارته، ومن شأن تلك التصرفات حسبما ذهب كثيرون تدعم
المساعي الإيرانية لتحدي الولايات المتحدة وعدم الانصياع إلى مطالب
المجتمع الدولي.
ويخلص إلى أن التصرفات الإسرائيلية تقوض من فرضية أن الولايات
المتحدة هي الدول الوحيدة الأكثر قدرة على تحقيق سلام بين الإسرائيليين
والفلسطينيين، ومن شأن تلك التصرفات الإسرائيلية ـ أيضًا حسب جليب ـ
تبديد أية فرص عربية للتحرك قدمًا من أجل عملية السلام.
وينتقد جليب اقتناع القادة الإسرائيليين بمدى صلابة موقفهم السياسي
داخل العاصمة الأمريكية والذي يجعلهم غير قلقين من فقدانهم للدعم
الأمريكي، فيقول لهم لا يجب أن يكون ذلك مدعاة للتفاؤل. ويضيف "إننا
نعيش في أوقات محفوفة بالمخاطر، المشاكل الاقتصادية في الداخل ستؤدي
إلى صبر أقل لتقبل توبيخ من الخارج".
وفي نهاية مداخلته دعا جليب إلى ضرورة تحرك الطرفين بسرعة لتجنب
مزيد من التصعيد، فيدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى وقف تنفيذ قراراته
التي تؤدي إلى توتير العلاقات بين إسرائيل والولايات والمتحدة. وينهي
بالقول إن على الإسرائيليين فهم حقيقة واقعية أساسية مفادها أن القوة
الأمريكية هي التي تعطي للدول اليهودية حق البقاء الواقعي من دون حرب
مستمرة.
المصلحة الأمريكية
يرى سينور أن القرار الإسرائيلي ببناء مستوطنات في القدس خطوة
دبلوماسية إسرائيلية خطأ غير محسوبة نتائجها. ولكنه يرى أن إدانة
الإدارة الأمريكية لقرار الإسرائيلي ببناء مستوطنات جديد أكثر خطأ،
ويرى أن المشكلة لا تكمن في الاختلاف حول القضية التي سينتهي، بل في
سوء الفهم للرد الفعل الأمريكي.
ويرى سينور أن الإدانة الأمريكية للموقف الإسرائيلي الذي كان على
شاكلة الإدانات الأمريكية لدول غير حليفة للولايات المتحدة، والتي تهدد
المصلحة الأمريكية مثل إيران وكوريا الشمالية وتلك الدول التي لا تحترم
حقوق الإنسان دفع جامعة الدول العربية إلى الإعلان عن تفكيرها في دعمها
لمحادثات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
ويشير سينور إلى حقيقة أن عزل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها عن
إسرائيل وسياساتها التي ينظر إليها على أنها تضر بالمصلحة الأمريكية في
المنطقة لن يجعل واشنطن تكسب مزيدًا من الدعم والتأييد داخل الأقطار
العربية، ولكنه يقول: إن العكس هو الذي سيحدث. فيرى سينور أن هذا سيدفع
العالم العربي للتخلي عن عميلة السلام وعن إسرائيل.
ويشير إلى أن الضرر ضد المصلحة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لن
ينتهي بعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، فعملية السلام لن تنهي
إيران عن مساعيها لامتلاك سلاح نووي، لذلك فإنه يدعو إلى أهمية التركيز
على المساعي الإيرانية لامتلاك تكنولوجيا نووية وإلى دعم الشعب
الإيراني لتحدي نظام الملالي الإيراني.
ويرى أنه إذا أراد الرئيس الأمريكي تحقيق تقدم في المنطقة فإنه لا
يجب عليه الدخول في تحدٍ جديد مع إسرائيل، وأنه في حال دخول واشنطن في
صراع وتوتر في المنطقة فإن هذا سيصرف النظر عن التهديد الحقيقي المتمثل
في إيران ومساعيها لامتلاك تكنولوجيا نووية تهدد المصلحة الأمريكية في
المنطقة.
أوباما كمرشح رئاسي مختلف عنه كرئيس
من جانبه يرى ستفين سيمون أن التوتر في العلاقات بين الولايات
المتحدة وإسرائيل فيما يخص قضية المستوطنات راجع إلى إداراك البيت
الأبيض أن التصرف الإسرائيلي يقوض من فرص حل الدولتين بين الفلسطينيين
الذين لا يرون أي مؤشر على تخلي تل أبيب عن بعض أجزاء من الضفة الغربية.
ومن هذا المنطق لا يعد تجميد المستوطنات مؤشرًا على بناء الثقة بين
الطرفين والاستمرار في بنائها لن يساعد الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"
في مواجهة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإضعاف قواها داخل الأراضي
الفلسطينية لاسيما في قطاع غزة الذي تسيطر عليه منذ منتصف عام 2007.
يرى سيمون أن هذا التوتر ليس وليد اليوم، فهذا التوتر ناتج عن إخفاق
البيت الأبيض في الحصول على تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي "نيتياهو"
منذ العام الماضي على تجميد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، ويشير إلى
الإخفاق الأمريكي في تهيئة البيئة الدبلوماسية، وإلى حيرة الإسرائيليين
من مطالب الرئيس أوباما التي تختلف كثيرًا ـ من وجه نظرهم ـ عن
التعهدات التي أخذها أوباما على نفسه أثناء احتدام المنافسة الانتخابية
على موقع الرئيس في النصف الثاني من عام 2008.
وفي نهاية مداخلته يقول إن حل قضية المستوطنات لن يعني حل الصراع
الفلسطيني ـ الإسرائيلي حيث هناك جملة من المشكلات والقضايا معقدة لا
تقل أهمية عن قضية المستوطنات، تأتي في مقدمتها قضية اللاجئين ومكانة
القدس كموقع مقدس والخلاف على الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية
المزمع إنشاؤها. وهي قضايا من شأنها جعل التوصل إلى حل للصراع
الفلسطيني ـ الإسرائيلي في المدى القريب أمرًا صعبَ التحقق.
إحياء عملية السلام
وفي إطار الجهود التي تبذل من أجل إحياء عملية السلام في الشرق
الأوسط ناقشت لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي جلسة
استماع بشأن السلام في الشرق الأوسط، وذلك بتاريخ 4 مارس 2010 برئاسة
جون كيري وبشهادة كل من :ـــ ديك لوجار عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن
ولاية إنديانا، دكتور. زياد العسلي رئيس مركز العمل من أجل فلسطين
الأمريكي، ديفيد ماكوفسكي زيجلر مدير مشروع عملية السلام في الشرق
الأوسط بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، السفير المتقاعد دانيل
كيرتزر سفير أمريكيا السابق لدى مصر وإسرائيل، و د .روبرت مايللي مدير
برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية.
وتأتي هذه الجلسة بعد يوم واحد من إعلان وزراء الخارجية العرب
تأيديهم لعملية السلام في الشرق الأوسط وذلك في إطار اجتماعهم الدوري
رقم 133 على مستوى وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية .وقد
أكدت شهاداتهم على عدد من المحاور الرئيسية فيما أكد د.زياد العسلي على
عدد من المطالب التي يجب توفيرها من أجل إعادة إعمار غزة وبناء الدولة
الفلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
التحديات
تواصل الولايات المتحدة دعمها لعملية السلام في الشرق الأوسط عن
طريق تدعيم التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين للوصول إلى اتفاق
سلام من شأنه أن يعالج الشواغل الأمنية لإسرائيل وتلبية تطلعات ومطالب
الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية. ومنذ يومه الثاني في منصبه
عين الرئيس أوباما جورج ميتشل، مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط،
وقد قام بالعديد من المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لكن هذه
المحادثات قد تم تعليقها في أعقاب القتال في غزة.
وهذا ما شكل خيبة أمل كبيرة بشأن ما يمكن أن نصفه بالنتائج الهزيلة
للدبلوماسية الأميركية في محاولة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط،
وذلك على الرغم من موقف وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون بقوة و
إصرارا على ضرورة تجميد المستوطنات الإسرائيلية و ضرورة تسوية نشاط
البناء الذي لم يتوقف ولو ليوم واحد في الضفة الغربية أو القدس الشرقية.
ويعد هذا تغييرا مفاجئا في الدبلوماسية الأمريكية، وقد حاولت
الولايات المتحدة انتزاع إجراءات لبناء الثقة من العرب، ولاسيما للحصول
على موافقة المملكة العربية السعودية لتحليق الطائرات المدنية
الإسرائيلية في أجوائها لكن فشلت هذه المحاولة.
ومع ذلك فإن مبادرة السلام العربية المستوحاة من بيان السياسة
العربية والتي تعرض السلام والأمن والاعتراف لإسرائيل في مقابل انسحاب
إسرائيل من الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وإنشاء دولة فلسطينية
عاصمتها القدس والتوصل إلى حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
لا ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها أساسا للمفاوضات وليس من الضروري أن
يتم اعتمادهم رسميا من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل – ولكنها تمثل
تقدما كبيرا في التفكير العربي. وفي وقت سابق فقد رتبت الإدارة
الأمريكية على عجل اجتماعا ثلاثيا في نيويورك في سبتمبر الماضي مع
نتنياهو وعباس، والتي ظهر فيها عباس بأنه خالي الوفاض.
ومنذ ذلك الحين فإن الإدارة لم تحاول ترتيب المحادثات غير المباشرة
على أساس الاختصاصات العامة. وأصبحت فكرة المحادثات غير المباشرة مخيبة
للآمال وأمر غريب وذلك بعد عشرين عاما من مواجهات وجها لوجه في
المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
وقد أفادت التصريحات التي أدلت بها كلينتون أن الولايات المتحدة
الأمريكية تسعى إلى إنهاء الصراع وذلك وفقاً للرؤيتين الفلسطينية
والإسرائيلية والقائمة على : الرؤية الفلسطينية تقوم على إنشاء دولة
فلسطينية قابلة للحياة على أساس حدود 1967 مع مبادلات متفق عليها،
والرؤية الإسرائيلية متمثلة في دولة يهودية ذات حدود آمنة ومعترف بها
والتي تعكس التطورات اللاحقة، وتلبية الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية.
وقد أعلنت كلينتون في الأمم المتحدة بأننا نتطلع لتحقيق تطلعات كل
من الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل القدس، والحفاظ على مكانتها
باعتبارها رمزا للديانات الثلاث الكبرى لجميع الناس، وهناك سياسة
وإستراتيجية واضحة بالنسبة للولايات المتحدة لمواجهة التحديات المقبلة،
فيجب على الولايات المتحدة انتهاج سياسة سليمة وتلتزم بمبدأ
الدبلوماسية المستمرة وإتباع إجراءات بناء الثقة بين أطراف عملية
السلام.
الاستراتيجية الأمريكية
يجب على الولايات المتحدة توضيح وجهات نظره بشأن شكل ومضمون أي
تسوية سلام نهائية فلا يجب أن تكون سياستها مفاجأة لأحد، وكثير من
وجهات النظر في واقع الأمر ستعكس مواقف الأطراف أنفسهم و هذه المواقف
الأمريكية من شأنها أن تشكل الأساس الجوهري للشروط المرجعية القوية.
فمثلا ستحتفظ إسرائيل بعدد محدود من المستوطنات في الكتل الاستيطانية
الرئيسية (بما يتفق مع رسالة الرئيس بوش في عام 2004 إلى رئيس الوزراء
الإسرائيلي شارون) ومبادلة أراضي على قدم المساواة تتفق مع حجم
الفلسطينيين بطريقة تضمن التواصل الجغرافي وقابليتها للبقاء كدولة
فلسطينية .
وسوف يتم ترسيم حدود لتعكس هذه التعديلات الطفيفة في المحيط
الإقليمي،على نحو ما من شأنه أيضا أن يحسن الأمن وقابلية الدفاع عن
إسرائيل وفلسطين. وجميع المستوطنات الإسرائيلية والمستوطنين والجيش
الإسرائيلي سيتم إجلاؤهم من المنطقة المتفق عليها والتي تشكل دولة
فلسطين بما يتفق مع جدول زمني وغيرها من أحكام اتفاق نهائي. وفي القدس،
خارج أسوار المدينة القديمة، سيتم تقسيم المدينة على طول خطوط
ديموغرافية من شأنها أن تؤدي إلى عاصمتين لدولتين.
وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين فلن يسمح لهم بحق العودة إلى الدولة
الفلسطينية الجديدة، بما يتسق مع قوانين تلك الدولة، وإسرائيل ستتخذ
قرارا بشأن عدد من اللاجئين سوف يتم السماح لهم للانتقال إلى إسرائيل
في إطار لم شمل الأسرة، أو الاعتبارات الإنسانية المشقة وسيعمل
الجانبان على إنشاء لجنة مطالبات للتوصل إلى اتفاق بشأن تعويضات
للاجئين التي نتجت عن حالة الصراع، وكذلك سيتعين على الجانبين دراسة
إنشاء لجنة خاصة هدفها مناقشة المظالم التاريخية بين الشعبين.
وعلى المجتمع الدولي أن ينشئ صندوقا لمساعدة الأطراف على التعامل مع
هذه المطالبات. أما بالنسبة إلى المفاوضات فينبغي أن تعطى الأولوية
للشواغل الأمنية والتدابير التي تلبي احتياجات كلا الجانبين، وسينبغي
على الأطراف أن تنظر إلى مجموعة من الآليات المتاحة لمساعدة هذه
العملية، بما في ذلك تدعيم قوات حفظ سلام دولية أو متعددة الأطراف،
ومراقبين دوليين وكذلك التعاون في مجال الاستخبارات، وآليات الاتصال،
وما شابه ذلك.
هذه المواقف وغيرها التي تقررها الإدارة الأمريكية من شأنها أن تشكل
رؤية الولايات المتحدة بشأن التوصل إلى تسوية نهائية للسلام
وبعد أن قررت الإدارة رؤيتها لعملية السلام، ينبغي لها أن تضع
استراتيجية لمحاولة تحقيق رؤيتها للسلام. هذه الاستراتيجية يجب أن تكون
متعددة الأبعاد، ودبلوماسيه وينبغي أن تدمج في الجزء العملي للاختصاصات،
وتكون كالتالي:-
أولا: الولايات المتحدة يجب أن تحدد على جدول أعمال المفاوضات
الموضوعية والمستدامة نتائج المفاوضات السابقة، والتي ستكون نقطة
انطلاق للمفاوضات والقنوات القادمة حول الاتفاقات الممكنة وهذا من شأنه
أن يشكل الإطاري التفاوضي لإطلاق المفاوضات من حيث توقفت مثل:
أ. على الولايات المتحدة أن تنظر في بدء المفاوضات بشأن الحدود،
وعندما يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود فهذا من شأنه أن الإطار
الحاسم للعديد من القضايا الأخرى.
ب. و إذا قررت الولايات المتحدة أن يكون النهج الأول هو الحدود،
فإنه يجب عليها أن تحدد المبادئ التالية لدعم المفاوضات: فهناك حدود /
اتفاق أراضي ينبغي أن تعكس ما يعادل 100 في المائة من الأراضي المحتلة
في عام 1967، ينبغي أن تكون هناك مقايضة أراض متساوية في الحجم
والنوعية على أساس نسبة 1:1.
ينبغي أن يكون هناك تقاسم منصف في تخصيص الموارد المشتركة (الماء،
والمعادن، الخ)، المفاوضات بشأن الأراضي ينبغي أن تركز على تعريف ضيق
للكتل الاستيطانية التي تنطوي على أكبر تجمع للمستوطنين، و يجب أيضا أن
تتجنب قدر الإمكان المستوطنات التي قد تؤثر على الحياة اليومية
للفلسطينيين، وينبغي أن تكفل وجود تواصل جغرافي واستمرارية للدولة
الفلسطينية، ويجب أن لا تشمل مبادلات السكان، كذلك فإن حدود المفاوضات
الأولى سوف تحتاج إلى أن تستكمل المفاوضات المتزامنة لتحديد الوضع
النهائي بشأن القدس.
ثانيا: طوال عملية المفاوضات، فإن الولايات المتحدة بحاجة لاتخاذ
قرار بشأن دورها في التدخل من أجل تضييق الفجوات والخلافات بين أطراف
عملية السلام.
ثالثا: يجب على الولايات المتحدة وغيرها من المجتمع الدولي أن
تتعاون معا من أجل بناء الهياكل الإقليمية والدولية، ودعم شبكات الأمان
لتدعيم عملية السلام في المنطقة، فينبغي تشجيع العرب لتفعيل مبادرة
السلام العربية، لتحويلها من نتائج مفاوضات ناجحة إلى عامل محفز لآلية
للدعم خلال المفاوضات، ويجب أيضا على الولايات المتحدة العمل أن تعمل
عن كثب مع المبعوثين الخاصين والعديد من العناصر الدولية المهتمة في
دعم المفاوضات، وذلك للحد من الازدواجية في الجهد وتعظيم الفوائد التي
تعود على الطرفين نفسيهما.
رابعا: يتعين على الولايات المتحدة إحياء وإعادة هيكلة المناقشات
المتعددة الأطراف بشأن قضايا مثل التنمية الاقتصادية، والبنية الأساسية
الإقليمية والصحة والمياه والبيئة والأمن ومراقبة الأسلحة، وما شابه
ذلك. هذه المناقشات ينبغي أن تكون قوية بقيادة الكراسي، وإشراك الأطراف
الإقليمية في المقام الأول.
خامسا: الدولة الفلسطينية وأنشطة بناءها تحتاج إلى التشجيع والتعجيل
بها، وذلك عن طريق تفعيل خطة الإصلاح التي يقوم بها رئيس الوزراء
الفلسطيني سلام فياض وهي خطة العام حتى تكون كأساس للولايات المتحدة
وآخرين نحو زيادة الموارد الموجهة لبناء القدرات الأمنية الفلسطينية،
وعلى إسرائيل أن تتخذ الخطوات اللازمة لتسهيل هذه الجهود.
سادسا: الدبلوماسية الأميركية ينبغي أن تسعى إلى وقف كامل للنشاط
الاستيطاني الإسرائيلي، واتخاذ إجراءات مطردة ضد البنية التحتية
الإرهابية والتحريضية. وعلى الإدارة الأمريكية والكونجرس أن يتوصل إلى
تفاهم على مجموعة من العقوبات والتي ينبغي اتخاذها ضد أحد الطرفين أو
كليهما باعتباره يتعارض مع دعم عملية السلام.
هذه الرؤية وهذه الاستراتيجية سوف تضع سياسة الإدارة على أسس قوية،
فهي ليست ضمانا للنجاح، ولكنها ستكون دعامة للطرفين الإسرائيلي
والفلسطيني إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، كما يجب أن تنخرط الإدارة
الأمريكية في الفترة المقبلة في العديد من القضايا المتصلة بالسياق
والتي ستحتاج إلى معالجة، فبعض المحللين يعتقدون أن على الولايات
المتحدة أن تشارك حماس في المفاوضات وبالتالي مساعدة الفلسطينيين على
تحقيق المصالحة السياسية، وستكون خلفية نجاح المفاوضات بين إسرائيل
والسلطة الفلسطينية هو ما سيجعل حماس لا تستطيع أن تعرقل جهود نجاح
عملية السلام وبالتالي ستتخلى عن أيديولوجيتها الرافضة للسلام والتفاوض
مع إسرائيل وسيجعلها في موقف الدفاع عن آرائها أمام الجمهور الفلسطيني
وأمام الرأي العام العالمي.
وأخيرا على الولايات المتحدة أن تحسن علاقاتها بإسرائيل والتي توترت
خلال السنة الماضية، والحاجة إلى القيام بعمل أفضل من التحدث إلى الشعب
الإسرائيلي، فنحن بحاجة لشرح السياسات الأمريكية على نحو أفضل، ونحن
بحاجة إلى إعطاء الإسرائيليين فرصة لرؤية كيف يفكر القادة الأمريكيون ،
وكذلك فإن الإسرائيليون يحتاجون إلى الشعور بالثقة بأن الأميركيين لن
يقفوا ضد ضمان سلامة ورفاهية إسرائيل . و أن أوباما ليس صديقا
لإسرائيل. فهو من المؤيدين لفكرة السلام و تحسين الحوار والاتصالات بين
أطراف عملية السلام، للوصول إلى النتائج العملية التي تخدم مصالح الشعب
الإسرائيلي والفلسطيني. |