تصريحات الذيول الدموية

احمد الشيتي

لم تعد صورة المشهد السياسي العراقي المقبل قاتمة إلى حد بعيد, فقد بدأت خلال الأيام القليلة المنصرمة بروز النوايا السياسية والاقتراب السلحفاتي الحذر بين الإطراف السياسية والهدف من الاقترابات و الحوارات هذه ليس لتشكيل حكومة وطنية سواء كانت مبينة على الشراكة الوطنية أو على الاستحقاق الانتخابي وحسب, بل ذهب السياسيون مذهبا آخرا فالكتل (الكردستانية, دولة القانون, الائتلاف الشيعي) يحاولون إنزال الآخرين من على خط السير بعد أن تخلى من يقف في الجانب الآخر ((العراقية)) عن حزام الأمان وهو يقود عجلته السياسية دون أن يأبه على من سيعول في تشكيل حكومة الغد.

 تشاطر الأصوات كما هو معلوم بين أربعة كتل سياسية((كردستانية ودولة قانون وائتلاف شيعي وتيار علماني يتصدر الجميع بعدد الأصوات بزعامة د. علاوي لكن يداه خالية الوفاض من تحالفات رصينة مع الكتل الثلاثة التي لم تنزع اللباس العقائدي والقومي بعد.

 قراءة المشهد الآني لا يختلف عليه اثنان يحملان لب سليم البتة, فلقاء عمار الحكيم مع القيادي الكردي كوسرت رسول لم تكن للإسراع بتشكيل الحكومة بحسب بيان صدر من مكتب الحكيم وإنما لمباركة شيعية لولاية ثانية لطالباني وركن من يحاول إعادة تجذير فكر ما، لا يعد مقبولا للاستهلاك السياسي الشيعي _الكردي اليوم، سيفاجئ البعض ويقول أصوات الكتلة الكردستانية اقل بكثير من الائتلاف الشيعي وهنا الإجابة توضع على طاولة التساؤل: بلى أنت محق، ولكن حلفاء الأمس لا يختلفون على شراكة اليوم والمهم هو إسقاط من لوح برئاسة جمهورية يعتليها رئيس عربي.

 فالاقتراب الثنائي بعد انتهاء ولاية الحكومة بين طالباني وعبد المهدي أمر بات يبعث بإشارات قوية بشان الدعم الشيعي لرئاسة كردية وهذا الدليل أيضا: عادل عبد المهدي في لقائه الأخير مع طالباني يصرح: أن طالباني هو"المرشح الأكثر حظاً والأكثر تأييداً من القوى العراقية لاستلام منصب رئيس الجمهورية أما طلباني فلا بد له من إجابة من هذه التصريحات وعدم نكران شراكة الأمس حيث قال لا بقاء للذيول الدموية بعد اليوم وسنرسي مفهوم "الديمقراطية" على ركام وأنقاض دكتاتورية الماضي: والدليل الأخر من الائتلاف الشيعي أيضا بعد الجولة المكوكية التي قام بها عبد المهدي لدول جوار العراق شملت الإمارات والكويت والأردن وسوريا وتركيا نقل له تحيات الرؤساء الذين تباحث معهم عبد المهدي بشأن دعم الوضع العراقي الجديد وكأنما هي بصمة التأييد بان الرئاسة ستبقى لطلباني وان المياه لن تجف من مجاريها إطلاقا, وكان الحكومة لم تنتهي ولايتها بعد وان عادل عبد المهدي مازال نائبا وطالباني رئيسا.

 أما الدليل العلماني الآخر فهو من "الكتلة العراقية" صاحبة الأصوات والإخفاقات في نفس الوقت بشأن لملمة الموقف لحسابها وهو تصريح د. علاوي عندما أكد انه لا يعارض استمرارية ولاية طالباني لأربع سنوات مقبلة لما في طالباني من توافق وطني بحسب تعبيره، متناسيا أن هنالك من في كتلته يصبو لهذا المنصب بحسب تصريحات تناولت الرئاسة وحق العرب فيها، من سيعترض إذن على طالباني؟؟ هل سيعترضون الكرد!! وهم من قدموه وحملوه على هذه المهمة.

دليل إضافي ينتزع بتصريح آخر من دولة القانون التي يتزعمها المالكي على لسان احد قيادي دولة القانون وهو وليد الحلي الذي المح إلى أن الائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني مازالا الأقرب إليهم.

يبدو أن دولة القانون لا تريد وضع كتلة علاوي جانبا في المناورة ولم تكتفي بدعم طالباني في ذات الوقت, حيث أشار عدنان السراج من كتلة المالكي إلى أن ائتلاف دولة القانون سيعرض في مؤتمر صحفي مئات الوثائق والأدلة الدامغة بالصور لعمليات تزوير في الانتخابات الأخيرة،حيث يتجلى الدليل بصورة أوضح هنا, دولة القانون لا تعترض على طلباني لكنها تريد قطع الطريق أيضا أمام العراقية كي تكتمل ((رواية التواد والتلاحم في الموقف)) بين الجناحين الشيعيين والتحالف الكردي.

كيف سيعوم علاوي وأي الزوارق سيختار؟

سؤال ليس صعب وإجابته أسهل من طرحه، فإذا خسر علاوي ود الكتل الثلاثة (الشيعيتين والكردية) فان جناح أصواته التي حصل عليها لن يمتد لتمكينه من التحليق فوق كرسي الوزارة ((رئاسة الوزراء)) فأمام علاوي أكثر من مناورة الأولى على سبيل الذكر لا الحصر: قد يقتطع جزء يسير من الأصوات التي تقبع تحت لواء "العراقية" لكسب الكثير من الأصوات والتأييد وبذلك يتسلم الوزارة و يُنهي شبح الرئاسة العربية ((كقربان ترضية)) ويبقى العلمانيون الأصليون الأقرب إلى ارض الرضا.

 أو قد تكون ((المناورة الثانية)) يساوم الآخرين بما يلي: الحصول على الوزارة وتشكيل الحكومة تحت مبدأ العراقية لا تريد المزيد من المناصب, و تكتفي بمنصب واحد فقط والباقي قسمة ضيزى أو عادلة لا يهم المهم هو الاستحواذ على رئاسة الوزراء وبذلك يتحقق لهم الخلاص من المناوئين للشيعيتين والكرد ويكسب حجر القدح لإيقاد شعلة الحكومة بيده.

أما ما سيسقط من قبضة علاوي من الأصوات لن يؤثر بديهيا إلى حد كبير عليه فبانتهاء المدة القانونية بعد تكليف رئيس الجمهورية له بتشكيل الحكومة "شهر واحد" سيدفعه إلى كل الخيارات الحلوة والمرة والأخذ بدراستها سريعا دون مزيد من التعقيدات لان الوقت يبرق في المسير ولا ينتظر في محطة احد إطلاقا.

التصدعات داخل الكيانات السياسية ؟

 قد تحدث هذه التصدعات في جدران التحالفات والكتل السياسية وتكون بمثابة الثلم البسيط في نصل السيف والذي لا تخرج سيف المبارز السياسي من حلبة المقارعة فإذا أُسقط من العراقية وجوه سياسية شاطرت علاوي الفوز فانه لن يخسر كسب أصوات أخرى تأتيه بإغداق بعد أن يناور ويبعد حلفائه الذين يقعون ضمن قوس الرفض ((الشيعي الكردي)) بمناورة مبنية على أساس المصالح واختصار المسافات, ولان رئاسة الوزراء كما هو معروف غنيمة وعطاء لا يرد وكما قيل قديما إذا جاءك السيل الجارف ضع ابنك أمامك كي يلقى حتفه قبلك لتؤخر نفسك عن الكارثة قليلا عسى أن تجد لنفسك فرصة خلاص موضوعة في جعبة القدر هكذا التعامل مع قرابة الدم وأواصر الرحم فكيف التعامل مع قرابة النخب السياسية!!.

فالقريب من الحراك السياسي هذا يعرف معنى ((الكثب)) بعين مجردة ولا يهتم كثيرا لتصريحات سابقة تفضي إلى هذه الكلمات: الكتلة جزء لا يتجزأ... وان هذا الائتلاف كتلة واحدة لا تتآكل.... وان ذاك التحالف نبض واحد لا يقرع في الصدر إلا مرة واحدة.... وإننا لا نشارك في حكومة لم تشارك العراقية فيها بحسب تصريحات الحكيم الأخيرة، كل هذا معذرة ((حشو كلام)) في مسامع المتلقي العراقي الذي حفظ حركة شفاه المذيع في نشرة الأخبار قبل أن يقول ما لديه من خبر و لان المصالح تكتب على السياسي أن يصافح الشيطان من اجل كسب الوجاهة و السلطان. فكل شيء جائز في السياسة العراقية الحديثة والغريبة في ذات الوقت.

وبهذا فان الإسقاطات المستقبلية تخبرنا أن من خرج من إطار ((مصافحة المكاسب)) للكتلتين الشيعيتين والتحالف الكردي لا يقوى على البقاء في المواجهة, فحكومة الظل المقبلة تحت قبة البرلمان القادم ليست قادرة على تغير مسارات الأمور كثيرا لان الطبخة طهيت على أساس رغبات سياسية وشوط تشخصن بحرفية بعد تقاسم الأدوار بالتفاهم القديم والإسقاط الحديث لبعض شركاء العملية السياسية على رقعة حدث سيراها العراقيون واقصد من العراقيين الذين سيكونون بمغزل عن الانفلاق في لغة القتل والتصفيات والتفجيرات التي تشاغل الأنظار والرأي العام تارة وتثبت تارة أخرى وجود قوى سياسية في الداخل العراقي تؤكد تنفسها للقوة و إمساك الأرض وجلب الانتباه إلى وجودها ومكنتها لان مشوار عملها في العراق لم ينتهي بعد ولم يتوارى عن الظهور في الانتخابات الأخيرة.

* كاتب صحفي- الولايات المتحدة

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/نيسان/2010 - 26/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م