المسرح مرآة لثقافة الشعوب

الناصرية تحتضن واقعة كربلاء والقدس تحيي مأساة حي جراح

 

شبكة النبأ: يجد الكثير من الباحثين والمتابعين المسرح مرآة حقيقية تعكس شجون وهموم الشعوب وثقافاتها المتنوعة، خصوصا انه بات وسيلة ثقافية للتواصل مع الآخرين، ومتنفسا حضاريا يلعب دورا فاعلا على المشهد الاجتماعي والسياسي في آن واحد.

وعلى الرغم من الصعوبة التي يواجهها العاملين في هذا المضمار إلا إن الاستجابة السريعة والكبير من قبل الجمهور تكون في الغالب حافزا جيدا للاستمرار وديمومة رسالة من يقف خلفه.

الامام الحسين

فقد قدمت فرقة مسرح لكش للتمثيل في الناصرية، مسرحية بعنوان (ليلة مع الحسين) تناولت قصة استشهاد الامام الحسين  من وجهة نظر معاصرة “بعيدا عن العواطف والبكائيات” بحسب مخرج المسرحية.

وقال زيدون داخل عملنا المسرحي هو محاولة لتقديم مسرح حسيني  يتناول واقعة الطف من وجهة نظر اخرى بعيدة عن العواطف والبكائيات  حيث تناولت قصة المسرحية ممثل يحلم باداء دور الشمر(قاتل الحسين) بينما يذكره ابنه المتواجد بخارج العراق بوصية والدته امه المتوفاة بزيارة الحسين  مع محاولة ايجاد روابط بين الاسماء التي نادى عليها المسيح في ساعاته الاخيرة ونداء الامام الحسين عندما نادى (الا من ناصر)”.

وقال الناقد والمخرج المسرحي ياسر البراك عن العرض بانه “يندرج ضمن مسعى فرقة لكش لتقديم أعمال مسرحية ذات منحى معاصر ووظف المؤلف طالب خيون واقعة الطف من اجل تقديم ثيمة آنية تهدف لمعايشة الجمهور للواقعة وبصورة مقاربة منه بعيدا عن الشعارات والجانب الدعائي”. بحسب اصوات العراق.

واضاف “استطاع المخرج توظيف العديد من الوسائل الفنية من اجل إيصال الخطاب للجمهور بواسطة ممثل واحد هو ضياء الساعدي أدى العديد من الانفعالات”.

وقال الناقد والمخرج جبار وناس ان “المسرحية حاولت وضع واقعة الطف في إطار جديد عبر سعيها لتقريب وفهم مختلف للأمام الحسين عن طريق ربطه بالسيد المسيح وكذلك استحضار شخصيات متضادة مثل الحر الرياحي(من أصحاب الحسين) والشمر (من أعدائه)”.

واضاف ان “العمل يضاف لمحاولة التنوع بالعروض التي قدمتها فرقة لكش حيث طرحت اليوم لونا جديدا بالاعتماد على الأصوات وباستخدام المتفجرات والسكربت والتقنيات الحديثة لجعل الأمام الحسين يعيش في واقعنا المعاصر وحسنا فعلت بإسناد الإخراج للفنان زيدون داخل بغية ضخ دماء جديدة ورؤى متغيرة بالإعمال  المسرحية للفرقة حيث استغل بصورة جيدة فضاء المسرح”.

المسرحية من تاليف طالب خيون واخراج زيدون داخل وتمثيل ضياء الساعدي وعلي الشطري و حميد صبري ومظفر عريبي.

يذكر ان فرقة لكش للتمثيل التابعة للهيئة العامة للسينما والمسرح والتي تعد الفرقة الثانية بالعراق تتخذ من الشطرة(45 كم شمالي الناصرية) مقرا لها وتأسست في بداية التسعينات من قبل خمسة فنانين وقدمت ما يقارب 30عملا مسرحيا وحازت على عدة جوائز وتضم في الوقت الحالي 20 فنانا وفنانة.  

مسرح الرحل بالمغرب

الى ذلك عادت الابتسامة وبريق الامل الى مصطفى بعد أن غادر أحضان المدرسة مكرها الى الشارع ليجد في "مسرح الرحل" وهي أول تجربة من نوعها في المغرب تعويضا عن تعليم وحماية وتربية افتقدها بين دروب الاحياء الفقيرة والمهمشة لمدينة سلا المجاورة للرباط.

لم يصدق مصطفى الخلفي وعمره 14 عاما دخوله دون شروط وأوراق ادارية أو مقابل مادي شهري الى تجربة المسرح المتجول الذي يدخل في اطار فنون الشوارع ليكتشف بعضا من مواهبه الضائعة ويشتعل فيه حماس التشبث بما يمكن أن يوازن انكساره الداخلي الناجم عن الحرمان من مقاعد الدراسة مثل بقية أطفال جيله.

قال مصطفى في الخيمة التي نصبها المسرح المتجول في دوار الميكة أو حي البلاستيك وهو أحد الاحياء الفقيرة والمهمشة "لم أجد راحتي في الدراسة وانقطعت عند المستوى الرابع الابتدائي لاشتغل مستخدما عند عجلاتي."

وأضاف "في المدرسة كان المدير دائما يأمرني أنا ومجموعة من التلاميذ الكسالى بجمع قمامة المدرسة فهربت من الدراسة."

ويقول وشعلة الامل تتقد في عينيه من جديد بعد أن كانت تخبو عند الحديث عن الانقطاع عن الدراسة "شعرت هنا بالتشجيع والاحترام من قبل عدد من الاصدقاء كما أنني أستفيد من بعض الدروس التعليمية بالاضافة الى ممارستي لهواية المسرح بالدرجة الاولى."

وأضاف "وجدت هنا مدرستي الجديدة وأحببت تجربة المسرح من كل قلبي وأتمنى أن أحقق أمنيتي في أن أصبح فنانا كبيرا."

رغم مظاهر الفقر البادية على الاطفال لاسيما ثيابهم الرثة التي لا تكاد تسترهم في شهر يناير كانون الثاني البارد والبنية الجسمانية لاغلبهم الهزيلة فان امارات السعادة العارمة والمرح والحيوية كانت ظاهرة عليهم وهم منقسمون بين من يقوم بالالعاب البهلوانية ومن يمارس فن الايقاع أو يمثل على خشبة المسرح... حيث بدت خيمة الرحل مثل "سوق" فنية كبيرة تتسع لجميع المواهب.

تعد هذه التجربة الاولى من نوعها في المغرب وبدأها الفنان المغربي المهاجر محمد الحسوني وزوجته سمية قبل ثلاث سنوات وخصصاها للاحياء الشعبية الهامشية خاصة في مدينة سلا المجاورة للرباط حيث لاحظ العديد من مظاهر الفقر والتهميش وما يترتب عنها من عنف وانحراف.

كان الحسوني الذي عمل ممثلا في عدد من مسارح الرحل بأوروبا برفقة زوجته سمية في زيارة الى المغرب ذات صيف وقدم عرضا مسرحيا في حي (الانبعاث) الشعبي فتقدمت منه امراة فيما كان يهم بجمع أغراضه للرحيل "ماذا تفعلون .." فظن أنها تضيق بوجودهما فأجابها "لاتقلقي سنرحل" فأجابته كمن تتوسل اليه "بالكاد بدأتم لماذا الرحيل؟."

من هنا يقول الحسوني "شعرت بان مكان زوجتي وأنا لم يعد في أوروبا وقررنا خوض تجربة مسرح الرحل في اطار ما يعرف بفنون الشوارع في المغرب وبالضبط في أحياء مدينة سلا الفقيرة والمهمشة كخطوة أولى."

وتشهد عدد من أحياء سلا - التي قدم فيها الحسوني عروضا برفقة مجموعة من الاطفال التحقوا به تباعا بعد استقراره في المغرب - مظاهر الفقر والتهميش والعنف وانتشار المخدرات والجريمة.

ووصل عدد المشاركين من الاطفال 260 طفلا وهو ما يفوق بكثير حسب رأي الحسوني امكانيات جمعيته الثقافية المحدودة.

يعتمد الحسوني في تمويل جزء من مشروعه الفني على (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) التي أطلقها العاهل المغربي محمد السادس منذ نحو خمس سنوات لمحاربة الفقر. بالنسبة للحسوني فان هذه هي "احدى المعاني النبيلة للتنمية البشرية."

لكن تبقى نسبة التمويل غير الكافية اذ انه يرى ان مبادرة التنمية "ليست الا وسيلة لكي نبدأ المشروع."

وأضاف "نحن نبحث عن ممولين فالمعادلة هي أن نحافظ على مجانية العروض في الشوارع والاحياء ونجد كيف نمنح أجورا للمشاركين."

وبالاضافة الى مبادرة التنمية البشرية هناك المركز الثقافي الالماني (جوته) والمعهد الفرنسي اللذان اقتنعا بأهمية المشروع الفني في أبعاده الفنية والانسانية والاجتماعية.

كما مولت مفوضية الاتحاد الاوربي بالرباط مشروعا يعتبر مهما في عمر هذه التجربة الفتية عبارة عن عرض فني متنوع سيقدم في دوار الميكة في نوفمبر تشرين الثاني المقبل تحت عنوان (فنون الشارع أمل الشباب المهمش).

وبالاضافة الى فنون المسرح يرتكز مسرح الهواة في عروضه على الرقص والالعاب البلهوانية وألعاب الاقنعة وفنون السيرك والعرائس الضخمة التي يصل ارتفاع بعضها الى نحو المتر ونصف المتر.

يقول الحسوني "نمارس فنون مسرح الشوارع وفن العرائس والسيرك والفكرة اوروبية لكن (المنتج) محلي مغربي."

ويضيف "هذا الخليط المغربي المتأثر بالقرب من أوروبا والجذور الضاربة في افريقيا هي التي يمكن أن تجعل من التجربة المغربية في مسرح الرحل تجربة متميزة."

ويرى الحسوني أن التركيز على الاحياء المهمشة يعد "أفضل الطرق لمواجهة التهميش الذي يترتب عليه عدد من مظاهر الحقد والانحراف." ويتطلع الى تعميم تجربته في المستقبل على باقي الاحياء الفقيرة في المغرب.

وأضاف "بالنسبة لي فان هؤلاء الفقراء والمهمشين يجب الاقتراب منهم ومحاورتهم والاستماع اليهم لامتصاص غضبهم."

وينفتح الحسوني الذي عمل في عدد من مسارح اوروبا المتجولة كمسرح " تون أوند كيرشن" الالماني وعدد من المسارح بفرنسا على تجارب مسرحية عالمية روسية وهندية وصينية ويحاول الاقتباس منها أحيانا.

لكن ما يهم بالنسبة له هو أنه ضم عددا من الحالات الاجتماعية الى " الفرقة وأنقدها من الضياع." ويضيف "اما نحاول تعويضهم عن الهدر المدرسي (التسرب من التعليم) أو نحفز من كان متكاسلا منهم في دراسته على مواصلة الدراسة."

كما تضم الفرقة أطفالا صما وبكما واخرين سبق ان قضوا فترات في مؤسسات رعاية الاحداث بسبب سلوك منحرف ناجم عن ظروفهم الاجتماعية الهشة لكن الحسوني يؤكد أنهم "جميعا منسجمون وقد طووا صفحة الماضي ويتطلعون الى المستقبل بتفاؤل كبير."

ويضبف "هؤلاء كانت لهم عقد ومهمشون ومحرومون من الرعاية ونظرة الاحترام من الاخرين."

وتقول خديجة السحلي (14 عاما) وهي تلميذة "تجربتي في هذا المسرح زادت من تشجيعي على مواصلة دراستي بل وأحرص جيدا على هذا الامر لاجد مبررا للالتحاق في عطلة نهاية الاسبوع بخيمة مسرح الرحل."

أما زهيرة ميهوب (17 عاما) فقد عادت لتكمل دراستها في المدرسة الاعدادية بعد انقطاعها ثلاث سنوات عن الدراسة وتقول "أنا مغرمة بالمسرح وفن السيرك ووجدت الفرصة سانحة لانخرط مع هذه الفرقة التي لا تشترط شيئا سوى الموهبة."

وبالنسبة لها فان تجربة المسرح تكمل لها "المدرسة فكم من شئ لم اجده في المدرسة ووجدته هنا كحسن سلوك الزملاء واحترامهم ومحبتهم."

وكان تقرير سابق للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ايسيسكو) جاء فيه ان لدى المغرب أعلى نسبة تسرب من التعليم في العالم العربي. وأضاف التقرير ان عدد من يتسربون من التعليم نحو 400 ألف طفل سنويا وأن هذه الظاهرة اخذة في التزايد مما يقوض جهود الحكومة المغربية لتعميم المدارس بالمرحلتين الاولية والابتدائية.

وتزيد هذه الظاهرة في القرى والاحياء الهامشية والفقيرة حيث تتفشى الامية والبطالة بالاضافة الى الفقر المدقع مما يضطر الاطفال في الغالب الى الخروج الى ميدان العمل مبكرا. وقال تقرير المنظمة أن 40 في المائة من الاطفال المتسربين يمتهنون حرفا مختلفة.

ويقول الطفل سفيان الذي ترك الدراسة منذ الصف الرابع الابتدائي "هنا يعلموننا الاداب وأستفيد شيئا جديدا... أفكارا جديدة وأنشطة مختلفة." وحلمه أن يصبح مثل أستاذه الحسوني "وأن أوصل هذه التجربة الى الاخرين."

بالاضافة الى الحسوني وزوجته سمية التي تحترف ابتكار وتصميم الاقنعة وهي المادة الاساسية في عدد من العروض المسرحية فهناك عدد من الشبان المتخرجين في مدرسة السيرك بالرباط وقاموا بتدريبات في فرنسا في مجال فنون السيرك والمسرح.

ويقول محمد قرطيط (20 عاما) وهو مدرب الرقص التعبيري "يأتي الى هنا أطفال يحملون مشاكل أكبر من سنهم لكننا نحاول أن نجعل من طاقتهم السلبية طاقة ايجابية لتتحول الى رقص وتعبير حركي هادف."

كما يقول مراد بوشطوش (18 عاما) مدرب الالعاب البهلوانية "يفد أحيانا الينا أطفال بأفكار سيئة وغالبا ما يكونون عدوانيين لكنهم ينتهون بالتغيير نحو الافضل ويصبحون مبتهجين وسعداء."

مسرح تفاعلي في المدارس السورية

في سياق متصل انتهت في دمشق المرحلة التجريبية من مشروع "المسرح التفاعلي في المدارس الحكومية السورية"، بستة عروض مسرحية لاطفال بين التاسعة والسادسة عشرة من العمر تناولت موضوعات مستنبطة من معاناة الاولاد ومشكلاتهم النفسية والاجتماعية.

وقالت رنا يازجي مديرة المشروع الذي تشرف عليه ثلاث جهات هي "روافد" المشروع الثقافي لدى الامانة السورية للتنمية بالتعاون مع وزارة التربية وبتمويل من مؤسسة درسوس السويسرية، انه مشروع "يمضي باتجاهين فني وتربوي".

واضافت ان الاتجاه الفني يهدف إلى تقوية العلاقة مع فن المسرح حيث "يؤثر ذلك على تقبل الناس للمسرح" بينما يستهدف الثاني "السلوك والعلاقة مع الآخر وتقبله من ناحية جنسه أو دينه". بحسب فرانس برس.

واضافت "انه ايضا لتحرير الطفل من الخوف والخجل وتطوير قدرته على المحاكمة". وقالت يازجي ان المشروع "بدأ بمرحلة بناء الثقة بين المدربين والاولاد من خلال مجموعة من التمارين ثم اتى العرض في مرحلة لاحقة".

واضافت ان "المرحلة الاهم هي كتابة النص التي تبدأ من اختيار الموضوع والشخصيات". وتشرح "هنا تطلع قصص الأولاد وذكرياتهم وحكاياتهم الشخصية" وفي المرحلة الأخيرة يأتي العرض المسرحي.

ويندرج المشروع في اطار نشاط كثيف "للامانة السورية للتنمية" التي تركز في نشاطاتها على تنشيط المجتمع الأهلي وفعالياته. وهي تقول في بيانها الصحافي عن المشروع ان "مستقبل سورية يعتمد على افرادها لذلك تسعى الامانة السورية للتنمية الى تشجيع الافراد والمجتمعات المحلية لتغدو قوة ايجابية للتغيير".

وتقول ديما أباظة احدى المدربات التي عملت بشكل مباشر مع الأولاد ان "هناك تمارين والعاب دفعت الأطفال الى التعبير والحكي الذي استنبطنا منه حكايات وتيمات أساسية". وتضيف "راح الأطفال في البداية يقلدون اساتذتهم؛ سبابهم وشتائمهم، والتمييز بين الأولاد".

وتلخص اباظة ابرز المشكلات ب"الخوف من المدرسة والخوف من الاهل في ما يخص الدراسة". اما معاناة المدربين فكانت على مستويين "أولا خجل الأولاد وترددهم في المشاركة في الأنشطة".

وتقول ان اهم مشكلات ظهرت لدى الداريين اذ "استنكرت موجهة تربوية في المدرسة ان يظهر في المسرحية مدرس بيده عصا (لضرب الطلاب)" معتبرة انه "تشويه لصورة المدرس في الواقع".

وتؤكد اباظة أن النتيجة كانت ان "الاولاد شاركوا بفعالية وتم كسر الخجل لديهم وبرزت شخصياتهم وقويت"، موضحة ان "الاولاد حكوا قصصهم، وكتبوا، وبدأوا بالتعبير عن أنفسهم".

ونانسي (10 سنوات) "انطوائية جدا"، على حد تعبير والدتها التي قالت "حين رأيتها على المسرح لم اصدق انها ابنتي وانها ستقف على المسرح طوال عشرين دقيقة كاملة".

واضافت "كنت مستعدة لان أفعل اي شيء لاخرجها من انطوائيتها فهي لا اخوات لها في المنزل ولا صديقات وكنت ادفعها لتصافح احدا او تتحدث اليه. اما الآن فقد اصبحت عبر ثلاثة اشهر فقط مختلفة كليا".

اما فريق هذا البرنامج فيتكون من اكثر من عشرة مشاركين ترشحهم وزارة التربية وثلاثين خريجا من المعهد العالي للفنون المسرحية.

وقد تلقى هؤلاء ورشات تدريبية مكثفة ركزت على مجمل العاب وتمارين المسرح التفاعلي التي تؤدي الى خلق العلاقة التفاعلية، كما قد تؤدي إلى إنتاج مشاهد مسرحية أو كتابة حكايات.

وتعود الادارة الفنية للمشروع الى ماري الياس الخبيرة في المسرح التفاعلي والتي كان لها الدور الرئيسي في تطوير أدواته ومنهاجه في مجتمعات محلية عديدة.

والمشروع من ناحية اخرى قد يتيح فرص عمل جديدة لخريجي قسم الدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق الذين نادرا ما يجدون مكانا لهم في المسابقات الوظيفية الحكومية.

اما الآن فمن المتوقع ان تطلب وزارة التربية قسما من هؤلاء في إطار مشروع المسرح المدرسي الذي يأمل القائمون عليه تعميمه واستمراره. والبرنامج في مرحلته الاولى يمتد على مدى عامين يطبق في اكثر من عشر مدارس حكومية، ويفترض ان يشمل في نشاطه اكثر من 390 طفلا.

مسرح غزة متنفسا نادرا

اما في غزة يندر وجود المسرح الحي ويندر أيضا الانتقاد العلني لحكام القطاع الاسلاميين ولذا لم يكن غريبا أن تحقق مسرحية تتيح متنفسا لشعور الفلسطينيين بالاحباط من زعمائهم نجاحا باهرا.

وتستهدف مسرحية "الحبل السري" التي بدأ عرضها هذا الشهر بحضور ألف متفرج أو أكثر في المدرج الرئيسي في غزة جميع الاحزاب المتصلة بالانقسامات المريرة أو الدامية في بعض الاحيان التي عوقت مساعى اقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ولكن في القطاع الذي يرزح تحت الحصار الاسرائيلي يركز اليأس الذي يشعر به كثيرون على حركة حماس التي تحتكر فعليا العمل السياسي والسيطرة الاقتصادية في غزة منذ أن هزمت قوات حركة فتح بقيادة الرئيس محمود عباس عام 2007.

وتقدم المسرحية للحضور أيضا كثيرا من الفرص للتعبير عن السخط من حركة فتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية التي يرى كثير من المواطنين العاديين أنها مسؤولة عن الفوضى والفساد على مدى عقود. بحسب رويترز.

وتصيح احدى شخصيات المسرحية في مجموعة من الزعماء السياسيين على خشبة المسرح قائلة "سمعناكم وعرفناكم وجربناكم وزهقناكم."

وتكشف عن انتماءاتهم الحزبية ألوان الحبال التي تربط أكوام الاوراق البيروقراطية التي يحملونها والتي تمتد الى الكواليس حيث يفترض المشاهدون انها تربطهم كالحبل السري بمموليهم الاجانب.

فالحبل الاخضر لحماس التي تدعمها ايران الاسلامية والاصفر لفتح التي تتلقى دعما غربيا والاحمر لليساريين كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والاسود لحركة الجهاد الاسلامي وحلفائها. يقول صانع أحذية متواضع "الناس بحكومة احنا بحكومتين بدل تلفزيون عنا اتنين."

وتروي المسرحية قصة معلم في مدرسة أفقده الحزن صوابه بعدما أقدمت جماعة سياسية على قتل والده. في البداية روع المعلم جيرانه بكلامه الجريء ضد النظام ولكن سرعان ما يفوز بتأييدهم حينما يدركون صدق ما يقوله.

ويعود صانع الاحذية ليقول "وزيرين للاقتصاد والاقتصاد ضايع وزيرين للتعليم والجيل صايع.. وزيرين للتموين والتموين عند واحد موجود وعند التاني مش موجود.. وزيرين للداخلية والامن مفقود".

وقال حازم أبو حميد مخرج المسرحية "المسرحية تتناول موضوعا شائكا وجريئا.. انها تتحدث عن تمويل الفصائل وتقول للفصائل ان أحبالكم المختلفة الالوان تتدخل في قرارنا المستقل وتمنع وجود قرار مستقل."

ووافقت سلطات حماس على عرض المسرحية ولكن الفنانين قالوا ان حماس قد لا تكون على دراية تامة بمحتواها.

فبالنسبة لاياد أبو شريعة كاتب الرواية من المهم اعطاء صوت للناس العاديين في غزة وكذا في الضفة الغربية المحتلة حيث ان أمنيتهم الرئيسية في الحياة السياسية هي أن يعمل قادتهم معا. فيرى أن رسالته تتمثل في أن " هناك فجوة.. ما بين احتياجات الناس وأفعال قادتهم."

وأقر كثير من الحضور بأنهم كانوا يغالبون دموعهم فيما بين الضحكات حيث كانت السخرية تفسح السبيل أحيانا للحزن والهم عند السكان الذين ملوا الخطب الطويلة والوعود الزائفة من جانب القيادات المتنافسة على مر السنين.

ولكن كان هناك كثير من صيحات الاستحسان من جانب الجمهور في النهاية حينما وقف الناس وراء المعلم ليدفعوا القادة الى خارج خشبة المسرح في عملية تقطع خلالها حبالهم الملونة الكثيرة.

من القدس مع حبي

وفي السياق ذاته اقيم عرض مسرحي فلسطيني امريكي مشترك يتناول بطريقة كوميدية ساخرة على مدار تسعين دقيقة ما يجري في حي الشيخ جراح في مدينة القدس من طرد للفلسطينيين من منازلهم واتخاذهم رصيف الشارع مأوى لهم.

وصمم القائمون على المسرحية التي انتجها المسرح الوطني الفلسطيني في القدس (الحكواتي) بدعم من مكتب المحلق الثقافي الامريكي في المدينة بطريقة جسدت تماما الواقع حيث رصيف الشارع وشجرة كبيرة وعائلة تفترش الارض بعد طردها من منزلها مع جدارية كبيرة لحي الشيخ جراح.

ويشارك سبعة ممثلين في هذا العمل المسرحي للكاتب الفلسطيني عزام ابو السعود واخراج كامل الباشا اربعة منهم فلسطينيون وثلاثة امريكيين يتحدثون على خشبة المسرح اللغتين العربية والانجليزية دون ان يشكل ذلك عائق في التواصل بينهم مع بعض الترجمة من قبل الممثلين لبعضهم مما يضفي على العمل المسرحي مزيدا من الكوميديا.

ويبدأ العرض المسرحي الذي يظهر فيه ناجي ( الممثل الفلسطيني جمال سعيد) الذي طرد من منزله يقول ان عائلته اسكنت في هذا المنزل بعد ان طردت من منزلها في عين كارم التي احتلت في عام 1948 عندما قامت دولة اسرائيل ليطرد اليوم مرة اخرى ولا يجد مكان سوى الشارع يعيش فيه ويطلب من رمزي (الممثل الفلسطيني عطا ناصر) ان يترجم ذلك بالانجليزية والذي يبدو انه حفظ القصة عن غيب.

وتتعدد القضايا التي يتناولها العمل المسرحي لتشتمل على هجرة والد ناجي الى امريكا وتركه زوجته التي كافحت لتربية ابنها ليعود بعد اكثر من خمسين عاما الى بلده ويجد ان كل شيء تغير حتى انه كما يروي ناجي لم يحتمل ان يرى ان حي المغاربة قد هدم بعد حرب 1967 فيفارق الحياة ولكن بعد ان يخبر ناجي ان له اختا تعيش في امريكا انجبها من زاوج له هناك.

ويذهب كاتب العمل المسرحي بالجمهور في رحلة تبتعد فيه عن الموضوع الرئيسي للمسرحية من ابراز اختلاف الثقافات بين ناجي وسيدتين قدما الى القدس بعد رحلة بحث لصديقه رمزي على شبكة الانترنت لسيدة تحمل ذات اسم العائلة ليدور نقاش طويل حول من هي اخته بطريقة تخدم العمل المسرحي.

ويضيف الكاتب الى العمل المسرحي جانبا يتمثل بحلم الشباب الفلسطيني بالهجرة الى امريكا التي يرى عدد منهم فيها بلد الاحلام او الفرص ولكنه لا ينسى ان يقدم للجمهور احد الحالمين بذلك (رمزي) بتخليه عن الفكرة لصالح البقاء في وطنه.

وتقدم المسرحية صورة حية للمتضامنين الاجانب الذي وقفوا الى جانب ناجي الذي طرد من منزله من خلال الممثل الامريكي ارثر لازالدي الذي قدم دور ديفيد تريمان ليثير الاسم نقاشا اذا كان يهوديا ام لا ليوضح الكاتب من خلال فاطمة (الممثلة الفلسطيينة نسبت سرحان) جارة ناجي المتضامنة معهم " مشكلتنا ليست مع اليهود بل مع المستوطنين والاحتلال".

وتوجه المسرحية نقدا باسلوب كوميدي ساخر لغياب ممثلي القوى الوطنية والشخصيات القيادية عن التضامن مع ناجي بحجج مختلفة.

ويعود الكاتب مرة اخرى بجمهوره الى موضوع طرد ناجي من منزله باحثا عن طرق تعزز صموده من خلال ابتكار اساليب منها الغناء والرقص في لوحات فنية يقدمها الممثلون السبعة يؤكد فيها ناجي انه باق في الشارع بجوار منزله الذي طرد منه مستذكرا تلك الليمونه التي زرعها فيها وكان يراقبها وهي تكبر وتكبر.

وترى الممثلة الامريكية ميك كوهلمان التي لعبت دور (ليز) التي تدعي انها شقيقة ناجي الى جانب نيكا كلايند (اليزبث) التيب تقول انها هي شقيقته "ان ما تتناوله المسرحية حقيقي تماما وهو نقلا لما يجري على الارض هذا ما حاولنا تقديمه في العمل حتى من خلال الديكور الذي تشاهده."

وقالت بعد العرض المسرحي" هذه اول تجربة لي في تقديم عمل مشترك مع فنانين فلسطينيين وانا فخورة جدا بهذا العمل الذي يعطي صورة عن الواقع الانساني لما يجري في القدس هذا الجانب الذي لا تطرق اليه وسائل الاعلام لا يمكن ان تتخيل كم زادت معرفتي بما يجري."

ويشاركها الرأي الممثل جمال سعيد الذي يسكن في البلدة القديمة في القدس " ما قدمناه هو ما نعيشه لقد نجحنا في تغيير مفاهيم الممثلين الذين شاركوا معنا في العرض المسرحي الذين اكدوا لنا انهم لم يكونوا يعرفوا كل هذه التفاصيل."

واضاف " اذا نجحنا في تغيير مفاهيم هؤلاء فبكل تاكيد سنكون ناجحين في تغيير مفاهيم اخرين اذا ما شاهدوا هذه المسرحية."

وتطمح الفنانة نسبت سرحات التي قالت انها لاول مرة تشارك في عمل مسرحي احترافي " ان يمتد عروض هذه المسرحية ليشمل دولا عربية واجنبية بعد عرضها في العديد من المدن الفلسطينية.

واضافت " ان توقيت العمل المسرحي مهم لانه نقل لما يجري هذه الايام في الشيخ جراح وفي اماكن اخرى من القدس."

ويستبعد كاتب المسرحية عزام ابو السعود ان يكون استخدام لغتين في المسرحية العربية او الانجليزية ادى الى تشويش الجمهور وقال حتى وان كان المشاهد لا يعرف العربية او الانجليزية فانه بامكانه فهم تسعين في المئة مما يقال.

وقال لرويترز" استخدمت في هذا العرض كل الجمل المسرحية من الكلمة الى الحركة الى الرقص الى الغناء لتقديم الواقع الماساوي باسلوب كوميدي ساخر."

واضاف " هذه المسرحية لتعريف الفلسطينيين بداية بما يجري في الشيخ جراح لان عددا كبيرا لا يعرف حقيقة ما يجري كما ان المسرحية تصلح للعرض في الدول الاجنبية."

ويستعد المسرح الوطني لتقديم عرض للمسرحية في نابلس وجنين والناصرة خلال الايام القادمة بعد ان عرضت في القدس.

وقال جمال غوشة مدير عام المسرح " هذا العمل الثالث الذي ينتجه المسرح الوطني بالتعاون مع المحلق الثقافي في القنصلية الامريكية فقد سبق وقدمنا مسرحية كل ابنائي للكاتب ارثر ميلر سبقها تقديم ثلاث نصوص امريكية باسلوب الحكواتي الفلسطيني."

تونسي. كوم

الى ذلك يحاول الكوميدي التونسي جفعر القاسمي في مسرحيته الجديدة "تونسي.كوم" ان يسلط الضوء على نمط جديد لفئات واسعة من التونسيين في تونس أصبحت رهينة للوسائل التكنولوجية الحديثة وتعيش ثنائية الاغتراب الواقعي والقرب الافتراضي.

في اسلوب رواح بين الهزل والكوميديا السوداء انتقد القاسمي سلوكيات جديدة ناتجة عن الادمان على الانترنت التي من المفترض انها تقرب البعيد لكنها قد تبعد القريب في اوقات عديدة.

"تونسي.كوم" مسرحية من نوع (وان مان شو) أو (الممثل الفردي) يقوم فيها بكل الادوار ممثل واحد. وهي من اخراج الصحبي عمر وتأليف الصحفي نوفل الورتاني. وقدمت المسرحية في عرض أول خصص للصحفيين.

وصاحبت خروج الممثل ببذلته البيضاء الناصعة موسيقى صاخبة ليطلب من الجمهور قبول اعتذاره عن التأخير لانغماسه في جولة افتراضية عبر الانترنت داعيا اياه للاطلاع على ما يجري في عالم الانترنت من خلال نقطة بداية رئيسية تتمثل في عائلة تونسية انتقلت للعيش في أحد الاحياء الراقية فوجد افرادها انفسهم منخرطين في عالم مغاير بما يحمله من تناقضات وانسلاخ عن القيم والمبادىء الاصلية.

ومن خلال حياة هذه العائلة ينطلق الممثل بأسلوب سردي وهزلي مدروس في تجسيد مقاربة مسرحية تسعى الى استنطاق ما هو جماد وافتراضي ليحوله الى شخصيات تتكلم وتعبر عن احاسيسها وواقعها. بحسب رويترز.

واشارت احصائيات حديثة الى ان عدد المشتركين التونسيين في شبكة الفيسبوك FACEBOOK الاجتماعية مثلا تجاوز 1.3 مليون مشترك في بلد يضم 10 ملايين نسمة. كما يبلغ عدد التونسيين المشتركين في الهواتف المحمولة 9.9 مليون مشترك وفقا لوزارة تكنولوجيا الاتصال.

ويحذر علماء اجتماع من ان الادمان على الوسائل التكنولوجية الحديثة قد يفرز سلوكيات سيئة مثل العزلة والانزواء والعديد من المشاكل النفسية الاخرى وفقدان صلات حميمية توفرها الحياة اليومية.

بنى الكاتب نصه على مصطلحات تكنولوجية حديثة مثل "الريزو" و" الويفي" و"واب كام" وغيرها لينطلق منها منتقدا سلوكيات اجتماعية بشكل لاقى تجاوبا من المتفرجين.

وانتقل الممثل بسلاسة بين مواقف متناقضة ليبرز حالة الاغتراب التي أصبح يعيشها مستعملو هذه التكنولوجيات.

وفسر الصحفي نوفل الورتاني كاتب النص المسرحي تطرقه لهذا الموضوع بما اصبح يثيره من خطورة معتبرا ان الوسائل التكنولوجية الحديثة " كشفت التونسي على حقيقته وفضحت جوانب كانت مخفية".

واضاف" نحن مواطنون نعيش بين الناس وهذا الموضوع اصبح يثير نقاشا كبيرا لان سلوك أغلب الفئات على الانترنت اصبح يطرح عدة أسئلة ملحة عن التطرف المعنوي وعدم قبول الاختلاف".

لكنه قال ان المسرحية لا تقدم "لغة الوعظ والارشاد للمتفرجين بل تحاول ان تحرك سواكنهم وتطرح عليهم أسئلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/نيسان/2010 - 24/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م