السيارات المفخخة

من قاموس السياسة العراقي المعاصر

حيدر الجراح

على مدى خمسة وثلاثين عاما تعددت وتنوعت المفردات التي استعملها ساسة العراق وانتقلت باستعمالها الى افراد المجتمع العراقي.. فكانت كلمات مثل الحزب القائد، السيد النائب، الثورة البيضاء، القائد الضرورة، قادسية صدام المجيدة، السيد القائد، السيد الرئيس، الفرس المجوس، الغوغائيون، ام المعارك، صفحة الغدر والخيانة،الحملة الايمانية، المنازلة الكبر، الى اخرها الكثير من المفردات التي تسيدت المشهد السياسي والاجتماعي العراقي..

وقد ظهرت مفردات في فترات معينة واختفت، وبقيت اخرى تتداول على السنة الناس لسنوات طويلة..

كانت هذه المفردات تبدأ على السنة الطبقة الحاكمة او على اقلام الصحفيين المرتزقة ثم تأخذ صداها ومداها وطرق استعمالاتها على السنة الناس..

بعد العام 2003 تسيدت كلمات من نوع اخر المشهد السياسي والاجتماعي في العراق، كلمات تختلف عما الفته السنة الناس طبلة تلك العقود، وكانت كلمات في معظمها استعارة من لغة يسمعها المواطن عبر اجهزة التلفاز او يقرأها في الصحف، وهي ليست مخصوصة ببلد معين، ولكنها اخذت خصوصية مميزة في العراق.. من هذه الكلمات، الحواسم، المناطق المتنازع عليها، المادة 140، كردية كركوك، هوية كركوك، اقليم خاص، عراقية كركوك، لجنة برلمانية، استضافة وزراء، استجواب الوزراء، القائمة المغلقة، القائمة المفتوحة، النازحون، المهجرون، دولة العراق الاسلامية، القاعدة في بلاد الرافدين، المحاصصة، التوافق، الديمقراطية التوافقية، المصالحة الوطنية، اجتثاث البعث، المساءلة والعدالة، الحوار الوطني، الديمقراطية التوافقية، التيار الصدري، جيش المهدي، الخارجون على القانون، ابناء العراق، الصحوات، المثلث السني، مثلث الموت، النزاهة، الفساد الاداري والمالي، المنطقة الخضراء، الميليشيات، السيارات المفخخة، العبوات..والكثير غيرها من الكلمات التي تتزع استعمالاتها بين النخبة السياسية الحاكمة او بين عامة الشعب..

وقد حفلت الكثير من هذه المفردات بالدلالات الرمزية سواءا كانت ساخرة يضحك منها الناس، او مؤلمة شديدة القسوة لما تتركه من اثر على حياة العراقيين ومصائرهم..من هذه المفردات (السيارات المفخخة) التي اذاقت العراقيين المر في اسواقهم وتجمعاتهم ومساجدهم، واصابتهم بالكثير من الرعب والخوف.. في هذه السطور سنقوم بمتابعة البعض من هذه الكلمات في حياة العراقيين في حلها وترحالها..

السيارات المفخخة

في البدء كانت عربة بودا التي يجرها حصان واحد..

وهو ماريو بودا المهاجر الايطالي الذي فجر عربته امام وول ستريت وايضا مكتب تحليل المعادن الفدرالي الجديد..

وربما استمدت هذه العملية الالهام من الصندوق المليء بالبارود الذي كان محملا على عربة كارو وكاد يقتل نابليون بشارع سانت نيكيس بباريس عام 1800..وتعارف لدى المهتمين والدارسين على تسمية هذه العمليات ب (قنابل السيارات).. وقد اطلقت عليها تسمية (الة يوم القيامة) في وسائل الاعلام انذاك..

لم يكتمل مفهوم (قنابل السيارات) في حرب المدن حتى العام 1947 حينما قامت عصابة شتيرن الصهيونية بقيادة شاحنة محملة بالمتفجرات الى داخل مركز شرطة حيفا بفلسطين وتفجيرها..

منذ ذلك الحين استخدمت قنابل السيارات بين فترة واخرى: نتج عنها مذابح لافتة بسايجون (952)و (1962 - 1964) مدينة الجزائر ووهران (1962) بالريمو (1962).. وكا نت قمة التفجيرات والتي فتحت ابواب جهنم بهذه الوسيلة حين قا م اربعة طلاب جامعيين بتفجير اول قنبلة سيارات يستخدم فيها وقود كبريتات الامونيوم امام مركز ابحاث رياضيات الجيش بجامعة ويسكونسين في اب 1970..

مابين عامي 1992 و 1999 قتلت 25 هجمة بقنابل السيارات في 22 مدينة مختلفة 1327 شخص واصابت حوالي 12000 اخرين..

اصبح العراق بعد العام 2003 مركز الاستقطاب لهذا الجحيم الوحشي فقد بلغ عدد ضحايا تفجيرات قنابل السيارات (500 سيارة مفخخة) فيه 9000 شخص – مدنيين بشكل رئيسي – خلال الفترة مابين حزيران 2003 وحزيران 2005، ومنذ ذلك الوقت تزايدت سرعة وقوع الهجمات بالسيارات المفخخة بشكل مثير الى 140 هجمة شهريا في خريف 2005 و13 هجمة يوم راس السنة عام 2006 وحده..

وقد مر استخدام السيارات المفخخة في العراق باربعة مراحل:

المرحلة الاولى: (اب 2003 –وحتى نهاية شباط 2004) استهدفت السيارات المفخخة يعثات الامم المتحدة وسفارات الدول الاسلامية والقطعات العسكرية التي تمثل القوات المتحالفة..

المرحلة الثانية: من 2004 وحتى 2005 ركز مفجروا السيارات على مراكز تجنيد الشرطة ومعسكرات تدريب الجيش..

وفي هذه المرحلة من مايس وحتى تشرين الاول 2005 وصلت تفجيرات السيارات المفخخة (126 حادثة مميتة على الاقل خمس عشرة منها في بغداد وحدها في فترة زمنية واحدة لاتتعدى 48 ساعة)..

المرحلة الثالثة: بلغت ذروتها في شتاء 2005 و 2006، وقد استخدمت السيارات المفخخة للتحريض على حرب اهلية بين السنة والشيعة مع هجمات متكررة على اضرحة الشيعة وايضا على الجماهير المتجمعة في الاسواق او المساجد..

المرحلة الرابعة تلت تفجير الضريح في سامراء في شباط 2006 حيث شهدت تفجيرات نادرة للسيارات المفخخة.

اطلق منظرو البنتاجون تسمية (الجيل الرابع من الحروب او الحروب (مفتوحة المصدر) على السيارات المفخخة..

في الوقت الراهن ينشط مفجروا السيارات في 23 بلدا على الاقل في الوقت الذي عا نى 25 بلدا اخر على الاقل من تفجير سيارة واحدة في ربع القرن الاخير.. ووفقا للارقام فان المجموع التاريخي لجميع تفجيرات قنابل السيارات في اوربا الغربية قد يماثل نظيره في الشرق الاوسط وياتي بعدهما ببعض المسافة جنوب اسيا، امريكا الجنوبية، شمال افريقيا، افريقيا جنوب الصحراء، امريكا الشمالية..

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/نيسان/2010 - 22/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م