الحج إلى طهران والطائف ودمشق والعمرة إلى أربيل

علي الأسدي

هكذا على ما يبدو خططوا للشرق الأوسط الجديد، دولة محكومة بمنقوصي الارادة، مستكينة ومقيدة، قادتها لا يفقهون الايمان بالشعب، ولا يسعون لاستقلال الارادة والرأي والدفاع عنهما والكفاح من أجلهما ومع ذلك يستميتون من أجل السلطة والتحكم بمصير البلاد وشعبها.

دولة بلا محنكين ومفكرين مستقلين، كل من فيها جاهل ثقافيا، أو موجه طائفيا وقبليا وقوميا، أو ملوثا عقليا بكل الخرافات والهلوسات إلا خدمة الشعب والسهر على مصلحته. مسئولوها اختيروا من بين أئمة الجوامع ورموز القبيلة ممن يباعون ويشترون، لا يردعهم قانون، ولا تحد جشعهم قيما اخلاقية، ولا يقيمون وزنا للسمعة والشرف الشخصي والوطني عندما يتعلق الأمر بنهب المال العام، بل يذهب البعض منهم لجوازه شرعا.  الثراء بالنسبة لهم هو الهدف الأسمى، والوصول إليه فضيلة، والاستزادة منه وجاهة ورفعة.

لا غرابة إذا، أن لا يتباحث سياسيو العراق حول شئون بلادهم مع بعضهم البعض في بغداد وإنما في طهران، مع أن الفقر والجياع والعاطلون عن العمل هنا وليس هناك، والمحرومون من الكهرباء والماء الصالح للشرب هم ناس العراق وليس ناس السعودية، ومكاتب الاحزاب جميعها هنا وليس في دمشق، والشوارع المخربة وطفح المجاري هنا وليس هناك، والاثنا عشر مليونا الذين جازفوا بحياتهم لينتخبوهم هنا وليس هناك. ومركز الدولة ومقر حكومتها، والبعثات الدبلوماسية وقيادة الجيش والشرطة والأمن والبرلمان الاتحادي هنا وليس في أربيل أو السليمانية، وساحة الارهاب ومفخخات البهائم البشرية، والباحثون عن الحور العين في برك الدماء، هنا في بغداد وليس في كردستان، وأن عاصمة العراق بغداد وليست في كردستان.

 إن هذا السلوك ليس سلوك الأحرار، بل سلوك العبيد والمملوكين، معادلة غير متكافئة ولا منطقية وغير مقبولة أو مستساغة. أن سلوكا كهذا لا يرفع من شأن رئيس أو وزير أو رجل أمن، بل يحط من قدرهم في نظر العراقيين وغير العراقيين، لا أحد يتذكر شيئا من هذا في التاريخ العراقي الحديث، إنما كان هذا في عهد تبعية العراق للدولة العثمانية المتخلفة، وبعدها لبريطانيا العظمى الاستعمارية العجوز.

 فأين نحن من ذاك الزمن الرديء، هل رخصت قيمة مواطنينا وسياسينا، وهل اخترنا العبودية بدل التحرر والحرية، هل اخترنا الاستكانة واستمرئنا الذل بدل السيادة والكرامة؟

ما دخل طهران والطائف ودمشق وأربيل بتشكيل حكومة استحقاق انتخابي عراقية 100%  لا ايرانية ولا سعودية ولا سورية ولا حتى أمريكية؟

هل سبق لرئيس وزراء ايران أن زار العراق للتشاور مع السيد الطالباني والسيد نوري المالكي حول تشكيل حكومته، وفيما إذا سيضم إليها ممثل الاصلاحيين أم لا ؟

وهل فعل ذلك ملك المملكة العربية السعودية، أو الرئيس الأسد عند تكليف أحد السياسيين لتشكيل الحكومة أو تعديلها في ذينك البلدين؟

وهل تشاور السيد مسعود البرزاني حول تشكيل حكومته مع السيد نوري المالكي باعتباره رئيسا للحكومة الاتحادية ؟

أيعقل هذا، فيما تتدفق وفود ممثلي القوائم الانتخابية الفائزة في البرلمان الاتحادي إلى طهران ودمشق والطائف وعمان والامارات وأربيل والسليمانية، لا أحد منهم يتنازل ويتفضل بعقد اجتماع واحد مع الناخبين من ابناء شعبه، بينما لم يترددوا في الذهاب إلى أقاصي العراق لكسب الناخبين وشراء أصواتهم، أما الآن وبعد أن حصدوا أرباح استثماراتهم عادوا إلى قواعدهم، ألا يخجلوا؟

لقد أجرى السيد إياد علاوي، رئيس القائمة العراقية رئيس الوزراء العراقي الأسبق، مباحثات للمرة الثانية خلال إسبوع واحد مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، ونفس الشيئ قام به  الاتلاف الوطني العراقي، وربما ستتبعهم دولة القانون. بينما بين السيد فؤاد حسين الشروط التي ستضعها القيادة الكردية أمام الحكومة القادمة " وهي :

 أولا –  التزام الحكومة والقوة التي ستقودها بالدستور العراقي بما فيها المادة 140 التي يعتبر تنفيذها من أهم أولويات القيادة الكردستانية في المرحلة المقبلة.

ثانيا – العلاقة بين الكرد كمكون أساسي في العراق، والحكومة القادمة، فنحن نريد شراكة حقيقية وفاعلة، وهذه المشاركة تعني دورنا في صنع القرار السياسي.

فما هي شروط  المالكي وعلاوي والحكيم لحكومة اقليم كردستان، وهل هناك أي اتفاق على شروط لتعاون هؤلاء الثلاثة بينهم أولا قبل أن يعجلوا بالرحيل إلى أربيل؟

وأمام هذا السباق الذليل يخرج ممثل القائمة العراقية بعد اجتماع علاوي مع البرزاني ليقول: " أن علاوي لم يقدم تنازلا بشأن كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها للأكراد "، وليته أحتفظ بما قال لنفسه وأكرمنا بسكوته، فحسب مثلنا الشعبي الدارج " اللي جوه أبطة عنز يمعمع ". وهل أخطأ الشعب يوما بحكمه وأمثاله؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/نيسان/2010 - 21/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م