في التعلم ونظرياته المعاصرة

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

من المسلم به في التاريخ البشري ان مسيرة الحضارة الانسانية بشكل عام انطلقت في باديء الامر من ارض الرافدين ووادي النيل والصين القديمة، ففي هذه الاقاليم تعلم الانسان القديم كيف يقي نفسه من عوامل الطبيعة وكيف يستفيد من مواردها، وكانت وسائله في التعلم لا تعدو الملاحظة والمحاكاة والتجربة حتى تمكن في ظرف تاريخي بالغ الاهمية من اكتشاف الكتابة مستخدما الطين واوراق القصب والبردي ومستندا في تحويل الرموز الى صور ذهنية على رسم الاشكال فيما يعرف بالكتابة الصورية.

 وفي مرحلة تاريخية لاحقة استطاع انسان تلك الحضارات الكتابة اعتمادا على الحروف الابجدية وكل انسان بحسب لغته وطريقة تفكير الجماعة التي تواجد معها فكانت اللغة الاوغاراتية في سوريا اول لغة فتحت الباب الهجائي للحروف وبالتالي شكلت فتحا في تاريخ التعلم الانساني.

 الى ذلك فان الفكر التربوي قد نضج في هذه البقاع ايضا، ومن ثم انتقل بحسب عوامل التأثير والتأثر بين الحضارات الى اماكن اخرى كاليونان القديمة، وكانت من اشهر اماكن التفاعل الحضاري التي ادت الى انتقال الفكر التربوي من بيئته القديمة التي ذكرناها انفا الى الجديدة في اليونان وغيرها هي مدينة الاسكندرية المصرية، وفي حقبة تالية عادت مسارات المعرفة ثانية الى شرق الارض، فانتشرت الديانات السماوية الثلاثة في هذه الربوع وتكللت الحضارة الانسانية ببزوغ شمس الاسلام وظهور المعلم العظيم محمد (ص).

والتعلم من وجهة نظر القدماء لاسيما في الحضارة العربية الاسلامية لم يخرج عن نطاق القدرة على اكتساب وتحصيل المعارف والعلوم سواء كان ذلك التحصيل باسلوب ذاتي او من خلال تلقين المعلمين والمربين، وفي كتاب الله الكريم الكثير من الاشارات التي تتناول مفهوم التعلم وترجعه من حيث الاصل الى العناية الإلهية كما في قوله تعالى: " وعلم آدم الاسماء كلها..". كما ترجعه عرضا الى الناس انفسهم كما في قوله تعالى:" يتعلمون ما يضرهم ولاينفعهم.."

وماتزال مسيرة التربية والتعليم ماضية في تطورها الحثيث عبر العصور وقد شهدت في العصر الحديث الوصول الى نتائج باهرة من حيث اتساع رقعة التعلم فضلا عن تبسيط هذه العملية وتذليل صعابها بالنسبة لسائر المتعلمين وذلك بفضل شيوع التقنية العلمية الحديثة.

 الى ذلك فان من المسلم به ايضا لدى جميع الامم اقتران التعلم السليم بالسلوك السليم سواء على مستوى الفرد او المجتمع كما ان من الحقائق التي لايرقى اليها الشك هي ارتباط مستوى حضارة الانسان بمدى ما تملكه هذه الحضارة من منظومة تعليمية فالتناسب بين التحضر والتعلم هو تناسب طردي ولهذا فان الدول التي بزت غيرها من حيث التقدم في جميع المجالات انما ارتكزت نهضتها على اصلاح هذه المنظومة والشواهد على هذه القضية كثيرة ومن ابرزها التجارب اليابانية والصينية والماليزية والهندية.

وفي الحضارة الغربية الحديثة ثمة اختلاف بين المتخصصين حول الاتفاق على ايراد تعريف محدد للتعلم، مع هذا فثمة اكثر من تعريف مشهور لهذا المفهوم، من ذلك ما نص عليه هليغارد بالقول:- ان التعلم هو تغير في سلوك تعامل الفرد مع موقف محدد باعتبار خبراته السابقة، وكذلك هناك تعريف للتعلم صاغه العالم هيرغنهان مفاده: ان التعلم هو تغير دائم نسبيا في السلوك او القدرة على انتهاج سلوك جديد ناتج عن الخبرة.

والتعلم من الناحية النفسية هو زيادة في البناء الادراكي للدماغ البشري، اما التعلم من الناحية البيئية فانه يمثل مجموع المعارف والخبرات والقيم والميول والمهارات الجديدة. كما ان هناك العديد من التعريفات القاموسية لمفهوم التعلم تتباين في مدى صوابيتها وتحديدها الدقيق لهذا المفهوم المهم، وتتراوح هذه التعريفات بين وصف التعلم بكونه القدرة على اكتساب المعرفة الى القدرة على الاستيعاب.

ومهما كانت الفروق الملاحظة في تعاريف المفاهيم التي تتصدى لفكرة تعريف التعلم فان التعلم لا يعدو عن كونه عملية تحدث في دماغ الانسان وينتج عنها زيادة او تغير ايجابي في الادراك وبالتاي في السلوك البشري المتصل بهذا الادراك. ان المركز الاساسي للتعلم يقع في منطقة العقل، فالدماغ هو مصنع التعلم كما ان الرئتين هما مصنع الاوكسجين، اما كيف يحدث فعل التعلم فان ذلك يتم من خلال عمليات فيزيائية معقدة تلعب فيها الحواس دور الناقل للمعلومات فيما يضطلع المخ بدور التفسير.

ومن ابرز العوامل المؤثرة في عملية التعلم هي:

1- العامل الوراثي

2- عامل النضج الزمني

3- عامل الذكاء

4- الحافز: وهو قوة نفسية كامنة تحرك الفرد لأداء شيء محدد

نظريات التعلم:

 كما هو معلوم فان النظرية تمثل مجموعة من القواعد والقوانين التي ترتبط بظاهرة ما بحيث ينتج عن هذه القوانين مجموعة من المفاهيم والافتراضات وبقدر ما يتعلق الامر بنظريات التعلم فانها من الكثرة بحيث لاتسعها جميعا هذه الورقة لذلك فسوف نختصر على ايراد اهم واشهر تلك النظريات في المرحلة المعاصرة للتعلم:

1- نظرية ثورانديك للتعلم:  تتلخص هذه النظرية في ان الاستجابات الحسية التي يبديها الفرد وترتبط برابطة ذات طبيعة عصبية.

2- نظرية بافلوف: تنص هذه النظرية على ان اقتران المنبه غير المشروط بمنبه مشروط لعدة مرات يؤدي الى اكتساب المنبه الثاني لفعالية المنبه الاول في اثارة الاستجابة غير المشروطة المطلوبة.

3- نظرية غثري للتعلم: تنص هذه النظرية على ان المنبهات الحسية التي تصطحب استجابات محددة عند اول حدوثها تميل الى اجترار هذه الاستجابات مع تكرارها مرة اخرى.

4- نظرية سكينر للتعلم: تتلخص هذه النظرية في ان المنبه والاستجابة يقترنان معا نتيجة اقتران التعزيز بالاستجابة وليس بالمنبه بمعنى ان الاستجابة السلوكية عند تعزيزها الايجابي ستحفز الفرد الى المزيد من الاستجابة اما عند تعزيزها سلبيا فسوف تحفزه الى ترك السلوك.

5- نظرية هل: يحدث التعلم بهذه النظرية بفعل ثلاثة عوامل هي:

اولا: عوامل مستقلة وتتمثل في المنبهات الحسية البيئية

ثانيا: عوامل بسيطة وتتمثل في عمليات نفسية تحدث داخل الفرد بدءا بالسيالات العصبية الحسية التي تتكون في الحواس نتيجة المنبهات البيئية مرورات بسيالات الدماغ.

ثالثا: عوامل تابعة وتتمثل في السلوك الملاحظ للتعلم والذي يعمد المعلم او اية جهة معينة اخرى الى قياسه للتعرف على درجة فعالية العوامل المستقلة.

6- نظرية الغشتالين: تنص هذه النظرية على ان التعلم هو ظاهرة ادراكية بالدرجة الاولى يتقرر بفعل قوانين التنظيم العقلي التي يعتمدها الفرد من خلال مخزون ذاكرته، فالتعلم بحسب هذه النظرية يعتمد على عمليات تحليل الموقف واساليب استخدام الفرد لخبراته السابقة في ادراكه والاستجابة له.

7- نظرية بياجيه: تقرر هذه النظرية بان التعلم يحدث نتيجة لتفاعل الفرد مع البيئة اي مع منبهاتها الحسية المختلفة السمعية والبصرية والشمية والذوقية واللمسية كما يرتبط نسيان التعلم بدرجة استقرار البناء الادراكي وشرائحه الادراكية وغنى مخزونهما من خبرات سابقة واساس هذه النظرية هي قدرة الانسان على التكيف مع ظروفه المختلفة.

8- نظرية التعلم بالسيالات العصبية المرمزة: تنص هذه النظرية على ان الرسائل الحسية العصبية تنتجها الحواس بتاثير المنبهات البيئية تتحول الى سيالات عصبية مرمزة بحسب طبيعة الرسائل الحسية.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

...............................................

المصادر:

1- القران الكريم

2-اسس بناء المناهج وتنظيماتها، د. حلمي احمد الوكيل، د. محمد المفتي، دار المسيرة، 2005م.

3- علم النفس التربوي، د. صالح محمد علي ابو جاد، دار المسيرة، عمان، 2008.

5-مسيرة الفكر التربوي عبر التاريخ، د.محمد السيد سلطان، دار الهلال، بيروت، 2008 م.

6- نظريات التعلم، عماد الزغلول، دار الشروق، عمان، 2003.

7-نظريات التعلم، تطبيقات علم نفس التعلم في التربية، د. محمد زياد حمدان، دار التربية، دمشق، 1997م.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/نيسان/2010 - 21/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م