ظاهرة الشغف المطلق بالسلطة

تضخم ذات القائد تقتل إنسانيته وتحوله الى طاغية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل يمكن للمراقب أن يلاحظ هذه الظاهرة في المجتمع لاسيما لدى السياسيين واندفاعهم الكبير والمتواصل للوصول إلى السلطة؟.

نعم إن شغف الافراد بالوصول الى السلطة أمر لايحتاج الى بيان، فهو ظاهر للعيان ويمكن ملاحظته من قبل الجميع، وربما ليست هناك كوابح او موانع تصد الانسان عن هذا الهدف فيما لو توافرت له الضوابط القانونية والعرفية التي تؤهله للوصول الى السلطة، فهناك من تدفعه غريزته الى السلطة في المجال الذي ينشط فيه، لكن تبقة المسألة الاهم في هذا الجانب هي ضرورة السيطرة على النفس ووضعها وجها لوجه ازاء الضوابط المتفق عليها ومن ثم الخضوع لها والتزام التام بها.

ذلك أن رغبة النفس بالسلطة فيما لو تُرك الأمر لها فإنها ستبقى تطالب بالمزيد، وهذه من طبائع الانسان المتفق عليها علميا وعمليا، لكن يبقى الفرق الجوهري بين النفوس بعضها عن بعض متمثلا بالانسان القادر على كبح جماح نفسه والتحكم بها وثمة العكس حيث تقوده نفسه وأهوائها وهنا يكمن الخطر كله.

فثمة من الافراد يستميتون من اجل الوصول الى السلطة السياسية ومصادرتها كليا وحصرها بشخصه ليتحول الى دكتاتور اوحد يستحوذ على كل شيء، فيكون صوته هو الأعلى ورأيه هو الأصح كما يعتقد، فيجيّر الجميع لاهوائه وما يرغب به، وكل من يعارضه في الرأي او التوجه فإنه يكون في عرفه عدوا له وينبغي أن يتخلص منه بشتى السبل والوسائل.

ولكن لماذا يُصبح الانسان بهذه الكيفية الشاذة ؟ أي لماذا يحب السلطة الى درجة الشغف المطلق بها ؟ إن كل الدلائل العلمية التي وضعها ذوو الاختصاص تؤكد بأن هذا الشغف الغريب بالسلطة  ينم عن خلل نفسي وتربوي واخلاقي وديني تنطوي عليه شخصية الانسان المتسلط.

ويذهب بعض العلماء أبعد من ذلك الى طبيعة المحيط الذي نشأ فيه الانسان السلطوي، ابتداء من المحيط الأول (العائلة) صعودا الى المحيطات الاجتماعية او السياسية او العملية الاخرى، بمعنى هناك بعض المحيطات هي التي تنشئ مثل هذه الشخصيات المعتلّة المريضة بالسلطة الى درجة الشغف المطلق الذي يعمي البصيرة والبصر في آن، فيتحول الانسان الى رجل سلطوي متوحش، كما حدث ذلك في حلقات تأريخية كثيرة منها البعيد وأخرى قريبة كشخصية هتلر الذي اكتسح العالم بنزعته السلطوية الشريرة لتُزهق عشرات الملايين من الارواح في حروب عقيمة لا طائل من ورائها سوى الدمار.

ويذهب المعنيون الى أن الاسباب التي تقف وراء صنع مثل هؤلاء القادة السلطويين المتجبرين تتمثل بغياب الحرية وقلة فرص العمل ومنع الناس من التعبير عن آرأئهم بحرية وسيادة الرأي الشمولي الذي يقوم بإقصاء الآراء الاخرى كافة، وهذا ما يقود الى حرمان الفرد والجماعات من منافذ الحرية والتعليم والتوازن والاستقرار، وبالتالي، نشوء مثل هذه الشخصيات المأزومة كرد فعل عمّا تعرضت له من تعامل في المحيطات التي نشأت وترعرت فيها.

بالمقابل ثمة شخصيات لا تعبأ بالسلطة وامتيازاتها مطلقا، فهي لا تنظر الى السلطة من ناحية جلب النفوذ والاحترام والوجاهة وما شابه، ذلك لأنهم كبار بذواتهم، فهم  بعيدون عن السلطة وامتيازاتها، بل كثير من هؤلاء هم الذين يمنحون السلطة امتيازاتهم الانسانية الراقية، فتتحول بهم السلطة من معول للتهديم ووسيلة للقتل والتحجيم والاقصاء والظلم الى وسيلة عظيمة لنشر العدل والمساواة والعلم ونشره ورفع المجتمعات من قعر الحضيض الى قمة السمو الانساني، وقد كان لنا قادة عظماء في تأريخنا المشرق تمكنوا من تحويل السلطة الى عامل خير وتقدم واستقرارا، بدلا من أن تكون عامل ظلم وقتل وتخلف وما شابه.

فعلى من تبقى مهمة التصدي للنفوس النازعة الى السلطة وتشغف بها من دون حدود؟

 تبقى هذه المهمة عائدة للمجتمع نافسه لاسيما العلماء والمثقفون وذوي الشأن، فلا ينبغي أن تتضخم ذات القائد الى الدرجة التي تقتل فيه إنسانيته وتحوله الى طاغية لايرى إلا نفسه ومصالحه واهوائه ومن يقف معه ويتفق مع رأيه، أما الآخرون فهم اعداءه اذا لم يوافقوه على آرائه واجراءاته حتى لو كانت تصب بالاتجاه الخاطئ.

إذن فالمهمة جماعية تتعلق بعموم الناس وخاصة الطبقة الواعية، لمنع النفوس المأزومة من الوصول الى السلطة وبالتالي تحويلها الى منطلق يخدم رغابات الفرد الحاكم ويقصي الآخرين ويهمشهم إذا لم يقضي عليهم تماما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/نيسان/2010 - 19/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م