القادة السياسيون وضرورة تحييد الأهواء

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: نكاد نتفق على أن دائرة المسؤولية كلما اتسعت تتسع معها دائرة العقاب والثواب، بمعنى أن المسؤول عندما تتحدد مسؤولياته بنفسه او بأفراد قلائل لا يتعدى عددهم اصابع كف الانسان، فإن تبعات أفعاله وقراراته وما تنتج عنه سوف تنحصر بهذا العدد من الافراد، ولكن عندما تتسع مسؤولية الانسان لتشمل اعدادا كبيرة قد تصل الى الملايين كما هو الحال مع القادة السياسيين، فإن الامر سيختلف هنا.

بمعنى أن القرارات التي يتخذها هذا الانسان لا تنحصر بنفسه او بأعداد قليلة تمثل افراد عائلته او دائرته الرسمية مثلا، بل تكون قراراته مؤثرة في حاضر ومستقبل ومصير أعداد كبيرة من الناس يمثلون مجتمعا او شعبا كاملا.

من هنا فإن أي سلوك وتفكير تنطوي عليه شخصية القائد السياسي يجب أن تكون مستندة الى الحكمة والعدل والصلاح، وهذا لا يتأتى بطبيعة الحال إلا عندما يكون الانسان قائدا لنفسه وليس العكس، بمعنى له القدرة على التحكم في نزواته ورغائبه وبالتالي يكون ذا قدرة على التحكم بنفسه وأهوائها، وبهذا يكون بعيدا عن القرارات والافعال الظالمة التي تعودج بالضرر على ملايين الناس وليس على افراد قلة كافراد العائلة او الدائرة الصغيرة كما ذكرنا.

فكيف يمكن للسياسي أن ينجح في انعكاسات قراراته وكيف يضمن النجاح في تأدية مسؤولياته على اتساعها وضخامتها وخطورتها في آن؟

إننا نتفق على ان السياسي إنسان لا يختلف عن غيره من الناحية البايلوجية، ولذا يمكنه أن يحصّن ذاته من الزلل من خلال سيطرته عليها.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (نحو بناء النفس والمجتمع) حول هذا الموضوع:

(يمكن للإنسان أن يصل عبر هذا الطريق -السيطرة على النفس- إلى مراتب عالية، وقد وصل كثيرون درجة حيث لم يعد يزيد الترغيب في اندفاعهم ولا يقلل التثبيط من عزمهم، مع أنهم بشر لهم شهوات ورغبات ويدركون معنى الترغيب والتثبيط ولكن الإدراك شيء والتأثر به شيء آخر).

إذن في حالة كهذه يمكن أن تنعدم مؤثرات الترغيب في شخصية السياسي وطبيعة قراراته وذلك بانعدام المصلحية الذاتية او العائلية او الفؤوية وغيرها، وبهذا تكون مصلحة الآخرين فوق مصلحته، كما أن حالة التثبيط تنعدم في شخصيته لأنه مؤمن بدوره العادل الذي يستند الى مبادئ الخير والحق والدين والاخلاق والاعراف السائدة وما شابه، ولذا فإن هذه الحالة سنعكس على قراراته القائمة على تحييد المنافع الذاتية وتفضيل المصالح العامة.

ولكن كيف يمكن أن يصل الانسان الى هذه الدرجة من القدرة على النفس والتحكم برغائبها واهوائها ؟ إن القائد السياسي هو انسان قبل ان يصل الى دفة الحكم وهو محكوم بالقوانين الشاملة التي تقع النفس تحت طائلتها، لذلك إن أراد النجاح في عمله عليه أن يصل الى درجة صعبة ومهمة في ضبط النفس وكبح نزواتها، وهذا يتطلب قدرة الانسان على تحقيق هذا الهدف، وهنا يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه هذه النصيحة الكبيرة:

(يقال: إن بعض الأفاضل طلب من أستاذه العالم أن ينصحه نصيحة تنفعه طيلة عمره، وكان على وشك مفارقته، فقال له العالم: خصص لنفسك كل يوم وقتاً تحاسب فيه نفسك).

إذن هذه هي الخطوة الاهم في المحاولات الجادة التي يمكن أن تصل بالانسان الى إمكانية التحكم بنفسه، فحين يكون مراقبا جيدا لها ومحاسبا يوميا لأفعالها، سيكون قادرا على تحديد اتجاهاتها وطلباتها ثم تقييد أهوائها، وقد ذهب بعض العلماء أكثر من ذلك فقال: إن على الانسان أن يحاول عدم التفكير أصلا بارتكاب الخطأ لا أن يمتنع عنه فقط، وبهذا يكون قادرا على تحقيق ما يصبو إليه.

وطالما أن القائد صاحب مسؤولية كبرى تتعلق بعامة الناس وليس بشخصه او عائلته ومعيته فحسب، فإنه يجب أن يكون أكثر الناس حرصا على رصد النفس والسيطرة عليها من الولوج في سبل الزلل التي تكاد لا تُحصى ولا تُعد، وفي حال وصوله الى هذا الهدف الذي يتحدد بالحكمة والتعقل والعدل والمساواة والخير المطلق، فإنه يكون قد وصل الى هدفه بصورة تامة.

ويقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه القيّم نفسه: (هكذا هو حال من كان الله تعالى حاضراً عنده دائماً، فإن محاسبة النفس لا تغيب عنه ما دام مستيقظاً، وهذا ممكن بترويض النفس بأن يخصص المرء وقتاً من يومه يزيده قليلاً كل يوم، يراجع فيه نفسه وينظر إلى أعماله ونواياه، فكلما رأى خيراً شكر الله وطلب الزيادة وسعى لها، وكلما رأى شراً استغفر الله وطلب منه التوفيق للإقلاع عنه).

وبهذا يكون القائد قد ضمن لنفسه رضا الله تعالى مضافا الى ان أعماله وقراراته استنادا الى قدرته في التحكم بنفسه تكون كلها في خدمة وضمان حاضرهم ومستقبل أجيالهم لأنه استطاع أن يحد من أهوائه ورغائبه، وجعل مرضاة الله تعالى دليلا له وهدفا لمساعيه في كل أعماله ونواياه وأفكاره.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/نيسان/2010 - 17/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م