عولمة الزراعة والطاقة البيولوجية

الاندفاع الدولي على الطاقة البيولوجية يزعزع الأمن الغذائي العالمي

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: بينما تسعى الدول لإيجاد طرق تلبي الاحتياجات الغذائية لسكانها في المستقبل، تُشكِّل الحاجة إلى إيجاد مصادر طاقة أنظف أمراً مستعجلاً أيضاً. من المحتمل أن تُلبي الزراعة بعض احتياجات الطاقة هذه في المستقبل، وتسعى مختلف الدول إلى تجسيد هذه الإمكانية اليوم.

أحد الحلول الجزئية لمشاكل الطاقة التي تواجهنا لن نجده في حقول النفط بل في حقول الذرة، وذلك بسبب ازدياد عدد الدول التي تستبدل بعض حاجاتها النفطية بالطاقة البيولوجية، أي الوقود المستخرج من النباتات. يزداد الطلب على "زراعة الطاقة" ويفتح ذلك أسواقاً جديدة هائلة أمام المحاصيل الزراعية: قصب السكر المنتج في البرازيل، الذرة وفول الصويا المنتجان في الولايات المتحدة، وغيرهما من الأعشاب، والبذور، والأشجار التي تنتج في دول أخرى.

تستعمل في الوقت الحاضر دول عديدة الطاقة البيولوجية لتشغيل السيارات والشاحنات، وكثيراً ما تكون هذه الطاقة ممزوجة مع البنزين أو مع وقود الديزل. النوعان الرئيسيان من الوقود المستند إلى المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة هما الايثانول المستخرج من الذرة والديزل البيولوجي المستخرج من فول الصويا.

واستناداً إلى الوكالة الأميركية لمعلومات الطاقة، من المتوقع ان تتنامى أسواق هذين النوعين من الوقود. ومع توسع احتياجات الولايات المتحدة من الوقود السائل على مدى الخمس والعشرين سنة القادمة سوف تساعد الطاقة البيولوجية في سد هذه الفجوة. كما سوف يزداد اعتماد أوروبا، آسيا، وأميركا الوسطى والجنوبية على هذا المورد. بحسب تقارير نشرها موقع امريكا غوف.

تتميز الطاقة البيولوجية بجاذبية خاصة بسبب كونها متجددة، وذلك ببساطة عن طريق إعادة زراعة المحاصيل الزراعية اللازمة. لا نستطيع إعادة التزود بالنفط الذي نستهلكه والذي يشكل اليوم المصدر الرئيسي لمعظم أنواع الوقود المستعملة في وسائل النقل. يقول علماء الاقتصاد انه مع تناقص إمدادات النفط، يجب ان نتوقع حصول زيادة في أسعاره. لكن يتكهن الخبراء بأن الطاقة البيولوجية سوف تمثل الجواب على ذلك في القرن الحادي والعشرين.

يقول جون اوربانشوك، الاختصاصي في الطاقة البيولوجية لدى الشركة الاستشارية "ليغ" LECG، وهي شركة خبيرة للخدمات الاستشارية لها مكاتب في مختلف أنحاء العالم، "تلعب أنواع الوقود البيولوجي دوراً رئيسياً للغاية في الحلول محل أنواع الوقود المستندة إلى النفط." واستناداً إلى المجلس القومي للديزل البيولوجي، الذي يعمل اوربانشوك كمستشار له، إذا تمكنت الولايات المتحدة في الواقع ان تستبدل نسبة 5 بالمئة فقط من الديزل المستهلك اليوم بأنواع من الوقود المتجدد، نستطيع ان نستغني عن ما يساوي كل كمية النفط الخام التي نستوردها من العراق اليوم لإنتاج وقود الديزل.

ويضيف اوربانشوك، "كما أن هناك فوائد أخرى. فالوقود البيولوجي يوفر للمزارعين إيراداً حسب اسعار السوق وهو أمر مهم جداً. فإذا استطعت ان تؤمن عائداً حسب أسعار السوق، فإن ذلك يؤدي إلى تخفيض مبلغ الدعم المالي الحكومي المقدم إلى الزراعة، ويصبح من الممكن استعمال هذه الأموال في مجالات أخرى."

الاندفاع الدولي للطاقة البيولوجية

ومن المتوقع أن يشكل الوقود البيولوجي والرياح الموردين الأسرع نمواً للطاقة المتجددة في 30 دولة تتشكل منها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD). تبيّن التقديرات بأن الهند سوف توسع استعمال الوقود البيولوجي بنسبة 15 بالمئة على مدى العقدين القادمين، وان الصين سوف توسع هذا الاستعمال بنسبة 10 بالمئة. كما ان صناعة الوقود البيولوجي تنمو حثيثاً في مختلف دول أميركا الجنوبية.

لكن تبقى الولايات المتحدة والبرازيل الدولتين الرائدتين في هذا المجال، ومن المتوقع ان تبقيا كذلك. تنتج الدولتان نسبة 70 بالمئة من الطاقة البيولوجية في العالم. وفي حين تنتج الولايات المتحدة كمية من الايثانول اكبر مما تنتجه البرازيل، فإن الأخيرة كثيراً ما توصف بأنها تشكل الاقتصاد الأول للوقود البيولوجي. واصلت البرازيل، مدعومة باستثمارات حكومية كبيرة، تحسين طرق إنتاج الايثانول من قصب السكر خلال فترة ثلاثة عقود. ولا تعمل أية سيارة في البرازيل بعد الآن على البنزين الصافي. تفرض الحكومة تشغيل كافة السيارات على وقود ممزوج بنسبة الربع مع الايثانول. وقد أنتجت البرازيل حوالي 25 ألف كيلو ليتر من الايثانول في عام 2009 وصدرت حوالي 15 بالمئة منه إلى الخارج. ويبقى احتمال استنساخ نجاح البرازيل في أماكن أخرى قابلاً للنقاش على اعتبار ان أجزاء قليلة من العالم لديها المناخ والكتلة الأرضية المناسبة إلى هذه الدرجة لزراعة قصب السكر.

يستعمل حالياً الوقود البيولوجي في الدول النامية بصورة شائعة ولكن كمصدر للتدفئة المنزلية ولطهي الأطعمة. لم تتطور أسواق المحاصيل المزودة للوقود البيولوجي، ولذلك فهي لا تشكل مصدراً للإيرادات النقدية. استناداً إلى دراسة بعنوان، "استراتيجيات المصادقة، والتنمية الصناعية، والسوق العالمية للوقود البيولوجي"، التي أجراها مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في كلية كينيدي للحكم في جامعة هارفرد، ان هذا الأمر قابل للتغير لأن هناك دولاً عديدة نامية توفر إمكانيات هائلة غير مستغلة لإنتاج الطاقة البيولوجية.

وفي حين ان الطاقة البيولوجية تستطيع ان تزود المناطق الريفية الفقيرة بالأسس اللازمة لإنشاء صناعات زراعية جديدة، لا تزال هناك تحديات حقيقية قائمة. يتطلب الأمر وجود حكومة مستقرة كي تجذب المستثمرين والرساميل لإنشاء البنية التحتية اللازمة. فإنتاج الوقود البيولوجي يحتاج إلى مصافٍ لصنع الوقود، وسيارات تستطيع ان تستعمل ذلك الوقود، ومنشآت نقل لحمل الوقود إلى السوق.

علاوة على ذلك، وبينما يشكل الإيثانول وقوداً تنافسياً من حيث سعره البالغ 60 دولارا للبرميل،  يتم "تشكيل سوق التصدير للوقود البيولوجي بطريقة اعتباطية بسبب مجموعة مختلفة وأحياناً متعارضة" مع أهداف السياسة الحكومية. فعلى سبيل المثال، عندما تقيد الدول المتطورة المستوردات منه لحماية أرباح مزارعيها بالذات، فإنها تجعل من الأصعب للقادمين الجدد الدخول إلى السوق. مع ذلك، ترى الدراسة ان هناك إمكانية لإنتاج وتصدير الايثانول المستخلص من قصب السكر في سورينام، غوايانا، بوليفيا، باراغواي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، والكاميرون.

يقول التقرير إن الأمر الأكثر أهمية من ذلك هو ضرورة ان تقوم أي من الدول بضمان الأمن الغذائي قبل ان توجه مواردها الزراعية لإنتاج الطاقة. وبالفعل، وحتى في الولايات المتحدة هناك هواجس تتعلق بتأثير أنواع من الوقود البيولوجي على الإمداد الغذائي. خلال فترة ارتفاع أسعار الغذاء في العام 2007-2008، حددت مجموعات مثل مؤسسة سياسة الأرض، إنتاج الوقود البيولوجي على أنه السبب الرئيسي لهذه الارتفاعات.

أكدت هذه المؤسسة ان استعمال الذرة لإنتاج الوقود أدى إلى زيادة الطلب على هذا المحصول الأمر الذي أدى إلى رفع أسعاره لاستعماله كغذاء أيضاً. إذا أعدنا النظر إلى ما مضى، يستنتج مكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي، ان تحويل الذرة لإنتاج الايثانول لم يؤثر سوى بدرجة طفيفة على أسعار الأغذية، وكان مسؤولاً عن نسبة تتراوح بين 1.5 و1.8 بالمئة من الزيادة التي بلغت 5.1 بالمئة في أسعار الأغذية. لعبت عوامل أخرى مثل اكلاف الطاقة التي ارتفعت ارتفاعاً مفاجئاً دوراً أكبر في الصعود الحاد لأسعار الغذاء، حسب ما أكده ذلك المكتب. ولكن من المهم أن يقوم مناصرو الطاقة البيولوجية بمعالجة الواقع الملموس بأن إنتاج الوقود البيولوجي يعني أسعاراً أعلى للأغذية. يشير عدد كبير من الناس إلى ان ليس جميع كميات الأعشاب أو الفاصوليا تذهب لإنتاج الوقود. إذ ان الحبوب المطحونة والمنتجات الجانبية الأخرى تستخرج لعلف المواشي ولأغراض أخرى.

في حين انه من المتوقع ان يستمر الطلب على الذرة وفول الصويا قوياً، سوف تتنافس محاصيل أخرى هي الآن في مراحل مختلفة من التطوير لاستعمالها في إنتاج الوقود البيولوجي. فعلى سبيل المثال، يشير باحثون في كلية الزراعة والعلوم الحياتية في جامعة ايداهو إلى احتمالات قوية لتقوم بتلك المنافسة محاصيل بذور الخردل، والكانولا، وبذور اللفت. يقول جاك براون، بروفسور علم الاستيلاد والوراثة في جامعة ايداهو، ان بذور الخردل يمكنها ان تخدم غرضاً مزدوجاً: يمكن تحويل زيوتها إلى وقود بيولوجي كما أن البذور المطحونة منها ذات الرائحة اللاذعة يمكن تحويلها إلى مبيد للآفات ونشرها على الأراضي الزراعية.

من غير المتوقع ان يحل الوقود البيولوجي بالكامل محل النفط. ولكن حتى ولو تمكن فقط من تخفيض استعمال النفط بمقدار صغير، يتوقع المحللون ان وجوده سوف يدفع الأسعار نحو الهبوط. فيما يتعلق بالوقود البيولوجي، يحث براون الصناعة الزراعية ان تستبدل كافة حاجاتها من الوقود المستند إلى النفط بمنتجات الديزل البيولوجي. ويقول انه يجب تشغيل الجرارات والشاحنات باستعمال أنواع الوقود التي تنتج في المزارع ليس فقط لدعم الصناعة الزراعية فحسب بل وأيضاً لحماية الأراضي الزراعية من الملوثات التي يولدها النفط. قد يكون لذلك تأثير صغير، لكنه تأثير ذو شأن بالنسبة لاستعمال النفط، إذ أن الزراعة تشكل نسبة أعلى بقليل من واحد بالمئة من الناتج القومي الإجمالي. ويقول براون، "حتى ولو أصبح الديزل البيولوجي كل ما نريده منه ان يكون، فسوف يستمر في توليد كمية صغيرة فقط من الوقود الذي نحتاج إليه في هذه البلاد. ولهذا السبب لا يتوجب استعمال الديزل البيولوجي من جانب السيدة ماك غوينتي لنقل أطفالها إلى المدرسة أو من قبل نجمة متألقة من كاليفورنيا. لكن يتوجب استعماله في المناطق الحساسة بيئياً."

العمل جارٍ أيضاً لصنع أنواع الوقود البيولوجي من مواد أولية أكثر غرابة: الطحالب، زيت الخروع، تفل القهوة، الجراثيم، الريش المطحون، زيت سمك السلمون، التبغ، كما الأعشاب، والبذور والأشجار المختلفة الأخرى. يعلن نجوم هوليوود على الملأ استعمالهم لأنواع من الوقود البيولوجي المصنوع من شحوم المطاعم المتبقية بعد قلي الأطعمة السريعة. إلاّ أن مثل هذه المواد لديها مدى محدود من الاستعمال بسبب ميلها إلى التجمد، كما لا يمكن توفرها سوى بكميات صغيرة فقط.

في نفس الوقت، تنتقل صناعة الطائرات إلى استعمال الوقود البيولوجي. فقد اجتمعت شركة بوينغ، ووكالة المطارات والخدمات المساعدة المكسيكية، وشركة هونيويل لإيجاد طرق لاستعمال المحاصيل المكسيكية لإنتاج الوقود البيولوجي. وفي الولايات المتحدة، تعهدت شركة الشحن فيديكس (Fedex) بأنه بحلول عام 2030 سوف تأتي ثلث كمية الوقود التي تستهلكها من الطاقة البيولوجية. تستعمل الطاقة البيولوجية أيضاً في إنتاج الطاقة الكهربائية، وفي الأغلب في محطات توليد الطاقة الصغيرة. كما يشكل الاستعمال المشترك للطاقة البيولوجية والفحم الحجري مجالاً واعداً، إذ تستعمل محطة توليد الطاقة الكهربائية الفحم الحجري في جزء من الوقت فتحافظ على انخفاض الاكلاف وتستعمل الطاقة البيولوجية في ما تبقى من الوقت لتحسين المظهر البيئي لمحطة توليد الطاقة.

من المتوقع أن يزيد الطلب على الوقود البيولوجي في العالم بنسبة 8.6 بالمئة سنوياً حتى العام 2030. يعتمد تحقيق ذلك على الدعم الحكومي لأن الوقود البيولوجي، مثله مثل معظم مصادر الطاقة المتجددة، لا زال يعتمد على الحوافز المالية. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، يفرض قانون  فدرالي زيادة خليط الوقود البيولوجي وصولا إلى 36 بليون غالون تقريباً (136 مليون كيلو لتر) بحلول العام 2022. بالإضافة إلى ذلك، التزمت حكومة أوباما بتخصيص مبلغ 80 مليون دولار إلى أبحاث متقدمة للوقود البيولوجي.

الطاقة البيولوجية: متوفرة ومتجددة ومستدامة

والطاقة البيولوجية لا تساهم في تغير المناخ لأن ثاني أوكسيد الكربون الذي تنتجه مستخرج من كربون كان موجوداً في الجو على شكل شيء آخر كان حياً مؤخراً. اما الوقود الاحفوري، من جهة أخرى، فيطلق في الجو غازات الاحتباس الحراري التي كانت محتجزة سابقاً ضمن طبقات الأرض.

الكتلة البيولوجية هي الكتلة الكلية للمادة الحية الموجودة ضمن بيئة طبيعية معينة، بما في ذلك الوقود الشائع الاستعمال مثل الحطب، ولكن أيضاً في الكثير من المواد التي يعتقد في العادة أنها نفايات: النفايات الزراعية، الروث، النفايات الصلبة للبلديات، النفايات الصناعية، وبعض المحاصيل الممكن زراعتها خصيصاً للاستعمال كوقود. الميزة الجذابة الأخرى للكتلة البيولوجية هي انها موجودة في كل مكان وليست مركزة في بلدان قليلة.

الكتلة البيولوجية سهلة الزراعة، والجمع، والاستعمال، والاستبدال دون أن تستنزف الموارد الطبيعية، وهكذا فإن الطاقة البيولوجية ليست متجددة وحسب بل انها أيضاً مستدامة.

الإيثانول أو كحول الاثيل كما يستعمل في المشروبات الروحية والأدوية، هو حالياً الوقود البيولوجي الأوسع استعمالاً في الولايات المتحدة. ويذهب حوالي ثلث محصول الذرة الأميركي إلى إنتاج الإيثانول. وقد أدى هذا الأمر إلى زيادة كمية الإيثانول المنتج سنوياً في الولايات المتحدة منذ العام 2003 بثلاثة أضعاف. بلغت كمية الإيثانول المنتجة في الولايات المتحدة عام 2009 حوالي 34 بليون كيلو ليتر.

سدّ الجوع المستتر

كما إن تلبية احتياجات العالم الغذائية المستقبلية سوف تشكل اختباراً لقدرة وبراعة المنتجين الزراعيين في كل مكان. وليست المشكلة هي مجرد مشكلة كميات، بل نوعيات. هناك أكثر من بليون نسمة يعانون من نقص الكميات الكافية من الأطعمة الغنية بالمغذيات، مثل اللحوم، والبيض، والحليب، والخضار، وفقاً لتقدير منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة للعام 2009.

و"الجوع المستتر" هو الوصف الذي أطلقته "مبادرة المغذيات الصغيرة"، وهي إحدى المجموعات الدعوية الساعية إلى إيجاد حلول للمشكلة، على سوء التغذية. "عندما يصبح الجوع المستتر واسع الانتشار، يمكنه أن يوقع الأسر، والمجتمعات الأهلية، بل ودولا بأكملها في شرك دورات متتالية من الصحة المعتلة والفقر"، كما تشرح المنظمة على موقعها الالكتروني.

والنقص في الفيتامينات الأساسية والمغذيات التي تساعد في النمو الصحيح للأطفال يمكنه أن يرهق الصغار بإعاقات تدوم طوال حياتهم.

إن إمداد الأطعمة الوفيرة الغنية بالمغذيات إلى جميع سكان العالم اليوم وفي المستقبل يشكل الحل المرغوب فيه ولكنه الأصعب منالاً. تكمن الاستجابات الأخرى في توزيع مغذيات إضافية على شكل حبوب فيتامينات على السكان، أو تزويد مواد غذائية مقواة مثل الملح المضاف إليه اليود، والحليب المضاف إليه فيتامين (د)، والكالسيوم. نالت هذه الحلول دعماً في "النداء الموحد للعمل" الذي أطلقه عام 2009 اتحاد يضم العديد من وكالات المساعدات الرئيسية في العالم، بما في ذلك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة.

ولكن هناك ردا آخر على سوء التغذية وهو التقوية البيولوجية، أي ابتكار أنواع جديدة من المحاصيل الغذائية الأساسية التي تنبت من الأرض محتوية على نسبة غذائية أعلى.

يسعى مشروع "هارفست بلاس"، المشروع الدولي للأبحاث الزراعية، إلى تحقيق هذا الحل مع بذل جهود لتعزيز المحتوى الغذائي في سبعة محاصيل أساسية تزرع في آسيا وأفريقيا. وهذه المحاصيل هي الفاصوليا، المنيهوت أو الكسافا، الذرة، الدُخن، الأرز، البطاطس الحلوة، والقمح.

يهدف مشروع "هارفست بلاس" في وقت ما خلال هذه السنة إلى زرع أول محصول مقوّى بيولوجياً في الأرض. تمّ استخراج سلالة من الفاصوليا تحتوي على نسبة حديد أعلى من المعدل لزراعتها في رواندا وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث يمكن ان تعاني نسبة تفوق 50 بالمئة من الأطفال من نظام غذائي يفتقر إلى نسبة مناسبة من الحديد.

بحلول العامين 2011 و2012 يهدف مشروع "هارفست بلاس" إلى تطوير سلالة من المنيهوت سوف تضاعف محتوى الفيتامين (أ) ثلاث مرات في هذا المحصول النشوي الأساسي وتزود حوالي نصف الكمية الموصى بها من الفيتامين الضروري للنظر السليم. ورغم ان المنيهوت المقوى بيولوجياً ما زال في مرحلة التطوير، من المقرر أن يزرع في حقول نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بحلول 2010-2012.

أهمية الزراعة في السوق العالمية

وكتب الباحث سي بيتر تيمر، عالم اقتصاد بارز في حقول الاقتصاد الزراعي والتنمية الزراعية مقالاً حول إيجابيات تطوير الزراعة قال فيه: من المحتمل ان تنشئ الزراعة في القرن الحادي والعشرين روابط أقوى بين المزارعين في المناطق الريفية وسكان المدن من أجل إنشاء أنظمة سوق تتمتع بكفاءة أكبر وتكنولوجيات أفضل.

العولمة المتزايدة للزراعة والدور المسيطر لمتاجر السوبرماركت الناتج عنها يستفيد منهما العديدون لكنهما يلحقان الأذى بآخرين. يجب ان يسعى الذين يؤثرون على السوق العالمية في القرن الحادي والعشرين إلى توزيع الأعباء بصورة متساوية فيما يحافظون على المكاسب الحقيقية التي تُمكّن الملايين من التمتع بتنوع أكبر من الأغذية الصحية ذات الأسعار المقبولة.

ويوضح الباحث، بسبب طبيعتها بالذات، تُشكِّل الزراعة نشاطاً محلياً بمعظمها لأن جذورها تكون راسخة في التربة. يعيش معظم البليون مزارع أو أكثر في العالم ضمن مسافة قصيرة من المحاصيل التي يزرعونها ويأكلونها. أدى التطور المشترك للمجتمعات الإنسانية والأنواع المزروعة إلى حصول تكيف رائع مع بيئات محددة، وخلق أنظمة محاصيل كثيرة التنوع تستطيع ان تلبي الاحتياجات الغذائية الواسعة لجميع أفراد الأسر. ولا زالت الزراعة المحصورة محلياً هي القاعدة المتبعة لدى الغالبية العظمى من فقراء العالم.

اعتبر علماء الاقتصاد لمدة طويلة هذا الاعتماد كسبب للفقر وليس كمصادفة تاريخية. كما يجادلون أن الزراعة المحدودة بالمحاصيل الأصلية المحلية والمستندة إلى أسمدة التربة المتوفرة محلياً، والعمل الذي يقوم به أفراد الأسرة الواحدة، يُشكِّل وصفة للفقر ولسوء التغذية. ويستنتجون أن الاكتفاء الذاتي من الأغذية المحلية يؤدي إلى إفقار الأسر الإفرادية كما الاقتصاد بمجمله. مُنحت جائزتا نوبل في الاقتصاد عام 1979 تقديراً لهذه التبصرات: واحدة إلى تي دبليو شولتز، لتشديده على الحاجة لتكنولوجيات جديدة للتغلب على فقر الأسر في الأرياف، والثانية إلى دبليو ارثر لويس لتشديده على دور التحديث الزراعي كدخل حاسم للتنمية الاقتصادية الإجمالية.

ويبين الباحث، تُشكِّل تفاعلات الأسواق بين الأسر الزراعية والمدينية المفتاح الرئيسي لحل المشكلتين. لكن الأسواق لا تؤمن فقط إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا افضل وكفاءة أكبر، بل انها تأتي أيضاً بمخاطر جديدة، مثل أن تباينات الأسعار قد تقوض من ميزة العمل الشاق الذي يبذله المزارعون وتغرق هؤلاء المزارعين بالديون. في نفس الوقت، تقدم الاقتصادات المدينية الديناميكية إلى المزارعين، ولا سيما لأطفالهم، فرصة حياة جديدة في المدينة. كما أن توسَّع الأسواق إلى مستوى عالمي، والفرص، والخيارات، والمخاطر على مستويي المزرعة والمستوى القومي، كلها ستتضاعف.

ويضيف الباحث، ان عولمة الأسواق ليست أمراً جديداً فنحن الذين نعيش في الولايات المتحدة اعتمدنا لمدة قرون على الأسواق العالمية، فهي تزودنا، على سبيل المثال، بالقهوة، والشاي، والتوابل، وتشتري محاصيلنا الفائضة عن الحاجة من الحبوب، والتبغ، والزيوت النباتية. وترتبط بصورة مماثلة أجزاء أخرى من العالم منذ بداية النمو الاقتصادي الحديث. فقد ارتبطت أسعار القمح في إنجلترا القرن الثاني عشر مباشرة بالأسعار السائدة في موانئ بحر البلطيق، كما ارتبطت أسعار الأرز في كلكتا ومومباي، وحتى في باريس، بالأسعار السائدة في رانغون وسايغون. فتجارة السلع الزراعية عبر مسافات بعيدة تفيد الناس على طرفي العملية.

رغم ذلك، فإن الدورة الحديثة للعولمة أصبحت أوسع وأعمق من أي شيء حصل في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد حفزت ثلاث ثورات التكامل السريع في أسعار السلع:

-الثورة في التكنولوجيات الزراعية التي أتاحت استعمال تقنيات زراعية ذات إنتاجية عالية لكن متخصصة.

-الثورة في الاتصالات والنقل التي سمحت للمشترين وللبائعين بالاتصال السريع وبكلفة متدنية عبر مسافات شاسعة.

-الثورة في المستويات المعيشية العالمية التي جلبت بلايين الزبائن الجدد إلى عالم المشتريات الاستنسابية.

التقدم في الإمدادات والتسويق والطلب

ويوضح الباحث، إذ تُدفع بهذه القوى فإن العولمة الزراعية تحدد شكل النظام الغذائي للمستهلكين وممارسات المزارعين. يستفيد المستهلكون من التوفر الحاضر وبأسعار مقبولة لأغذية أكثر تنوعاً، وهي وفرة تتعدى بكثير ما يستطيع ان يزوده الإنتاج الزراعي المحلي. فالمستهلكون الأوروبيون يتمكنون من الوصول اليومي إلى لوبيا خضراء طازجة من كينيا، ويتمتع المستهلكون الأميركيون بتناول الهليون الطازج من البيرو في شهر شباط/فبراير. توفر أنظمة النقل المتدنية الكلفة والحواجز التجارية المتداعية إلى العديد من المستهلكين سلة أسواق تستحضر محتوياتها من الوفرة والتنوع في العالم أجمع.

ويبين، في نفس الوقت تستطيع العولمة ان تحفز المزارعين الفرديين على التخصص في زراعة محصول واحد حتى لو أصبحت القطاعات الزراعية القومية بأكثرها أكثر تنوعاً. وما لم تكن الظروف الزراعية – البيئية متماثلة تقريباً عبر بلد ما، سوف يطور المزارعون، لأسباب تتعلق بالموارد ونوعية التربة أو عدد آخر من العوامل، أفضلية تنافسية في زراعة نوع معين من المحاصيل. سوف يستعملون مواردهم الزراعية بأكبر قدر من الفعالية من خلال التخصص في زراعة ذلك المحصول. يتماشى هذا التخصص الضيق مع التنوع الأكبر على المستوى القومي بسبب التسويق التجاري للزراعة والتجارة الدولية بالسلع الغذائية.

دور متاجر السوبر ماركت

ويرى الباحث أن أسواق السوبر ماركت الحديثة تقدم إلى المستهلكين الوفرة التي تقدمها السوق الدولية. من خلال تركيز القوة الشرائية لبلايين المستهلكين، تستطيع هذه المتاجر ان تؤمن مجموعة متنوعة واسعة من الأغذية الجذابة بأسعار منخفضة. لكن هذه المتاجر تضخم أيضاً الضغوطات التي تدفعها العولمة المسلطة على القطاع الزراعي لتبني ممارسات إدارية فعالة لسلسلة الإمدادات. أما التأثير فهو عميق على هيكلية الإنتاج الزراعي، وعلى من يشارك في عملية التسويق، وعلى طبيعة وكلفة المنتجات المتوفرة للمستهلكين.

ويوضح الباحث، ان متاجر السوبرماركت والشركات العابرة لحدود الدول (TNCs) التي تملكها عادة تواجه أيضاً منافسة شرسة. تحاول الشركات العابرة لحدود الدول، مثل "وول-مارت" في الولايات المتحدة، و"تسكو" في المملكة المتحدة، و"كيرفور" في فرنسا، و"أهولد" في هولندا الهروب من الضغط الناتج على الأرباح من خلال تطبيق تكنولوجيات معلوماتية جديدة تهدف إلى تخفيض أكلاف السلسلة الإمدادية والهرب من السوق المحلية والانتقال إلى دول حيث تكون عمليات البيع بالتجزئة للأغذية لا زالت غير كفؤة نسبياً وحيث تكون هوامش الأرباح مرتفعة. قامت معظم هذه الشركات المنخرطة في تسويق الأغذية بالخطوتين معاً.

تسيطر متاجر السوبرماركت التي تملكها الشركات العابرة لحدود الدول بدرجة متزايدة على سلسلة الإمداد العالمية للأغذية. ولكون هذه الشركات مدعومة من الاستثمارات المباشرة الأجنبية، فإنها تعزز صناعة البيع بالتجزئة للأغذية في دول عديدة، ويدعي البعض أنها تحقق أرباحاً عالية جداً وحتى احتكارية، ولكن ماذا يعني ذلك للمستهلكين؟ إن الجواب معقد.

التكنولوجيا التي تخفض اكلاف العمليات عبر سلسلة إمداد الأغذية يمكنها ان تعزز أرباح متاجر السوبرماركت حتى عندما يحصل المستهلكون على ميزة الأسعار المنخفضة. وبصورة متزايدة، تمكّن تكنولوجيا المعلوماتية مدراء هذه المتاجر من السيطرة الحادة على عمليات الشراء، ومستويات المخزون، ومعرفة أوصاف المستهلكين لدى خروجهم منها. يُترجم ذلك إلى مزايا تنافسية هائلة في ما يتعلق بالسيطرة على الكلفة، والمحافظة على النوعية، وتعقب المنتجات في حال وجود عيوب او مشاكل تتعلق بالسلامة.

تمنح الزراعة المعولمة عدداً من الفوائد الأخرى. فمثلاً، إذا عانت ولاية فلوريدا من صقيع قاتل، لن يفتقر المستهلكون الأميركيون إلى عصير البرتقال. فالبدائل البرازيلية وغيرها من البدائل تتوفر فوراً في الولايات المتحدة، والعكس بالعكس. يعزز الإنتاج العالمي أمن الغذاء العالمي، ويمنح بوليصة تأمين جزئية ضد تأثير تغيّر المناخ على إنتاج المحاصيل.

ويستدرك الباحث، لكن مع هبوط كلفة تكنولوجيا المعلوماتية، يصبح تحديد المستفيدين اقل وضوحاً. ومع تبني عدد أكبر من المتنافسين التكنولوجيا الأكثر حداثة، يشتد التنافس بين باعة المواد الغذائية. يستفيد المستهلكون من الأسعار المخفضة الناتجة عن هذا التنافس. وبدورها تتطلب الشركات العابرة لحدود الدول كفاءة أكبر باستمرار من مورديها. وفي نهاية الأمر، ينتقل الضغط المتواصل لتخفيض الأسعار في أجنحة الأغذية في المتاجر رجوعاً إلى المزارع الفردي.

الهواجس حول المساواة

ويؤكد الباحث ان السيطرة المتزايدة تولد لمتاجر السوبرماركت هواجس حقيقية حول الإنصاف والمساواة في نظام تسويق المنتجات الزراعية. ومع تحول العديد من العمليات من الأسواق العامة المفتوحة والشفافة إلى مسؤولي المشتريات في متاجر السوبرماركت الذين يمثلون بضعة مشترين كبار، يصبح من الأسهل استثناء منتجي الأغذية من المفاوضات. وهكذا، يستمر الضغط لتخفيض الأسعار، وعندها إما يتكيف المزارعون او يضطرون إلى الخروج من السوق الزراعية.

ولكن هناك جانبا آخر لهذه القصة. ففي بيئة تنافسية يجب على متاجر السوبرماركت ان تستجيب إلى ما يفضله المستهلك. يهتم بعض المستهلكين بعمق بمسألة البيئة، ويدفع آخرون عن طيب خاطر أسعاراً أعلى نوعاً ما من أجل دعم المزارعين المحليين. وتدير الشركات العابرة لحدود الدول بعض عقود الشراء، آخذة في اعتبارها هذه الهواجس. أما المخاوف من ان تفرض شركة معينة سيطرة احتكارية وقوة سوقية في العالم النامي فتبدو مبالغاً بها: فنجاح سلسلة سوبرماركت واحدة يجذب غيرها. فتتنافس هذه الشركات بشراسة مع بعضها البعض. وتبدو السوق للحصول على مال المستهلك للأغذية على انها تخضع لتنافس شديد حتى عندما لا يصمد سوى عدد صغير جداً من باعة التجزئة بوجه المنافسة في الأسعار.

ليس هناك من شك أن نمو متاجر السوبرماركت التي تملكها شركة عابرة لحدود الدول تهدد صغار المزارعين. وبسبب الاكلاف المرتفعة للعمليات، يصبح العمل مع أعداد أكبر من صغار المزارعين مكلفاً أكثر من العمل مع عدد قليل من كبار الموردين. يمكن ان يخسر صغار المزارعين بسهولة إمكانية وصولهم إلى السلاسل الإمدادية لمتاجر السوبرماركت ويسقطون بدرجة أعمق في هوة الفقر. لكن كثيراً ما تترافق الفرص مع المخاطر. حقق بعض صغار المزارعين إمكانية وصول مفيدة إلى السلاسل الإمدادية الحديثة. يبيع صغار المزارعين في وسط جزيرة جاوا، بإندونيسيا "البطيخ الأسود" المتخصصين في إنتاجه ليس إلى المستهلكين المحليين فحسب بل وأيضاً إلى المستهلكين في جاكرتا، وسنغافورة، وكوالالمبور. والدول الفقيرة التي تنجح في دمج بعض صغار المزارعين في السلسلة الإمدادية لمتاجر السوبرماركت يمكنها أن تستفيد كثيراً.

ويختم الباحث سي بيتر بالقول، تُمثل سلاسل إمداد الأغذية المعولمة سيفاً ذا حدين. فهي توفر للمستهلكين أسعاراً مخفضة اكثر وأمناُ غذائياً أكبر، ولكن يمكن ان تفقد البلدان سيطرتها على إنتاجها وتجارتها من الأغذية حيث يقوم المستهلكون والمنتجون الأجانب بتحديد الأسعار المحلية. يجب ان يوازن النظام التجاري الدولي الجديد هذه الإيجابيات والسلبيات بصورة عادلة ولا سيما كي لا تتأذى الدول الأكثر فقراً – ذات الأمن الغذائي الأقل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/نيسان/2010 - 15/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م