المِعمام.. آخر مكتشفات المثقفين!!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل فعلا ثقافتنا سكونية المظهر والجوهر؟ سؤال أخذ يتردد في كتابات عديدة،  بعد مؤشرات كثيرة بزغت هنا وهناك وانطلقت من هذا الاديب العربي الراسخ او ذاك، كما نرى في عبارة ادونيس المحرجة التي تقول بأن العرب حضارة في طريقها للانقراض- ذكر لي ذلك احد الاصدقاء ولم أسمعها او أقرأها بنفسي-، إن هذه العبارة لا تزال حاضرة لحدتها وخطورتها، لكنها كما نتفق، ستقرّ كغيرها بعد أن التفّتْ عليها شباك الثقافة العربية الساكنة، الغارقة أبدا في مخابئ الماضي ودهاليزه، ولعلها لن تثير شيئا في العمق بل ربما ستراود السطح قليلا لتسكن الى النسيان كالعادة، كما أننا كثيرا ما نسمع او نقرأ او نعيش حالات قادحة في لحظتها، لكنها سرعان ما تنطفئ مخلفة أطنانا من السكون لتزيد المشهد الثقافي القار سكونا على سكون!!

ولعل الطريف في الامر يكمن في أحد المقالات التي قرأتها مؤخرا وهي لكاتب عربي خليجي أعتبره صديق بسبب إعجابي الشديد برؤاه الجريئة وطروحاته الحاذقة، يتحدث فيه حول الواقع الثقافي العربي وانغماره في متاهات الأمس وتركيزه العجيب على القشور الميتة التي غالبا ما يتقيأها الماضي الميت أصلا، والأمر الطريف الذي تطرق له المقال هو انشغال الجهابذة العرب -في ندوة عقدتها مؤخرا مجلة عربية مهمة- بكيفية التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة كونها ليست نابعة من اصالة الواقع او الدم العربي (وهنا لا أعرف أية وسيلة اتصال راهنة خرّجها عقل العرب، فأفاد بها نفسه والعالم) الذي لم يفهم حتى اللحظة غير كرياته الحمراء والبيضاء التي تم اكتشافها قبل قرون او آلاف السنين، ولا يحاول أن يتفهم ثقافات اخرى لم تكتف قط بأرحامها الحاضرة المتوقدة أصلا بل غادرتها الى أرحام المستقبل من اجل البحث عن الجديد أبدا..

 فلقد أشار كاتب المقال الى ان علماء العرب اللغويون او بعضهم، إنشغلوا كثيرا بإيجاد التسميات العربية التي تنطبق على وسائل الاتصال الحديثة، فاحتاروا مثلا ماذا يسمون الانترنيت وما هي المفردة المناسبة التي تنطبق عليه او تقترب منه، وهل تكفي تسميته بالشبكة العنكبوتية؟ أم يبحثوا عن كلمة اكثر تواؤما منها، وهكذا توصل هؤلاء -العباقرة- بعد أن (قدموا عريضة الى الجهات المختصة يطلبون فيها براءة لاختراعهم الجديد!!!) عن التسمية المكتشَفة التي أطلقوها على الأنترنيت وهي تسمية (المِعمام) المعاصرة بدلا من التسمية النمطية القديمة الشبكة العنكبوتية!!!.

إذن لا يهم أن تنزلق ثقافتنا في رحم الامس وتتقولب فيه، هذا أمر ليس ذي بال، ولا يهمهم أصلا طالما أن قبلتهم العلمية هي الماضي لا غير، ولهذا إذا قيل لمن يتصدر دفة الثقافة العربية بأن السكون هو معلمها الراهن او محاربة التجديد ديدنها، فإنهم سوف ينتفضون، وسيقولون لمن يؤشر ذلك بأن مسألة التلاقح مع الآخرين مطلب مهم شريطة توافر بند التكافؤ الذي لا مناص منه، وهي شماعة كسرتها الثقافات الاخرى منذ زمن بعيد وألقت بها في مقبرة الماضي أيضا، لكننا لم نزل نتمسك بشماعاتنا أبدا وكأنها السفين المخلِّص لنا من الطوفان القادم، ولا أحد يجرؤ ويمد سبابته نحو الحقيقة التي تؤشر خوفنا المزمن من الجديد، ولعل السبب الذي يعرفه الجميع ويتفق عليه هو خوف القيادات الثقافية السكونية على كراسيها ونفوذها ومناصبها التي صارت قرينة القمع للصوت الآخر وكبح العقل المتجدد وضرب كل صوت لا يتناغم مع الاصوات القارة الساكنة المنضوية تحت خيمة الإذلال والتبعية لحيتان الثقافة الكبار.

لا يتشكل هذا المشهد في دولة عربية بعينها ولا ينحصر في مجتمع عربي قائم هنا او هناك، بل هي دلائل جوهرية شاملة تشير الى الجميع وتتهمهم بوضوح لا يتردد او يتخوف من هذا الحوت او ذاك، فكل الحيتان همها أين تجد فرائسها من الصغار، ليس دفاعا عن الكراسي فحسب إنما (تكبيرا للكروش) والضحايا هم الصغار دائما، وبهذا هم -الكبار- لا يعرفون أو يتناسون إنما يفترسون أنفسهم بافتراسهم لصغارهم.

وهكذا تجد المثقفين العرب موزعين بين مطبّل للسياسي، او مجارِ له، وبين حيادي يترقب من بعيد خوفا على (اللقيمات القليلة) التي يسد بها رمقه، او منهم من يطرح الحقائق على مضض (وهم القلة الأقل) لعلمهم المسبق بأن سكونية المشهد الثقافي (تشبه الكتلة الخرسانية) التي لا يمكن تفتيتها، إلا بمطارق الآلات الحديثة التي نفتقد لها مع الأسف، مثلما نفتقد لاستعمالها فيما لو توفرت.

وهكذا تبدو صورة السكون قاتمة مثلما يبدو الصوت الذي يشير الى ذلك نشازا وغريبا، فليبق المشهد كما هو عليه، وليبق المثقفون منشغلين بما يريده الساسة منهم ناهيك عن لهاثهم المخزي وراء المال وحسن الاحوال في شلل ضالة لا ترى أبعد من ذواتها القصيرة النظر والرؤى والفكر في آن.

أما القول بأن مثل هذا الكلام فيه تحامل وتجنّ او هو تعبير عن فشل ذاتي في تحقيق الهدف المبتغى، فأقول لكل الحيتان المثقفة ومناصريها لكم الحق فيما تقولونه لي او لغيري لأنكم لا تخطأون أبدا، ولمناصريكم الحق أيضا لأنهم لا يعيشون الحياة أكثر من مرة وعليهم استغلالها بالصورة التي تحقق لهم أحلامهم، ولنبقَ منشغلين بالقشور والركون الى ثقافة قارّة.

لأن اكتشافنا للـ (مِعمام) سيجنبنا الخوض فيما هو أخطر وهنيئا لكم عمّا اكتشفتم وعمّا ستكتشفون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/آذار/2010 - 14/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م