إشكالية نتائج الانتخابات بين الكيانات السياسية و المفوضية

ناجي الغزي

بعد أن وضعت الانتخابات أوزارها وجمعت صناديق الاقتراع وبدأت رحلة العد والفرز وإعلان نتائج الانتخابات بالتقسيط المريح وحسب مزاجية وأداء المفوضية المتعثر وأعذارها غير المبررة, والتي جاءت تلك النتائج بين مد وجزر حتى بدأت المفوضية كجهة رسمية مخولة بإطلاق العيارات الثقيلة من لعبة شد الحبل بين المتنافسين وتحوليهم الى متصارعين نحو كرسي السلطة الذي يشعر كل طرف هو أولى منه بغيره.

وهذا السلوك غير المهني الذي مارسته المفوضية  تركت تداعياته السريعة على الكتل السياسية المتنافسة وجعلها تصرح هي الأخرى تصريحات غير منضبطة أثرت سلبا على تطلعات الناخب العراقي وبددت أحلامه البنفسجية قبل أن يجف الحبر فيها.

وبعض النتائج كانت مفاجئة للكثير من المراقبين لبعض القوى السياسية خارج وداخل السلطة وتقارب نسبة الأصوات بين الكتل السياسية وتساويها في بعض الأحيان, وتأخير إعلان النتائج الأولية في موعدها المحدد كما أدعت المفوضية والتصريحات غير المسئولة من قبل أعضاء المفوضية وتأثير التصريحات والإشاعات المغرضة التي أطقتها بعض وسائل الإعلام التي انتزعتها من بعض شخصيات الكيانات السياسية جعل المفوضية تفقد مصداقيتها في الشارع العراقي ولدى المراقب السياسي للشأن العراقي.

والإشكالية التي حدثت لنتائج الانتخابات هو بالتقدم المفاجئ للكتلة العراقية على بقية الكتل السياسية في نينوى وكركوك وبروزها بقوة في بغداد علما أن أغلب آراء المراقبين حول نسبة الأصوات للقائمة العراقية لا تتعدى هذا الحجم من الأصوات. بسبب غياب دورها في الشارع العراقي طيلة السنوات الخمسة الماضية وغياب الدكتور أياد علاوي الدائم عن قبة البرلمان والتساؤلات التي كانت تثار حول تشظي القائمة العراقية. وحضور بقية الكتل السياسية في المشهد السياسي اليومي بحكم وجودهم على هرم السلطة وتصديها للعمل السياسي والخدمي والأمني .

والاستفهام هنا لم يأتي من كيان واحد بل جاء من كيانات متعددة وكذلك اعتراض بقية الكتل السياسية على نتائج الانتخابات تبعاً للأرقام التي تحتفظ بها تلك الكيانات السياسية عن طريق وكلائها المراقبين والتي حصلت عليها نتيجة العد والفرز اليدوي الذي حدث في المراكز والمحطات الانتخابية للمحافظات العراقية.

مما دعا رئيس الوزراء باعتباره رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة والمكلف بحماية العملية الانتخابية بأمر المفوضية بإعادة العد والفرز يدوياً بالمناطق المشكوك فيها. وكذلك جاءت مطالبة رئيس الجمهورية بنفس الطلب وقوى سياسية أخرى ككتلة وحدة العراق على لسان رئيسها السيد جواد البولاني. ولكن إصرار المفوضية وتبريراتها غير المنطقية في قبول نتائج الانتخابات بشكلها الحالي دون أي اعتبار لتلك النداءات. والقبول بنتائج الأمر الواقع كما  قبلت في ذلك شعوب أخرى كإيران وأفغانستان أمر يدعا للريبة والشك لان الأمر لا يكلف المفوضية سوى يوم أو يومين وهنا الحديث أعادة بعض المراكز في المحافظات المشكوك بها.  لتثبت للشعب العراقي مدى المصداقية والشفافية والمهنية والحيادية التي تتمتع بها ووقوفها بمسافة واحدة من كل القوى السياسية دون استثناء. وكذلك الحفاظ على المنجز الديمقراطي المهم في العراق الجديد لكون الانتخابات تشكل مفصل مهم في رسم الخاريطة السياسية للدولة العراقية.

وقد طالبت الحكومة العراقية على لسان الناطق الرسمي د. علي الدباغ الثلاثاء مفوضية الانتخابات بعدم التسرع في إعلان النتائج النهائية للانتخابات لحين أعادة فرز بعض الأصوات يدويا، وأكدت النائبة صفية السهيل  أن مطلب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بإعادة الفرز يدويا هو مطلب رسمي، وبين الدباغ  أن اجتماعات تجري مع الأمم المتحدة والسفارة الأميركية من أجل إيجاد آلية عمل للخروج من تلك الأزمة.

 كما أكد إن "الحكومة لن تتراجع عن مطلب العد اليدوي لأنه ضروري لإطفاء حالة القلق لدى بعض الكتل السياسية" وقد اكتفى بالقول "حينها سيكون لكل حادث حديث". بينما تعارض كتلة علاوي أعادة العد وتعتبر الموقف بيد الأمم المتحدة. وحمل وزير العلوم والتكنولوجيا رائد فهمي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مسؤولية الخلل الذي شهدته العملية الانتخابية في الداخل والخارج والمفوضية لم تكن موفقة في معالجة الخروقات التي حصلت أثناء الانتخابات ولم يتم إعلانها رغم تشخيصها. كما أنها غير قادرة على مواجهة التحديات التي أحاطت بها . وكان من المفترض عليها أن ترفع صوتها وتعلم الرأي العام بتلك الخروقات".

بينما صرح فرج الحيدري في مؤتمر صحافي يوم الأحد الماضي21/3 أن المفوضية لا يمكن أن تعمل على إعادة عمليات العد والفرز في محافظة كاملة بسبب شكوك بعض الكيانات السياسية بالنتائج الجزئية للانتخابات في محطة واحدة واعتبر " إن إجراء الفرز والعد اليدوي لاستمارات الانتخابات ضربا من المستحيل" ولا يمكن أن يجري ذلك، مبينا أن من حق جميع الكتل السياسي الشعور بالقلق بسبب شدة التنافس بين المرشحين. واعتبر الحيدري إن عمل المفوضية سينتهي رسميا مع إعلان النتائج يوم الجمعة، ومن يريد إعادة الفرز يدويا عليه السعي لإعادة الانتخابات برمتها.

 وقد نشرت صحيفة العالم العراقية أن المفوضية ضبطت 39 من موظفيها يقومون بالتلاعب بنتائج الانتخابات وإدخال معلومات خاطئة الى أجهزة الكومبيوتر. وإن الموظفين ضبطوا وهم يقومون بالتلاعب لصالح ثلاث كتل سياسية، دون إن يتم الإعلان حتى الآن عن أسماء هذه الكتل. وبهذه الحالة تدخل نتائج الفرز في إشكالية جديدة تزيد من الإدانات التي تواجه المفوضية في طريقة فرز الأصوات، ودقة النتائج التي أعلنتها.

وفي ظل تلك الاتهامات من كل الأطراف وبين الشد والتوتر يعيش الشارع العراقي حالة من حبس الأنفاس وبترقب محفوف بالقلق لنتائج الانتخابات ما تحل دونها من تداعيات أمام الخاسر أن وجد خاسر لأنني أستبعد ذلك, لان التوافقات والتحالفات السياسية والمادة 76 من الدستور العراقي لا تجعل قيمة للثورة البنفسجية ولا طعم للفوز بأغلبية. لان كل الفائزين صغاراً وكباراً سيدخلون في تشكيل الحكومة التنفيذية والتشريعية, تحت مسمى جديد حكومة شراكة وطنية وهي لا تختلف عن سابقتها إلا ببعض الأسماء و الوجوه قليلا. لان أغلب القوى السياسية لا تؤمن المعارضة كمفهوم عملي داخل قبة البرلمان ولا تؤمن بالعمل السياسي خارج أطار السلطة التنفيذية ولا تحترم بقية السلطات ولا تعرف ماهيتها ولا قيمتها. علماً أن سلطة البرلمان هي أعلى من السلطة التنفيذية في العرف السياسي الذي لا مكان له في عالم السياسة العراقية, لان البرلمان جهة مشرعة لكل القوانين ومراقبة على أداء الحكومة.

 ويبدو صورة الشرطي الذي يفرض على الناس السير بمحاذاة الرصيف عالقة في أذهان أغلب القوى السياسية بالفطرة وصعب التحرر منها.

وستعلن المفوضية غدا الجمعة النتائج النهائية، بعد انتظار طال أكثر من ثلاثة أسابيع من إجرائها وهناك توقعات من قبل بعض المراقبين قد تؤدي رفض قائمة دولة القانون للنتائج التي ستعلنها المفوضية الى إقحام البلاد بأزمة سياسية حادة. والكثير يعرب عن قلقهم من احتمال وقوع أعمال عنف قد تنجم عن التوتر السياسي جراء إعلان النتائج. كما حذرت أوساط سياسية عربية وأمريكية بأن السلطة في العراق لم تشهد انتقالا سلميا. وهذا خلاف للواقع لان هناك أكثر من صمام أمان يحكم انتقال السطة بشكل سلمي ولكن التشويش الإعلامي يقلب الحقائق ويثير الأمور على كل الأطراف.

وعلى القوى السياسية اللجوء الى حل خلافاتها بصورة حضارية وبشكل سلمي, وعبر آليات الحوار بعيدا عن الأعمال التي تزيد من حدة الاحتقانات والتوترات بين كل الأطراف المتنافسة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/آذار/2010 - 11/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م