أهمية تحشيد الطاقات لتحقيق الأهداف الإستراتيجية

رؤى من افكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ: الأهداف الكبيرة التي تتوقف عليها مصائر الامم والشعوب، تتطلب تآزرا بين جميع الطاقات الفردية والجماعية وتحشيدها باتجاه واحد يصب في تحقيق الهدف المخطَّط له، وكلما وقفت الجهود بعضها الى جانب بعض يمكن أن يتحقق الهدف على نحو أسرع، والعكس يصح، بمعنى ليس سليما أن يكون ثمة تفريط بأية نسبة كانت في تجميع الطاقات وتوظيفها بالسبل الصحيحة للوصول الى الهدف المبتغى لاسيما الأهداف المصيرية التي تتعلق بحياة عموم الناس ومصائرهم.

ولعل الاهداف المهمة او البالغة الاهمية هي التي تأخذ طابعا جمعيا فتكون فائدتها عامة شاملة كما أن التفريط بها او إهمالها يقود الى أضرار جمعية فادحة، ولذلك ينبغي أن تكون المشاركة كبيرة وفعالة في آن، وأن يتنبّه المعنيون على عدم تسرّب الطاقات في هذا الاتجاه او ذاك لأن هذا يعني فقدان قسما من هذا الطاقات ما يعني تعثر الوصول الى الهدف علة نحو أسرع وأدقّ، يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه النفيس الموسوم بـ (الى العالَم) الذي صدر اخيرا في طبعته الاولى حول هذا الموضوع:

يجب (أن تصب كل النشاطات في هذا الهدف والطريق الموصل إليه، ولا يلتفت الانسان الى اليمين والشمال اطلاقا، لأن الإلتفات يوجب صرف بعض النشاط في غير الهدف).

وهذا يعني تعاضد الطاقات وعدم تشتيتها في اتجاهات مختلفة مما يقود الى تعدد المسارات وبالتالي تعطيل الوصول الى الهدف المطلوب في الوقت المناسب او المخطَّط له سلفا.

وهنا تظهر لدينا مسألة المفاضلة بين الهدف المهم والهدف الأهم، فثمة اهداف فردية وجماعية مهمة لكن الأهداف الأهم ينبغي أن تتصدر القائمة التي يعمل الانسان او المجتمع على تحقيقها على أن لا ينسى الاهداف المهمة التي ستأتي في المرحلة الثانية، وفي هذا الصدد يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه نفسه:

(إن الهدف يحتاج الى جمع جميع الطاقات لا تشتتها، وعلى الأقل يكون الامر من باب –الأهم ثم المهم-، ومن المعلوم أن العاقل لا يصرف طاقته في المهم اذا دار الامر بينه وبين الأهم).

وهكذا نلاحظ تركيز الشخصيات القيادية العظيمة على تحقيق الهدف الأهم بصورة مباشرة وعدم تضييع الفرص والطاقات على نحو جانبي، لذا تتصف مثل هذه الشخصيات بالحركية حيث يصفهم الامام الشيرازي (رحمه الله) بالمتحركين الهادفين الذين يحققون أهداف أممهم ومجتمعاتهم على نحو ادق واسرع في الرفعة والسمو والموازنة بين متطلبات الحياة الدنيا والآخرة، فيقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:

(لذا نجد المتحركين الهادفين، سواءً كانوا دينيّين كالانبياء والاوصياء -ع- أم زمنيين- يقصدون الهدف ولم يصرفوا وقتهم إلا في ذلك، مثلا النبي –ص- لم يصرف شيئا من نشاطه في مكة المكرمة إلا في هدف تركيز لواء الاسلام، ولم يعمل حتى لبناء مسجد واحد للمسلمين ولا مكان لتجمع المؤمنينن بل كان تجمعهم إما في دار هذا، أو المسجد الحرام أيام الحج).

وهذا ما يؤكد أهمية الكشف المسبق للهدف والتخطيط له وفق خطوات مدروسة تقود إليه كنتيجة منطقية للتآزر بين الطاقات المختلفة وحصرها باتجاه واحدن ولا ينحصر هذا الشيء في القادة الدينيين بل للقادة الزمنيين دورهم الهام في هذا المجال وسعيهم المبرمج سلفا سعيا الى الهدف الأهم، ويضرب لنا الامام الشيرازي (رحمه الله) مثلا في كتابه (الى العالَم) عن القادة الزمنيين قائلا:

(ومن أمثلة الزمنيين –غاندي- فإنه حين كانت الحركة التحررية كان جل جهد ينصب في هذه الحركة، وكانت تجمعات حزب المؤتمر إما في البيوت او الصحاري او المؤسسات الموجودة سابقا، وهكذا كان حال الحركيين في استقلال ايران والعراق وجنوب افريقيا وغيرها).

لذا فإن الوصول الى الهدف الاهم يتطلب تركيزا استثنائيا من القادة بمختلف توجهاتهم ويتطلب حصر الجهود باتجاه واحد يقود مباشرة الى الهدف المبتغى، إذ يؤكد الامام الشيرازي أهمية ذلك فيقول في كتابه (الى العالم):

(لا يخفى أن التخلص من الامور الجزئية أو الوقتية، الى الامور الكلية والهدفية، بحاجة الى تعقّل كاف ونفس كبيرة قادرة على تجاوز الجانبيات).

إذن ثمة ترابط بين سرعة تحقيق الاهداف ودقتها ودرجة أهميتها وبين تحشيد الطاقات المؤدية الى ذلك الهدف، على أن تتوافر شخصية قيادية تتمتع بالسمات القيادية المتفردة التي تساعد الامة على تحقيق ما تصبو إليه من خلال الرؤية التي تركز على شحذ الهمم والطاقات جميعا وتصبها في طريق واحد يقود الامة الى هدفها الأهم مباشرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/آذار/2010 - 6/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م